منح دراسية مجانية للسوريين في روسيا.. ما أهداف موسكو ولماذا الآن؟

لندن - الاستقلال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

يتماشى النفوذ العسكري الروسي في سوريا، مع توسيع موسكو "الترابط مع السوريين" ثقافيا وسياحيا وحتى تعليميا والذي بدأ يأخذ شكلا متناميا أكثر من أي وقت مضى.

وتبدي موسكو اهتماما كبيرا في جذب مزيد من الطلاب السوريين للدراسة في الجامعات والمعاهد الروسية الحكومية بشكل مجاني.

وكشف نائب وزير العلوم والتعليم العالي الروسي، بيوتر كوتشرينكو، في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2022، أن عدد المقاعد المجانية المخصصة للسوريين في روسيا ارتفع عام 2022 من 513 إلى 759.

وأكد نائب الوزير، خلال المؤتمر "الصحي الدولي الروسي السوري الأول"، أنه "على قاعدة مركز جامعة ستانكين الروسية وجامعة البعث السورية الحكومية، يجري تنفيذ مشروع مسابقات أولمبياد لتلاميذ المدارس السورية، الذي يظهر مستويات عالية جدا في تحضير هؤلاء التلاميذ ورغبتهم في التطور والابتكار".

تعاون جامعي

وتعمل جامعة "البعث" في مدينة حمص، على الاهتمام بنشر اللغة الروسية وثقافتها في المدارس والجامعات، وذلك بدعم مباشر من جامعة موسكو الحكومية "ستانكين".

كما تنظم "ستانكين" داخل جامعة البعث "أولمبيادا دوليا" متعدد التخصصات لتلاميذ المدارس وطلاب الجامعات والمعاهد ممن يتقنون اللغة الروسية.

وخلال عام 2022، قدمت "ستانكين" أربع منح لطلاب سوريين لدراسة الماجستير في اختصاصات الهندسية والمعلوماتية والاقتصاد والتحكم.

وفي هذا السياق، أعرب رئيس جامعة البعث، عبد الباسط الخطيب، لوكالة "سبوتنيك" في 17 أكتوبر 2022، خلال استقباله وفدا روسيا لتعزيز العلاقات العلمية، عن تطلعه "لمشاركة كبيرة من الجانب الروسي في مستقبل خريجي الجامعة من خلال برنامج علمي تنفيذي لمتابعة دراستهم في روسيا الاتحادية".

ويشكل المركز الثقافي الروسي بدمشق، حلقة الوصل بين الجامعات الروسية الحكومية، والطلاب السوريين.

ويلعب المركز الثقافي الروسي دورا بارزا في تقديم المنح الدراسية للطلاب السوريين للدراسة بروسيا كونها الممثل الوحيد لكافة الجامعات الحكومية.

ويقوم المركز المذكور بالإعلان عن المنح الدراسية سواء لمرحلة التعليم المتوسط أو العالي أو الدراسات العليا، وتشمل كافة الاختصاصات في 140 جامعة روسية حكومية، وذلك عبر موقع إلكتروني يوفره المركز.

ويشترط المركز ألا يكون المتقدم معدله الدراسي أقل من 70 بالمئة للمرحلة الثانوية (الباكلوريا)، بينما للدراسات العليا هناك تسهيلات كثيرة.

وتشمل المنحة المجانية تأشيرة السفر لمدة عام تجدد سنويا، والعيش في روسيا بسكن جامعي، وتذكرة السفر، إضافة إلى وجود تأمين صحي، وراتب شهري 1500 روبل (24 دولارا) للمرحلة الجامعية الأولى، و2000 روبل (32 دولارا) للماجستير، و3000 روبل (48 دولارا) للدكتوراه.

ولا تشترط المنحة أن يكون لدى الطالب أي مستوى في الروسية، كونه سيدخل في سنة تحضيرية باللغة وتركز على الاختصاص الذي يختاره.

اللافت أن وسائل إعلام نظام بشار الأسد تروج للدراسة في روسيا أيضا، وتستضيف حتى مدير المركز الثقافي الروسي بدمشق، نيكولاي سوخوف، الذي يجيد اللغة العربية بطلاقة.

تمهيد مدروس

وفي إحدى المقابلات التلفزيونية في 25 سبتمبر/أيلول 2022، قال سوخوف إن "هناك تركيزا خاصا على المنح الجامعية للطلاب السوريين كون سوريا حليفة وصديقة لنا".

وأوضح أن "هناك ألف منحة دراسية لعام 2022 للسوريين، بينما كان العدد عام 2021، 760 منحة في مختلف الاختصاصات".

وأشار سوخوف إلى أن "هناك رغبة من الجامعات الروسية الحكومية لزيادة عدد الطلبة السوريين كون هؤلاء من أفضل الطلبة الأجانب، ولديهم تفوق كبير وعندهم إبداعات في مختلف الاختصاصات، فضلا عن كونهم يعملون في روسيا إلى جانب الدراسة".

وكثيرا ما تنظم الجالية الروسية في سوريا عروضا فنية في دمشق، تتضمن أغاني وقصصا من التراث الشعبي الروسي والحياة اليومية للسكان، وذلك للتأكيد "على وجود روابط ثقافية مشتركة بين الشعبين الروسي والسوري"، حسبما قالت رئيسة الجالية، آنا ستاسييا، لسبوتنيك في سبتمبر 2021.

وفي خطوة تدل على مدى الرغبة الروسية في "إحداث ثقب" داخل المنظومة التعليمية في مناطق نفوذ النظام السوري، افتتحت موسكو مركزا لتعليم اللغة الروسية في مجمع تدمر التربوي بريف حمص.

وحمل المركز اسم "الشهيد الملازم الروسي ألكسندر ألكسندروفيتش بروخورينكو"، الذي قتل في تدمر خلال معارك مع "تنظيم الدولة" عام 2016، وحضر الافتتاح نائب وزير التربية الروسي، دينيس غريبوف.

وبينت مشرفة مجمع تدمر التربوي، صباح الملحم، لوكالة سبوتنيك في 19 أكتوبر 2022، أنه يجري "مساعدة 20 طالبا وطالبة من 12 سنة إلى 16 سنة ليتعلموا اللغة الروسية ويتميزوا بها، ثم تساعدهم الحكومة الروسية في مواصلة تعلمهم".

وألكسندر ألكسندروفيتش بروخورينكو، هو من مواليد عام 1990 في إقليم أورنبورغ، وعمل مع قوات العمليات الخاصة الروسية، وقتل في مارس/آذار 2016 بريف حمص.

ووصفته وكالة سبوتنيك بأنه "تحول إلى رمز لمكافحة الإرهاب في سوريا"، ومنحه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسام "بطل روسيا الاتحادية".

وتوجد 1500 جامعة في روسيا منها 750 حكومية، ومن أبرز الجامعات الحكومية التي تقدم المنح للسوريين جامعة "شمال القوقاز".

وكذلك، جامعة الأورال، وسان بطرسبورغ الإلكترونية، وموسكو للفيزياء التقنية، وموسكو للتغذية، ومايكوب، وغوبكين للنفط والغاز، وبيلغراد.

تمكين الوجود

ويبرر النظام السوري بزيادة المنح الروسية للطلاب السوريين، كونها جزءا من الالتزام الروسي الأمني والعسكري تجاه سوريا.

واجتهدت موسكو منذ تدخلها عسكريا في سبتمبر 2015، لمساندة رأس النظام الأسد في القضاء على الثورة السورية واستعادة مناطق واسعة من يد المعارضة، في فتح منافذ أخرى تشمل الجوانب الاقتصادية والثقافية والتعليمية.

وشكلت محافظتا اللاذقية وطرطوس على ساحل البحر المتوسط رأس حربة للوجود الروسي، وتحولتا إلى موطئ قدم إستراتيجي لموسكو بعد تدخلها عسكريا عام 2015 إلى جانب النظام السوري.

ولم تكن موسكو تستطيع تأمين وجودها الدائم على البحر المتوسط، إلا بعد توقيع عقدي استئجار طويلي الأجل عام 2017 لمدة 49 عاما قابلة للتمديد لـ25 سنة أخرى، لكل من قاعدة حميميم الجوية بريف اللاذقية وأخرى بحرية على ساحل طرطوس.

ويساعد روسيا في اتخاذ الساحل السوري وجهة لمواطنيها كونها معقل ضباط وعناصر النظام السوري، ويمكنها أن تكون بيئة خصبة قادرة على تمرير الغزو الثقافي الروسي.

كما تعد تلك المناطق أكثر تقبلا للتغلغل الثقافي الروسي وطرح المشاريع الثقافية على أبنائها بخلاف المناطق السورية الأخرى، وخاصة أن موسكو ماضية في ذلك من خلال البعثات واستقدام الطلاب للدراسة بموسكو بدعم حكومي روسي.

ومن أجل ذلك، خصصت وزارة التعليم العالي التابعة لنظام الأسد، نسبة 10 بالمئة من المنح الروسية لأبناء قتلى قوات النظام حصرا.

وتحاول موسكو التأثير على الطلاب السوريين في مختلف المجالات، وسبق أن أعلنت في 26 يوليو/تموز 2021، افتتاح فرع جديد في محافظة اللاذقية لكلية بحرية روسية تقدم علوما عسكرية، تحت اسم كلية "ناخيموف" البحرية الروسية.

كما وقع مجلس مدينة اللاذقية، مع شركة "سينارا إنت" الروسية، في 6 يوليو 2022، عقدا استثماريا لبناء مجمع سياحي (4 نجوم) في منطقة "جول جمال" بالمحافظة الواقعة شمال غربي سوريا.

أهداف إستراتيجية

وفي هذا الإطار، عد الباحث الاجتماعي السوري، حسام عبد الغني، أن "رفع موسكو لأعداد الطلاب الذين يدرسون مجانا في جامعاتها له تأثير على دور ومستقبل هؤلاء حال عودتهم لسوريا، من خلال تبني الرؤية والرواية الروسية لوجودها العسكري والثقافي والاقتصادي".

وأوضح عبد الغني لـ"الاستقلال" أن "روسيا بعدما ضمنت وجودا عسكريا داخل سوريا، باتت مضطرة لضمان هذا الوجود وتقبله من قبل مكونات المجتمع السوري، وهذا لا يتأتى إلا عبر التغلغل الثقافي والتعليمي عبر جذب مزيد من الطلاب بكافة المراحل الدراسية".

ولفت إلى أن "درجة الاهتمام بدراسة اللغة الروسية أو البحث عن فرصة لإكمال الدراسة في جامعات روسيا، تعتمد على مدى الدعم الشعبي للوجود الروسي على الأراضي السورية".

وتابع: "على سبيل المثال فإن روسيا توظف العديد من السكان المحليين برواتب مغرية في ميناء طرطوس الذي تسيطر عليه، كما تقوم بتدريب الموظفين في برامج التنمية البشرية التي تهدف إلى غرس الثقافة الروسية لدى الموظفين العاملين معها".

ورأى عبد الغني، أن "تمدد القوات الروسية وانتشارها في عدد من المحافظات السورية نتج عنه دخول بعض الشركات التابعة للاتحاد مثل مؤسسة أحمد قديروف الخيرية العاملة في حلب، مما يعني أن موسكو بحاجة لقوة بشرية أكاديمية".

وألمح إلى "أن تكثيف موسكو لتخريج طلاب سوريين من جامعاتها، والذين تساعدهم سنوات الدراسة في الاندماج بالمجتمع الروسي، يسهم في توظيف هؤلاء للعمل في الشركات الروسية التي تقيمها على الأراضي السورية وبما يحمي مصالحها الإستراتيجية مستقبلا".

وذهب عبد الغني للقول إن "روسيا ربما ستقوم مستقبلا بإنشاء جامعة روسية على الأراضي السورية لتخفيف التكاليف، وذلك بعد تخريج أعداد من طلاب درجة الدكتوراه في أكثر من تخصص وخاصة المطلوبة لسوق العمل".

تعويم الثقافة الروسية

وحتى منتصف عام 2022، جرى التوقيع على 43 وثيقة تعاون بين 28 جامعة روسية و17 منظمة سورية، كما تشارك وزارة التعليم والعلوم الروسية في تنفيذ خرائط طريق موحدة للعمل في مجال دعم وتعزيز اللغة الروسية في سوريا حتى عام 2025.

وبذلت موسكو جهودا لنشر الوعي والاهتمام بالثقافة والفن والأدب الروسي في جميع أنحاء سوريا عبر المراكز الثقافية التي تدعمها وتديرها موسكو.

كما جرى إنشاء فروع جديدة للمركز الثقافي الروسي في عدد من المحافظات السورية لهذا الغرض، خاصة أن المركز الثقافي الروسي الرئيس في سوريا ومقره دمشق كان غير نشط لمدة سبع سنوات قبل إعادة افتتاحه عام 2020.

ويختلف الاهتمام بدراسة اللغة الروسية في مناطق نفوذ النظام السوري، حسب درجة الدعم الشعبي للوجود الروسي هناك.

علاوة على ذلك، تشرف الحكومة الروسية ونظام الأسد على وضع ميزانيات ضخمة تهدف إلى دعم البعثات العلمية إلى روسيا وبيلاروسيا والشيشان.

ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني 2014، افتتحت وزارة التعليم العالي التابعة للنظام السوري قسما للغة الروسية وآدابها، في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة دمشق.

وفي السياق، سبق أن قال سفير النظام السابق في روسيا، رياض حداد، لوكالة سبوتنيك مطلع فبراير/شباط 2016، إن "الروسية أصبحت اللغة الثانية التي تدرس في المدارس السورية بدءا من الصف السابع".

وأفاد بأن "أبناء الرئيس الأسد يدرسون اللغة الروسية".

ولفت حداد إلى أن الأسد "تبرع بقطعة أرض قرب دمشق لبناء مدرسة روسية".