رسائل سلبية.. لماذا غضب المغاربة من زيارة أخنوش سواحل إيطاليا؟

"لا يمكن فصل هذه الخطوة عن السياق العام الذي يعيشه المغرب"
جدل واسع في المغرب أثاره رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش إثر قضاء عطلته الصيفية في جزيرة سردينيا الإيطالية، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي المتردي في المملكة وارتفاع الأسعار ومعدلات البطالة.
وأظهر مقطع مصوّر مسرب في 8 أغسطس/ آب 2025، أخنوش برفقة أفراد من أسرته داخل مطعم شهير بالجزيرة التي تُعد من أبرز الوجهات الراقية في البحر الأبيض المتوسط.
وتحدّثت وسائل إعلام محلية أن الوصول إلى المطعم جرى عبر قارب خدمة خاص، فيما تناول وجبة غذاء بلغت قيمتها حوالي 3 آلاف يورو، مع تركه بقشيشا للنادلة قدر بـ200 يورو، وهي تفاصيل أسهمت في اتساع تداول الخبر على المنصات الاجتماعية.

انفصال رمزي
يؤكد الناشط السياسي محمد الطاهر أن "أي مسؤول، مهما كانت مكانته، يحتاج إلى فترة من الراحة بعيدا عن ضغوط العمل، وليس هناك ما يمنع أن تكون هذه الإجازة خارج الوطن".
وقال الطاهر لـ"الاستقلال": إن "اختيار جزيرة سردينيا، قد يكون نابعا من رغبة طبيعية في الابتعاد عن روتين المسؤولية والتمتع ببعض الخصوصية".
واستدرك: "مع ذلك، لا يمكن فصل هذه الخطوة عن السياق العام الذي يعيشه المغرب؛ حيث تواجه فئات واسعة من المواطنين تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة، خصوصا في فصل الصيف الذي يشهد تفاقم أزمات مثل الغلاء والجفاف".
ورأى أنه "في ظلّ هذا الواقع، قد يُنظر إلى مثل هذه الإجازات الباذخة كنوع من الانفصال الرمزي عن هموم الناس، حتى وإن كانت مشروعة على المستوى الشخصي".
وشدَّد على أنه "كان من الممكن، في المقابل، أن تُستثمر هذه اللحظات في إرسال رسائل تضامن غير مباشرة، سواء من خلال دعم السياحة الداخلية أو عبر مبادرات تُظهر تواصلا إنسانيا ورمزيا مع المواطنين في ظرف دقيق كهذا".
ويرجع نائب رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، عمر أربيب، الانتقادات إلى التناقضات التي تورط فيها أخنوش خلال ولايته الحكومية، هو وعدد من المسؤولين بمن فيهم وزيرة السياحة الحالية فاطمة الزهراء عمور.
وقال أربيب لصحيفة "صوت المغرب" في 9 أغسطس: إنه "في الوقت الذي يطالب فيه المسؤولون بدعم السياحة الداخلية، لا يعكس السلوك العملي لرئيس الحكومة هذه التصريحات على أرض الواقع".
ويرى أن "هذا الجدل سببه أن المغاربة يريدون أن يروا رئيس حكومة بلادهم في نفس الوقت يسهر على أن تكون السياحة في المغرب بخدمات جيدة وأثمان معقولة".
ودعا أربيب أخنوش إلى "المقارنة بين ما يلقاه في تلك البلدان مع الأوضاع التي يعيشها المغرب عند العودة".
وقال: "قارن أنت يا رئيس الحكومة نوعية الخدمات التي تقدم لك هناك، مع التي تقدمونها أنتم للسائح أو للمهاجرين المغاربة الذين يأتون لزيارة وطنهم".
وشدّد أربيب على أن رئيس الحكومة "مطالب بأن ينظر للوضع السياحي في المغرب، ويقدم حلولا للإشكالات الحقيقية المرتبطة بالغلاء وسوء الخدمات، بما فيها ما يقدم لفائدة المهاجرين".
أزمة سياحة
وقال المدون هشام الأحرش: إن "من حق أخنوش أن يقضي عطلته خارج المغرب، سواء في سيردينيا أو جورجيا، أو حتى في القطب الشمالي".
واستدرك في تدوينة عبر فيسبوك في 8 أغسطس: "ليس من حق أخنوش رئيس مجلس (بلدية) مدينة أكادير، أن يقضي عطلته خارج أرض الوطن ونحن نسمع صيحات الفاعلين في القطاع السياحي بعاصمة الجنوب، وهم يؤكدون أن المدينة تعيش أسوأ موسم لها منذ سنوات".
وأشار إلى أن "من حق أخنوش الرجل الذي زاده الله بسطة في المال أن ينفق 3 آلاف يورو في وجبة غذاء واحدة على شواطئ سردينيا؛ مستمتعا وعائلته الكريمة بأجواء إيطاليا الساحرة".
واستطرد الأحرش: "لكن ليس من حق رئيس الحكومة والآمر بصرف ميزانيتها أن ينفق كل ذلك المبلغ خارج بلاد تستجدي القروض من الخارج، وتعلن كل سنة عن برنامج (مرحبا)، لدعوة الجالية لقضاء عطلتها في بلدها الام".
ويرى أنه "من حق عزيز أن يخفي وجهه بقبعته؛ وهو يهرب من كاميرات تحاول أن توثق لحظة هروبه إلى الخارج، لكن ليس من حقه أن يخرج لكي يقول لنا إن المغرب حقق قفزة نوعية في عهده؛ وكل الدلائل والمؤشرات تشير إلى أن حكومته هي الأسوأ في تاريخ المغرب".
موقع "نيشان" المحلي أشار إلى أن "هذه الحادثة أثارت لدى أخنوش شعورا بالاستهداف المتعمد، خصوصا أنها وقعت في سياق حساس يتعرض فيه أداؤه الحكومي لانتقادات متصاعدة، وأن اختيار وجهة سياحية خارجية فاخرة يتناقض مع خطابات حكومته التي تشجع السياحة الداخلية".
وذكر في تقرير نشره في 8 أغسطس أن "التسريب أحرج الفريق التواصلي لأخنوش، الذي وجد نفسه أمام معضلة مزدوجة، من جهة محاولة الحد من انتشار الصور، ومن جهة أخرى مواجهة الخطاب الشعبي الذي يرى في قضائه عطلة خارجية فاخرة تناقضا صارخا مع دعواته الرسمية لتشجيع السياحة الداخلية".
وهي واقعة أعادت إلى الأذهان انتقادات مماثلة وجهت سابقة لوزيرة السياحة فاطمة عمور حين قضت عطلة في زنجيبار في عزّ أزمة ركود ضربت القطاع السياحي غداة جائحة كورونا عام 2022.
ورغم الدعوات الرسمية لتعزيز السياحة الداخلية، أثار قضاء كريم زيدان الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالاستثمار وتقييم السياسات العمومية، عطلته الصيفية لعام 2025 في الخارج ردود فعل متباينة.
خاصة أن عطلته جاءت بعد تصريحات أشاد فيها بمدينة السعيدية (شمال) وأوصى بقضاء العطلات في المغرب، ما أظهر الفجوة بين الخطاب الرسمي والسلوك الفعلي للمسؤولين بشأن تشجيع السياحة الوطنية.
وتواجه السياحة الداخلية في المغرب تحديات كبيرة نتيجة الارتفاع الملحوظ في الأسعار، ما أدّى إلى تراجع إقبال المواطنين على السفر داخل البلاد، وأثّر سلبا على مختلف القطاعات السياحية، خاصة في مدن مثل أكادير التي تعاني من اختلالات في تدبير الشأن السياحي المحلي.
وفي هذا السياق، يطالب المواطنون والسياسيون الحكومة باتخاذ تدابير عاجلة للحدّ من غلاء الأسعار، ودعم المستثمرين المحليين، والارتقاء بجودة الخدمات السياحية، كما يشددون على أهمية أن يقدم كبار المسؤولين نماذج إيجابية تعزز الثقة وتدعم السياحة الوطنية.
صرف الأنظار
وبعد ضجّة سردينيا الإيطالية، عمد أنصار أخنوش إلى تداول صورته بشكل لافت وهو يتجول ليلا في إحدى حدائق مدينة أكادير في 18 أغسطس، في محاولة لتحويلها إلى حدث سياسي يُبرز قربه من المواطنين.
ووفق مراقبين، فإن توقيت نشر الصورة لم يكن عفويا، بل جاء في سياق الرد على موجة الانتقادات التي نالت أخنوش في وقت تُشجع فيه حكومته المواطنين على دعم السياحة الوطنية عبر حملات رسمية.
وبدا لكثيرين أن الترويج لصورة تجوال رئيس الحكومة داخل حديقة بمدينة يرأس بلديتها منذ عام 2021، محاولة لصرف الأنظار عن الجدل القائم، أكثر منه حدثا استثنائيا يستحق الإبراز.
وقال الإعلامي رضى الطواجني: "أخنوش رئيس الحكومة ورئيس بلدية أكادير يتجول بمنتزه الانبعاث في أكادير وفرق التواصل روجت بقوة (للحدث) بمواقع التواصل الاجتماعي والصحافة".
وأضاف في تدوينة عبر فيسبوك في 19 أغسطس: "كم كنت أتمنى أن أرى أخنوش يتجول بمستشفى الحسن الثاني ويستمع للمرضى وعائلاتهم وكذلك للأطباء والممرضين حول الظروف المزرية التي يشتغلون فيها".
وأبدى معارضون استغرابهم من غياب أخنوش عن حضور 35 جلسة للبلدية التي يرأسها، وظهوره هذا الصيف في جولة ليلية بحدائق المدينة، وعدوا ما يحصل "سابقة" في تاريخ تدبير الشأن للمدينة.
وقال الناشط السياسي جواد فرجي عن جولة أخنوش السريعة: “الحمد لله والشكر لله رئيس بلديتنا قام في دقائق معدودة بزيارة تفقدية لإحدى حدائق أكادير الأكثر أمانا ورمزية، بعد أن غاب عن 35 جلسة من جلسات مجلس المدينة والتي يترأسها وحضر 6 دورات فقط.. ونحن على مشارف نهاية الولاية”.
ونبَّه فرجي، خلال تصريحات صحفية في 20 أغسطس إلى أن “الجميل في الموضوع هو تجنيد صحافتنا المحلية الرائعة-المهنية لتبجيل هذه الزيارة، ووضعها في واجهة الأحداث الحبلى بكوارث تدبير موسم الاصطياف والنظافة والسير وفوضى الملك العمومي.”.