عودة حماس إلى شوارع قطاع غزة.. فشل مبكر لخطة نزع السلاح؟

حماس ترسل إشارة لا لبس فيها بأنها لم تختف من قطاع غزة
مع سريان وقف إطلاق النار في غزة، بدأت قوات الأمن الفلسطينية الانتشار في العديد من مناطق القطاع لتأمين السكان وحفظ الأمن.
إلا أن هذا المشهد أثار انتقادات من موقع "دويتشه فيله" الذي رأى أن حركة المقاومة الإسلامية حماس "لا تزال حاضرة بقوة في قطاع غزة".
وزعم الموقع أن الحركة "تخوض صراعات دموية على النفوذ مع عشائر ومجموعات منافسة"، وذلك بسبب محاربتها للعملاء والمليشيات المسلحة وسارقي المساعدات الإنسانية.
وأمام هذا الواقع، طرح الموقع تساؤلات عن مدى واقعية نزع سلاح حماس وإقصائها من غزة، لافتا إلى ما قد يشكله الأمر من خطر على ألمانيا وأوروبا.

عودة تدريجية
وقال الموقع: إنه "بعد أيام قليلة من انتهاء الحرب في غزة (10 أكتوبر/تشرين الأول 2025)، تواصل حماس -التي تصنف كمنظمة إرهابية في ألمانيا والولايات المتحدة وعدة دول أخرى- استعراض سلطتها ونفوذها في القطاع".
وأردف: "تتبع الحركة أساليب بالغة القسوة؛ إذ تعدم من تصفهم بالمجرمين أو الخونة من أبناء العشائر أو الجماعات المنافسة وذلك إما رميا بالرصاص أو شنقا، وبعض هذه الإعدامات تنفذ علنا وتوثق بالفيديو وتنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي".
وتتهم حماس هؤلاء الأشخاص بارتكاب جرائم قتل، أو التجسس لصالح إسرائيل إضافة إلى سرقة المساعدات الإنسانية.
ونقل عن صحيفة "هآرتس" العبرية قولها: "لا تزال حماس تمتلك نحو 40 ألف مقاتل، وقد بدأ هؤلاء بالظهور مجددا في شوارع وساحات غزة، في مشهد يعكس عودة تدريجية للنفوذ العسكري للحركة".
بدورها، نقلت صحيفة "جيروزالم بوست" العبرية عن الصحفي المتخصص في الشؤون الفلسطينية خالد أبو توامة، قوله إن العشرات قد اعتقلوا، مضيفا: "يُعتقد أن كثيرين منهم سيتم إعدامهم".
وادعى الموقع أن هذه الصدامات تحدث بين حماس وعدة عشائر أبرزها عائلة دغمش، التي "تخوض مع الحركة صراعا طويلا منذ سنوات طويلة".
وأردف: "تعود جذور عائلة دغمش إلى أصول تركية، وقد استقرت في قطاع غزة خلال القرن العشرين، وسيطرت لاحقا على منطقتين فيه". ولفت إلى أن "هذه العائلة تعد قريبة من حركة فتح ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس".
ونوه كذلك إلى أنه "وفق تقرير لقناة الجزيرة القطرية، فقد شارك بعض أفراد العائلة عام 2006 في عملية اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط".
إلى جانب دغمش، هناك عشائر أخرى منخرطة في صراعات مماثلة مع حماس، من بينها عائلة أبو شباب، التي تنحدر من جماعة بدوية جنوب قطاع غزة.
تتهم حركة حماس عائلة أبو شباب بالتعاون مع إسرائيل، بينما تنفي العائلة تلك الاتهامات، لكن الصحافة العبرية أثبتت اتهامات العمالة لتلك المجموعة،
إذ قالت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”: إن "حكومة بنيامين نتنياهو زودتها بالأسلحة، وهو ما أكده الأخير نفسه".

رسالة واضحة
في ظل هذا المشهد المعقد، تساءل الموقع عن مستقبل حماس بغزة، فوفقا لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يفترض أن ينزع سلاحها بالكامل.
غير أن التقرير يقدر أن "هذا الهدف لا يزال بعيد المنال، وأن فرص نجاح عملية نزع السلاح غير واضحة حتى الآن". وعزا ذلك إلى "تصريحات متضاربة لترامب".
ففي خطابه بإسرائيل خلال أكتوبر 2025، قال: إن المنطقة بأكملها وافقت عمليا على خطة نزع سلاح حماس، بما يضمن عدم تهديد أمن إسرائيل مجددا".
إلا أنه صرح خلال رحلته إلى إسرائيل بأن إدارته سمحت مؤقتا لحماس بإعادة التسلح، في محاولة منها لإعادة فرض النظام بعد شهور من الحرب.
ثم عاد وأدلى بتصريحات مغايرة، إذ قال إنه "إذا لم تقم حماس بنزع سلاحها بنفسها، فإن الولايات المتحدة ستفعل ذلك، وربما باستخدام القوة".
ويرى الباحث في الدراسات الإسلامية بجامعة القدس العبرية، سيمون فولفغانغ فوكس، أن إظهار حماس لحضورها العسكري في غزة بعد انسحاب القوات الإسرائيلية "يحمل رسالة واضحة".
ويضيف: "حماس ترسل إشارة لا لبس فيها بأنها لم تختف من قطاع غزة، بل على العكس، لا تزال تطالب بدور فاعل فيه".
في الوقت ذاته، تشير دراسة صادرة عن "المجلس الأطلسي الأميركي للأبحاث" إلى أن "الطريق نحو نزع سلاح حماس لا يزال طويلا".
ويقدر المجلس أنه "في ظل سيناريو تحتفظ فيه حماس بقدراتها العسكرية، حتى وإن استُبعدت رسميا من السلطة؛ تصبح الحاجة إلى تعزيز آلية حكم قوية في غزة أكثر إلحاحا".
ورأى أن ذلك "يتطلب وجود سلطة مدنية لا تملك الشرعية والموارد فحسب، بل تتمتع بصلاحيات أمنية ونظام قضائي فعال يستطيع استخدام القوة عند الضرورة".
ومع ذلك، لفت المجلس إلى أن تطبيق هذا الحل يظل مرهونا بضعف القدرات العسكرية لحماس إلى حد كبير، وصولا إلى ما يمكن وصفه بـ"نقطة التحول"، التي تتيح لقوة مدنية مدربة ومجهزة وشرعية أن تتولى إدارة أي تهديد متبق بشكل فعال.
وأشار إلى أنه "على الأقل في الوقت الراهن، ورغم أن حماس فقدت جزءا كبيرا من قيادتها وسيطرتها على دخول المساعدات إلى غزة وغيرها من عناصر الحكم؛ فإنها ما زالت تحتفظ بقوات عسكرية تعمل بكفاءة وفعالية".
وخلص إلى أنه "طالما استمرت حماس في الوجود، سواء كتنظيم مسلح أو حركة سياسية أو حتى كفكرة، فإن خطر استعادة نفوذها في غزة لتحقيق مصالحها الخاصة سيظل قائما"، مضيفا: "يبدو أن هذا ما يحدث حاليا بالفعل".
ضمان للبقاء
من جانبه، يرى سيمون إنجلكس، مدير مكتب مؤسسة كونراد أديناور في رام الله أن "حماس تعد سلاحها ضمانا لوجودها، ليس فقط عسكريا، بل أيضا سياسيا ورمزيا".
ويضيف: "من دون مقابل سياسي ملموس، من غير المرجح أن توافق الحركة على التخلي عن سلاحها".
أما الضمانات الأمنية التي قدمها ترامب، والتي تنص على عدم استئناف الحرب في غزة، فهي من وجهة نظره "غير كافية في الوقت الراهن".
ويعتقد إنجلكس أن "البنية العسكرية لحماس قد تكون تعرضت لضرر كبير خلال الحرب، إلا أن شبكتها الداخلية وحضورها العلني في القطاع لا تزال قائمة، وهو ما يضمن لها البقاء السياسي على المدى القصير والمتوسط".
من جانب آخر، أشار الموقع إلى أن "مسألة نزع سلاح حماس تعد أمرا صعبا لأنها الجهة المسؤولة عن الأمن الداخلي في غزة حتى السابع من أكتوبر 2023".
وتابع: "فمنذ أن تولت الحكم في القطاع عام 2007، كانت الحركة مسؤولة عن الشرطة والأمن الداخلي والقضاء وسلطة إصدار الأحكام، أما الآن فلا يزال غير واضح من سيتولى هذه المهام مستقبلا".
ويكمل: "فقد أعلنت مصر والأردن أنهما تعدان حاليا ما يصل إلى خمسة آلاف عنصر أمني تمهيدا لنشرهم مستقبلا في القطاع".
وأوضح أنه "وفقا للتصور الذي تطرحه الدول العربية الشريكة لترامب، فمن المقرر إشراك أجهزة الشرطة التابعة للسلطة الفلسطينية في هذه القوة أيضا".
لكن هذا الطرح قد يكون مثار خلاف، كما يوضح الباحث فوكس، إذ يقول: "من المحتمل جدا أن تعترض إسرائيل على هذه القوى المحلية".
فالحكومة الإسرائيلية لا ترغب في منح السلطة الفلسطينية أي دور بقطاع غزة، بل تسعى إلى منع وجود أي قوة لها صلة بالحكومة في رام الله.
لذلك، "لا يزال من غير المعروف تماما كيف يمكن التوصل إلى اتفاق حول هذه المسألة، ولا في أيدي من ستكون الأجهزة الأمنية المسؤولة بنهاية المطاف".

تهديد محتمل
على المستوى الأوروبي، أوضح الموقع أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حذر من "التهديد المستمر الذي تشكله الحركة".
مع ذلك، لفتت إلى تصريحه عقب توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في مدينة شرم الشيخ المصرية الذي أقر فيه بأنه "لا يمكن القضاء على جماعة إرهابية تضم آلاف المقاتلين وتملك شبكة أنفاق وتسليحا بهذا الحجم بين ليلة وضحاها"، وفق تعبيره.
أما رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، فقد أعلن استعداد بلاده للمساهمة في عملية نزع سلاح حماس، كما عبرت الحكومة الألمانية عن موقف واضح برفض أي حضور سياسي مستقبلي للحركة.
وفي هذا الإطار، يرى إنجلكس أن المواجهة الحقيقية لم تبدأ بعد، لافتا إلى أن "المسألة لا تتعلق فقط بالسلاح، بل تشمل أيضا السيطرة السياسية والشرعية: من سيمثل غزة مستقبلا؟ وبأي سلطة؟".
في سياق متصل، أشار الموقع إلى أن رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الألماني مارتن ييغر، حذر خلال جلسة استماع في البرلمان الألماني (البوندستاغ)، من أن "تجاهل مصالح حماس بشكل كامل قد ينطوي على مخاطر جسيمة".
وأوضح أنه "في حال لم تُشرك حماس في إدارة انتقالية للقطاع وطُردت بدلا من ذلك خارج القطاع، أو دُفعت مجددا إلى العمل السري، فإن هناك خطرا حقيقيا للغاية بأن تنشط خارج غزة".
ونبه مارتن ييغر إلى أن "هذا سيؤثر بطبيعة الحال على العالم العربي، لكنه سينال أوروبا أيضا بكل تأكيد".
واتفق الموقع مع رأيه قائلا: “يجمع المراقبون على أن الحل على المدى البعيد يكمن في تمكين الفلسطينيين من العيش بكرامة”.
وإذا لم يتحقق ذلك، فإن احتمالات عودة العنف على نطاق واسع ستظل قائمة وبقوة، وفق تقدير الموقع.