دول الساحل وروسيا يؤسسون لشراكة عسكرية إستراتيجية.. الرسائل والأهداف

منذ ٨ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تواصل دول الساحل وروسيا توطيد شراكتهما الإستراتيجية، لا سيما في الجانب العسكري، انطلاقًا من مصالح متبادلة تهدف إلى التصدي للتحديات الأمنية المتزايدة ورسم شراكة جديدة بعيدا عن دول الاستعمار.

هذا التعاون برز من خلال دعوة الجانب الروسي لوزراء دفاع مالي وبوركينا فاسو والنيجر، إلى عقد اجتماع في 14 أغسطس/آب 2025 بموسكو، ركز على تعزيز الشراكة الأمنية مع دول الساحل.

هيكل جديد

وبحسب موقع "سبوتنيك" الروسي، في 15 أغسطس 2025، فقد صرح وزير الدفاع أندريه بيلاؤوسوف، أن “التهديدات الإرهابية وأعمال الجماعات المسلحة غير الشرعية في بوركينا فاسو ومالي والنيجر ما تزال قائمة”.

وأشار الوزير إلى أن موسكو "مستعدة لتقديم دعم شامل لتحقيق الاستقرار في هذه الدول".

وقال: إن "قرار إنشاء التحالف هو نتيجة الاختيار الحر لشعوب الساحل، ولمسارها نحو التنمية السلمية المستدامة".

وأكد بيلاؤوسوف أن "وزارة الدفاع الروسية مستعدة لتقديم دعم شامل لضمان الاستقرار في المنطقة"، مردفا: "ندعم موقفكم بشأن ضرورة تعزيز الأمن وحماية الأراضي والسيادة".

وذكرت "وكالة الأنباء الإفريقية" في 14 أغسطس 2025، أن الاجتماع شارك فيه كل من وزراء الدفاع المالي، ساديو كامارا، والنيجر ساليفو مودي، والبوركينابي سيليستين سيمبوني.

وأوضحت وفق وزير الدفاع المالي أن الهدف من الزيارة هو تعزيز الشراكة الإستراتيجية بين روسيا وتحالف دول الساحل لمواجهة التحديات الأمنية.

وأشار الوزير إلى أنه تم عقد جلسة عمل لتعزيز التعاون العسكري، بما يتماشى مع الرؤية المشتركة للرؤساء فلاديمير بوتين، وأسيمي غويتا وعبد الرحمن تياني، وإبراهيم تراوري.

بدوره،قال وزير دفاع النيجر: إن التعاون العسكري الإستراتيجي بين روسيا ودول الساحل "يعكس إرادة النيجر وبوركينا فاسو ومالي لبناء هيكل أمني إقليمي جديد، والسعي إلى سياسة خارجية مستقلة قائمة على مصالحها الوطنية".

مصالح متبادلة

وفي تصريحات صحفية بالمناسبة، قال عميد كلية الدراسات العليا والبحث العلمي في الجامعة الإسلامية في النيجر، والكاتب المتخصص في غرب إفريقيا، علي يعقوب، إن اتفاق التعاون العسكري بين روسيا ودول الساحل "مهم للغاية".

وأوضح يعقوب أن "روسيا ستوفر لدول الساحل الإفريقي الآليات العسكرية والأسلحة التي ستساعد في تعزيز دفاعات هذه الدول".

ورأى أن هذا التعاون سيسهم بشكل كبير في مكافحة الإرهاب، لافتا إلى أن جيوش دول الساحل ينقصها أسلحة متطورة، وروسيا ستوفر لها هذه الأسلحة من خلال اتفاق التعاون بينها.

من جانبه، يرى الباحث الأكاديمي حمدي بشير، أن دول تحالف الساحل “تبدي اهتماما متزايدا بتعزيز التعاون مع روسيا، خاصة على المستوى العسكري”.

ورأى بشير في تحليل نشره عبر موقع "الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين"، في 18 أغسطس، أن الزيارة المشتركة “تمثل خطوة في جهود التحالف لتشكيل اتحاد كونفدرالي حقيقي يهدف إلى تنسيق السياسات العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية”.

وذكر أن الدول الثلاث نسقت بالفعل تحركاتها الدبلوماسية على نطاق واسع بما يتماشى مع توجهاتها المناهضة للدول الغربية، وأكدت على الحاجة إلى التحدث بـ"صوت واحد".

وأشار إلى أن "هذه الزيارة تمثل أعلى مستوى على الإطلاق من المشاركة الدبلوماسية المشتركة للكتلة مع شريك خارجي".

وذكر بشير أن تحركات المجالس العسكرية في الدول الثلاث تشير إلى أنها تسعى إلى فرض وتأمين شروط أفضل في جميع عقود التعدين الخاصة بها، وليس فقط العقود التي يتم إبرامها مع الشركات الغربية. 

وأردف: “لذلك من المتوقع أن تعمل الدول الثلاث على التفاوض على شروط أفضل مع روسيا بخصوص اتفاقيات استخراج المواد، مقابل الحصول على معدات وأسلحة عسكرية، بالإضافة إلى التدريب العسكري”.

ورأى الباحث الأكاديمي أن هذا التوجه يروم تأكيد قدرة دول الساحل على مواجهة الضغوط الخارجية، حيث تواجه الدول الثلاث العديد من التحديات، لا سيما بعد خروجها من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس).

ولذلك، يردف بشير، “واصلت دول التحالف تحركاتها لتعزيز هذا التحالف، حيث أعلنت عن تأسيس شركة طيران خاصة بها، ووافقت في الأشهر الأخيرة على إصدار جواز سفر موحد لمواطنيها، كما تعمل على إنشاء بنك استثماري إقليمي، وهو ما يبدو أنه كان أحد أهداف الزيارة، حيث تسعى الدول الثلاث إلى إقناع روسيا بدعم وتمويل تأسيسه”.

وخلص إلى أن الأفق القريب سيشهد تنامي احتمالية بناء قواعد عسكرية روسية في دول التحالف، وتزايد الدعم الروسي للدول الثلاث، ثم إمكانية تأييد انضمام هذه الدول لتجميع "بريكس"، مع تصاعد حدة الحرب الباردة بين روسيا وخصومها.

المسار الدبلوماسي

هذا الاجتماع العسكري يضاف إلى لقاء دبلوماسي سابق جمع روسيا بالدول الثالث، مطلع أبريل/نيسان 2025، حيث استقبل وزير الخارجية سيرغي لافروف نظراءه من بوركينا فاسو كاراموكو جان ماري تراوريه ووز، ومالي عبد الله ديوب، والنيجر باكاري ياو سانغاري.

وبحث الوزراء وقتها تطور التعاون الأمني بين روسيا ودول منطقة الساحل، وغيرها من قضايا التعاون الثنائي في مختلف المجالات، بما في ذلك التجارة والاقتصاد والثقافة والمجال الإنساني.

وقال وزير الخارجية المالي ديوب، في مقابلة مع وكالة “نوفوستي”: إن الدول الأعضاء في تحالف الساحل، تعول على مساعدة روسيا في إنشاء صناعة عسكرية.

وأضاف: "نعمل بالفعل مع روسيا على عدة مشاريع، سواء تعلق الأمر بالأمن أو الدبلوماسية أو الاقتصاد؛ حيث تسعى بلدان الساحل إلى تعزيز قدراتها وتطوير استقلاليتها، لكي تتمكن من التخلص من نماذج التبعية".

وشدد ديوب على أن "ضرورة الحصول على المعدات العسكرية والأسلحة باتت حاجة متزايدة باستمرار".

وقال: “سنسعى لضمان إنشاء قدرات عسكرية وصناعة عسكرية في منطقة الساحل، بالتعاون مع الشريك الروسي الذي يملك التكنولوجيات والخبرات، وسنعمل مع الشركات الروسية ومع الدولة الروسية لتشكيل هذه الصناعة”.

وتابع: "لأن ذلك سيقلل من اعتمادنا على استيراد المعدات العسكرية، وسيخلق في الوقت نفسه فرص عمل لبلداننا ويعزز رؤيتنا للتحرك نحو التصنيع في بلداننا والتحول الهيكلي لاقتصاداتنا".

من جانبه، يرى لافروف عقب اللقاء، أن اللاعبين غير الإقليميين بما فيهم الدول المستعمرة السابقة “يحاولون زعزعة الاستقرار في إفريقيا”.

وشدد خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظرائه من دول الساحل الإفريقي، على استعداد موسكو لتقديم المساعدات الدفاعية والأمنية لدول الساحل.

وأوضح أن الاتفاق تضمن التأكيد على تطابق المواقف في غالبية القضايا الدولية الرئيسة، والتأكيد على الدور الرئيس للأمم المتحدة.

وتابع: "تعتزم دول الساحل دعم المبادرات المقدمة من روسيا إلى الأمم المتحدة، ونحن نرد بالمثل فيما يخص القرارات العادلة التي تخص مالي وبوركينا فاسو والنيجر فيما يخص السيادة والاستقلال، وعدم السماح بتمرير أي مبادرات ضد مصالح هذه الدول".

مرحلة جديدة

ويرى رئيس منظمة "أفريكا ووتش"، عبد الوهاب الكاين، أن "توجه القيادة العسكرية لدول الساحل نحو موسكو، وتوقيع اتفاقيات غير مسبوقة مع روسيا، يمثل خطوة مهمة، أنهت عمليا كل محاولات الاستمرار في سياسة التبعية للدول الاستعمارية السابقة".

وأوضح الكاين لـ"الاستقلال" أن انسحاب "فاغنر" مثلا من تلك الدول وحلول "فيلق إفريقيا" التابع لوزارة الدفاع الروسية مكانها، يعكس انتقال العلاقة من مستوى غير رسمي إلى تعاون مؤسساتي شامل، توّج بتوقيع اتفاقيات مهمة بين هذه الدول وموسكو.

وأكد أن "تمدد الشراكة الروسية في الساحل، وتراجع النفوذ الفرنسي، وصعود محور جديد يقوده حكام جدد في المنطقة، يمثل تهديدا وجوديا للدول التي تحاول التدخل في الشأن الداخلي لدول الساحل".

وشدد الكاين على أن “ما يجرى في منطقة الساحل، من تحولات عسكرية وسياسية متسارعة، يمثل نهاية مرحلة وبداية أخرى في رسم موازين القوى الإقليمية، ويكشف فشل النماذج الأوروبية التقليدية التي احتكرت المجال لعقود طويلة دون تحقيق استقرار فعلي”.

ولفت إلى أن “الساحل على مدى عقود، كان مسرحا لتجارب عسكرية فرنسية وأوروبية، اتسمت بالازدواجية وانعدام النجاعة، في ظل تراجع واضح في الموقف الأميركي، ما جعل من المنطقة مختبرا مفتوحا لتدخلات خارجية لم تراع سيادة الدول”.

واستطرد: “بل إن هذه التدخلات أبقت على هشاشة المؤسسات المحلية، ما غذّى حركات التمرد، خصوصا الحركات الطوارقية والانفصالية شمال مالي، الأمر الذي تحاول روسيا تلافيه عبر منطق جديد للشراكة يحقق المصالح المتبادلة للأطراف”.

من جانبها، ترى منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية، مينة لغزال، أن توجّه روسيا نحو إقامة شراكات جديدة في إفريقيا، خاصة في منطقة الساحل، "لم يكن خيارا عابرا".

وأوضحت لغزال لـ"الاستقلال"، أن "هذا التوجه هو ضرورة فرضتها التحولات الجيوسياسية الناتجة عن الصراع الروسي الأوكراني، وسعي موسكو إلى فك العزلة الغربية عنها عبر التموقع الإستراتيجي في فضاءات بديلة".

وأشارت إلى أن هذه الشراكات لم تقتصر على المظاهر الدبلوماسية، بل أخذت طابعا عمليا ومباشرا عبر دعم موسكو للحكومات الجديدة التي انبثقت عن انقلابات شعبية في الساحل، ضد أنظمة وصاية فاشلة ارتبطت لعقود بالقوة الاستعمارية الفرنسية.

وأردفت، وهو ما عزز الحضور العسكري الروسي كبديل حقيقي وفاعل، في مقابل انسحاب تدريجي للوجود الفرنسي وغياب التفاهم بين الأوروبيين والأنظمة القائمة.

وأضافت لغزال أن روسيا استفادت من صورتها النقية من ماضٍ استعماري في إفريقيا، ما جعلها شريكا مفضلا لعدد من الدول التي ضاقت ذرعا بالتدخلات الغربية المتكررة، خاصة تلك التي تتذرع بمحاربة الإرهاب لكنها تكرس الهيمنة والاستنزاف.

وأشارت إلى أن "قمة روسيا-إفريقيا" عام 2019 شكلت نموذجا لهذا التحول، حين فتحت موسكو المجال لتعاون متكافئ يعترف بسيادة الدول ويراعي أولوياتها، بعيدا عن الإملاءات".

كما شددت على أن “روسيا أظهرت، بخلاف الدول الغربية، مرونة ميدانية وتنسيقا عمليا مباشرا مع الجيوش المحلية، لا سيما في مالي، من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية وبيانات الطائرات المسيرة”.

وتابعت: "وهذا ما أسهم في تعزيز ثقة هذه الدول في موسكو كشريك أمني موثوق، مقارنة بالأوروبيين الذين ظلّوا يفرضون وصاية دون فعالية.

وخلصت لغزال إلى أن “التحولات الجارية في الساحل تعيد رسم توازنات جديدة، وأن دولها تؤكد بمبادراتها المتعددة انخراطها في رؤية إفريقية جديدة قوامها السيادة والتكامل والاحترام المتبادل”.