8 اجتماعات في أسبوع.. ماذا وراء التحركات الأميركية الواسعة في ليبيا؟

"المؤشرات الراهنة تكشف عن بروز مسار سياسي جديد في ليبيا"
اجتماعات متعددة مع مختلف المسؤولين الليبيين عقدها القائم بالأعمال الأميركي لدى ليبيا، جيريمي برنت، ما يشير إلى اهتمام لافت تبديه إدارة دونالد ترامب إلى ليبيا.
ففي أسبوع واحد، عقد برنت ثمانية اجتماعات شملت رئيس الحكومة ورؤساء مؤسسات اقتصادية وأمنية وقضائية ليبية، ، فما أبرز هذه التحركات الأميركية وما غاياتها السياسية والإستراتيجية؟
ترتيبات مستقبلية
حيث اجتمع مع رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة في 28 سبتمبر/أيلول 2025، وركز في كلمته على توحيد المؤسسات وبناء السلام المستدام، وهو خطاب يعكس رغبة واشنطن في أن يكون لها يد في صياغة الترتيبات السياسية المقبلة.
وفي اليوم نفسه، جلس مع وزير النفط والغاز خليفة عبد الصادق ليؤكد أن "واشنطن تريد أن تكون لاعبا رئيسا في معادلة استثمار قطاع الطاقة الليبي"، في وقت يشهد فيه العالم اضطرابات في أسواق النفط والغاز ويبحث عن بدائل للهيمنة الروسية.
وإذا كانت الطاقة والسياسة والأمن ركائز أساسية للتحرك الأميركي، فإن التكنولوجيا والاتصالات برزت كجبهة جديدة، ففي 28 سبتمبر، التقى برنت برئيس مجلس إدارة الشركة الليبية للبريد والاتصالات يوسف أبو زويدة.
وحمل اللقاء إشارات إلى رغبة واشنطن في تعزيز حضور شركاتها في قطاع التحول الرقمي والأمن السيبراني، وهو مجال حساس يفتح الباب أمام نفوذ استراتيجي يتجاوز الاقتصاد المباشر إلى البنية التحتية للدولة.
كما عقد المسؤول الأميركي لقاءً في 29 سبتمبر مع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي حمل إشادة بجهود التهدئة داخل العاصمة، وربط الاستقرار الداخلي بالنقاشات الدولية التي جرت في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وارتكزت رؤية المنفي خلال اللقاء على أربع ركائز أساسية، أبرزها استعادة السيادة الوطنية الكاملة ورفض كل أشكال التدخل الأجنبي، إضافة إلى الوصول إلى توافق وطني جامع عبر حوار صادق وشامل يُعقد داخل ليبيا تحت مظلة وطنية مستقلة.
الأمن والعدالة لم يغيبا عن أجندة برنت؛ إذ اجتمع في 29 سبتمبر مع النائب العام الصديق الصور لمناقشة سيادة القانون ومؤسسات إنفاذه، كما بحث في اليوم ذاته مع وكيل وزارة الدفاع عبدالسلام زوبي سبل تعزيز التعاون العسكري.
والتقى برنت يوم 30 سبتمبر، برئيس المؤسسة الوطنية للنفط المكلف مسعود سليمان، مؤكدا دعم خطط المؤسسة لزيادة الإنتاج وتعزيز التعاون التجاري مع الشركات الأميركية.
كما سبق أن أصدرت سفارة واشنطن بليبيا بيانا بخصوص الاجتماع الذي عقدته بالأمم المتحدة بتاريخ 23 سبتمبر 2025، لمناقشة بناء أسس اقتصادية قوية للوحدة والأمن في ليبيا، وضم كبار المسؤولين من مصر وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وقطر والسعودية وتركيا والإمارات والمملكة المتحدة.
وذكر البيان أن رئاسة الاجتماع أكدت "التزام المجتمع الدولي القوي بدعم ليبيا في مسيرتها نحو تحقيق المزيد من الوحدة والاستقرار والازدهار".
وشددت الرئاسة أهمية التكامل الأمني بين شرق وغرب ليبيا لتعزيز مساهمة ليبيا في تحقيق الاستقرار والأمن الإقليمي، مؤكدة "أهمية بناء اقتصاد قوي لليبيا لتحقيق المزيد من الأمن والاستقرار والازدهار للبلاد".
إستراتيجية متكاملة
يرى المحلل السياسي الليبي حسام الفنيش، أن التحركات الأميركية الأخيرة تتجاوز الطابع الدبلوماسي التقليدي، وتمثل جزءا من إستراتيجية متكاملة لإعادة رسم النفوذ الأميركي في ليبيا.
وأضاف الفنيش لـ"الاستقلال"، مع تركيز واضح على الجوانب الاقتصادية، وفي مقدمتها ملف النفط والأصول الليبية المجمدة.
وأوضح المتحدث ذاته أن هذه الأصول – التي تصل إلى نحو 70 مليار دولار في الولايات المتحدة – تمثل عنصرا إستراتيجيا في يد واشنطن، تسعى من خلاله إلى التأثير على مراكز القوى الليبية وضبط موازين التفاوض بين الشرق والغرب.
وأشار إلى أن ضمان استقرار تدفق النفط الليبي يُعد أولوية أميركية، بالنظر إلى الحاجة العالمية المتزايدة للطاقة في ظل الأزمات الدولية المتلاحقة
ونبّه الفنيش إلى أن واشنطن تستخدم أدوات غير تقليدية لبسط نفوذها داخل ليبيا، من خلال شبكات التأثير الرسمية وغير الرسمية، التي تجمع بين الدبلوماسية والمصالح الاقتصادية والعلاقات العائلية، ما يمنحها قدرة أكبر على المناورة والتأثير في تطورات المشهد الليبي.
ويرى المحلل السياسي أن هذه الإستراتيجية تهدف إلى إعادة ترتيب موازين القوى داخل طرابلس، وربط الشرق بالغرب عبر تسويات اقتصادية وتجارية، يتم تمريرها تحت مظلة أميركية مباشرة أو غير مباشرة.
وشدد الفنيش إلى أن التحركات الأميركية الأخيرة تعكس اتجاها واضحا نحو إعادة إدماج ليبيا ضمن أولويات السياسة الخارجية الأميركية، بعد سنوات من التردد.
وخلص إلى أنه، وبينما تسعى واشنطن إلى تقليص نفوذ الخصوم (خاصة روسيا)، فإنها في المقابل تعمل على تعزيز حضورها عبر أدوات سياسية وأمنية واقتصادية معقدة.
فيما ذكر موقع "الشاهد" الليبي بتاريخ 30 سبتمبر 2025، أن هذه الحركية الدبلوماسية المكثفة، خلّفت رسالة واضحة، وهي أن واشنطن لا تريد أن تترك فراغا في ليبيا يُملأ من قبل منافسين مثل روسيا أو الصين أو حتى قوى إقليمية أخرى.
وأضاف المصدر ذاته، بل إنها تسعى لإعادة تموضعها في لحظة انتقالية؛ حيث النقاش مستمر حول القوانين الانتخابية وخارطة الطريق الأممية، بينما يظل المشهد الليبي غارقا في انقسامات مؤسسية وأمنية لم تُحسم بعد.
وشدد الموقع أن عقد ثمانية اجتماعات بين 28 و30 سبتمبر ليست مجرد نشاط بروتوكولي، بل إشارة إلى أن الولايات المتحدة تعيد رسم معادلتها في ليبيا على أكثر من خط.
وأردف، عنوان هذه المعادلة هو "ضمان الاستقرار السياسي، وتأمين موقع في قطاع الطاقة، والانخراط في هندسة الأمن والمؤسسات، ثم فتح مسارات النفوذ في التكنولوجيا والاتصالات".
وخلص إلى أنه في بلد تتحكم فيه التوازنات الخارجية بقدر لا يقل عن العوامل الداخلية، فإن هذه الرسائل الأميركية مرشحة أن تكون جزءا من لعبة النفوذ الكبرى التي ستحدد مستقبل ليبيا في السنوات المقبلة.
تنبيه أممي
أمام تسارع التحركات الأميركية على الأرض الليبية، أعربت الممثلة الخاصة للأمين العام رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا هانا تيتيه عن أملها في أن "تُنسق الولايات المتحدة إجراءاتها في ليبيا مع الأمم المتحدة".
وأضافت تيتيه "وذلك لضمان التنفيذ الفعال لخريطة الطريق السياسية الجديدة التي طرحتها أخيرا على مجلس الأمن الدولي والأطراف الليبية".
وبحسب موقع "الوسط" الليبي، قالت تيتيه: إن البعثة على استعداد تام للعمل مع أعضاء مجلس الأمن ودول أخرى لمعرفة كيفية المضي قدما في خريطة الطريق السياسية، وأنها منفتحة على القيام بذلك مع الولايات المتحدة أيضا.
وعرضت تيتيه في إحاطتها أمام مجلس الأمن في 21 أغسطس/آب 2025 خريطة طريق بُنيت على ثلاث ركائز أساسية، تشمل إعداد إطار انتخابي سليم من الناحية الفنية، وتوحيد المؤسسات من خلال حكومة جديدة موحدة، وتنظيم "حوار مهيكل" يتيح المشاركة الواسعة لليبيين.
وقالت تيتيه: إن خريطة الطريق "ستنفذ عبر عملية تدريجية متسلسلة، وفق إطار زمني يتراوح ما بين 12 إلى 18 شهرا"، لافتة إلى أن تنفيذ الخطة يعتمد تعزيز مفوضية الانتخابات عبر إعادة تشكيل مجلس إدارتها، لسد الفراغات فيه، ومعالجة القضايا التي أسهمت في عدم إجراء الانتخابات في 2021.
وفي تصريح نقلته الصحافة المحلية، لاحظ أستاذ القانون راقي المسماري، وجود تقاطع بين التحركات الأميركية والمسار الأممي.
وأوضح المسماري أنه "أصبح من الواضح تماما أن هناك خطة أميركية للحل في ليبيا ترتكز على ما يسمى بالأسس الاقتصادية والأمنية".
واسترسل: "الخطة ظاهرها تكاملي مع خطة البعثة الأممية، لكن في جوهرها يبدو أنهما مختلفتان تماما؛ حيث ترتكز الخطة الأميركية أولا على الاقتصاد ثم الأمن، وتشير إلى أن استقرار هذين العاملين سيؤثر إيجابيا على مناخ الحل السياسي".
قال المجلس الأطلسي (مركز أبحاث أميركي متخصص في الشؤون الدولية): إن واشنطن ركزت في السنوات الأخيرة سياستها تجاه ليبيا على بناء الاستقرار، مع التركيز على تشجيع الخطوات نحو التكامل الأمني والحفاظ على استقلالية المؤسسات السيادية الرئيسة وتكنوقراطيتها، مثل المؤسسة الوطنية للنفط والبنك المركزي الليبي.
وأوضح المجلس الأطلسي في تقرير صدر بتاريخ 03 أكتوبر/تشرين أول 2025، أنه بقيادة بولس مسعد، كبير مستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإفريقيا، زادت الولايات المتحدة مؤخرا من تركيزها على المشاركة التجارية، مع إعطاء الأولوية لدعم الشركات الأميركية التي تتطلع إلى دخول السوق الليبية المربحة.
من جانب آخر، رأى التقرير أن الولايات المتحدة يمكن أن تتحالف مع دول أخرى مؤثرة في المشهد الليبي، خاصة إيطاليا وتركيا، مما قد "يُحدث فرقا في ليبيا".
وأشار إلى أن تأثير واشنطن المهم والقوي في دفع روما وأنقرة إلى اتباع السياسة الأميركية القائمة على التوازن في تعاملها مع الملف الليبي.
ويرى المجلس أن تعاون تلك الدول مع الطرفين في المنطقتين الشرقية والغربية من ليبيا يعزز الفرص الاقتصادية لها في البلاد، خصوصا إذا جرى توحيد المؤسسات وتحقيق الإصلاح.
ورأى المجلس في تقرير للكاتبين فرانك تالبوت وكريم مزران أنه بحلول سبتمبر 2025 "بات واضحا أن هذه الدول المؤثرة تتفق على ما كان يُعرف سابقا بنهج الولايات المتحدة المتمثل في المشاركة المتوازنة عبر الانقسام الليبي".
وأضاف: "تبدو هذه الإستراتيجية عملية؛ نظرا لأن أي تسوية سياسية أو اقتصادية في ليبيا لا تعد ذات مصداقية دون وجود وسطاء نفوذ شرقيين على الطاولة".
ويعتقد معدا التقرير أنه يمكن لواشنطن وأنقرة وروما ومن خلال دبلوماسية مستدامة مع الفصائل بالمنطقتين الشرقية والغربية، تعزيز الفرص الاقتصادية التي يتيحها توحيد المؤسسات والإصلاح في ليبيا.
ونوه التقرير إلى أن حسابات روما مختلفة عن واشنطن، إذ تركز الأولى على ملف الهجرة، خصوصا أن ليبيا تبقى محور الطريق الرئيس عبر البحر المتوسط. وفي الوقت نفسه، تُعد واردات الغاز الطبيعي ومشاريع الطاقة في روما أساسية للأمن الاقتصادي الإيطالي على المدى الطويل.
في الوقت ذاته، تنظر أنقرة إلى ليبيا كساحة اقتصادية وجيوسياسية. يمنحها وجودها العسكري وعقودها التجارية نفوذا، في حين يُشير تواصلها الأخير مع قادة المنطقة الشرقية إلى رغبتها في ممارسة نفوذ مع طرفي النزاع.
وأشار التقرير إلى أن بولس مسعد اجتمع مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في أغسطس 2025 وأجريا مناقشات حول المشاركات في ليبيا والجهود المشتركة لتعميق التعاون.
ورأى أن زيارة المسؤول الأميركي إلى روما في سبتمبر 2025 برهنت على هذا التوافق بين الإستراتيجيات التركية والأميركية والإيطالية.
وتُربط مشاريع الطاقة ومبادرات البنية التحتية وفرص التجارة الآن بشكل متكرر بالتعاون الأمني وإدارة الهجرة. ويبدو أن المنطق يكمن في إمكانية توسع النشاط التجاري مع التقدم المحرز في استقرار قطاع الأمن وتوطيد المؤسسات الحكومية الرئيسة.
وأشار المجلس إلى أنه، وعلى الرغم من أن كل دولة تُركز على أولويات مختلفة، إلا أنها تتفق معا على إطار عمل ينظر إلى المشاركة الاقتصادية وتوحيد المؤسسات كخطوات متبادلة التعزيز نحو الاستقرار في ليبيا.
ووفق المجلس الأطلسي، يتمثل التحدي الآن في ضمان أن يُعالج هذا التقارب مشاكل ليبيا الأعمق، إذ ما يزال الفساد والانتهاكات المستشرية من قبل الجماعات المسلحة على كلا الجانبين دون رادع.
وخلص إلى أنه إذا تم جرى تجاهل هذه القضايا، فقد يُفاقم النشاط الدولي المتزايد في التجارة وقطاع الأمن الخلل بدلا من حله.
مسار جديد
في زاوية أخرى لمقاربة هذه التحركات الأميركية، يرى عميد كلية القانون السابق بجامعة سرت، خليفة حواس، أن المؤشرات الراهنة تكشف عن بروز مسار سياسي جديد في ليبيا، تدفع به الإرادة الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة، بعيدا عن الجهود التي تقودها البعثة الأممية.
ووفق موقع "الساعة24" الليبي، 27 سبتمبر 2025، أشار أحواس إلى أن "وجود حكومة جديدة بات مطلبا داخليا وخارجيا؛ إذ لا يمكن الحديث عن انتخابات بدون سلطة تنفيذية موحدة، ولا عن توحيد المؤسسات دونها".
وأضاف أن هذه الحكومة، في حال تم التوافق عليها، "لن تُولد إلا برعاية وإرادة دولية صريحة"، مشددا على أن المحرك الأساسي لهذا التوجه هو الإدارة الأميركية، أو من وصفهم بـ "الدول الصديقة".
وأكّد أن مصالح القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة في المنطقة الشرقية، جعلت من "تقاسم الكعكة" دافعا إضافيا لدعم تشكيل حكومة توافقية جديدة تنبع من واقع السيطرة الفعلية على الأرض، وليس من التفاهمات السياسية فقط.
وأوضح أحواس أنّ "أميركا تفكر منذ فترة في تشكيل حكومة جديدة، لكن هذه المرة كان طرحها مباشرا وواضحا”. لافتا إلى أن واشنطن بدأت تتحدث عن هذا المشروع بشكل علني، ما يشير إلى تحول نوعي في مقاربتها للملف الليبي.
وذكر أن "خارطة الطريق التي تبنتها البعثة الأممية لم تُنفذ، والدليل أن مجلسي النواب والدولة لم يحققا أي تقدم خلال الشهرين الماضيين، دون أن تُبدي البعثة أي قلق أو تحرك جاد"، وهو ما عده دليلا على "عودة النهج القديم القائم على الصمت الدولي تجاه تعطل المسارات السياسية".
ورأى أن "القوتين الفاعلتين على الأرض اليوم هما حكومة الوحدة المؤقتة، المعترف بها دوليا، والقوات المسلحة في الشرق"، مؤكدا أن "أي حكومة قادمة ستتشكل عبر تفاهمات بين هذين الطرفين تحديدا".
وخلص إلى أن "الإدارة الأميركية، عبر مبعوثها، تبدو مقتنعة بضرورة تجاوز الأجسام القائمة، ما يعني أن أي مخرجات مستقبلية ستكون بإشراف ومباركة أميركية أولا وأخيرا".
المصادر
- جيريمي بيرنت يعقد 8 اجتماعات مع مسؤولين ليبيين في أسبوع.. لماذا كل هذه اللقاءات؟
- تيتيه تحث الولايات المتحدة على تنسيق إجراءاتها في ليبيا مع البعثة الأممية
- بيان الرئاسة بشأن اجتماع كبار المسؤولين المعنيين بليبيا
- US, Italy, and Turkey alignment could push the needle in Libya
- أحواس: واشنطن تتحرك علنا لتشكيل حكومة جديدة بعيداً عن البعثة الأممية