نظام السيسي ينزع ملكيات المصريين بحجة رفض أصحابها التنازل.. لماذا الآن؟

إسماعيل يوسف | منذ ١٥ ساعة

12

طباعة

مشاركة

تصاعدت بصورة كثيفة حالات إصدار وزراء حكومة النظام المصري قرارات بنزع ملكيات خاصة بالقوة، بحجة رفض أصحابها التنازل عنها طوعا للسلطة.

يأتي ذلك بدعوى إقامة مشروعات منفعة عامة، لا يلمسها المواطن، وأغلبها توسيع طرق وكبارٍ، بدل البحث عن حلول أخرى.

وخلال 6 أيام فقط، وتحديدا من 12 إلى 18 أغسطس/ آب 2025 أصدر وزير النقل كامل الوزير قرارا بنزع ملكية 279 قطعة أرض من 279 مواطنا في محافظتي الدقهلية وقنا، لبناء طريق، بحجة "تعذر التراضي مع أصحابها!".

وأصدرت وزيرة التنمية المحلية منال عوض قرارا بنزع ملكية 31 بحي السلام بالقاهرة لبناء مشروع سكني تبيعه الحكومة، بحجة "عدم تنازل المُلاك عنها!".

كما أصدرت "هيئة المساحة" الحكومية قرارا بنزع ملكية عقارات على النيل، من 1 حتى 30 سبتمبر/ أيلول 2025، بداية من كورنيش النيل حتى الأوتوستراد، "ضمن أعمال المنفعة العامة"، وهي تقدر بعشرات الأفدنة.

ثغرة الانتزاع

وهي قرارات تتكرر من غالبية الوزراء بصفة دورية، حيث يفاجأ مصريون بنزع ملكيتهم أو هدم منازلهم بالقوة بحضور جحافل من الأمن تعتقل من يعترض، بحجة حاجة السلطة لهذه الأرض لبناء مشروعات خاصة بها تتربح منها أو طرق.

وبجانب هذه القرارات من الوزراء تقوم شركات تابعة للجيش بالاستيلاء على مئات الأفدنة من الأراضي بحجج مختلفة، بعد تمكينها بقرارات رسمية من السيطرة على شركات حكومية.

وآخر هذه القرارات استحواذ "جهاز مستقبل مصر" التابع للجيش على نحو 89 بالمئة من رأسمال الشركة العربية لاستصلاح الأراضي المملوكة للدولة في صفقة بقيمة 23.3 مليون جنيه.

وقبلها صدور قرار في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2024 من "إدارة مشروعات أراضي القوات المسلحة"، بإلغاء وعدم تجديد عقود "حق الانتفاع" بجميع أراضي طرح نهر النيل من حلوان حتى شبرا بالقاهرة، والاستيلاء على عشرات الأندية والمباني، بما فيها أندية للقضاة.

ورغم نزع ملكيات مسجلة رسميا في دفاتر الحكومة، ولا يحق بالتالي انتزاعها عنوة، غالبا ما تستغل السلطة، في قرارات نزع ملكيات أخرى، لعدم تسجيل الملاك للعقارات بمستندات ملكية مسجلة ومشهرة بالشهر العقار.

وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن 5 بالمئة فقط من العقارات في مصر مسجلة، والباقي غير مسجل بسبب طلب السلطات أموالا ضخمة للتسجيل، وهي ثغرة تنفذ منها السلطة لتبرر انتزاع كثير من الملكيات.

دفع هذا مصريين للتحذير من عدم وجود قوانين تحمي الملكية في مواجهة سلطة شرهة للاستيلاء على عقارات المصريين، والدعوة لتشكيل "اتحاد لملاك مصر"، للدفاع عن أملاكهم.

انتزاع الملكيات

منذ تولي النظام الحالي برئاسة عبد الفتاح السيسي، اعتمدت السلطة أسلوب القوة في اغتصاب أملاك المصريين، وبحجة "حصر أراضي الدولة" تم انتزاع العديد من الملكيات بهدف إعادة بيعها لمستثمرين خاصة الإماراتيين، وتحصيل أموال.

ومع تصاعد أزمة السلطة المالية وتدهور الاقتصاد وزيادة الديون، زادت عمليات انتزاع الملكيات، بعضها مستندا لقانون المنفعة العامة، وبعضها يتم انتزاعها بالقوة لبيعها أو تأجيرها لمستثمرين ومشاريع استثمارية لتوفير أموال للموازنة. 

ولا يكاد يمر أسبوع أو شهر، إلا ويرصد "مرصد الإخلاء القسري"، التابع لـ"ديوان العمران" حالات متعددة لنزع ملكيات المصريين بحجج مختلفة، ما يزيد من حالة الاحتقان الشعبي، خاصة أن التعويضات ضئيلة للغاية بالمقارنة بالسعر الذي تبيع به السلطة هذه الأراضي لاحقا.

فيوم 12 أغسطس/آب 2025، بالمخالفة للدستور، نزع وزير النقل ملكية أراضي مواطنين بسوهاج وقنا والدقهلية ودمياط لإقامة محاور مرورية وكبارٍ.

وهي مشروعات تقول الحكومة: إنها قومية، بينما يرى كثير من الأهالي والمتابعين أنها لا تحقق لهم فائدة حقيقية، بل تقتلعهم من بيوتهم وتجرف ممتلكاتهم مقابل تعويضات زهيدة، وفي المقابل تبيعها الحكومة بمليارات الدولارات للخليجيين.

والمفارقة أن ما انتزعه الوزير من المُلاك كانت أراضي مُسجلة لدى الدولة ولا يجوز الاستيلاء عليها، وقد رفض سكانها التنازل عنها خاصة أن المقابل المادي هزيل، فجاءت قرارات الوزير بطردهم منها بالقوة، مستندة إلى ما سُمي "تعذر التراضي مع أصحابها!".

وتكرر الأمر في 18 أغسطس 2025، حين أصدرت وزيرة التنمية المحلية قرارا بنزع ملكية عدد من العقارات والأراضي بحي مصر الجديدة في القاهرة للمنفعة العامة، وذلك استكمالا لمشروع "تطوير المدخل الشرقي للقاهرة".

وجاء نزع الملكية في هذه المنطقة الحيوية المرتفعة القيمة بحجة "عدم تنازل المُلاك عنها"، وبحجة عدم تقدم ملاك العقارات بمستندات ملكية مسجلة ومشهرة بالشهر العقاري لتوقيع نماذج نقل الملكية بالتراضي للدولة.

ولا تعد قرارات كامل الوزير أو وزيرة التنمية المحلية أمرا استثنائيا، إذ بات هذا نهجا حكوميا في السنوات الأخيرة، وقد شهدت مصر موجات متتالية من الإخلاء القسري تحت لافتة "التطوير" أو إقامة "مشروعات قومية" أو "المنفعة العامة".

حتى إن مصريين سموا الحكومة الحالية "حكومة نزع الملكية والإفقار"، وأكدوا أنها ستدخل موسوعة غينيس بـ"أكثر حكومة نزعت ملكية في التاريخ الحديث".

وهناك أمثلة صارخة على ذلك منها محاولات انتزاع أراضي ومساكن جزيرة الوراق من أصحابها وبيعها لمستثمرين لبناء أبراج ومشاريع ترفيهية فيها، والتي تحولت لرمز لمقاومة الأهالي للسلطات وتشهد صدامات مع الأمن من حين لأخر.

ويرفض أهالي الجزيرة ترك منازلهم وأراضيهم الزراعية، ويرون أن التعويض المقدم لهم هزيل.

وقبل هذا نجحت السلطات عبر القوة في تهجير سكان "مثلث ماسبيرو" بقلب القاهرة مقابل تعويضات نقدية أو وعود بسكن بديل مرتفع الثمن بينما باعت الحكومة الأرض بأرقام فلكية لمستثمرين.

كما تكرر في نزلة السمان حين تم حرمان سكان حرم الأهرامات من منازلهم بموجب قرارات إزالة بحجة حماية المنطقة الأثرية، وتم دفع تعويضات هزيلة لهم، وسط تقديرات بأن الهدف استغلال المنطقة استثماريا وسياحيًا واستثماريًا والتربح منها بصورة كبيرة.

تعويضات هزيلة

غالبا ما تستند هذه القرارات إلى قانون نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة رقم 10 لسنة 1990 وتعديلاته، الذي يعطي الحكومة الحق في مصادرة الأملاك الخاصة متى عدت أي مشروع "منفعة عامة".

ورغم أن القانون ينص على تعويض "طبقا للأسعار السائدة" مضافا إليها 20 بالمئة، فإن التطبيق على أرض الواقع يثبت أن هذه النسبة شكلية، وأن تقديرات اللجان الحكومية دائما ما تكون أقل كثيرا من الأسعار الفعلية في السوق.

ولا تعطي السلطة للمتضرر سوى مهلة 4 أشهر للتقاضي أمام القضاء الذي غالبا ما يميل لجهة الحكومة، فلا يجد الأهالي الذين تُنتزع بيوتهم أمامهم سوى قبول المبلغ الهزيل الذي لا يكفي لتعويضهم بشراء سكن بديل.

أو الدخول في دوامة المحاكم وإنفاق المزيد من الأموال، وفي بعض الأحيان تبدأ الحكومة في هدم ممتلكاتهم قبل صدور الأحكام القضائية التي تتأجل عدة مرات.

وأشار تقرير لموقع "ديوان العمران" في 18 أغسطس 2025، إلى أمثلة صارخة على هزلية التعويضات التي تُعرض على المُلاك مقابل التنازل عن أرضهم.

وأوضح أن السلطات المصرية تمنح تعويضا لا يتجاوز 7,700 جنيه للمتر المربع عند نزع الملكية، بينما تطرح المتر نفسه في مشروع سكني يُسمى "أهالينا 6" الذي نزعت وزيرة التنمية المحلية أراضيه، بسعر يصل إلى 20,000 جنيه.

وأشار إلى أن هذا التفاوت الكبير يكشف بوضوح أن الحكومة هي الرابح الأكبر من المشروع؛ إذ تحصل على الأراضي بأقل الأسعار الممكنة ثم تعيد بيعها بأضعاف قيمتها، محققة مكاسب ضخمة على حساب الملاك الأصليين.

ويكشف هذا التفاوت الكبير أن الحكومة هي الطرف الأكثر استفادة؛ إذ تحصل على الأراضي بتكلفة منخفضة عبر نزع الملكية، ثم تطرح الوحدات في السوق بأسعار مرتفعة، بما يعزز مواردها ويدعم خطتها التوسعية في مشروعات الإسكان، بينما يظل المالكون الأصليون الطرف الأقل حظا في المعادلة.

وكان لافتا في قرارات نزع الملكية أن التعويضات سيدفع بعضها الجيش، ما يشير إلى أن هذا المشروع (أهالينا) بيزنس جديد للجيش.

فحسب المذكرة الإيضاحية للقرار تم تقدير قيمة التعويضات المالية للملاك المتضررين من قبل مقيّم عقاري معتمد، بواقع 25 مليون جنيه تعويضا لملاك العمارة رقم 85 بشارع الحرية بمصر الجديدة شرق القاهرة.

و3.8 ملايين جنيه تعويضا عن قطعة الأرض بشارع فناطيس المياه، و3.338 ملايين جنيه تعويضا عن العمارة السكنية والمطعم بتقاطع شارعي مهيب وحسين كامل.

وذكر القرار أن مبالغ التعويضات "تسددها الشؤون المالية بالقوات المسلحة"، وحي مصر الجديدة ومكتب نائب محافظ القاهرة للمنطقة الشرقية، و"ذلك بعد إيداع نماذج نزع الملكية في الشهر العقاري".

وفي أبريل/نيسان 2025، قال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي: إن الحكومة خصصت ما يتجاوز 15 مليار جنيه في الموازنة كتعويضات لنزع الملكية للصالح العام في بعض المناطق، ما يشير لتضخم ظاهرة نزع الملكيات.

وهو ما تزامن مع تزايد شكاوى عدم سداد الحكومة لقيمة التعويضات، وتبرير رئيس الوزراء أن أي تأخير في الصرف لا يعود لنقص الموارد المالية، وإنما لإجراءات قانونية تتعلق ببعض الحالات (تشترط السلطة وجود تسجيل للعقارات).

المنفعة العامة

وأشار الباحث الرئيس والمؤسس لـ"مرصد عمران"، يحيى شوكت، إلى وجود مشكلة في تعريف واضح لعبارة "المنفعة العامة" وغياب معايير تحديدها.

وأكد لموقع "المنصة" المحلي، في 18 أغسطس 2025، أن "القانون يكتفي بتحديد نطاق واسع من المشاريع التي توصف أن لها "نفعا عاما" دون تحديد الأساس الذي تم التحديد عليه؟

ودعا إلى تعديل القانون الحالي لإعطاء السكان فرصة للطعن على قرارات المنفعة العامة، وما إذا كانوا بالفعل مستفيدين منها أم لا.

ولفت إلى مشكلة رئيسة في إثبات ملكية العقارات، موضحا أن 5 بالمئة فقط من العقارات بمصر فقط مسجلة، وهنا تنشأ مشكلة للملاك لإثبات ملكيتهم لأن الحكومة عادة تعترف فقط بالملكية المسجلة.

وحدد قانون نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة، المشروعات التي تعد من أعمال المنفعة العامة، ونصت المادة (2) من القانون على أنه يعد من أعمال المنفعة العامة في تطبيق أحكام هذا القانون كل من:

إنشاء الطرق والشوارع والميادين أو توسيعها أو تعديلها، أو تمديدها أو إنشاء أحياء جديدة، ومشروعات المياه والصرف الصحي، والري والصرف، والطاقة، وإنشاء الكباري والمجازات السطحية (المزلقانات) والممرات السفلية أو تعديلها.

إضافة إلى مشروعات النقل والمواصلات، وأغراض التخطيط العمراني وتحسين المرافق العامة، و"ما يعد من أعمال المنفعة العامة في أي قانون آخر".

ويجوز بقرار من مجلس الوزراء إضافة أعمال أخرى ذات منفعة عامة الى الأعمال المذكورة. 

كما "يجوز أن يشمل نزع الملكية فضلا عن العقارات اللازمة للمشروع الأصلي أية عقارات أخرى ترى الجهة القائمة على أعمال التنظيم أنها لازمة لتحقيق الغرض من المشروع، أو لأن بقاءها بحالتها من حيث الشكل أو المساحة لا يتفق مع التحسين المطلوب".

اتحاد الملاك

دفع هذا السياسي والصحفي رئيس تحرير "جريدة الشعب"، مجدي أحمد حسين، للمطالبة بعقد مؤتمر أو اتحاد لملاك مصر (من غير الحيتان) للدفاع عن أملاكهم. وفق قوله.

وقال حسين لـ"الاستقلال": إن "ما دفعه لطرح هذه الفكرة عبر صفحته على فيسبوك هو أن الحكومة بدأت تستولي في السنوات الأخيرة على عقارات الملاك، بعدما تم الاستيلاء على شقق المستأجرين أيضا بقانون (العقارات القديمة)".

وأوضح أن "بقعة الزيت تكبر"، والسلطة مستمرة في نزع الملكيات وتستسهل ذلك، لذا "أدعو الملاك والمستأجرين للتفكير جديا في تشكيل جبهة واحدة ضد حكومة الإمارات التي تحكمنا". وفق قوله.

واستطرد حسين: "أدعو أيضا اتحاد المستأجرين، لبحث قانون الإيجار القديم بحيث يبلور الملاك والمستأجرون حلا يخدم الطرفين ويواجهون الحكومة به بدلا من القانون الذي صدق عليه السيسي، ويحذر مصريون أنه سيؤدي لطرد المستأجرين من منازلهم ويتسبب في صراعات بين الطرفين".

ويقول خبراء آثار إن بعض الملكيات التي يجري نزعها وربما هدمها هي مبانٍ تراثية مهمة مثل مبني فندق “هليوبوليس” ومطعم جروبي مصر الجديدة التاريخي الذي نوع مجلس الوزراء ملكيته في أبريل 2022 لتأمين قصر الاتحادية الرئاسي، مع أن هذه المباني ظلت تعمل في عهود الرؤساء السابقين.

ومعروف أن فندق “هليوبوليس” به مقهى وحلواني جروبي العريق وعمره أكثر من 100 عام، أسسه جاكومو جروبي سويسري جاء إلى مصر في ثمانينيات القرن التاسع عشر، وقرر مع ابنه إنشاء سلسلة من المطاعم والمقاهي على الطراز الفرنسي تحمل اسمه وسط القاهرة، لبيع الحلوى والمشروبات.