ثاني انتصار لـ"جيل زد".. ماذا بعد هروب رئيس مدغشقر وتولي الجيش؟

"ما يزيد من غموض المستقبل غير المحسوم في هذا المشهد المضطرب، أنه لا يوجد للشباب المنتفضين قيادة واضحة أو خريطة طريق جاهزة"
بعدما نجح "جيل زد" في تحريك الشارع بالمغرب وكينيا وإندونيسيا والفلبين، وأسقط النظام في نيبال، حقق ثاني انتصار وأطاح برئيس مدغشقر، وسط أجواء مشابهة لدومينو الربيع العربي.
فيضان غضب ثورة جيل زد، حسم الثورة الشبابية في ثاني بلد يرفع شعارات هذا الجيل، وأسقط النظام يوم 14 أكتوبر/تشرين الأول 2025، وهرب الرئيس.
لكن الجيش استولي على السلطة، وسط جدل حول ما إذا كان ما جرى "انقلاب"، أم سعى الجيش لخلق شرعية جديدة، وربما سرقة ثورة "زد" مثلما تم إجهاض الربيع العربي؟
وتميز جيل الثورة، الفائز في نيبال ومدغشقر، برفعهم نفس الشعارات، المقتبسة من مغامرات القرصان "لوفي" في مسلسل الرسوم المتحركة الياباني "ون بيس" الشهيرة، والتي محورها البحث عن الحرية.
وعلى حين حمل جيل الألفية قناع "V for Vendetta" خلال احتجاجات الربيع العربي وحركة "احتلوا وول ستريت"، كان شعار احتجاج جيل زد الخاص هو علم جمجمة وعظمتين متقاطعتين، حيث ترتدي الجمجمة قبعة من القش.
وهذه الصورة، مأخوذة أصلاً من قصص المانغا اليابانية الشهيرة "ون بيس"، وتُعد رمزا لتوقهم للعدالة والتغيير، حيث تدور حول قرصان شاب (لوفي) يحارب النخب الفاسدة ويكافحهم.

السقوط الثاني
بعد سقوط النظام في نيبال (تقع بين الهند والصين) يوم 10 سبتمبر/ أيلول 2025، بقرابة شهر، نجح جيل زد الشبابي الغاضب في إسقاط نظام مدغشقر في إفريقيا، وهرب الرئيس أندري راجولينا بمساعدة فرنسا التي كانت تدعمه هي والإمارات.
صباح 14 أكتوبر 2025، سقطت أقنعة الشرعية في مدغشقر حين أعلن العميد ميشيل راندريانيرينا، قائد وحدة "كابسات "CAPSAT""، النخبوية، في بث إذاعي: "لقد تولينا السلطة".
بهذه العبارة، أعلن الجيش، ما عده الرئيس الهارب "انقلابا عسكريا"، بعدما انشقت قوات النخبة ضده، وأعلن البرلمان (الذي حله الرئيس) عزله، ما يثير مخاوف من اندلاع صراع يستهدف خداع جيل زد وتكرار ما جرى لجيل الربيع العربي.
لم يأت انقلاب الجيش من فراغ، بل جاء تتويجا لأسبوعين من الاحتجاجات العارمة بدأتها حركة شبابية تحمل اسم" Gen زد Madagascar، احتجاجًا على تردي الخدمات.
حيث تكررت بشكل مستمر الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي ونقص المياه في العاصمة أنتاناناريفو، ثم امتدت المظاهرات لتطال الفساد وتطالب ببتره، وتنتقد الفوارق الاجتماعية، وانهيار الخدمات العامة.
وأبدى المتظاهرون غضبهم من الفساد الحكومي، وتقلص فرص الحصول على التعليم العالي، وارتفاع تكاليف المعيشة، والفقر الذي يؤثر على حوالي 75 بالمئة من سكان مدغشقر، وفقًا للبنك الدولي.
ورغم أن الشباب قادوا المظاهرات إلا أن آخرين شاركوا فيها، بما في ذلك جماعات مدنية ونقابات، وفق وكالة "اسوشيتدبرس".
وتُعد مدغشقر واحدة من أفقر دول العالم، حيث بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 545 دولارًا أميركيًا فقط عام 2024، وفقًا لبيانات البنك الدولي.
وقد احتلت المرتبة 140 من بين 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2024، وفق صحيفة "الغارديان" البريطانية 14 أكتوبر 2025.
وتتمتع الجزيرة بثروة طبيعية غنية، مثل الفانيليا والأحجار الكريمة، والتي يقول نشطاء: إنها استُغلت من قبل مسؤولين ورجال أعمال فاسدين.
وما سهل التحول في المشهد وانتصار جيل زد، أن وحدة “CAPSAT” العسكرية، التي سبق أن ساعدت الرئيس راجولينا في الوصول إلى السلطة سنة 2009، أعلنت تمردها ورفضها تنفيذ أوامر استخدام العنف ضد المتظاهرين.
ثم تلتها انشقاقات في قوات الدرك والشرطة، ما عزز فكرة أن دعم الدولة الأمنية لراجولينا آخذ في التآكل، وانتهي الأمر بإعلان الجيش تولي السلطة.
وكان 130 نائبا صوتوا مقابل واحد على عزل الرئيس راجولينا وإقالته من منصبه، على وقع الطوفان الجماهيري، لكن الرئيس حل البرلمان، مما ترك البلاد في مأزق دستوري استغله الجيش ليعلن توليه المسؤولية.
ثم أعلن قائد الجيش حل المؤسسات الرسمية: مجلس الشيوخ، المحكمة الدستورية، اللجنة الانتخابية العليا، وحتى المحكمة العليا، بحجة أنها "باتت أدوات بيد نظام منهك".
ورغم حل الجيش لها، تحركت المحكمة العليا في مدغشقر لتدعم قرار العسكر، ودعت قائده المُنقلب إلى تولي رئاسة البلاد مؤقتًا، وتنظيم انتخابات خلال 60 يومًا، في محاولة لشرعنة الأمر الواقع.
ووصف الرئيس الهارب ما يحدث بأنها "محاولة انقلاب غير قانونية"، مؤكدًا أنه ما يزال في السلطة.
وتحدثت تقارير صحفية عن نقله إلى جزيرة ريونيون أو دبي عبر طائرة عسكرية فرنسية؛ حيث كانت مدغشقر مستعمرة فرنسية.
لكن قائد وحدة النخبة "كابسات"، العقيد مايكل راندريانيرينا، نفي وقوع أي انقلاب، وقال: "استجبنا لدعوة الشعب"، رغم إعلانه السيطرة على جميع القوات المسلحة وتنصيب قائدًا جديدًا للجيش، هو الجنرال ديموستيني بيكولاس.
هل البديل عسكري؟
لأن بعض العسكريين والشرطة انضموا للمتظاهرين، فقد كان رد فعل شباب زد من انقلاب الجيش أو إعلانه السيطرة على الحكم مؤيدا.
حيث احتفلت حركة الجيل زد في مدغشقر بالانقلاب يوم 14 أكتوبر، ونشرت على حسابها على إنستغرام: "إنه يوم عظيم أن نعيشه!!"، متبوعة بمقاطع فيديو لأشخاص يحتفلون.
ونقلت صحيفة "الغارديان" البريطانية ووكالات أنباء عن بعض المنتمين لجيل زد سعادتهم؛ "لأن الجيش معنا، نحن الشعب، وهو يعرف ما نريده وهذا ما يفعله الآن"، ودعمهم لتدخل الجيش "لأن نظام مدغشقر فاسدًا للغاية".
لكن بعضهم ظل حذرا وأكد: "أنا لا أعرف حقًا ما هي النوايا التي تمتلكها المجموعة العسكرية، لذلك أفضل أن أبقى على حذر وأرى ما يريدون فعله وما سيفعلونه."
والمشكلة أن المحتجين الشباب من جيل زد، يعترف كثير منهم عبر منافذ إلكترونية أبرزها "تطبيق ديسكورد"، الذي يستخدمه شباب جيل "زد"، بعدم وجود رؤية واضحة للخلافة أو لآلية حكم بديلة لديهم.
وهو ما يفتح الباب للتساؤل: من سيملأ الفراغ؟ وهل سيطرة الجيش على السلطة وإعلانه أنه هو من سيحكم سينتهي ببديل عسكري وقمعي على غرار الربيع العربي، بعدما تعهد بالبقاء في السلطة عامين ثم إجراء انتخابات؟
أم ستختلف تجربة شباب "جيل زد"، الأكثر تمردا ووعيا بتجارب الربيع العربي الفاشلة؟
وهل ذوبان الشرعية، ممثلة في عزل البرلمان للرئيس، وحل الرئيس للبرلمان ثم هروبه، وتعطيل مؤسسات الدولة، سيخدم مصلحة الجيش في البقاء في السلطة؟ أم تتغير المعادلة ويتم الاستجابة لشباب زد وإجراء تحول ديمقراطي؟
واستمر المحتجون من جيل زد في التظاهر والاحتفال بسقوط الرئيس والحلم بما حلم به بطل قصتهم في فترة الطفولة "لوفي" الذي يسعى لتحريرهم.
ورددوا شعارات مثل "نريد أن نعيش، لا أن نكتفي بالبقاء"، مستخدمين رموزًا من الثقافة الرقمية، مثل علم الجمجمة والقبعة من أنمي" One Piece، التي أصبحت رمزًا لعصيان الجيل الجديد ضد السلطة التقليدية.
وتدور قصة "ون بيس" في عالم خيالي واسع مليء بالمحيطات والجزر والقراصنة، وتتمحور حول رحلة شاب اسمه مونكي دي لوفي (Monkey D. Luffy) يحلم بأن يصبح ملك القراصنة، وهو لقب أعظم قرصان في التاريخ "غول دي روجر".
وقبل إعدام "روجر" كشف للعالم أنه ترك كنزًا أسطوريًا يُسمى "ون بيس" (One Piece) في نهاية البحر المسمى "الجراند لاين" (Grand Line)، وأعلن أن من يجده سيصبح ملك القراصنة، وهذه الكلمات أشعلت "عصر القراصنة العظيم".
أما بطل القصة "لوفي" الذي يتقمص دوره جيل زد، فهو شاب بسيط ومتفائل يتمتع بشجاعة لا حدود لها، ويملك قدرة خارقة وهدفه العثور على كنز ون بيسوتكوين طاقم من الأصدقاء الأوفياء الذين يبحرون معه نحو الحرية.

وما يزيد من غموض المستقبل غير المحسوم في هذا المشهد المضطرب، أنه لا يوجد للشباب المنتفضين قيادة واضحة أو خريطة طريق جاهزة، ومطالبهم كانت إسقاط الرئيس ومحاسبة الفاسدين، وتحسين الخدمات، ودستور جديد.
وهو ما يدفع مدغشقر نحو مخاطر التحول العسكري خصوصا بعد تعطيل مؤسسات الرقابة وإسقاط المؤسسات القضائية والبرلمانية، ما يفسح المجال للفساد وسوء الإدارة والحكم العسكري القمعي.
لكن ما حدث في مدغشقر لا يمكن عزله عن موجة الغليان الشبابي التي تضرب القارات النامية، فجيل ما بعد الإنترنت، الملقب بـ "جيل زد" لم يعد يكتفي بالمطالبة بالإصلاحات، بل يطالب بإعادة تعريف السلطة نفسها.
كما أن هذا الجيل لا يخاف الانقلابات، لأنه ولد في قلب الفوضى ولا يثق بالسياسيين؛ لأنه تربى على الإنترنت، حيث الحقائق لا تُحتكر.
فهل تقدم مدغشقر اليوم نموذجاً خاماً لثورة بلا قادة، لكن ذات رسالة واحدة تتردد عبر القارة: "إذا فشلتم في إنارة بيوتنا، فسنضيئ نحن مستقبلنا"؟!
واندلعت المظاهرات لأول مرة في البلاد في 25 سبتمبر/أيلول 2025، بسبب نقص المياه والكهرباء، وتصاعدت بسرعة إلى انتفاضة بسبب المظالم الأوسع، بما في ذلك الفساد وسوء الإدارة ونقص الخدمات الأساسية.
ودعا الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة الجيش لاستعادة النظام الدستوري في أسرع وقت ممكن، وطالبوا بـ "حوار شامل لإعادة مدغشقر إلى الحكم الديمقراطي".
وقالت فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة لمدغشقر، إنها تراقب الوضع عن كثب، في حين أدانت وزارة الخارجية الأميركية الانقلاب ودعت إلى حماية المدنيين والمؤسسات الديمقراطية.
وتعهد المجلس العسكري الجديد بتعيين رئيس وزراء مدني "خلال أيام" وعقد حوار وطني يهدف إلى صياغة دستور جديد قبل الاستفتاء عليه في عام 2027.
ومع ذلك، لم يقدم سوى القليل من التفاصيل حول عملية الانتقال، مما ترك الكثيرين في حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل السياسي للبلاد.
وحذر محللون من أن الانقلاب قد يؤدي إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار ما لم يلتزم الجيش بجدول زمني واضح وشفاف لاستعادة الحكم المدني، بحسب موقع "بوليتيكس توادي"، 15 أكتوبر/تشرين أول 2025
وشهدت مدغشقر، وهي جزيرة كبيرة يبلغ عدد سكانها 31 مليون نسمة قبالة الساحل الشرقي لإفريقيا، إقالة العديد من القادة في الانقلابات ولديها تاريخ من الأزمات السياسية منذ حصولها على استقلالها عن فرنسا في عام 1960.
وبرز الرئيس "راجولينا"، البالغ من العمر 51 عامًا، لأول مرة كزعيم لحكومة انتقالية عقب انقلاب عام 2009 الذي أجبر الرئيس آنذاك مارك رافالومانانا على الفرار من البلاد وفقدان السلطة.
وانتُخب راجولينا رئيسًا عام 2018، وأُعيد انتخابه عام 2023 في انتخابات قاطعتها أحزاب المعارضة وقالت: إنها مزورة، قبل هروبه والإطاحة به أكتوبر 2025.
المصادر
- Madagascar’s President Ousted in Military Coup Following Protests
- Madagascar’s military takes power, fleeing president impeached
- Elite military unit says it has seized power in Madagascar
- Madagascar’s president says a coup is underway after soldiers joined anti-government demonstrations
- How the ‘One Piece’ manga has become a global symbol of Gen Z revolt