التقارب الباكستاني الأميركي.. هل ينجح ترامب في إبعاد إسلام أباد عن الصين؟

منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تتجه العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان نحو التقارب مجددًا، بعد إجراء رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف وقائد الجيش المشير عاصم منير زيارة إلى واشنطن في أواخر سبتمبر/ أيلول 2025.

إذ تعد هذه الزيارة أول لقاء ثنائي بين قيادتي البلدين منذ يوليو/ تموز 2019، ما يُنظر إليه على أنه "مؤشر على تحسن العلاقات بين واشنطن وإسلام آباد". وفق ما يرى موقع "تينسنت" الصيني.

وتساءل الموقع عما إذا كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يحاول استمالة باكستان عبر تقديم عروض مغرية لها تفضي في النهاية إلى إبعادها عن الصين؟

ولفت إلى أن اللقاء بين ترامب وشريف لم يكن الأول خلال تلك الزيارة؛ إذ سبق أن التقيا في 23 سبتمبر 2025، على هامش اجتماع ضم عددا من القادة، بينهم قادة من قطر وتركيا ودول أخرى لبحث الحرب في غزة.

واستدرك: "غير أن اللقاء الأخير تميَّز بطابعه الثنائي البحت؛ إذ ركز الجانبان على مستقبل العلاقات الإستراتيجية بين واشنطن وإسلام أباد، في محاولة لإعادة بناء الثقة التي تآكلت خلال السنوات الأخيرة".

وخلال قمة شرم الشيخ بمصر 13 أكتوبر/تشرين الأول 2025، قال رئيس وزراء باكستان، إن جهود الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في غزة تاريخية وتستحق التقدير، مشيراً إلى أنه “يُمكن ترشيحه لجائزة نوبل للسلام”، وأنه “الرجل الذي احتاجه العالم.

وأضاف شريف: “لولا هذا الرجل، من يدري؟ فالهند وباكستان قوتان نوويتان، ولولا تدخله هو وفريقه الرائع خلال تلك الأيام الأربعة، لربما تصاعدت الأزمة إلى حرب مدمرة. من كان سيبقى حيا ليقص علينا ما جرى؟! لقد خلد التاريخ اسمه بحروف من ذهب. بارك الله فيك، ومنحك العمر المديد لتواصل خدمة وطنك وأمتك بهذه الروح العالية طوال حياتك”.

ترحيب وتباين 

واستعرض الموقع الصيني أبرز محطات العلاقات الباكستانية الأميركية خلال السنوات الأخيرة؛ إذ إنه "منذ انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان عام 2021، شهدت العلاقات المشتركة تدهورا حادا، خاصة مع تقارب واشنطن المتزايد مع نيودلهي، ما أدى إلى شبه قطيعة بين الطرفين".

لكن المشهد تغير هذه المرة؛ إذ استقبل ترامب ضيفيه الباكستانيين بحفاوة لافتة، متجاوزا نهجه المعتاد في توجيه انتقادات ورسائل حادة مع بداية اللقاءات.

فقد وصف شهباز شريف بأنه قائد عظيم وأشاد بالجنرال منير، وهو أسلوب نادر من رئيس عرف عنه التشدد في مواقفه حتى تجاه أقرب حلفائه.

وأردف: "فحتى خلال زيارة رئيس كوريا الجنوبية لي جاي ميونغ، الذي جاء إلى واشنطن محملا باتفاقيات اقتصادية ضخمة، لم يتوان ترامب عن انتقاد سيول عبر منصاته الاجتماعية قبل أن يلين خطابه لاحقا أثناء المباحثات".

أما في حالة شريف، فأوضح الموقع أن "ترامب بالغ في الإطراء على رئيس الوزراء، ليس فقط امتنانا لترشيح باكستان له لجائزة نوبل للسلام (التي لم تمنح له)، بل أيضا في محاولة لاستمالة إسلام أباد وإبعادها عن الصين، التي تربطها بها علاقة توصف بأنها تحالف حديدي".

في هذا السياق، لفت الموقع إلى أن "ترامب بدأ، منذ مارس/ آذار 2025، إرسال إشارات ودية إلى باكستان، عارضا مجموعة من الامتيازات الاقتصادية والسياسية المغرية لإعادة إحياء التحالف التقليدي بين البلدين، أبرزها تخفيض التعريفات الجمركية على إسلام أباد".

فمنذ أن أطلق ترامب حربه الجمركية العالمية، في أبريل/ نيسان 2025، ارتفعت الأصوات المنددة بسياساته، حتى من أقرب حلفائه مثل أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية، الذين لم يسلموا من قراراته المتشددة.

وكانت الهند الخصم الإقليمي لباكستان، من أكثر المتضررين؛ إذ فرض ترامب عليها رسوما جمركية بنسبة 25 بالمئة بحجة معالجة العجز التجاري.

ثم أضاف عليها ضريبة ثانية بنسبة 25 بالمئة على النفط الروسي، ما رفع إجمالي الرسوم على السلع الهندية إلى 50 بالمئة، وهو رقم قياسي بين حلفاء واشنطن.

في المقابل، لم تتجاوز الرسوم الجمركية المفروضة على باكستان 19 بالمئة، الأمر الذي عدّه الموقع "يعكس تباينا واضحا في المعاملة بين البلدين".

ربح بلا جهد 

وجاء "العرض الأميركي الثاني في قطاع الطاقة، ففي يوليو/ تموز 2025، اكتُشف حقل نفطي ضخم في باكستان، تشير التقديرات الأولية إلى أن احتياطاته تتجاوز 220 مليار برميل من النفط، بالإضافة إلى نحو 160 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي".

هذا الاكتشاف، بحسب الموقع "قد يغير مكانة باكستان من دولة فقيرة في الموارد إلى رابع أكبر دولة في العالم من حيث احتياطي النفط".

وذكر أنه "في حال جرى تطوير هذه الموارد، فإن باكستان قد تتخلص من أزمتها الاقتصادية".

ومع أنها قد لا تصل إلى مستوى "الإنفاق الفاحش" الذي تتمتع به دول مثل السعودية، لكنها بالتأكيد ستبتعد عن شبح الفقر.

واستدرك: "غير أن العقبة الكبرى تكمن في كون معظم هذا النفط من النوع الصخري، وهو ما يجعل استخراجه معقدا ومكلفا للغاية بالنسبة لباكستان التي تفتقر إلى الخبرة والتقنية اللازمة في هذا المجال".

وهنا استغلت واشنطن الموقف حيث أوضح الموقع أن "الولايات المتحدة أعربت عن استعدادها للتعاون في استخراج هذه الموارد".

وعد أميركا الدولة الأكثر تقدما في تقنيات استخراج النفط الصخري, فقد رحبت باكستان بهذا العرض؛ إذ إن النفط، رغم قيمته العالية، لا يساوي شيئا إن لم يكن قابلا للتسويق والاستثمار.

ولم يكن هذا العرض الأميركي بلا مقابل، فقد وقعت واشنطن وإسلام آباد في أغسطس/ آب 2025، اتفاقا رسميا للتعاون في استخراج النفط.

بموجب الاتفاق، تلتزم واشنطن بتزويد إسلام آباد بالمعدات والدعم التقني اللازم لتطوير مواردها النفطية، في حين يتوجب على باكستان توريد معادن نادرة وثمينة للجانب الأميركي.

وأردف الموقع: "ولضمان نجاح عمليات استخراج هذه الموارد، تعهَّدت الولايات المتحدة بتوفير الدعم الفني والكوادر البشرية، إلى جانب ضخّ استثمارات بقيمة 500 مليون دولار في قطاع التعدين الباكستاني".

وبذلك، يمكن القول: إن باكستان، باستثناء توفير الأرض وبعض التدابير الأمنية، تكاد تكون "تجني الأرباح وهي جالسة" دون بذل جهد كبير. وفقا لتعبير الموقع الصيني.

جاذبية استثنائية 

وأوضح أن مكاسب باكستان من هذه الصفقة ستمتد إلى ما هو أبعد من مجرد استخراج النفط الصخري.

وقال: "نظرا لتراجع مستوى البنية التحتية في باكستان، تواجه البلاد صعوبات في عمليات الاستخراج والنقل، وهو ما يدفع الولايات المتحدة إلى المشاركة في بناء شبكات الطرق والمرافق الممتدة من مناطق التعدين حتى الموانئ".

وهكذا، يرى الموقع أن باكستان "تصبح المستفيد الأكبر من هذه الشراكة؛ إذ تتولى واشنطن تقريبا جميع الجوانب التقنية واللوجستية والاستثمارية".

مع ذلك، ينوه إلى أن "الولايات المتحدة ليست جمعية خيرية تقدم الدعم والاستثمارات بلا مقابل، وتاريخها في التعامل مع دول مثل أوكرانيا يُظهر ذلك بوضوح".

فقد قدمت الولايات المتحدة دعما سخيا لأوكرانيا، لكن في نهاية المطاف فقدت كييف الكثير من مكاسبها، بل وحتى مستقبلها السياسي، لصالح النفوذ الأميركي.

وبالمثل، يقدر الموقع أن "الاستثمارات الأميركية في باكستان ليست خالية من الأهداف الإستراتيجية، مما يثير التكهنات حول احتمال تأثير هذا التقارب على العلاقات الباكستانية الصينية".

وأشار إلى أن أول هذه الأهداف الأميركية الإستراتيجية هو "تأمين الحصول على النفط بصفته شريان الصناعات الحديثة الذي يتمتع بجاذبية استثنائية لكل الدول".

إضافة إلى ذلك، لفت إلى أن "النفط يساعد الولايات المتحدة في الحفاظ على موقع ريادتها العالمي منذ عقود، وذلك بفضل ارتباط الدولار بالنفط، ما جعله عملة صلبة في الأسواق العالمية".

"ومن هنا، فإن رغبة واشنطن في المشاركة باستخراج النفط الباكستاني تهدف إلى ضمان حصة مؤثرة في إدارة هذه الموارد، بما يحفظ هيمنة الدولار المرتبطة بالنفط، ويُبقي الولايات المتحدة في موقع القيادة ضمن النظام التجاري العالمي". وفق تقديره.

ما علاقة الصين؟

من منظور آخر، كشف الموقع الصيني أن هذا التحرك الأميركي يرتبط بالحرب التجارية ضد الصين التي أطلقها ترامب؛ إذ فرضت واشنطن عقوبات متعددة على بكين بحجج واهية، لكن الصين ردت بحزم، مستخدمة ورقة المعادن النادرة كسلاح إستراتيجي.

ويتابع: "فقد فرضت بكين قيودا على تصدير هذه الموارد، ما تسبب في أزمة داخل الشركات الأميركية خاصة في قطاع الصناعات العسكرية الذي يعاني من نقص حاد في هذه الموارد النادرة، مما يجعله يضطر أحيانا إلى تعليق نشاطه بشكل مؤقت".

وبحسب تقديره، جعلت هذه القيود الولايات المتحدة في موقف حرج؛ حيث اضطر ترامب إلى تقديم تنازلات متكررة وتمديد فترات الهدنة في المفاوضات التجارية مع الصين دون التوصل إلى حلول فعالة.

في هذا السياق، يشدد على أن "المعادن النادرة في باكستان تعدّ بمثابة أمل للولايات المتحدة لكسر احتكار الصين لهذا المورد الحيوي".

وبالتالي يؤكد أن "الاستثمار الأميركي في باكستان ليس مجرد دعم اقتصادي، بل خطوة إستراتيجية لتأمين بديل للمعادن النادرة التي تسيطر عليها الصين".

على الصعيد السياسي، تهدف واشنطن إلى التأثير على علاقة باكستان بالصين، فإسلام آباد تعد الشريك الإستراتيجي الأبرز للصين؛ إذ تربطهما علاقة وثيقة تُعرف بـ "الشراكة الإستراتيجية الشاملة في جميع الأحوال"، كما تُلقب باكستان بـ"الأخ الحديدي" في الأوساط الصينية.

ويرى الموقع الصيني أن "التعاون الأخير بين باكستان والولايات المتحدة، سواء في تطوير الحقول النفطية أو تصدير المعادن النادرة، يشير إلى أن العلاقات المشتركة تسير نحو تعاون متزايد، وهو ما قد يثير تساؤلات حول مستقبل الشراكة الصينية-الباكستانية".

ويعتقد أنه "من منظور باكستان، قد يكون هذا التعاون خيارا اضطراريا، أما بالنسبة للولايات المتحدة، فهو فرصة مثالية لاستقطاب الحليف الحديدي، وإضعاف العلاقات الباكستانية الصينية".

في هذا الصدد، أشار الموقع إلى أن "إسلام آباد أعربت، خلال زيارة وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى باكستان في أغسطس/ آب 2025، عن أملها في أن تتفهم الصين دوافعها".

وذلك مع التأكيد على أن أي تعاون أميركي باكستاني يجب أن يشمل مشاركة شركات صينية، "وإلا فلن يتم المضي قدما فيه".

الصين من جهتها، تتبنى سياسة خارجية قائمة على مبدأ الحياد وعدم الانحياز، لذلك فهي تدرك جيدا أن العلاقات الدولية تُبنى على المصالح، لا على الصداقات الدائمة.