لماذا اعترض مصريون على فوز مرشح بلدهم خالد العناني برئاسة اليونسكو؟

"مصر لا تحافظ على تراثها فكيف ستحافظ على أثار العالم"
بعد خسارتها مرتين منصب مدير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، بفشل السفيرة مشيرة خطاب عام 2017، وقبلها وزير الثقافة فاروق حسني عام 2009، فاز مرشح مصر أخيرا عام 2025؛ إذ جرى انتخاب وزير السياحة والأثار السابق (2016- 2022)، خالد العناني، في 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2025، لمنصب مدير عام اليونسكو بأغلبية لافتة.
العناني فاز بدعم 55 دولة من 57 عضوا في المجلس التنفيذي، مقابل صوتين فقط لمنافسه من الكونغو، وهو أكبر عدد أصوات يحصل عليه مرشح منذ تأسيسها عام 1945، رغم حاجته لـ 30 صوتا فقط. وفق وكالة رويترز.
وقبل فوزه واحتفال القاهرة بما أسمته “انتصارا وإنجازا تاريخيا للدبلوماسية المصرية”. احتج مثقفون وخبراء آثار على ترشيحه، وأرسلوا عرائض لليونسكو تحذر من اختياره؛ لأنه معادٍ للآثار وتم هدم آثار إسلامية وتاريخية عديدة في عهده. وفق قولهم.
هذه الشكوى لم تكن الأولى، فمنذ عام 2016، يرسل مثقفون وخبراء آثار برسائل شبه منتظمة لليونسكو يشكون من هدم التراث في مصر.
وحين رشحت القاهرة العناني طالب خبراء ومثقفون مواطنون المنظمة الدولية، بمعاقبة نظام عبد الفتاح السيسي، ودعوا الدول لعدم انتخابه لرئاستها، وانتقدوا صمت "اليونسكو" أمام جرائم هدم التراث في مصر.
وسبق أن هددت اليونسكو مصر بشطبها من "قائمة التراث العالمي"، ونقلها لـ "قائمة التراث المعرض للخطر"، بسبب هدمها آثارا تاريخية وإسلامية عريقة. بحسب هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في 23 أكتوبر 2024.
بيان احتجاج
اشتهر العناني، حين كان وزيرا للآثار في مصر بعِدّة مقولات تُبيّن عدم اهتمامه بالآثار التاريخية، وقد اتهمه خبراء بأنه هدم آثارا ومقابر تاريخية.
فقد قال في تصريحات صحفية، عن تراث مصر: "نحافظ على شوية حجارة"، و"لو مهدمناش (الآثار) يبقى مش هنبني جديد"، كما صرح عام 2021 بالقول: "لو هنسجل كل مبنى عمره 100 عام كأثر هنسجل نصف بيوت مصر"!
لذا توالت الاحتجاجات ضده من خبراء آثار ومثقفين وقُدمت شكاوى بحقه هو والدولة المصرية تتهمهم بخرق ميثاق اليونسكو وهدم وتدمير آثار تاريخية وتطالب بطرد القاهرة من المنظمة أو التعامل معها كدولة تهدم آثارها.
وقد قُدمت شكوى (عريضة) في "العناني"، في 25 أكتوبر 2024، وقعها عدد من المثقفين وخبراء الآثار والنقابات والجمعيات، قالوا فيها: إن مصر "عليها أن تثبت للعالم أولا أنها تحافظ على تراثها"، قبل أن تتقدم بمرشح لتبوؤ مركز مدير اليونسكو.
وأكدوا، في العريضة التي نشرتها مجموعة "إنقاذ جبانات القاهرة التاريخية": "تتعرض جبانات مصر التاريخية منذ أربع سنوات لموجات من التدمير الممنهج يتم على دفعات".
وانتقدوا "المشاهد الصادمة لقباب فريدة تتحطم في لمح البصر، وشواهد تحمل آيات قرآنية ومقولات جميلة وأشعارا مفتتة وملقاة على الأرض"، بعدما كانت بالأمس مدافن أنيقة تمثّل المثوى الأخير لموتانا.
وقبل اختيار اليونسكو لـ "العناني" مديرا له، أرسل مثقفون وأساتذة تاريخ بيانا جديدا يطالبون فيه بعدم انتخاب الوزير المصري السابق لتخريبه أثار مصر وتراثها، مؤكدين أن "فاقد الشيء لا يعطيه"، لكنه فاز، ربما بترتيبات بين الدول بشأن المنصب.
وقد أشار عالم المصريات ووزير السياحة المصري سابقًا، زاهي حواس، لهذا البيان (العريضة) وانتقده، خلال لقاء مع المذيعة لميس الحديدي في قناة النهار، 7 أكتوبر 2025.
وصف تقديم هؤلاء الأثريين والمثقفين شكوى ضد المدير الجديد للمنظمة، بقوله: إن عدد من "المصريين الوحشين"، كما وصفهم، بعثوا رسالة لمجلس اليونسكو ضد مرشح مصر الفائز خالد العناني يعددون فيها دوره في هدم آثار.
وقد نشر الصحفي حافظ المرازي تفاصيل نص البيان الذي أرسله هؤلاء المثقفون وأساتذة التاريخ لليونسكو، مؤكدا أنه حصل عليه من "مصادر موثوقة ثقافية وأكاديمية".
والخطاب (العريضة) موجه إلى "القائمين على اختيار المدير العام لليونسكو"، وتضمن الحقائق التالية:
- منذ عام 2016، كتب إليكم عدد كبير من العاملين بالتراث المصري، لمتابعة ما جرى من تجاوزات في حق واحد من أعرق حضارات العالم القديم، وهو مصر، على يد المدير المصري الحالي للآثار الدكتور خالد العناني.
- منذ 2016، وحتى الآن، أصاب المنظومة الأثرية والتراثية في مصر "عبث وخراب لا يتفق مع رسالة اليونسكو السامية في حماية الإبداع الإنساني المشترك، ولا مع واجب الحفاظ على الحضارة".
- كيف يتم تعيين أشخاص بلا خبرة حقيقية في مجال حماية التراث، ومنحهم مناصب إدارية عليا في المنظومة التراثية، بينما يُقصى الأكفاء ويُعاقب العلماء والباحثون الذين يحذرون من المخالفات؟!
- منذ دخول قانون الآثار المصري الحالي حيز التنفيذ عام 1983، شهدنا انتهاكات عديدة لبنوده، وبعض القرارات صدرت بتوقيع الوزير العناني لإلغاء تسجيل آثار أو سحبها من قوائم التراث، في مخالفة صريحة للقانون والدستور.
- قام المرشح الحالي بنقل مسلات وتماثيل من أماكنها التاريخية الأصلية إلى ميادين عامة، مثل ميدان التحرير والعاصمة الإدارية الجديدة، لأغراض تجميلية وسياسية، مما أدى إلى إتلاف أجزاء منها وتشويه معناها الرمزي والديني.
- نفذ "العناني" عمليات ترميم في معابد الأقصر والكرنك باستخدام مواد إسمنتية تخالف المعايير الدولية، مما تسبب في تشويه الواجهات الأثرية وتدمير قيمتها الجمالية والتاريخية، رغم كونها مواقع مدرجة على قائمة التراث العالمي منذ عام 1979.
- سمح بإقامة حفلات راقصة وأعراس داخل أديرة ومعابد فرعونية قديمة، وهو ما يمثّل إهانة صارخة لقدسية تلك المواقع وانتهاكا لحرمتها الدينية والروحية.
- خالف القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر، مثل اتفاقية حماية التراث العالمي لعام 1972، وميثاق البندقية للترميم لعام 1964، مما يعرض مواقع التراث المصري لخطر الشطب من القوائم العالمية.
- تحوّل الحفاظ على التراث في عهده إلى أداة سياسية دعائية، تُستخدم لتجميل صورة السلطة، لا لخدمة الثقافة والإنسانية، حتى أصبحت مواقع أثرية ذات قداسة دينية تُعرض كمجرد خلفية للاحتفالات والمهرجانات الرسمية.
- هل يجوز تحويل الكنائس والأديرة القديمة إلى أدوات دعاية سياسية؟ وهل ترون أن من يفعل ذلك مؤتمن على قيادة منظمة اليونسكو؟
جرائم العناني
عقب الإعلان عن فوز العناني، نعى مثقفون مصريون مصير ما تبقي من آثار مصر الإسلامية والتاريخية، وتوقعوا أن يدفن المدير المصري الجديد عشرات الشكاوى التي قُدمت في حقّه هو وحكومة مصر تتهمها بهدم التراث.
وقالت الأستاذة بكلية الفنون التطبيقية، جامعة حلوان، الدكتورة داليا الشرقاوي: "لننتظر مزيدا من الهدم بمباركة اليونسكو "، بعد فوز العناني الذي وافق على هدم آثار عديدة.
واتهم الأثري طارق فرج، المدير الجديد لليونسكو خالد العناني، بـ "شطب آثار بالجملة من قوائم وسجلات الآثار مما سمح بهدمها وهدم آثار كثيرة وخاصة الإسلامية".
وقال: إن "أكبر كميات آثار تم تهريبها كانت في عهده"، بخلاف نشره مقبرة كاملة من سوهاج ونقلها للعاصمة الإدارية!
وكتب محمد الشافعي، المهتم بالآثار يسخر مما أسماه "إنجازات د. خالد العناني"، مع صور تبين تحطيم وتدمير آثار إسلامية وتاريخية في القاهرة القديمة في الفترة التي تولي فيها وزارة الآثار.
أوضح، عبر فيس بوك أن "العناني من أكثر الشخصيات إثارة للجدل في مجتمع الأثريين بين من تولوا وزارة الآثار؛ بسبب إنجازاته السلبية خلال فترة توليه، ولا تحسب لغيره كونه المسؤول عن رعايتها".
قال: إن أكثر عبارتين سمعناهما منه خلال توليه للوزارة عن الآثار التي تم هدمها هما: "غير مسجل أثر" و"تمّ شطبه من سجلات الآثار"، ولم يتخذ أي موقف حاسم لحماية الآثار.
ورصد "الشافعي" أهم إنجازات "العناني" السلبية في فترة توليه لوزارة الآثار.
ومنها: هدم مقابر صحراء المماليك لإنشاء "جسر محور جيهان السادات"، والتي ضمت مقابر مشاهير تاريخيين منهم أحمد لطفي السيد، وعبود باشا، وواجهة مدفن نازلي هانم حليم حفيدة محمد علي باشا.
وكذا هدم وحفر قرافة (مقبرة) الإمام الشافعي، منذ عام 2021 وحتى اليوم لشقّ طرق بها.
وانتقدت الكاتبة والباحثة المصرية في مجال الآثار "جليلة القاضي"، انتخاب العناني، وقالت: ما الذي سيعود على مصر من منصب زي ده؟ هل اللي دمر (المرشح المصري الفائز) تراث مصر أثناء توليه الوزارة هيستغل منصبه للحفاظ على ما تبقى منه؟"
وكان الحقوقي ناصر أمين دعا علنا لرفض اختيار العناني مديرا لليونيسكو متعللا بأن مصر لا تحافظ على تراثها فكيف ستحافظ على آثار العالم إذا نجح هذا المرشح "الذي صمت أمام تلك الجرائم بحق تراثنا"؟! وفق قوله.
وتساءلت المذيعة لميس الحديدي عبر فيس بوك: “ماذا سنقول لليونسكو (عن هدم هذا التراث) وهو الذي سجل كل القاهرة التاريخية منطقه تراث عالمي واحنا (نحن) مرشحين ممثل لمصر، مديرا لليونسكو؟”
ونشرت صورة قرار لوزير الاسكان بتاريخ 16 سبتمبر/أيلول 2024 بحذف 10 مدافن تراثية من الطراز المعماري المميز، متعجبة أن تحدد وزارة الإسكان (لا خبراء الآثار) الأهمية التاريخية لهذا التراث.
ورغم أن جرائم هدم العديد من الآثار المصرية والتاريخية القديمة الإسلامية خصوصا، يتحملها نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والجيش ممثلا في "الهيئة الهندسية" التي تُشرف على بناء جسور مكان هذه الآثار.
إلا أن "العناني" لم يعترض حين كان وزيرا على الهدم، بل وسفه مطالب المثقفين التي طالبته بمراجعة كل آثر من الآثار، وقال عام 2021: "لو هنسجل كل مبنى عمره 100 عام كأثر هنسجل نصف بيوت البلد".
وحين قامت السلطات المصرية بعمليات هدم في سبتمبر 2023، انتقدها اليونسكو، ونقل موقع "باب مصر" حينئذ عن مصدر مطلع أن "لجنة اليونسكو" رفضت خلال اجتماع في السعودية الاستجابة لطلب الحكومة المصرية.
وذلك بشأن "تقليص مساحة القاهرة التاريخية والمدرجة ضمن حدود اليونسكو"؛ لأنها مُدرجة بصفتها "مناطق تاريخية".
ومنذ عام 2020، شهدت منطقة مصر القديمة والقاهرة التاريخية عمليات هدم تُنفذ تحت ذريعة مشروعات الطرق، مما أدى إلى تدمير عدد من المعالم الأثرية والثقافية، ما شكل تهديدًا حقيقيًا للتراث الإسلامي التاريخي المصري.
ونفذت شركات مقاولات تابعة للجيش المصري قرابة أربع حملات بالبلدوزر لهدم آثار ومقابر تاريخية إسلامية في منطقة "القاهرة القديمة"، بحجة بناء طرق وجسور جديدة، قال خبراء إن المقابر لا تعيقها، أو يمكن الالتفاف حولها.
وكان المرشح المصري قال في خطة ترشيحه للفوز إنه سيركز على مكافحة البيروقراطية داخل المنظمة، واقترح العديد من الآليات لتنويع مصادر تمويلها.
مثل استكشاف فرص جديدة لجمع الأموال، بما في ذلك الشراكات الإعلامية والفعاليات الثقافية، إلى جانب إطلاق حملات لجمع التبرعات.
لكن موقع "باب مصر" المتخصص في شؤون التراث والآثار، أوضح، 24 يونيو 2025، أن رؤية العناني تفتقر إلى تحديد أولويات واضحة للمبادرات الجديدة؛ إذ تغطي جميع جوانب عمل اليونسكو تقريبا، ما يجعلها تبدو كقائمة شاملة بما تفعله المنظمة بالفعل.
قال: إنه لن يقدم جديدا بحسب برنامجه الذي كرر فيه مصطلح "الاستمرارية" أكثر من "التحول"؛ حيث استخدم عبارات مثل "ستواصل اليونسكو" أو "ستبقى اليونسكو ثابتة"، ما يفهم منه أنه يؤيد استمرار الدور الحالي للمنظمة.
وذلك بدلا من اقتراح حلول جذرية لمؤسسة تواجه انتقادات متزايدة بسبب تعاملها البيروقراطي مع التحديات العالمية المتغيرة.
وجاء انتخاب العناني في وقت تواجه فيه اليونسكو تراجعا كبيرا؛ إذ إن المنظمة التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية لتعزيز السلام من خلال التعاون الدولي في مجالات التعليم والعلوم والثقافة، تمر بمرحلة إعادة تقييم عميقة.
وذلك بعدما وُجهت إليها في الأشهر الأخيرة اتهامات بأنها "مسيسة" وتراجع دورها كمرجعية ثقافية وعلمية مستقلة.
وفي عام 2017، خرجت إسرائيل من المنظمة لاتهامها بتدمير التراث في القدس وتهويده، كما انسحبت نيكاراغوا في مايو/أيار 2025 بعد منح جائزة لصحيفة معارضة فيها.
وأعلنت الولايات المتحدة رسميا في يوليو/تموز 2025، انسحابها منها ووقف تمويلها ومن المقرر أن تدخل هذه الخطوة حيز التنفيذ في نهاية عام 2026.
حيث اتهمت إدارة ترامب المنظمة بالتحيز ضد إسرائيل، والترويج "لقضايا اجتماعية وثقافية مثيرة للانقسام"، وتأييد "خريطة طريق أيديولوجية تؤمن بالعالمية" المتعارضة مع سياستها القائمة على مفهوم "أميركا أولا".
ويحرم انسحاب الولايات المتحدة من اليونسكو جزءا كبيرا من مواردها المالية؛ إذ توفر واشنطن 8 بالمئة من إجمالي موازنة المنظمة، وقد وعد العناني بالعمل على إعادة الولايات المتحدة إلى المنظمة.