طالبان تمد يدها إلى الهند.. لتوسيع علاقاتها أم لتحدي نفوذ باكستان؟

منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

رغم عدم اعترافها رسميا بحكومة طالبان كسلطة شرعية، استقبلت الهند في 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2025، وزير خارجية أفغانستان أمير خان متقي في زيارة غير مسبوقة تستمر أسبوعا كاملا.

وينظر موقع "دويتشه فيله" الألماني إلى هذه الزيارة بصفتها "محاولة من طالبان لتقديم نفسها كشريك موثوق للهند التي ترى في المقابل أن التقارب مع الحركة يحقق لها مصالح إستراتيجية في هذه المرحلة".

محفوف بالمخاطر 

والتقى أمير خان متقي بوزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار، لبحث ملفات عدة، تشمل مكافحة الإرهاب والعلاقات التجارية، إضافة إلى المساعدات الإنسانية وجهود التنمية في أفغانستان. 

ولفت الموقع إلى أنه رغم فرض مجلس الأمن الدولي حظر سفر على عدد من قادة حركة طالبان، من بينهم متقي نفسه، الذي مُنح استثناء خاصا يسمح له بزيارة الهند.

وتوقع أن يطلب متقي البالغ من العمر 54 عاما، من الحكومة الهندية اعتماد مبعوث رسمي لطالبان في السفارة الأفغانية بنيودلهي، فضلا عن سعيه إلى زيادة عدد الموظفين الدبلوماسيين في القنصليات الأفغانية بكل من مومباي وحيدر آباد.

وبالفعل، رفعت الهند مستوى علاقاتها مع الحكومة الأفغانية بإعلانها إعادة فتح سفارتها في كابول التي أُغلقت بعد عودة حركة طالبان إلى السلطة عام 2021.

في هذا السياق، أشار الموقع إلى أن “الهند تسير على نهج إستراتيجي محفوف بالمخاطر منذ سيطرة طالبان على الحكم”؛ إذ تحافظ على قنوات اتصال غير رسمية مع الحركة، وفي الوقت ذاته تتجنب أي خطوات قد توحي باعتراف حكومة حزب بهاراتيا جاناتا القومي بطالبان كسلطة شرعية.

ومن مظاهر التعاون المشترك بين الطرفين، إرسال الهند في يونيو/ حزيران 2022، فريقا فنيا إلى العاصمة كابول لتنسيق إيصال المساعدات الإنسانية.

ثم في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، عقد الدبلوماسي الهندي البارز جي بي سينغ، الذي شغل منصب سفير الهند في كابول بين عامي 2008 و2012، عدة لقاءات مع ممثلين عن طالبان، من بينهم الملا محمد يعقوب، وزير الدفاع في حكومة أفغانستان والمسؤول عن الملف الأمني.

ومطلع عام 2025، وجه وزير الدولة الهندي للشؤون الخارجية، فيكرام ميسري، دعوة رسمية إلى وزير خارجية طالبان متقي لزيارة الهند، وذلك خلال لقاء جمعهما في دبي.

قوة مؤثرة

وأفاد الموقع الألماني بأنه "بينما تواصل الهند محاولاتها للاقتراب من قادة طالبان، تتدهور العلاقات بين الحليفين التقليديين، باكستان وأفغانستان".

وعزا ذلك إلى "الغضب المتزايد من إسلام آباد تجاه طالبان بسبب ما تعده تقاعسا من الحركة في التصدي للإرهاب العابر للحدود".

في هذا الصدد، كان عام 2024 قد شهد اشتباكات دامية في المناطق الحدودية، بعد أن شن سلاح الجو الباكستاني غارات على المحافظات الشرقية لأفغانستان، زاعما أنها تستهدف جماعات إرهابية تنفذ هجمات متكررة ضد الجيش والشرطة في باكستان من الأراضي الأفغانية.

وذكر الموقع أنه "ردا على ذلك، نشرت حركة طالبان مدفعيتها الثقيلة في هذه المناطق وأطلقت النار باتجاه الأراضي الباكستانية".

ويعتقد غوتام موخوبادايا، السفير الهندي السابق في أفغانستان بين عامي 2009 و2013 أن طالبان "تسعى من خلال هذه الزيارة إلى الحصول على دعم أوسع من القوى الإقليمية الكبرى، وعلى رأسها الهند".

ويضيف لموقع دويتشه فيله: "يهدف هذا التقارب جزئيا إلى التشكيك في مزاعم إسلام آباد بشأن نفوذها وهيمنتها على أفغانستان"؛ "فالحكام الجدد في كابول يريدون أن يُظهروا قدرا أكبر من الاستقلالية عن باكستان، وأن يقدموا أنفسهم كشركاء موثوقين للهند".

ويرى موخوباديا أن "هذا التوجه يمثل أيضا خطوة من طالبان لتأكيد حضورها كقوة مؤثرة على الساحة الدولية، واستقطاب اهتمام القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا".

مصالح مشتركة 

على الجهة المقابلة، تتقاطع سياسة الهند الخارجية مع مواقف كل من باكستان والصين وروسيا؛ إذ تتبنى هذه الدول سياسة دعم الشعب الأفغاني من خلال التعاون مع حكومة طالبان، حتى إن موسكو اعترفت رسميا بها في يوليو/ تموز 2025.

ولفت الموقع إلى أن هذه الدول، بما فيها الهند، ترفض دعوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لنشر قوات أميركية في قاعدة باغرام الجوية بأفغانستان.

وأشار إلى أن "نيودلهي عدّت وجود أي قوات عسكرية أجنبية أمرا غير مقبول لما يشكله من تهديد لاستقرار المنطقة".

وبحسب الموقع "فُهم هذا التصريح على نطاق واسع بأنه رسالة غير مباشرة موجهة إلى واشنطن".

من جهتها، تعتقد الباحثة السياسية شانتي مارييت ديسوزا أن الهند وأفغانستان "تجمعهما مصالح مشتركة".

وأوضحت أن حكومة طالبان "تسعى إلى توسيع نطاق تواصلها الدولي وتعزيز شرعيتها، في حين تعمل الهند على الانخراط بشكل أكبر وتدريجيا مع السلطات الفعلية في كابول، بهدف استعادة مساحتها الإستراتيجية في المنطقة".

النفوذ الصيني 

وذهب مدير الأبحاث في مؤسسة "أوبزرفر ريسيرش" في نيودلهي هارش بانت، إلى القول بأن "زيارة وزير خارجية طالبان إلى الهند تحمل دلالات على سعيها لتفادي أي توتر مع نيودلهي".

وذلك "من خلال إظهار قدر من الاستقلال في مواقفها عن باكستان، التي تشكّل الفاصل الجغرافي بين الهند وأفغانستان".

وقال بانت للموقع الألماني: "إن هذا التقارب الحذر يعكس نوعا من الثقة المتزايدة لدى الهند تجاه طالبان كحكومة لأفغانستان، وهي ثقة لم تكن موجودة في بداية تولي الحركة للسلطة".

وأكد أن طالبان لا تريد أن تكون كابول امتدادا لإسلام أباد: "لقد قاومت الحركة محاولات باكستان، خاصة المؤسسة العسكرية فيها، لاستخدام أفغانستان كورقة ضغط إستراتيجية ضد الهند".

وتوقع أنه “في حال نجحت علاقات التعاون بين الهند وطالبان، فقد يؤدي ذلك بشكل غير مباشر إلى إضعاف نفوذ الصين في أفغانستان”.

وكانت أفغانستان ترغب في بناء تحالف بينها وبين باكستان استنادا إلى علاقتها الوثيقة بها والتي تصفها بالتحالف الحديدي.

توقيت متزامن

وبالتزامن مع زيارة متقي إلى الهند، شنت إسلام أباد "هجوما دقيقا" بطائرات مسيرة استهدف قيادات حركة طالبان باكستان في العاصمة الأفغانية كابول.

وتتهم إسلام أباد طالبان باكستان بتنفيذ عمليات إرهابية داخل أراضيها، وتنظر إلى دعم الفرع الباكستاني للحركة على أنه تهديد مباشر لأمنها القومي.

وفي المقابل، تنفي طالبان هذه الاتهامات، مؤكدة أنها لا تسمح باستخدام الأراضي الأفغانية لتهديد أمن الدول المجاورة.

وأفاد الموقع الألماني بأن "الهجوم أسفر عن مقتل زعيم الحركة مفتي نور والي محسود، وخليفته المحتمل قاري سيف الله محسود، بالإضافة إلى قيادي ثالث في التنظيم، فيما لم تؤكّد حركة طالبان هذه الأنباء".

في المقابل، أفاد "تلفزيون تولو الأفغاني بتلقيه في 10 أكتوبر 2025 رسالة صوتية منسوبة إلى نور والي محسود، ينفي فيها تعرضه لأي هجوم، مما يثير الشكوك حول صحة الأنباء المتداولة".

وبحسب الموقع، "تتّهم إسلام أباد خصمها الإقليمي، الهند، بدعم حركة طالبان باكستان من خلال أفغانستان، فيما تنفي نيودلهي هذه الاتهامات وتصفها بأنها لا أساس لها من الصحة".

ولفت إلى أنه "في حال تأكدت مسؤولية باكستان عن الهجوم، فسيكون ذلك أول غارة جوية لها على العاصمة الأفغانية".