عقوبات متكررة.. ماذا وراء ضغوط واشنطن على مليشيات إيران بالعراق؟

عقوبات الخزانة الأميركية طالت رئيس اللجنة الأولمبية العراقية
بعد مرور أقل من شهر على معاقبة الولايات المتحدة الأميركية أربعة فصائل مسلحة موالية لإيران في العراق، عادت واشنطن وفرضت عقوبات جديدة استهدفت شخصيات ومؤسسات في الدولة العراقية اتهمتها بالعمل لصالح النظام الإيراني عن طريق غسيل الأموال.
تكرار العقوبات الأميركية على جهات مسلحة وأخرى مدنية ومؤسسات رسمية عراقية بتهمة خدمة مصالح إيران خلال هذه المدة القصيرة، أثار تساؤلا ملحا عن دلالات هذه الخطوة قبل الانتخابات البرلمانية في العراق، المقررة في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025.

"تقويض السيادة"
في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2025، قالت وزارة الخارجية الأميركية على لسان المتحدث باسمها تومي بيجوت: إن الولايات المتحدة تستهدف "كتائب حزب الله"، و"عصائب أهل الحق" لعملهما على "تقويض سيادة العراق"، وذلك بعد عشرين يوما من عقوبات استهدفت فصائل أخرى.
وكتب بيجوت على منصة "إكس" قائلا: "الولايات المتحدة تسعى لممارسة أقصى قدر من الضغط على إيران. نستهدف فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، الذي يدعم شركاء إيران الإرهابيين الإقليميين ووكلاءها، وجماعتين متمركزتين في العراق، هما كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق".
وتابع بيجوت: "هذه المليشيات تعمل بنشاط على تقويض سيادة العراق وإضعاف اقتصاده، وشن هجمات ضد أفراد ومصالح أميركية في جميع أنحاء الشرق الأوسط".
وتأتي هذه التصريحات بعد يوم واحد من فرض وزارة الخزانة الأميركية حزمة عقوبات جديدة استهدفت شخصيات مصرفية وشركات عراقية مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني و"كتائب حزب الله"، من بينها "شركة المهندس" الحكومية، الذراع الاقتصادي للحشد الشعبي.
وبررت الخزانة الأميركية هذه الخطوة بأنها تهدف إلى "تفكيك شبكات الفساد وغسل الأموال التي تمكّن الجماعات المسلحة من العمل داخل العراق وخارجه"، حسب بيان لها في 9 أكتوبر.
وأشارت إلى أن النظام الإيراني “يعتمد على وكلائه من مليشيات العراق لاختراق مؤسسات الدولة وأجهزتها الأمنية”.
كما حملتهم مسؤولية مقتل مواطنين أميركيين، وشن هجمات على مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، وأنها تواصل إضعاف الاقتصاد العراقي واحتكار الموارد العامة عبر الكسب غير المشروع والفساد.
ووفق وزارة الخزانة، "شملت العقوبات الجديدة مصرفيين عراقيين (لم تسمهما) وشركة واجهة تجارية وكيانا اقتصاديا ضخما مرتبطا بالحشد الشعبي، إضافة إلى شخصيات أمنية تدير شبكات تجسس للحرس الثوري الإيراني داخل الأراضي العراقية".
وطبقا للبيان، فإن "كتائب حزب الله، أحد أبرز فصائل الحشد الشعبي، أنشأت شركة المهندس العامة للمقاولات والزراعة والصناعة لتكون غطاءً اقتصادياً لأنشطتها".
ويسيطر على الشركة القيادي في الكتائب (رئيس أركان الحشد الشعبي) عبد العزيز المحمداوي (أبو فدك).
واستغلت الشركة عقودا حكومية لتحويل الأموال من مؤسسات الدولة إلى واجهات تجارية، بينها شركة “بلدنا للاستثمارات الزراعية”، بهدف تمويل أنشطة الفصائل المسلحة وعمليات تهريب السلاح بالتنسيق مع الحرس الثوري.
وأوضحت الوزارة أن “من بين المشمولين بالعقوبات رجل الأعمال علي محمد غلام حسين الأنصاري، الذي استخدم نفوذه على عدد من المصارف العراقية لتوليد ملايين الدولارات للحرس الثوري وكتائب حزب الله”.
وذكرت أن الأخير "قدّم خدمات مالية لعصائب أهل الحق، بينها شراء الدولار وغسل الأموال عبر وثائق مزورة لتجنّب الرقابة الحكومية".
العقوبات الأميركية شملت أيضا “عقيل مفتن خفيف البيداني (رئيس اللجنة الأولمبية العراقية - حكومية) وشقيقه علي، اللذين يديران بنكا تجاريا (بنك الاتحاد العراقي) مرتبطا بالحرس الثوري”.
واتهمت واشنطن هؤلاء بغسل عشرات الملايين من الدولارات وتهريب النفط والمخدرات، كما اتهم عقيل باستغلال منصبه لأغراض مالية غير قانونية.
وبينت الخزانة أن "القيادي في كتائب حزب الله حسن قحطان السعيدي قاد شبكة تجسس تعمل من بغداد، تضم أفرادا من الحشد الشعبي، على رأسهم نجله محمد وهيثم صبيح سعيد، وكانت (الشبكة) تجمع معلومات عن التحركات العسكرية الأميركية لصالح الحرس الثوري".
وفي 17 سبتمبر، صنفت الخارجية الأميركية 4 مليشيات عراقية موالية لإيران على لائحة المنظمات الإرهابية الأجنبية، وهي حركتا “النجباء” و"أنصار الله الأوفياء"، وكتائب "الإمام علي" وكتائب “سيد الشهداء”، بتهمة شنّ هجمات على سفارة واشنطن في بغداد وقواعد تستضيف قوات أميركية بالعراق.

"تحجيم الدور"
وبخصوص توقيت العقوبات الأميركية المتكررة خلال أقل من شهر على جهات وشخصيات موالية لإيران في العراق، قال الباحث في الشأن العراقي، مؤيد الدوري، إنها "في سياقها الحالي العام تأتي لتقليص دور إيران في المنطقة، لكنها تهدف أيضا إلى إضعاف دور حلفائها العراقيين".
وأوضح الدوري لـ"الاستقلال" أن "الولايات المتحدة تريد إضعاف حلفاء إيران وتحييد دورهم في العراق خلال المرحلة المقبلة، لا سيما بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة، وذلك بعزلهم عن أي مناصب في الدولة".
وتوقع أن "تضغط الولايات المتحدة بعد الانتخابات العراقية على القوى السياسية ورئيس الوزراء المقبل بعدم السماح للجهات المعاقبة من تولي مناصب في الدولة، وذلك كشرط أساسي للتعامل معها، في خطوة لإضعاف نفوذ إيران وتغولها في العراق".
وفي السياق ذاته، رأى المحلل السياسي العراقي، نزار حيدر، أن العقوبات الأميركية، تستهدف الدولة العراقية، وأن الأخيرة حوصرت بسبب تساهلها في مكافحة تهريب العملة وغسيل الأموال، وفشلها الدبلوماسي والسياسي مع الولايات المتحدة.
وأضاف حيدر خلال مقابلة تلفزيونية في 11 أكتوبر، أن الموازنة السرية لشركة المهندس أدرجت ضمن موازنات الحكومة للسنوات الماضية، وكذلك اللجنة الأولمبية التي تعد تابعة للدولة العراقية.
وأكد المحلل السياسي، أن الحكومة ورئيسها الحالي محمد شياع السوداني على علم بتهريب هؤلاء للعملة وغسيل الأموال في العراق، ولا يستطيع مكافحتهم لأنهم تابعون للأحزاب.
من جهته، حذّر الكاتب والمحلل السياسي فلاح المشعل، من تداعيات العقوبات الأميركية الأخيرة، مشيرا إلى أن ذلك قد يؤدي إلى استبعاد العراق من اللجنة الأولمبية الدولية.
وقال المشعل، عبر على منصة "إكس" في 10 أكتوبر: إنّ "قرار وزارة الخزانة الأميركية بوضع عدد من الشخصيات والمصارف والشركات في القائمة السوداء ومعاقبتها، لم يعد أمرا جديدا، لكن الجديد أن يكون رئيس اللجنة الأولمبية العراقية عقيل مفتن ضمن قائمة المعاقبين والمشمولين بالحظر".
ولفت إلى أن وجود اسم رئيس اللجنة الأولمبية في عمليات غسيل أموال وتهريبها إلى إيران، وتهريب مخدرات، أمر مفزع ومؤشر لانهيارات تصيب مراكز مهمة في الدولة العراقية".
وتساءل المشعل: "لماذا تزجون بدوائر ومؤسسات الدولة العراقية، الحكومية والمستقلة، في أعمال سياسية موضع شبهة ومراقبة أميركية؟ وماذا لو تم طرد الأولمبية العراقية من اللجنة الأولمبية الدولية؟ علماً أن الدورة الأولمبية المقبلة ستقام في أميركا".
وفي 11 أكتوبر، أعربت الحكومة العراقية عن أسفها لقرار واشنطن فرض عقوبات على شركة وأفراد عراقيين، مبينة أنه يتنافى مع روح الصداقة والاحترام المتبادل التي لطالما ميّزت العلاقات الثنائية بين البلدين.
وبينت الحكومة أن اتخاذ مثل هذا القرار من دون تشاور أو حوار مسبق يُشكّل سابقة سلبية في نهج التعامل بين الدول الحليفة.
وقال المتحدث باسم الحكومة باسم العوادي: إن “العراق يرفض أي نشاط اقتصادي أو مالي يخرج عن الإطار القانوني الوطني، أو يُستغل لتمويل جماعات مسلحة، أو لأغراض تتعارض مع المصالح العليا لشعبنا”.
ولفت إلى أن "رئيس الوزراء وجه بتشكيل لجنة وطنية عليا، تتولى مراجعة القضية ذات الصلة، وأن ترفع تقريرها وتوصياتها خلال 30 يوما".

"حكومة موالية"
وعلى الصعيد ذاته، قال موقع "ذا سنشري فاونديشن" الأميركي في 6 أكتوبر: إن العقوبات تأتي في ظل رغبة صانعي السياسات الدوليين في تشجيع العراق على التخلص مما يُسمى بنفوذ "محور المقاومة"، وأنه يجب على الفصائل والدولة العراقية العمل على تحسين الحكم بشكل مستقل.
ورأى الموقع أن الإجراءات الصارمة التي تتخذها الولايات المتحدة لتجميد الجماعات التابعة للجمهورية الإيرانية من السلطة لن تؤدي إلا إلى زيادة الانقسامات وعدم الاستقرار، وإرجاع العراق عن مساره نحو الدولة الحديثة.
وأوضح أن "جوهر الصراع يتمحور حول رؤيتين متعارضتين للعراق. الأولى، التي صاغها رئيس الوزراء وتدعمها قوات التحالف الدولي، وهي رؤية دولة قومية حديثة: كيان ذو سيادة يتحكم في حدوده، ويدير سياسته الخارجية من خلال الدبلوماسية، ويوجه موارده نحو الخدمات العامة والتنمية الاقتصادية".
أما الخيار الثاني فهو الذي تدعمه الجمهورية الإيرانية، ويتمثل في دولة "مقاومة" ثورية: بؤرة أيديولوجية في صراع إقليمي، حيث تُعدّ السيادة الوطنية ثانوية أمام ضرورات المحور، وحيث توجد القوة المسلحة بالتوازي مع المؤسسات الرسمية للحكومة، بل وفوقها في كثير من الأحيان.
ويدفع السوداني البلاد نحو رؤيته عبر مسار تسوية وإشراك إستراتيجي لفصائل إيران في الحكومة العراقية. لكن التدخل الدولي عقّد مسيرة رئيس الوزراء على الحبل المشدود، وفق الموقع.
فقد اتخذت واشنطن موقفا مُطلقا ضد هذه الجماعات الموالية للجانب الإيراني، مُهددةً بفرض عقوبات وغيرها إذا سُمح لها بالمشاركة في الحكومة.
ورجح الموقف الأميركي أن يُحدد حل هذه التوترات المسار السياسي للعراق لسنوات قادمة، مما يؤثر ليس فقط على الاستقرار الداخلي، بل أيضًا على توازن القوى الإقليمي الأوسع ومستقبل النفوذ الإيراني في العالم العربي.
قد تُتيح الانتخابات البرلمانية في نوفمبر 2025 فرصةً للتجديد السياسي، لكنها قد تُفضي بالقدر نفسه إلى مزيد من التشرذم وعدم الاستقرار إذا ظلت القضايا الأساسية دون حل، بحسب الموقع.
وفي مواجهة الضغوط الخارجية الأميركية والمقاومة الداخلية من الجماعات المسلحة، برزت انقسامات غير مسبوقة داخل المؤسسة الشيعية العراقية.
وخاصة مع سعي الأحزاب الشيعية للمحافظة على تحالفها مع إيران وأيضا تلبية المطالب الأميركية بنزع سلاح المليشيات ولكن عبر دمجها في هياكل الدولة الرسمية.
وتضم فصائل المقاومة الإسلامية العراقية خمس جماعات رئيسة: كتائب حزب الله، وحركة حزب الله النجباء، وكتائب سيد الشهداء، وكتائب الإمام علي، وأنصار الله الأوفياء، وتعمل كجزء من هيكل الحشد الشعبي الرسمي، وكشبكة مستقلة متحالفة مع إيران.
وقد أصبحت هذه الهوية المزدوجة مصدر توتر متزايد، إذ تحافظ هذه الجماعات على استقلاليتها العملياتية، بينما تتلقى في الوقت نفسه رواتب وموارد حكومية من خلال انتمائها إلى وحدات الحشد الشعبي، وفقا للتقرير.
وخلص الموقع الأميركي إلى أن ضغوط إدارة الرئيس دونالد ترامب على بغداد في ملف الفصائل قد تمهد لولادة حكومة عراقية جديدة أكثر تشددا يقودها رئيس وزراء موال لواشنطن.
المصادر
- أميركا تتحرك ضد ثلاث جماعات شيعية اضافة الى مصرف الرافدين بالعراق
- محلل سياسي: إدراج رئيس اللجنة الأولمبية في قائمة العقوبات مؤشر خطير على انهيار مؤسسات الدولة في العراق
- Integrate, Normalize, or Fight: Choices Facing the Shia Armed Factions in Iraq
- Sanctioning Actors Supporting Iran-Aligned Militia Groups in Iraq
- بغداد تأسف لقرار واشنطن فرض عقوبات على شركة وأفراد عراقيين “مدعومين من إيران”
- تصنيف أربع ميليشيات موالية لإيران كمنظمات إرهابية أجنبية