عودة "الحوثي" لقصف موانئ اليمن.. كيف يؤثر على المفاوضات مع الحكومة؟

عصام الأحمدي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في تصعيد جديد يزيد من حدة الصراع في اليمن المتواصل منذ عام 2015، شن الحوثيون هجوما بطائرات مسيرة على ميناء "الضبة" النفطي بمحافظة حضرموت شرقي البلاد في 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2022.

وجاء القصف الحوثي الذي لم يخلف خسائر، لمنع تصدير النفط الخام لصالح الحكومة اليمنية، بعد تعثر التوصل إلى اتفاق جديد لتمديد الهدنة التي انتهت في 2 أكتوبر، بسبب اشتراط الحوثيين دفع رواتب الموظفين والمقاتلين في مناطق سيطرتهم ورفض الحكومة ذلك. 

وعقّد الهجوم الحوثي المساعي الأممية والدولية المتواصلة لتجديد الهدنة، واضعا التحالف السعودي الإماراتي الداعم للحكومة اليمنية أمام اختبار حقيقي، للرد على هذا التصعيد الحوثي الذي قد يطالها في قادم الأيام.

وجاء الاستهداف الحوثي لميناء الضبة النفطي، بعد تبادل الزيارات بين الحوثيين والسعودية، في 12 أكتوبر، لمناقشة ملف الأسرى، والحديث عن إعادة تشكيل الفريق الحكومي التفاوضي مع الحوثيين برئاسة وزير الخارجية اليمني أحمد عوض بن مبارك.

وذلك بالتزامن مع عودة رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي في 18 أكتوبر، إلى العاصمة المؤقتة عدن بعد شهرين من الغياب خارج البلاد وتوقف اجتماعات المجلس الذي يشهد خلافات متواصلة بين أعضائه.

خصوصا بين الرئيس رشاد العليمي، ونائبه عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تدعمه الإمارات لتقسيم البلد إلى دولتين بالشمال والجنوب.

أداة ضغط

وشهد مرفأ الضبة النفطي الواقع في مديرية الشحر شرقي حضرموت، كبرى المحافظات اليمنية، هجوما بطائرتين مسيرتين، بالتزامن مع وصول سفينة نفط يونانية للتحميل من المرفأ الواقع على سواحل البحر العربي، في أكبر تصعيد عسكري حوثي ضد أهداف نفطية داخل اليمن منذ بدء الحرب.

وميناء الضبة الذي شيد عام 1993، هو أحد أهم ثلاثة خطوط يمنية لتصدير النفط الخام، وذلك بعد ميناء رأس عيسى شمال الحديدة على البحر الأحمر، وميناء بلحاف في شبوة جنوبي اليمن.

كما يضم مرفأ الضبة أكبر خزان نفطي تصل سعته إلى مليون برميل، ويجرى ضخ النفط إليه من حقل المسيلة عبر خط يمتد على مسافة 138 كيلومترًا.

ويعد هذا الهجوم هو الأول منذ انتهاء الهدنة في 2 أكتوبر، من دون أن تتوصل الأطراف إلى اتفاق جديد لتمديدها.

وأعلن المتحدث العسكري للحوثيين، يحيى سريع في 21 أكتوبر، أن قواتهم نفذت ما وصفها بـ"ضربة تحذيرية بسيطة"، لمنع سفينة نفطية كانت تحاول نهب النفط الخام عبر ميناء الضبة بمحافظة حضرموت، وفق تعبيره.

وأكد في بيان متلفز عبر قناة "المسيرة" الحوثية، أن السفينة خالفت القرار الصادر عن الجهات المختصة بحظر نقل وتصدير المشتقات النفطية، محذرا بقية الشركات بضرورة "الامتثال لقرارات حكومة صنعاء والابتعاد عن المساهمة في نهب ثروة اليمن".

من جانبه، قال محافظ حضرموت مبخوت بن ماضي التابع للحكومة في تصريح مصور، بثته وسائل الإعلام اليمنية مساء 21 أكتوبر، إن "مسيرتين تابعتين للحوثيين استهدفتا محيط الميناء، بالقرب من سفينة تحمل شحنة نفط لتصديرها".

وأضاف: "جاء ذلك إثر تهديدات سابقة أرسلها الحوثيون لوزارة النقل اليونانية وبدورها أبلغت الحكومة اليمنية، وذلك بعد يومين من هجوم مماثل بطائرتين مسيرتين على ميناء النشيمة في محافظة شبوة المجاورة، لم تسجل فيهما أي خسائر".

في المقابل، شددت الحكومة اليمنية في بيان لها يوم الحادث على أن "كل الخيارات مفتوحة للتعامل مع هذا الهجوم والتصعيد العسكري الحوثي"، مطالبة المجتمع الدولي بتحمل مسؤوليته تجاه مثل هذه الحوادث الإرهابية"، وفق وكالة سبأ الرسمية.

ولم يكن الهجوم الأول من نوعه، إذ استهدف الحوثيون سفينتي "هانا" و"التاج بات بليو ووتر" الراسيتين في ميناء رضوم بمحافظة شبوة، غرب حضرموت، في 18 و19 أكتوبر، بدون خسائر، وفق بيان لوزارة النفط اليمنية.

حسابات التحالف

وبشأن هذا التصعيد، قال الصحفي اليمني عامر الدميني، إن "استهداف ميناء الضبة النفطي يعكس جرأة الحوثيين وقدرتهم على استهداف منشآت نفطية حيوية في غاية الأهمية على صعيد الموارد الاقتصادية بالنسبة للحكومة الشرعية، وهي رسالة أخرى للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن".

وأضاف لـ"الاستقلال"، أن "هذا التطور يشير إلى دخول الأحداث في منعطف خطير، تتحول فيه الحكومة الشرعية لطرف أضعف، ويزداد ضعفها مع حالة انعدام الثقة بين رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي، وعدم امتلاك الحكومة لجيش يتبعها، وضعف تسليحه أيضا، وتوزع الأرض بين عدة مليشيات متصارعة فيما بينها".

وتابع: "يعكس الهجوم أيضا امتلاكهم سلاحا نوعيا قادرا على إلحاق الضرر بالطرف الآخر، وهذا يوفر لهم فرصا أفضل في التفاوض مستقبلا، وهي بالطبع نتيجة سيئة وغير متوقفة لمخرجات الحرب الجارية منذ ثماني سنوات، وتعكس فشل منظومة الحرب على الحوثي في المقام الأول".

ومضى رئيس تحرير موقع "الموقع بوست" اليمني بالقول: "لا اعتقد أن التحالف سيعيد النظر في العلاقة مع الحوثي، فكل أساليب المواجهة للتحالف مع الحوثي استهلكت من قبل، كالحرب المباشرة، أو فرض العقوبات، أو التضييق".

 وشدد الصحفي اليمني على أن "لا مؤشرات على أي خطوة من التحالف تجاه الحوثي، خاصة مع تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الذي أنيط به التفاوض مع الحوثي، وكذلك تشكيل فريق تفاوضي حكومي لبدء التفاوض، وكذلك توجه المجتمع الدولي لحسم ملف اليمن، بعيدا عن الحرب".

وخلص الدميني إلى أن "الحوثي بقصف الميناء النفطي بحضرموت أراد تعزيز حضوره لتحقيق مكاسب أكثر، وهذا سينعكس على المفاوضات القادمة بين الطرفين".

ومع دخول حرب التحالف السعودي الإماراتي في اليمن، عامها الثامن بات واضحا أن الفشل في تحقيق الحسم الميداني أو الدفع باتجاه حل سياسي هو النتيجة الأبرز للتدخل العسكري الذي بدأ في 25 مارس/ آذار 2016. 

كما أن استعادة الدولة من قبضة الحوثيين، التي شكلت الهدف الأساسي للتدخل تعثرت بسبب الأجندة غير المعلنة لدولتي التحالف، السعودية والإمارات، في اليمن، والتي تجلت على نحو واضح في ممارسات أبوظبي في المحافظات الجنوبية لليمن ومناطق البلاد الإستراتيجية.

أجندة خارجية

وكانت الحكومة اليمنية قد صعدت، حدة خطاباتها وطالبت بالاستعداد لاستكمال استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب الحوثي.

وأكد رئيس الوزراء معين عبد الملك، خلال اجتماع الحكومة في 17 أكتوبر، ضرورة رفع الجاهزية للتعامل مع المتغيرات المحتملة في مختلف الجوانب، بما يؤدي إلى تحقيق تطلعات الشعب اليمني في استكمال استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب.

ووجه عبدالملك، الوزارات والجهات الحكومية بمضاعفة جهودها وفق المعطيات الجديدة، بما في ذلك تفعيل أداء مؤسسات الدولة، وتسريع مسار الإصلاحات، وتخفيف معاناة المواطنين المعيشية، وتحسين الخدمات.

وجاء الهجوم الحوثي ليؤكد جدية التهديدات التي أطلقتها المليشيا في 20 سبتمبر/ أيلول 2022، ضد الشركات في الداخل اليمني أو في كل من السعودية والإمارات، بشأن وقف تصدير النفط اليمني.

وتصف مليشيا الحوثيين تصدير الحكومة اليمنية للنفط والغاز بنهب موارد اليمنيين، وخلال العامين الأخيرين حاولت جاهدة وضع يدها على حقول ومنابع النفط في مدينة مأرب شرق العاصمة صنعاء لكن لم تنجح في ذلك.

ويهدد الهجوم بانتكاسة خطط الحكومة اليمنية لزيادة الإنتاج النفطي بغية تحسين أدائها المالي ودفع فاتورة الرواتب وتحسين الخدمات.

ووفق بيانات سابقة، سجلت صادرات النفط الخام اليمني ارتفاعا ملحوظا في 2021 هو الأول من نوعه منذ سنوات وبلغت 1.418 مليار دولار بالمقارنة مع 710.5 ملايين دولار في 2020.

ويخيم على سوق النفط العالمي خلاف حاد بين السعودية وأميركا تحديدا على خلفية قرار تحالف "أوبك بلس" في 12 أكتوبر 2022، بخفض إنتاج النفط بنحو مليوني برميل بدءا من نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

كما ذهب مراقبون إلى الربط بين ما يحدث في إيران، وبين الهجوم الحوثي الذي يهدف إلى إثارة القلاقل والمشاكل داخل اليمن لصرف النظر عمّا يحدث فيها من فوضى وقمع وقتل للمتظاهرين منذ بداية سبتمبر 2022، على خلفية وفاة الشابة مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق.