بيئة خانقة.. ما حقيقة انتقال قناة الميادين من لبنان إلى العراق؟

ابن جدو أكد أن اهتمام القناة بالعراق لا يتعلق بانتخابات البرلمان فقط
تتوالى الأخبار من العراق ولبنان عن انتقال قناة "الميادين" المحسوبة على حزب الله اللبناني من بيروت إلى بغداد، وذلك بعد أيام من إعلان المؤسسة الإعلامية عن افتتاح "الميادين بلس"، لتغطية الشؤون العراقية، بدءا من الانتخابات البرلمانية "تمهيدا لما هو أوسع".
ومع عدم إصدار المؤسسة اللبنانية أي بيان ينفي أو يؤكد انتقال مقرها إلى بغداد، تبرز تساؤلات عن حقيقة ما يثار، وفيما إذا كانت "الميادين بلس" التي افتتحت في 22 سبتمبر/أيلول 2025، خطوة تمهّد لانتقالها كليا.
وتأتي الأنباء الجديدة بعد عام من تداول معلومات تفيد بحصول القناة على موافقة الحكومة العراقية بالانتقال، وعقب نحو سنة من انتهاء مواجهة مدمرة بين إسرائيل وحزب الله، تعرض خلالها الأخير لضربة قوية تضمنت اغتيال أغلب قيادته وعلى رأسهم الأمين العام له حسن نصر الله.

"بيئة خانقة"
خطوة انتقال الميادين تُطرح رسميا كجزء من إستراتيجية توسع إعلامي، لكن ترافقها مع أنباء استقرار أبناء حسن نصر الله وعائلات قيادات حزب الله في العراق جعلها تُقرأ ضمن سياق أوسع من مجرد إعادة تنظيم إداري. وفق وكالة "بغداد اليوم".
وقالت الوكالة العراقية في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2025: إن "القناة تواجه بيئة مالية خانقة في لبنان بسبب العقوبات الأميركية والدولية المفروضة على الحزب، الأمر الذي يجعل البحث عن منصات بديلة مسألة حيوية".
وبحسب تقرير الوكالة، فإن "تحليلات قانونية معمقة تشير إلى أن العراق، بتركيبته السياسية المفتوحة على النفوذ الإيراني، يوفر بيئة أقل تقييدا من الناحية المالية، ما قد يسهل استمرارية مؤسسات إعلامية أو تنظيمية ذات ارتباطات مباشرة بالحزب".
وربطت بين نقل "الميادين إلى بغداد وبين الاستفادة من موارد مالية عبر المصارف العراقية"، لافتة إلى أن "انتقالها يعكس محاولة محور المقاومة تعزيز مركزه الإعلامي في بيئة أقل عرضة للضغوط الدولية المباشرة، مع الاستفادة من الانفتاح العراقي على إيران".
ولفتت إلى أن "التجارب التاريخية السابقة المماثلة تفيد بأن انتقال مؤسسات إعلامية أو سياسية إلى دول أخرى غالبا ما يترافق مع إعادة رسم خطوط التأثير، وهو ما قد ينعكس على علاقة العراق بالولايات المتحدة والدول الخليجية التي تراقب عن كثب أي توسع لحزب الله في المنطقة".
وأشارت إلى أن "الجمع بين خبر انتقال الميادين، والأنباء عن وجود أبناء حسن نصر الله في العراق يكشف عن تقاطع إعلامي ومالي وسياسي يضع بغداد أمام اختبار حساس"، لافتة إلى أن "القناة تسعى ببساطة إلى بيئة أقل تقييدا تضمن لها الاستمرار في عملها".
ونقلت الوكالة عن مصدر حكومي عراقي (لم تسمه) أن "الحديث عن محاولات الاستفادة من موارد مالية عبر المصارف العراقية لنقل الأموال من إيران إلى الحزب مجرد فرضيات مدفوعة الثمن". مضيفا أن “كل ما يُطرح في هذا الشأن يفتقر إلى الأدلة ولا يبرهن على مصداقيته”.
في السياق ذاته، قالت منصة "بوليغراف نيوز" اللبنانية في الأول من أكتوبر: إن "التحضيرات اللوجستية لقناة الميادين شارفت على الانتهاء تمهيدا لنقل المقر الرئيس للقناة إلى بغداد، مع الإبقاء على مكتب بيروت قائما كما هو".
بهذه الخطوة، تضيف المنصة اللبنانية، أن قناة "الميادين" تستعد لتوسيع نطاق عملها الإعلامي وتعزيز حضورها الإقليمي من خلال مقرها الجديد في بغداد.

"بداية مشروع"
وقال رئيس مجلس إدارة "شبكة الميادين"، غسان بن جدّو، في 28 سبتمبر: إن انطلاقة “الميادين بلس” أكبر من مجرد مشروع إعلامي مرتبط باستحقاق انتخابي في بلد عربي واحد، وإن بدت في ظاهر الأمر كذلك، في إشارة إلى الانتخابات البرلمانية العراقية في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2025.
وأفاد ابن جدو بعد أسبوع واحد من إعلان إطلاق "الميادين بلس"، بأن الأخيرة تنطلق بهدوء أكثر وتدرّج أكبر، وأنها "تعمل لتحقيق أهداف كبرى، وليس لاستغلال اسمها بأفق ضيّق محدود".
ونقلت القناة عن ريتا وهبي المعاون التنفيذي لابن جدو، أن "الميادين" جهزت عددا من الاستوديوهات لمواكبة استحقاق انتخابات العراق، وأنه سيحلّ عشرات السياسيين والمرشحين والمحللين والخبراء ضيوفا عليها، في جو من "الحياد الإعلامي".
وبخصوص مستقبل "الميادين بلس" بعد انتهاء تغطيتها للانتخابات التي أطلقت عليها اسم "خيار وقرار"، تؤكد وهبي أن هذه التغطية هي "بداية لمشروع أكبر" يتم التحضير له منذ أكثر من سنة، واصفةً إياه بـ "مشروع عراقي مياديني سيبصر النور قريبا من قلب بغداد".
وقبل عام وتحديدا في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، كشف الإعلامي العراقي، عمر الجنابي عبر "إكس" أن غسان بن جدو، يوجد في بغداد، وأنه حصل على "موافقة ودعم من الحكومة العراقية لنقل مقر قناة الميادين من لبنان إلى العراق".
وأضاف الجنابي وقتها أن "مقرها الجديد سيكون بالقرب من مقر قناة السومرية (عراقية) وسط بغداد، وقد بدأت الكوادر الفنية بالفعل بتجهيز استوديوهات القناة وتوفير متطلبات العمل اللوجستية في المبنى المطل على نهر دجلة".
وبحسب الإعلامي العراقي، فإن "القناة اللبنانية التابعة لحزب الله حصلت على دعم رسمي عراقي للبث بجودة أفضل، وتبحث الآن عن كوادر إعلامية لانطلاقة جديدة، بعد أن انتقل ثقل الإعلام المحسوب على محور إيران من بيروت إلى بغداد".
وفي 25 أكتوبر 2024، قالت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية: إن مقاتلات إسرائيلية دمرت مكتب "قناة الميادين" الموجود في شقة داخل مبنى سكني بمنطقة الجناح، القريبة من الضاحية الجنوبية في بيروت.
وأوضحت أن المقاتلات "أطلقت صاروخين على المكتب، ما أدى إلى تدميره بالكامل، واندلاع النيران به"، لافتة إلى أن "إدارة القناة كانت قد أخلت المكتب منذ بدء العدوان الإسرائيلي".

“مظلة وهمية”
وبخصوص احتمالية انتقال قناة "الميادين" إلى العراق والأسباب التي تدفعها لذلك، قال الباحث في الشأن العراقي، حامد العبيدي: إن "الأمر غير مستبعد، بل إنه من غير المعقول ألا تنتقل إلى بلد يعيش حتى اليوم ظروفا أفضل من كل النواحي مما يعيشه لبنان".
وأضاف العبيدي لـ"الاستقلال" أن “الميادين قناة تنتمي إلى إعلام محور إيران في المنطقة، الذي يحسب العراق عليه حتى اليوم”.
وبين أن الإطار التنسيقي الشيعي القريب من طهران هو من يحكم البلد الآن، لذلك فإن بغداد بيئة أكثر أمنا لهم سياسيا وأمنيا وماليا.
ولفت إلى أن "كل مصالح حزب الله مهددة في لبنان ولاسيما صوته الإعلامي الرسمي وغير الرسمي، جراء الأزمة المالية الخانقة ومنع وصول أموال إليه سواء من إيران أو غيرها، فضلا عن أهمية بقاء عمل إعلامهم في ظل تراجعهم الميداني حاليا".
ورأى العبيدي أن “اختيار موعد الانتخابات العراقية يأتي للتمويه لا أكثر وكذلك الحديث عن الميادين بلس التي تعد مظلة وهمية لانتقال فعلي للقناة”.
وخصوصا أن قرار انتقالها جرى اتخاذه منذ نحو عام من الآن، "ولذلك فإن توقيت الحديث عن الانتقال حاليا يحمل تفسيرات كثيرة".
ولم يستبعد الباحث أن "يشهد خطاب قناة الميادين في الأيام المقبلة تصعيدا حادا ضد الحكومة اللبنانية التي تطالب بنزع سلاح حزب الله، وكذلك مهاجمة السلطات الحالية في سوريا، وذلك كله ربما يسبب حرجا للعراق، لكن انتقالها قد يكون بقرار إيراني مفروض على بغداد أساسا".
من جهته، قال المحلل السياسي العراقي، أحمد العلواني، عبر تدوينة على "إكس" مطلع أكتوبر: إنه "بعد التشديدات الأميركية على عمليات غسيل الأموال من العراق إلى لبنان لصالح حزب الله، تعلن قناة الميادين الإيرانية الممولة بالمال العراقي المنهوب انتقالها إلى بغداد لتجاوز أزمة تحويل الأموال".
على الوتيرة ذاتها، نشر حساب "وزير عراقي" تدوينة على منصة "إكس" في 4 أكتوبر، قال فيها: "وزارة الخزانة الأميركية وصلها إيميل من مواطن عراقي، يؤكد لها أن قناة الميادين، تمويلها من العراق، منذ زمن عادل عبد المهدي (رئيس الوزراء في 2019) وحتى الآن".
وأضاف الحساب الشهير محليا، أنه جرى تهديد بغداد ووضع سد منيع لتهريب الدولار إلى بيروت، لكن الموالين لإيران أشطر من أميركا، نقلوا الميادين إلى العراق لتمويلها مباشرةً دون رصد التحويلات الخارجية.