تعرف على أسباب اختيار روسيا مناطق النظام السوري وجهة سياحية بدلا من أوروبا

لندن - الاستقلال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تواصل روسيا تعميق وجودها غير العسكري على الساحل السوري، وذلك عبر استثمارات اقتصادية كبرى طويلة الأمد بتسهيل مباشر من نظام بشار الأسد.

وشكلت محافظتا اللاذقية وطرطوس على ساحل البحر المتوسط رأس حربة للوجود الروسي، وتحولتا إلى موطئ قدم إستراتيجي لموسكو بعد تدخلها عسكريا عام 2015 إلى جانب النظام السوري.

وكادت الثورة التي تفجرت عام 2011 أن تطيح برأس النظام بشار الأسد، لولا التدخل الروسي الذي قلب المعادلة العسكرية على الأرض لصالح قوات النظام.

وفي ظل تواصل الحرب الروسية في أوكرانيا والعقوبات الغربية الهادفة إلى عزل روسيا ومواطنيها، الذين لم يعد لديهم سوى شواطئ تركيا للوصول لمياه البحر المتوسط الدافئة، بدأت موسكو تفكر في استغلال سوريا في هذا الإطار.

سياحة بديلة

وفي أول مشروع سياحي لشركة روسية يقام على الساحل السوري، وقع مجلس مدينة اللاذقية وشركة "سينارا إنت" الروسية، في 6 يوليو/ تموز 2022، عقدا استثماريا لبناء مجمع سياحي (4 نجوم) في منطقة "جول جمال" بالمحافظة الواقعة شمال غربي سوريا.

ووقع العقد من جانب نظام الأسد، رئيس مجلس مدينة اللاذقية حسين زنجرلي، ومن الجانب الروسي المدير العام لشركة "سينارا إنت"، دميتري أوبارين بحضور وزير سياحة حكومة الأسد محمد رامي مرتيني.

وبحسب مارتيني، فإن مدة العقد 45 عاما، و6 سنوات لمدة التنفيذ، ويتضمن إنشاء مجمع سياحي على مساحة 70.000 م2، ويضم 528 غرفة وأكثر من 1500 كرسي إطعام.

ويتضمن المشروع إقامة فندق وشاليهات وشقق فندقية ومراكز للمعالجة الفيزيائية والصحية وفعاليات ترفيهية متممة بصيغة استثمار b.o.t.

ويتيح نظام b.o.t إقامة وإنشاء المشاريع المختلفة وخاصة المشاريع الحكومية بتمويل من جهات خاصة مثل البنوك والشركات العالمية، على أن تعود ملكيتها للمستفيد بعد استرداد ما جرى إنفاقه بالإضافة لأرباح تلك الأموال.

وأكد مارتيني، وجود ثلاثة مشاريع أخرى سيجرى توقيعها للاستثمار في الساحل السوري، دون توضيح طبيعتها.

وأشار المسؤول السوري إلى أن توقيع عقد جول جمال الاستثماري جاء بتوجيه مباشر من رئيس النظام بشار الأسد، بقصد "تعزيز العلاقات الإستراتيجية مع الجانب الروسي اقتصاديا وسياحيا واجتماعيا".

ويعود اهتمام الشركات الروسية بموقع منتجع "جول جمال" المميز على الساحل السوري إلى ما قبل عام 2011.

إذ سبق أن أجرى مدير شركة "انتوريست سينار" أندريه فوربيف مباحثات طويلة مع مجلس محافظة اللاذقية عام 2006 استمرت لعدة أشهر؛ بهدف استثمار موقع المنتجع على شاطئ البحر.

ونصت التفاهمات التي لم تر النور آنذاك على إنشاء منتجع سياحي يتكون من فندق 4 نجوم يضم 350 غرفة مع عدد كبير من الشاليهات.

إضافة إلى مسابح صيفية وشتوية ومطاعم وأنشطة سياحية تسهم بتنشيط السياحة في اللاذقية صيفا وشتاء، وبكلفة 22 مليون يورو، على أن تقوم شركة روسية متخصصة بإدارة المنتجع.

ويعد شاطئ "جول جمال" واحدا من شواطئ اللاذقية الجميلة، وينطوي على ميزة يجسدها وجوده ضمن المدينة.

تصدٍّ روسي

وعلى هامش مراسم توقيع الاتفاق، اعترف المدير العام لشركة "سينارا إنت" ديمتري أوبارين للصحفيين في 6 يوليو 2022، بأن "العديد من البلدان باتت تغلق باب السياحة أمام السائح الروسي".

ولم تكن موسكو تستطيع تأمين وجودها الدائم على البحر المتوسط، إلا بعد توقيع عقدي استئجار طويلي الأجل عام 2017 لمدة 49 عاما قابلة للتمديد لمدة 25 سنة أخرى، لكل من قاعدة حميميم الجوية بريف اللاذقية وأخرى بحرية على ساحل طرطوس.

وبهذا فإن حلم روسيا بأن تصبح قوة حاضرة في مياه المتوسط الدافئة الذي كانت تخطط له منذ انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، لإعادة إحياء مكانتها الدولية في النظام الدولي، تحقق على يد بشار الأسد.

وفي خطوة لترويج السياحة بسوريا، في روسيا وعبر وسائل إعلامها المحلية، وصل وفد من تلفزيون "R.T" الروسي مع برلمانيين، إلى محافظة اللاذقية في 16 يوليو 2022.

وقام فراس السوسي معاون المحافظ، بإطلاع الوفد الإعلامي على مجمل المواقع السياحية التي تتمتع بها المحافظة سواء كانت جبلية أم شاطئية.

وقال فيتالي ميلونوف عضو البرلمان الروسي، إن مهمته في اللاذقية هي تعريف المواطنين الروس الذين يبحثون عن الراحة بأهمية السياحة السورية وتحديدا في اللاذقية.

وأضاف أن "الوجهة الأوروبية - التركية ليست الأنسب لهم في هذه المرحلة بسبب الظروف السياسية".

وأردف قائلا: "اللاذقية اليوم هي الأقرب والأنسب عبر إمكانياتها السياحية الجيدة ومناطق الاستجمام وطبيعتها المميزة خاصة بعد عودة مطارها إلى الحركة الطبيعية"، وفق ما نقلت صحيفة "الوحدة" الحكومية في 17 يوليو.

وبيّن ميلونوف أن "وجود الاستثمارات الروسية من شأنه تشجيع توجه المواطنين الروس إلى اللاذقية".

ومضى يقول إن "اللاذقية ستتحول إلى لؤلؤة البحر المتوسط وستتمكن من استقبال آلاف الروس الذين سيقدمون دعما مميزا لنمو السياحة الوطنية عبر الاستثمارات والتمتع بطبيعتها الساحرة".

بدوره قال مدير سياحة اللاذقية فادي نظام، إن هدف زيارة الوفد "نقل المشاهدات إلى المواطن الروسي، والتأكيد على توفر الأمن والأمان ضمن الظروف الحالية".

ونقلت الصحيفة عن نظام أن "وزارة السياحة السورية وسياحة اللاذقية بجهوزية تامة للتنسيق مع الجانب الروسي لاستقبال السواح الروس خاصة بعد عودة مطار حميميم لنشاطه الطبيعي".

بيئة سياحية

وتتمتع محافظتا اللاذقية وطرطوس، بطقس مناخي معتدل صالح للسياحية صيفا، وخاصة أنهما كانتا وجهة مفضلة للسياح العرب والأجانب قبل عام 2011.

وتوفر محافظة اللاذقية ومناطق قريبة منها منتجات سياحية مرغوبة للسياح، سواء من المأكولات الشعبية والبحرية، أو مناطق الجذب من أوابد وقلاع وبحار.

إضافة إلى المحميات الطبيعية كمحمية الفرنلق ومحمية الشوح والأرز وقلعة صلاح الدين، علاوة على بعض المنتجعات المهمة.

ويعد اختيار روسيا للساحل السوري كوجهة سياحية جديدة لمواطنيها، نتيجة غزوها أوكرانيا منذ 24 فبراير/ شباط 2022، وفرض عقوبات على شركات الطيران الروسية، وتضييق بعض الدول التأشيرات على المواطنين الروس.

وتسعى روسيا لتوجيه المواطنين الروس، لوجهات سياحية جديدة وسوريا إحداها لحصر العملة الأجنبية بعيدا عن الدول التي تعدها موسكو دولا غير صديقة والتي صنفتها عقب غزوها لأوكرانيا.

كما أن شركات الطيران الروسية ستجد فرصة لتعويض خسائرها لكسر العزلة التي فرضت على روسيا.

وأضرت حرب أوكرانيا بأحلام شركة أيروفلوت الحكومية الروسية للطيران، والتي كانت تحلم بزيادة أعداد الركاب من 61 مليونا عام 2019 إلى 130 مليونا بحلول 2028، من خلال استغلال موقع موسكو كمحور بين آسيا وأوروبا.

وفي سياق متصل، عمدت موسكو خلال السنوات الأخيرة إلى تعويم ثقافتها في مدن وبلدات الساحل من خلال خطوات عديدة، أبرزها افتتاح مركز "الفجر" لتعليم اللغة والثقافة الروسيتين، في مدينة جبلة بريف اللاذقية، في 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.

ويساعد روسيا في اتخاذ الساحل السوري وجه لمواطنيها هو كونها معقل ضباط وعناصر النظام السوري، ويمكنها أن تكون بيئة خصبة قادرة على تمرير الغزو الثقافي الروسي.

إذ ينظر عوائل عناصر وضباط قوات النظام السوري على أن حجم الاستفادة المستقبلية لأبنائهم من موسكو ستكون كبيرة، لأن روسيا بلد أكثر انفتاحا وتقدما من ناحية ممارسة الطقوس والعادات المرتبطة بالمذهب العقدي.

وخلال السنوات الأخيرة عمدت المحلات التجارية والمقاهي والمتنزهات في الساحل السوري على استخدام اللافتات باللغة الروسية، لجذب الجنود الروس الذين يتجولون بحرية بالمنطقة.

الرابحون الجدد

وأمام ذلك، بدأت حكومة الأسد، بإعادة تعريف العملية السياحية في محافظة اللاذقية وطرطوس، وخاصة من قبل السكان المحليين، أو المواطنين القادمين من باقي المحافظات السورية.

إذ أكد رئيس مجلس مدينة اللاذقية حسين زنجرلي لـ صحيفة "تشرين" الحكومية في 12 يوليو 2022، أنه جرى تحديد الدخولية إلى الشواطئ السياحية الشعبية في اللاذقية للشخص الواحد ما بين 3 – 5 آلاف ليرة (دولار ونصف).

وتشمل الدخولية تأمين المظلات والكراسي والطاولات، ومنها مسبح أوغاريت وموقع "غولدن بيتش" والرمل الجنوبي وغربي المنتجع.

كما بين زنجرلي، وجود مساعٍ لدى مجلس المحافظة لزيادة عدد مواقع السياحة الشعبية فيها، وذلك في خطوة لعزل السياحة الشعبية عن مناطق السياح الأجانب.

وخلال هذا الصيف يستعد نظام الأسد لافتتاح خمس منشآت فندقية جديدة في دمشق وريف دمشق واللاذقية وطرطوس.

وقرأ الأكاديمي والخبير الاقتصادي السوري، فراس شعبو، خطوة تأسيس روسيا لمنشآت سياحة جديدة بأنها داخلة، ضمن "خطط موسكو للسيطرة على الاقتصاد السوري بتفرعات منها تجاري وصناعي وسياحي وخاصة في اللاذقية وطرطوس ودمشق وحلب وحمص".

وأضاف شعبو لـ"الاستقلال"، "أن وجود قاعدة جوية روسية في اللاذقية وأخرى بحرية بطرطوس، فهذا يعني أن هناك سيطرة روسية بالمطلق على الساحل السوري".

واستدرك: "لذا فإن بناء شركة روسية لمجمع سياحي بهذه المدة الطويلة جدا يأتي ضمن ادعاء وحجج الروس بإغلاق الدول الباب أمام السياح الروس نتيجة حرب أوكرانيا، هو بهدف إيجاد خيارات بديلة ومنها الساحل السوري".

وذهب الأكاديمي للقول: "بالنهاية ما تقوم به روسيا هو عملية استثمارية الغاية منها التربح والاستفادة المالية والتي ستنعكس على المستثمرين المحسوبين على النظام الروسي".

عوامل مساعدة

ولا شك أن الاستبدال الدراماتيكي لوجهات الروس السياحية، واختيار سوريا من بين الوجهات عقب حرب أوكرانيا، يرجع لعوامل كثيرة تجعل من مناطق الساحل السوري وجهة مقبولة ومناسبة لهم.

أولها، أن التركيبة السكانية في بلدات ومدن الساحل السياحية، تعد معقل الحاضنة الشعبية الموالية للنظام السوري.

كما تعد تلك المناطق أكثر تقبلا للتغلغل الثقافي الروسي وطرح المشاريع الثقافية على أبنائها بخلاف المناطق السورية الأخرى، وخاصة أن موسكو ماضية في ذلك من خلال البعثات واستقدام الطلاب للدراسة بموسكو بدعم حكومي روسي.

كما أن الجنود الروس يقابلون بترحيب شعبي من الأهالي ويتجولون في كثير من الأحيان بلباسهم المدني.

إضافة إلى عمل وزارتي السياحة في سوريا وروسيا، لزيادة جهودهما لجذب السياح الروس، وتحسين جودة الخدمات والمزايا التي تشجع السياح، سواء بالاعتماد على انخفاض أسعار الفنادق والنشاطات بالساحل السوري مقارنة بدول أخرى.

كما أن إلغاء نظام "السويفت" في التحويلات البنكية على الروس، عقب غزو أوكرانيا، والذي منع الحركة المالية والتحويلات النقدية للسياح الروس، سيدفع وزارة السياحة الروسية لتوفير نظام الدفع بالبطاقات الروسية "MIR" داخل منشآت سياحية على الساحل السوري.

وبالمحصلة، فإن موسكو تخشى من سيناريو، أن تطول الحرب مع الغرب في سياق أوكرانيا، وتزداد عزلتها أكثر لسنوات.

ووفقا لشركة "يورومونيتور إنترناشيونال"، ستتأثر السياحة الداخلية العالمية بخسارة قدرها 6.9 مليارات دولار عام 2022، بسبب انهيار السياحة الروسية والأوكرانية، وقد تشعر بعض دول الشرق الأوسط بوطأة ذلك.