جيش منفصل قائده "الهجري".. لحماية دروز سوريا أم إسرائيل؟

إسماعيل يوسف | منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

منذ القصف الإسرائيلي لقوات الحكومة السورية ومنعها من دخول محافظة السويداء جنوب سوريا، ذات الأغلبية الدرزية والدعوات التي يقودها تحديدا حكمت الهجري لا تتوقف للانفصال عن سوريا.

الجديد هو نشر عدد من الفصائل الانفصالية المسلحة في السويداء بيانات، في 23 أغسطس/آب 2025، عن اندماجها ضمن "جيش موحد"، وتشكيل ما يُسمى "الحرس الوطني" ويقودها الهجري الموالي لإسرائيل.

ثم دعوة الهجري، في 25 أغسطس، دول العالم للوقوف إلى جانب الطائفة الدرزية لإعلان "إقليم منفصل إلى أبد الآبدين"، بدعوى "حمايتنا بعد المحنة الأخيرة، التي كان القصد منها إبادة الطائفة الدرزية"، وفق زعمه.

نوايا انفصالية

قبل إعلان الهجري السعي لإقامة إقليم منفصل للدروز جنوبي سوريا، وشكر إسرائيل وأميركا على الوقوف مع قواته أثناء تمردها على الدولة السورية، جرت سلسلة تطورات تشير إلى نواياهم الانفصالية.

ظهرت نية دروز الهجري المتحالفين مع دروز إسرائيل في الانفصال بالسويداء عبر عقد مؤتمرات تعلن الانفصال التام عن سلطة دمشق وإعلان إسرائيل إنشاء ممر إلى السويداء لجعلها تعتمد عليها معيشيا.

كما تظاهر مئات الدروز التابعين له في 16 أغسطس 2025 وسط السويداء رافعين شعارات على شاكلة "السويداء حرة حرة... الجولاني يطلع برا" و"حق تقرير المصير" و"دخول إسرائيل الآن إلى السويداء" ورفعوا أعلام إسرائيل.

وتزامن هذا مع تسليح إسرائيل قوات الدروز وإشراكهم مع قوات إسرائيلية في قتل سنة ميدانيا في يوليو/ تموز 2025، واعتقال كل من يؤيد حكومة دمشق.

ووقعت اشتباكات في السويداء خلال يوليو 2025 بين الدروز والبدو وتدخلت على إثرها إسرائيل وقصفت الجيش والشرطة السورية وأعلنت حمايتها للدروز.

وفي 14 مارس/ آذار 2025، اجتاز نحو 100 رجل دين درزي سوري خط وقف إطلاق النار في الجولان المحتل، في أول زيارة من نوعها إلى إسرائيل منذ عقود، بدعوة من الهجري وبطلب من زعيم دروز إسرائيل، موفق طريف.

ولم تكن زيارة دينية بحتة كما زعم طريف لاحقا، بل حملت أبعادا سياسية واضحة، إذ أعلن الوفد الدرزي تمرده على حكومة دمشق الجديدة، وأعرب عن طلبه الحماية من إسرائيل. 

والمفارقة أن إعلان دروز ومليشيا الهجري انفصالهم وتشكيل جيش انفصالي، واستمراره في استخدام موقعهم كورقة ضغط وتفاوض مع الاحتلال الإسرائيلي، يأتي في الوقت الذي تجري فيه مفاوضات إسرائيلية سورية، بوساطة أميركية لحسم مصير السويداء وخط الحدود والعودة لخط 1974.

فقد أعلن الرئيس السوري أحمد الشرع، في 24 أغسطس أن الوفدين السوري والإسرائيلي يحققان تقدما في محادثات تطوير الاتفاق الأمني الثنائي.

وقالت القناة 12 الإسرائيلية، في 25 أغسطس: إن الجانبين يقتربان من إبرام الاتفاق نهاية سبتمبر/ أيلول 2025، برعاية واشنطن ودول خليجية، بعد خطاب مرتقب للشرع في الأمم المتحدة، لكن الخارجية السورية نفت ذلك.

وقال الشرع: إن الاتفاق المرتقب يرتكز على العودة إلى خط الفصل بين القوات الإسرائيلية والسورية في مرتفعات الجولان السورية المحتلة والذي تم تحديده عام 1974.

ولأول مرة منذ عقود، التقى وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر بحضور المبعوث الأميركي إلى سوريا توم باراك بالعاصمة باريس، في 20 أغسطس، بهدف خفض التصعيد. وفق وكالة الأنباء الفرنسية.

تبريرات واهية

برر الهجري الدعوة إلى "دعم دولي من أجل انفصال السويداء عن سوريا"، بما أسماه "المحنة الأخيرة التي كان القصد منها إبادة الطائفة الدرزية".

ورغم أن هذه المحنة التي يتحدث عنها كانت اشتباكات بين قواته الدرزية والقبائل والعشائر السنية في السويداء وقتل فيها العديد من السنة أكثر من الدروز وتدخلت إسرائيل لقصف الجيش والشرطة، إلا أنه لعب على خطاب المظلومية.

وقال في فيديو انتشر على منصات التواصل الاجتماعي: "نطلب من العالم والدول الحرة أن تقف بجانب الطائفة الدرزية لإعلان إقليم منفصل لحمايتنا لأبد الآبدين".

ووجه الشكر للدول التي وقفت لحماية الطائفة الدرزية، وعلى رأسها إسرائيل والولايات المتحدة، وفق قوله.

ويرى محللون سوريون أن مشكلة الهجري أنه لا يدرك أن الولايات المتحدة وأوروبا يرفضون حاليا فكرة الانفصال أو تفتيت الدولة السورية، ويفكر بعقل صغير وطائفي حين يدعو للانفصال.

لكن فريقا آخر يرى أن الموقف الأميركي مائع ويتماهى مع مصالح إسرائيل كما يحدث في قطاع غزة ومناطق عدة بالعالم، بسبب العقلية اليمينية المتطرفة المسيطرة في واشنطن وكيان الاحتلال على السواء

ومن ثم لا يستبعدون أن تدعم واشنطن انفصال الدروز طالما هو مصلحة إسرائيلية، أو تجميد الوضع مثل "لبنان الجنوبي" و"جيش لحد"، دون اعتراف أو تعامل رسمي مع هذا الأمر.

وكان الرئيس السوري الشرع قال في جلسة حوارية بحضور عدد من الوزراء، مع أكاديميين وسياسيين وأعضاء من النقابات المهنية والوجهاء بمحافظة إدلب في 17 أغسطس، إن "من يطالب بالتقسيم في سوريا عنده جهل سياسي، وحالم".

وبشر ضمنا بنهاية للهجري مماثلة لأنطوان لحد، بقوله: "كثير من الأحيان الأفكار الحالمة تؤدي بأصحابها إلى الانتحار".

والهجري هو أحد ثلاثة مراجع دينية في السويداء، أبرزهم يوسف جربوع، أحد شيوخ مشيخة عقل المسلمين الموحدين الدروز وهو مؤيد للاندماج في سوريا ويرفض الانفصال.

وثالثهم، حمود الحناوي، الذي شن هجوما على حكومة دمشق خلال أحداث يوليو 2025، ويرى أنها "نقضت المواثيق"، ومع ذلك، فهو يعارض الانفصال عن الدولة.

وقد رأى شيخا العقل في السويداء حمود الحناوي ويوسف جربوع أن حكومة دمشق هي "حكومة أمر واقع لكنها لاقت دعما دوليا"، وتعاملت بشكل إيجابي مع مطالب مشايخ العقل، التي تنادي بأن يكون الكادر الأمني والعسكري في السويداء من أبناء المحافظة.

"لحد" الثاني

كان الإعلان عن تدشين "الحرس الوطني (الدرزي) في السويداء"، أو جيش “لحد الثاني”، في 23 أغسطس، بحضور الهجري لافتا؛ إذ تم الإعلان عن ضم قرابة 34 فصيلا عسكريا للدروز في هذا الجيش، خلال بيان التأسيس.

وشدد البيان على اعتبار قوات الحرس الوطني المندمجة هي "المؤسسة العسكرية الرسمية الممثلة للطائفة"، وأن قائدهم هو الهجري وعدها "الممثل الشرعي والمخول بتمثيل الطائفة الدرزية في الجبل"، أي دولة داخل الدولة.

وقبل إعلان هذا الجيش (الحرس الوطني) تزايدت مؤشرات سعى إسرائيل لصنع "جيش لحد" جديد، من عصابات “الهجري” في الجنوب السوري، على غرار جيش الجنرال اللبناني أنطوان لحد في جنوب لبنان الذي انتهي به الأمر للهرب لإسرائيل.

ويقصد بـ"جيش لحد"، جيش لبنان الجنوبي، الذي كان مليشيا لبنانية مسلحة أسسها في البداية الضابط اللبناني سعد حداد عام 1976 أثناء الحرب الأهلية، ثم تولى قيادتها بعده أنطوان حتى حلها عام 1984.

ونشأ هذا الجيش في جنوب لبنان خلال الحرب الأهلية، بدعم مباشر من إسرائيل بعد اجتياحها لبنان عام 1978 ثم عام 1982، وكان بمثابة قوة وكيلة عنها هدفها مواجهة المقاومة الفلسطينية أولا، ثم حزب الله لاحقا، وتأمين إسرائيل.

ويسير الهجري على خطى أنطوان لحد اللبناني، ويطالب إسرائيل علنا بحماية دويلته وجيشه الانفصالي، وهو ما يرى محللون أنه سينتهي لنفس نهايته وهي الهرب إلى إسرائيل بعد انهيار مشروعه الانفصالي العميل.

وأشار تقرير سابق لـ"الاستقلال" إلى أن احتلال إسرائيل جنوب سوريا هدفه الرغبة في تدشين "دويلة" للدروز تكون حاجزا بين سوريا ودولة الاحتلال وتوفر لهم الحماية المتبادلة.

وتعمل إسرائيل على تجزئة سوريا على أسس طائفية أو عرقية سواء في الجنوب أو في الغرب أو في الشمال الشرقي، واللعب خصوصا بالورقة الدرزية، بجانب استمرار إضعافها عسكريا وفرض أمر احتلالي في الجنوب، لتسهيل انفصال الدروز.

وتتواصل تل أبيب مع الدروز وتعرض المساعدات، وعروضا لتشغيلهم في إسرائيل، في محاولة لإغرائهم كما فعلوا في الجولان المحتل.

لكن محللين سوريين يرون أن هناك أكثر من جهة فاعلة في المجتمع الدرزي أقواها وأكثرها شعبية تلك المرتبطة بالشيخ وحيد البلعوس الذي اغتاله النظام السوري عام 2015، وهذه القوة مؤيدة لسلطة الرئيس الشرع.

ويقود هذا التيار نجل الشيخ الراحل، ليث البلعوس، مؤسس حركة "رجال الكرامة" أهم فصائل السويداء المعادية للاحتلال.

وعقب إعلان الهجري استقلال إقليم السويداء وإنشاء جيش مستقل، هاجمه ليث البلعوس، ورأى أن إعلان تشكيل ما يسمى الحرس الوطني، "لم يكن رسالة حكمة أو مسؤولية، بل يحمل في طياته المزيد من الخراب والدمار".

وكتب البلعوس على فيسبوك، أن "الهجري ظهر محاطا بزمرة من قادة الفصائل، بينهم من عُرف سابقا بالخطف والسرقة والنهب وابتزاز النساء".

وسبق أن أكد البلعوس الابن لقناة "الحرة" الأميركية في 26 فبراير/ شباط 2025 أن الدروز مع الدولة السورية الموحدة ويرفضون الاحتلال الإسرائيلي وينسقون مع الشرع.

وبينما يعتقد بعض الدروز أن إسرائيل تساعدهم في إنشاء دولتهم الخاصة وتدعم الأقليات ويقدمون الولاء لها، تستخدمهم إسرائيل “كدروع بشرية لحماية المدن الحدودية”. وفق محللين إسرائيليين.

يد إماراتية

منذ صعود الدور السياسي للهجري، تلقفته الإمارات بالتعاون مع موفق طريف، حتى إن حسابات سورية قالت: إن "الهجري لا يتصرف من دماغه ولكنّه مدفوع من إسرائيل والإمارات عبر طريف.

وأبدى وزير الخارجية التونسي الأسبق، رفيق عبد السلام، خشيته من تدخل الإمارات على الخط، بدعم ما أسماه "شيخ الخيانة واللاعقل حكمت الهجري"، تمهيدا لإقامة كيان انفصالي في الجنوب السوري.

"وذلك على نحو ما فعلت وتفعل في السودان وغيره، ثم يأتي بنيامين نتنياهو لالتقاط الثمرة، وتتويج المسار الانفصالي الذي دشنه شيخ العمالة". وفق قوله

وكان تقرير سابق لـ"الاستقلال" تساءل بعد زيارة قادة الدروز إلى أبو ظبي وتل أبيب، هل تستثمر الإمارات في التمرد الدرزي ضد سوريا؟

ويعرف عن الهجري أنه مناوئ لثورة سوريا، ويرتبط بعلاقات مع نتنياهو.

وعقب استقبال رئيس الإمارات محمد بن زايد لطريف، في 7 ديسمبر/ كانون الأول 2024، أثيرت تساؤلات عن دور الإمارات في دفع دروز سوريين إلى الحضن الإسرائيلي.

وسرعان ما تبع الزيارة تصعيد درزي ضد القيادة السورية الجديدة، وطلب فصائل درزية الحماية من إسرائيل، بعدما عرضتها عليهم ضمن مخططها "إنشاء دويلة للدروز" لتفتيت سوريا.

وتحرك الهجري وطالب طريف بترتيب زيارة لـ100 شيخ درزي انفصالي إلى الجولان المحتل وإسرائيل، في 14 مارس/ آذار 2025، لإظهار الولاء للاحتلال كحامِِ لهم.

وكانت كل تحركات وخطابات زعيم دروز سوريا الانفصالي، وهجومه على حكومة بلاده، وطلبه الحماية ضمنا من إسرائيل، تلقى رواجا وحفاوة في وسائل الإعلام الإماراتية، ما أثار تساؤلات حول المصالح المشتركة بين أبو ظبي والدروز وإسرائيل.

وكشف أستاذ الإعلام في الجامعة اللبنانية، ورئيس تحرير موقع "الخنادق"، محمد شمص، في 13 مارس/آذار 2025، دور الإمارات في أحداث الساحل السوري حين انقلب علويون ودروز ضد حكومة دمشق وقتلوا أمنيين وعسكريين وكيف فشل انقلاب الإمارات. وفق قوله.

وقال: إن "مدير المخابرات الإماراتية طحنون بن زايد جند ضباطا علويين لتنفيذ انقلاب عسكري ضد حكومة الشرع في الساحل السوري، والسيطرة عليه لزعزعة الاستقرار ومنع ترسيخ حكم إسلامي في دمشق، أو تمدد المشروع التركي في المنطقة".

وأشار إلى رغبة الإمارات في جعل منطقة الساحل السوري منطقة نفوذ إماراتية، ومنع تركيا من الاستحواذ على مصادر النفط والغاز فيها، ومشاركتها إسرائيل في الهدف الأبعد وهو تقسيم سوريا إلى كانتونات متناحرة وإضعافها.

ولم يقتصر الدور الإماراتي على دعم الدروز وجيشهم وإقليمهم الانفصالي، بل روج موقع إماراتي لما زعم أنه "جيش رديف" للقوات المسلحة السورية، تقودها شخصية معارضة للرئيس الشرع.

وذكر موقع "إرم" في 20 أغسطس 2025، أن شخصا يدعى أنس الشيخ، ويلقب بـ"أبو زهير الشامي"، هو من سيقود الجيش الجديد، والذي سيكون "جيشا شبه فيدرالي" بأكثرية سنية، تعداده 150 ألف مقاتل.

ووصف محللون الخطوة الإماراتية، بأنها تعيد إلى الأذهان سيناريوهات مشابهة في ليبيا والسودان؛ حيث دعمت أبو ظبي جيوشا موازية لتعزيز نفوذها الإقليمي، وسط مخاوف من محاولات استنساخ هذه النماذج في الساحة السورية.