حذف أصفار الليرة السورية.. ضرورة سياسية أم فوائد اقتصادية؟

"تحويل عشرة آلاف ليرة إلى مئة ليرة جديدة لا يغير القيمة الحقيقية للنقود، لكنه يسهل العمليات الحسابية"
يشكل استبدال العملة السورية "الليرة" ضرورة للإدارة السورية الجديدة في بلد يتلمس طريق النهوض من جديد.
وبما أن العملة هي أحد الملامح الأساسية لهوية البلد، فإن إصلاح القطاع المالي والمصرفي المتهاوي منذ 14 عاما يستدعي استبدال العملة، بحسب مراقبين.
وفي محاولة لاستعادة الثقة في الليرة التي انخفضت قيمتها بشدة بالسنوات الأخيرة، أكد حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر الحصرية، أن إصدار عملة سورية جديدة يعد جزءا أساسيا من خطة الإصلاح المالي والنقدي، مشيرا إلى أن الخطوة ما زالت قيد الدراسة وأنها تتطلب تحضيرات لوجستية واسعة.
وأوضح الحصرية في تصريحات لقناة "العربية" السعودية في 23 أغسطس/ آب 2025 أن المصرف المركزي شكل لجانا متخصصة تضم ممثلين عن المصارف العامة والخاصة والمصرف المركزي لدراسة احتياجات تغيير العملة ومتطلباتها.
وأشار إلى أن العملة الجديدة ستكون رمزا للسيادة المالية، مؤكدا أن الخطوة تأتي في إطار بناء "جمهورية جديدة" بعد مرحلة التحرير السياسي، وأن العملة الجديدة ستمثل "علامة على الحرية والسيادة الوطنية".

حذف الأصفار
وبشأن مسألة حذف صفرين من العملة الحالية، أوضح الحصرية أن الأمر مطروح ضمن خطة التغيير وأنه قيد الدراسة، مبينا أن حذف الأصفار إجراء معمول به في نحو 70 دولة حول العالم بهدف تسهيل المعاملات المالية اليومية وتقليل حجم الكتلة النقدية المتداولة.
وقد كشفت سبعة مصادر ووثائق اطلعت عليها وكالة رويترز أن سوريا ستصدر أوراقا نقدية جديدة وتحذف صفرين من عملتها.
وتهدف الخطوة إلى تعزيز الليرة السورية بعد انهيار قوتها الشرائية إلى مستويات لم يسبق لها مثيل عقب اندلاع الثورة في مارس 2011 وانتهت بالإطاحة ببشار الأسد في الثامن من ديسمبر 2024.
وبحسب تقرير لرويترز نشر في 23 أغسطس 2025، فقد أبلغ مصرف سوريا المركزي البنوك الخاصة في منتصف الشهر المذكور بأنه يعتزم إصدار عملة جديدة مع "حذف أصفار"، في محاولة لتسهيل المعاملات وتحسين الاستقرار النقدي.
وألمح الحصرية إلى أن الإصلاحات الاقتصادية الجارية، إلى جانب تحرير التجارة الخارجية جزئيا، أسهمت في تحسين سعر صرف الليرة السورية واستقرارها بنسبة تقارب 35 بالمئة منذ بداية الإصلاحات.
فقدت الليرة السورية أكثر من 99 بالمئة من قيمتها منذ اندلاع الثورة عام 2011، ووصل سعر الصرف الآن إلى حوالي 10 آلاف ليرة مقابل الدولار مقارنة مع 50 ليرة قبل العام المذكور.
وتسبب الانخفاض الحاد في قيمة العملة في زيادة صعوبة المعاملات اليومية والتحويلات المالية، فضلا عن انتشار العملة المزورة.
وعادة ما تحمل الأسر وهي تشتري احتياجاتها النقود في أكياس بلاستيكية سوداء تحتوي على نصف كيلوغرام على الأقل من الأوراق النقدية من فئة خمسة آلاف ليرة، وهي أعلى فئة حاليا.
وتشير تقارير صحفية إلى أن الحكومة السورية اختارت يوم 8 ديسمبر 2025 كموعد لاستبدال العملة السورية، في إشارة إلى الذكرى السنوية الأولى لسقوط حكم بشار الأسد وهروبه إلى موسكو مع تقدم المعارضة نحو دمشق.
وفي حال استبدال العملة السورية بورق جديد فإن المواطن السوري لم يعد يرى صورة بشار الأسد المخلوع والتي كانت مطبوعة على فئة الـ 2000 ليرة. بينما تحمل الورقة الخضراء من فئة 1000 ليرة صورة والده حافظ الأسد.
وقال مصرفيان ومصدر سوري آخر مطلع على الأمر لرويترز: إن سوريا اتفقت مع شركة جوزناك الروسية الحكومية لطباعة النقود على إصدار الأوراق النقدية الجديدة، وذلك خلال زيارة وفد سوري رفيع المستوى لموسكو أواخر يوليو 2025.
ويقدر خبراء سوريون أن كلفة طباعة العملة السورية الجديدة تتجاوز 200 إلى 300 مليون دولار.
إن أحد العوامل وراء خطة إصلاح العملة هو القلق بشأن تداول ما يُقدر بنحو 40 تريليون ليرة سورية خارج النظام المالي الرسمي.
ومن شأن إصدار أوراق نقدية جديدة تحسين رقابة الحكومة على النقد المتداول.
وقال مديران في بنكين تجاريين لرويترز: إن المصرف المركزي وجه البنوك للتأهب لإصدار الأوراق الجديدة بحلول منتصف أكتوبر 2025.
وأكد مسؤولون سوريون في البنوك التجارية لوكالة رويترز أنهم تلقوا إخطارا بأن فترة انتقالية مدتها 12 شهرا ستسمح بتداول الأوراق النقدية القديمة والجديدة حتى الثامن من ديسمبر 2026.

فوائد الاستبدال
وينظر كثير من الخبراء إلى أنه في عملية استبدال العملة السورية يمكن لسوريا أن تصدر فئات أعلى من العملة نفسها، مثل أوراق نقدية من فئة 20 ألف ليرة أو 50 ألف ليرة.
وهو ما من شأنه أن يحقق أهدافا مماثلة من حيث تسهيل التعامل مع النقد وتخزينه، مع تجنب التكلفة الكبيرة لإصلاح العملة بالكامل، والتي قد تصل إلى مئات الملايين من الدولارات.
وخاصة أن الوضع قلق للعملة الحالية بسوق الصرف من جهة اكتنازها في أماكن مجهولة من أزلام نظام الأسد المخلوع، ما يعني أن الاستبدال بعملة جديدة يقود إلى استقرار الليرة.
وقد حدد حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية، 3 مراحل لإصدارها، قائلا: "المرحلة الأولى سيتم تداولها بشكل تدريجي إلى جانب الفئات الحالية، دون أن يؤدي ذلك إلى سحب أو إلغاء أي فئات متداولة حاليا".
و"في المرحلة الثانية يبدأ التبديل، بينما يصبح التبديل في المرحلة الثالثة حصرا عن طريق مصرف سوري المركزي"، وفق ما نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" عن الحصرية في 23 أغسطس 2025.
وفيما يتعلق بميزات العملة الجديدة، قال الحصرية: إنها تتميز بـ"بمواصفات فنية عالية وتقنيات حديثة مضادة للتزوير، ما يسهم في تعزيز الثقة بالعملة الوطنية وحماية حقوق المتعاملين".
وضمن هذا السياق أكد المستشار الأول في وزارة الاقتصاد والصناعة السورية، أسامة القاضي، لـ "الاستقلال"، أن "استبدال العملة السورية يوقف ثلاث مسائل ضارة في سوريا المضاربة وغسيل الأموال وعمليات التزوير، علاوة على توفير سيولة كافية لدى المصارف السورية مما يدفع لطباعة كميات كبيرة من الليرة الجديدة".
وأضاف القاضي"لا يمكن أن يكون هناك استقرار نقدي بدون نمو اقتصادي وتنمية واستثمارات كبيرة لأنها تأتي حزمة واحدة حيث إن الاستبدسورياال النقدي يترافق مع دوران عجلة النمو الاقتصادي".
وأشار القاضي، إلى ضرورة أن "يكون اتباع للتبادل الإسمي لليرة السورية وبما يعادلها من دولار والتدخل الدائم من المصرف المركزي في قيمة العملة وأن يكون هناك اتفاق مع إحدى الدول الشقيقة لوضع ودائع في البنك المركزي ليكون هناك ملائة مالية جاهزة".
ولفت القاضي إلى أنه "كان هناك فكرة في سوريا أن تتم طباعة فئة واحدة مبدئيا إلى أن يتم الوصول إلى السعر العادل للعملة السورية؛ إلا أنه بعد دراسات للمصرف المركزي السوري وجدوا أن استبدال كامل العملة وحذف صفرين من العملة النقدية هو الأفضل مما يساهم في الاستقرار النقدي وتوفير السيولة".
واستدرك القاضي، إنه "لحين طباعة العملة الجديدة ينبغي تهيئة البنية المصرفية وتعزيز الثقة فيها من خلال زيادة إمكانية السحب المالي اليومي بأرقام أعلى للمواطن".
ولفت القاضي إلى "ضرورة توفير البطاقات البنكية وماكينة الدفع بالبطاقة قبل موعد استبدال العملة المقرر في 8 ديسمبر 2025، في جميع المحال والمطاعم والفنادق لتقليل الاعتماد على النقود، علاوة على توفير ماكينات سحب وإيداع حديثة وإمكانية استبدال فئة الـ 10 آلاف بـ مئة ليرة بعد حذف صفرين".

"تحسين العمليات الحسابية"
إن حذف صفرين من العملة السورية هو إجراء يتعلق وفق الخبراء إلى تحسين القيمة الإسمية للعملة، ولا علاقة له بتحسن القوة الشرائية، بل يهدف في نهاية المطاف لتسهيل المعاملات المالية اليومية وتقليل حجم الكتلة النقدية المتداولة وتعزيز التعافي الاقتصادي بشكل تدريجي.
إضافة إلى تبسيط المعاملات اليومية والأعباء الناتجة عن حجم الأوراق المتداولة، وكذلك تخفيف الأخطاء الناتجة عن العمليات الحسابية بسبب وجود الأصفار، علاوة على استعادة الثقة بالليرة السورية.
وهناك يشير الخبير الاقتصادي والمصرفي، إبراهيم قوشجي، إلى أن "تحويل عشرة آلاف ليرة إلى مئة ليرة جديدة لا يغير القيمة الحقيقية للنقود، لكنه يسهل العمليات الحسابية، ويحد من الأخطاء في الفوترة والمحاسبة والتسعير في المؤسسات العامة والخاصة".
وأضاف قوشجي قائلا لوكالة الأنباء السورية "سانا"، إن "إدخال فئات نقدية صغيرة يسهم في إعادة التوازن إلى هيكل العملة، وتسهيل التسعير الدقيق للسلع والخدمات.
وراح يقول "في حال تقرر حذف صرفين من العملة السورية فإن هناك ضرورة لإعادة تسعير دقيقة للسلع والخدمات وتحديث جداول الرواتب لضمان حماية القوة الشرائية للطبقات الهشة".
وأردف "كذلك سن قوانين تكفل الحفاظ على قيمة الديون والأوراق المالية بعد التغيير، وضبط العلاقة بين أسعار المنتجات والليرة الجديدة وسعر صرف الدولار في السوق الرسمية والموازية لضمان استقرار السوق النقدي".
وختم بالقول قوشجي: "إن حذف صفرين من العملة السورية خطوة إستراتيجية نحو إصلاح نقدي شامل، تسهم في تعزيز كفاءة النظام النقدي واستعادة الثقة بالليرة، وتحفيز النمو الاقتصادي".
أن حذف الأصفار ليس سوى أداة يمكن أن تدعم الإصلاح الاقتصادي إذا استُخدمت ضمن برنامج متكامل بسوريا، وإلا ستصبح مجرد رقم إضافي في سجل الأزمات إذا استُخدمت منفردة، وفق المراقبين.
وكانت تركيا حذفت ستة أصفار من الليرة التركية عام 2005، وهي تجربة أسهمت في استقرار العملة وتحسين الثقة بها.
بينما مشروع حذف ثلاثة أصفار من الدينار العراقي طُرح منذ عام 2010، لكنه لم يُنفذ.
ومع ذلك، فإن هناك تساؤلات بشأن ما إذا كان هناك إطار تنظيمي واضح أو خطة للتطبيق الكامل على مستوى في عملية إعادة تقييم العملة نظرا لتفاوت سيطرة الحكومة السورية على مناطق البلاد، حيث ما تزال قوات سوريا الديمقراطية "قسد" تسيطر على مساحات كبيرة في محافظات (الحسكة - الرقة - ديرالزور).
كما أن التوتر ما يزال قائما في محافظة السويداء جنوب سوريا ذات الغالبية الدرزية التي تغيب عنها المؤسسات الحكومية؛ وسط مطالبات محلية بالانفصال يقودها رئيس الهيئة الروحية للطائفة الدرزية في المحافظة، الشيخ حكمت الهجري الذي طلب من إسرائيل حماية الأقلية واستجابت له.
إضافة إلى أن عملية حذف صفرين من العملة السورية يمكن أن تحمل آثارا إيجابية تسهم في تعزيز الثقة بالليرة الوطنية وتسهيل التعاملات المالية والمحاسبية، لكنها لن تحقق أثرا حقيقيا ما لم تترافق بإصلاح اقتصادي ونقدي متكامل.