متطرفو ماغا.. تنظيم أميركي يسعى لإنهاء الديمقراطية وإحلال العنصرية

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في 13 سبتمبر/ أيلول 2022، احتجز مواطن أميركي مسلح رواد مطعم "ديري كوين" في ولاية بنسلفانيا، مطالبا بـ"إعادة دونالد ترامب إلى منصب رئيس الولايات المتحدة"، حسبما أبلغت الشرطة وسائل إعلام محلية.

لم يكتف المسلح بهذا، بل قال للشرطة عقب اعتقاله، أنه "يريد قتل كل الديمقراطيين والليبراليين" أتباع الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، بحسب صحيفة "ديلي ميل".

وقال المحققون إنهم وجدوا على حسابه بـ"فيسبوك" رسالة تتحدث عن "حرب أهلية عام 2024، إلى جانب صورة لترامب، وأكد ناشطون أنه من أتباع مجموعة متطرفة تسمى "ماغا" تريد إنهاء الديمقراطية وتأسيس دولة عنصرية.

وبعد حادثة الاحتجاز بساعات أعلنت وزارة العدل الأميركية الحكم على متطرف آخر من مجموعة "ماغا" بالسجن 25 عاما، بعد القبض عليه لأنه كان أحد مقتحمي الكونغرس خلال أحداث الشغب في 6 يناير/كانون الثاني 2021.

وذكرت الوزارة في بيان أن هذا المتطرف من مجموعة "ماغا" كان قد سحق رأس ضابط شرطة في أحد أبواب الكونغرس، وهو أحد داعمي ترامب.

قبل هذه الوقائع بأيام ندد الرئيس بايدن مطلع سبتمبر 2022 في خطاب ناري غير مسبوق في فيلادلفيا بـ"المتطرفين" من أعضاء مجموعة "ماغا"، أنصار سلفه ترامب، ووصفهم بـ "الفاشيين". 

ووصف بايدن متطرفي "ماغا" بأنهم أعداء الديمقراطية الأميركية، وأنها "الحركة السياسية الأكثر تطرفا في التاريخ الأميركي الحديث".

وكتب عن هذه الجماعة عدة مرات عبر حسابه على تويتر في سبتمبر، مشيرا لأنها تسعى لزعزعة أسس الديمقراطية الأميركية، وفرض ديكتاتورية عنصرية، ومصممة على إعادة هذا البلد إلى الوراء، حيث لا يوجد حق في الانتخاب ولا الخصوصية.

وبعد أيام من خطاب بايدن الذي يحذر من خطر "ماغا"، أظهر استطلاع أجرته وكالة رويترز الدولية في 7 سبتمبر 2022 أن غالبية الأميركيين يعتقدون أن هذه الجماعة تقوض الديمقراطية.

وقال 58 بالمئة من المشاركين في الاستطلاع الذي استمر ليومين، إن هذه الجماعة المناصرة لترامب تهدد الأسس الديمقراطية في أميريكا.

فيما حاول 60 بالمئة من الجمهوريين التنصل من جماعة "ماغا" مؤكدين أنهم "لا يعتقدون أن هذه الحركة التابعة لترامب تمثل غالبية الحزب".

ويشير هجوم بايدن الحاد ضد "ماغا" وسلفه ترامب إلى سخونة انتخابات الكونغرس النصفية في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 وكيف ستكون مفصلية في المشهد السياسي الأميركي.

ويرى مراقبون أن تركيز بايدن على استهداف "ماغا" محاولة للتأثير على الناخبين لعدم اختيار مرشحي الحزب الجمهوري.

متطرفو "ماغا"

"ماغا" اختصار لجملة "فلنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" (Make America Great Again) الذي رفعه ترامب شعارا لحملته الانتخابية عام 2016.

وتضم حركة "ماغا" سياسيين بارزين محسوبين على تيار اليمين المتطرف في الحزب الجمهوري، وتهدف لحشد الأميركيين وراءها لحماية العنصر الأبيض المسيحي في أميركا.

ومنذ مجيء بايدن إلى سدة الحكم بات يطلق على أنصار الحركة اسم "جمهوريي ماغا"، ووصفتهم الناطقة باسم البيت الأبيض مارين جان بيير بأنهم "الجزء الأنشط بالحزب الجمهوري". 

وخلال وجوده في البيت الأبيض لعب ترامب دورا في دعمهم، حتى أن موقع "ذا أتلانتيك" الأميركي وصف في 12 يناير 2021 عهد ترامب بأنه كان "نقطة تجمع لتحالف من الثيوقراطيين وفانتازيا الإنترنت والمتفوقين البيض ومختلف الاستبداديين غير السلميين". 

وتصف الخبيرة الأميركية في شؤون التطرف "ستيفاني فوجيت"، بمجموعة "صوفان"، وهي شركة استشارات أمنية واستخباراتية عالمية، أنصار ماغا بأنهم "مجموعة نضال ثوري تتبنى عقيدة شبه فاشية".

وقالت في حوار مع موقع "صالون" في 22 أغسطس 2022، إن هدفهم "إنشاء مجتمع أميركي جديد، سيكون من الناحية العملية نظاما عنصريا فاشيا مسيحيا ثوريا يحكمه عدد قليل من الرجال البيض الأغنياء دون تحد أو مساءلة". 

وأوضحت أن هذه المجموعة اليمينية المتطرفة تسعى للعالمية وتعمل مع حلفائها في الحزب الجمهوري ووسائل الإعلام المحافظة (خاصة فوكس نيوز)، لنشر مشاعر عنصرية حول مشاعر الاغتراب التي يشعر بها البيض في أميركا.

وأشارت إلى أن الأكثر خطورة في جماعات اليمين المتطرف، مثل ماغا، الإيمان بنظريات المؤامرة التي تروج عبر الإنترنت، مثل "كيو أنون" (QAnon)، كوسيلة لبث الفوضى والاضطراب وهدم الديمقراطية.

من جانبها اتهمت الباحثة جينيفر كوهن في موقع "بيكون" في 15 سبتمبر 2022، مستشاري ترامب السابقين مايكل فلين وروجر ستون، بقيادة "حملة صليبية خطيرة"، و"تحالف جهنمي من المسيحيين المتشددين والجماعات المتطرفة العنيفة". 

وأكدت أن "هدف هذه الحشود هو استبدال ديمقراطيتنا بنظام ديني متشدد"، مشيرة لقيامهم بتجنيد 150 قسا في ولاية فرجينيا فقط في يوليو/ تموز 2022 لأجل الحشد لترامب.

"كيو أنون" 

ويعتنق أنصار "ماغا" أفكارا عنصرية وفاشية ويؤمنون بنظريات المؤامرة ضدهم وقيام "الدولة العميقة" بحرمان ترامب من الرئاسة، رغم أنه الأحق بها، لذا يريدون قتل الرئيس بايدن وكل الديمقراطيين.

كما يتبنون "كيو أنون"، وهي نظرية مؤامرة من ابتداع اليمين الأميركي المتطرف زعمت وجود "خطة سرية" كانت تعدها "الدولة العميقة" في الولايات المتحدة لإسقاط ترامب في انتخابات الرئاسة 2020.

وبدأ تداول هذه النظرية مبكرا في أكتوبر/تشرين الأول 2017 بمنشور على منتدى "فورتشان" لكاتب باسم مستعار "كيو" (Q)، زعم وصوله إلى معلومات سرية تتعلق بإدارة ترامب، بحسب موقع "بوليتيكو" في 21 يناير 2022.

واتهم كيو عددا من ممثلي هوليوود الليبراليين وسياسيين ديمقراطيين ومسؤولين في أعلى المستويات باشتراكهم في عصابة دولية للاتجار بالأطفال.

وزعم أن ترامب تظاهر بالتواطؤ مع الروس لتجنيد المحقق روبرت مولر في صفه لكشف العصابة ومنع وقوع انقلاب عسكري يقوده الرئيس السابق باراك أوباما، والمرشحة الرئاسية السابقة هيلاري كلينتون، ورجل الأعمال جورج سوروس. 

ويستخدم المؤمنون بنظرية كيو أنون في منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي هاشتاج #WWG1WGA، وهو اختصار لشعار "where we go one، we go all"، أي: "حيثما نذهب مجتمعين، نذهب بكامل زخمنا".

وتنتشر نظرية المؤامرة هذه بين أنصار ترامب بأسماء مثل "العاصفة" و"الصحوة الكبرى"، ولذلك عندما سقط ترامب في الانتخابات كانوا مقتنعين أن هذه مؤامرة من الديمقراطيين وكانت هي من دفعتهم لاقتحام الكونغرس.

وفي ضوء هذه التطورات، دعا موقع "ديلي بيست" في 16 سبتمبر 2022، إلى تصنيف "ماغا" رسميا كتهديد للأمن القومي بكونها "حركة سياسية تضم المتطرفين، وكثير منهم هددوا أو ارتكبوا أعمال عنف، واحتضنهم ترامب حتى هاجموا الكونغرس".

ورصد الموقع عديدا من حالات العنف لمتطرفين ينتمون لـ"ماغا" ويؤمنون بـ"كيو أنون"، تورطوا في أعمال قتل وعنف، مثل قتل متعصب لترامب في ميشيغان زوجته وإصابة أحد أطفاله بجروح خطيرة، وتأكيد ابنته اعتناق والدها نظرية المؤامرة تلك.

وأكدت ابنته أيضا أنه تغير بعد خسارة ترامب في عام 2020، وتمسك بهذه النظرية وبدأ في الانهيار وتحول إلى التطرف والعنف ثم إراقة الدماء.

وفي تقريره عام 2019، أعلن مكتب التحقيقات الفيدرالي أن "كيو أنون" تشكل تهديدا إرهابيا داخليا، وحذر من أن هذه النظرية وأنصارها كانوا سببا في تحويل أفراد أو جماعات للتطرف قبل انتخابات 2020.

مستقبل أميركا

عقب واقعة تفتيش منزل ترمب في فلوريدا يوم 8 أغسطس 2022 ضمن تحقيق وزارة العدل الأميركية حول استيلائه على سجلات ووثائق رئاسية رسمية، استمرت جماعة ماغا في الهجوم على بايدن والديمقراطية.

واتهمت عبر وسائل الاجتماعي، الحكومة ومكتب التحقيقات الفيدرالي بأنهم يحيكون "مؤامرة جديدة" ضد ترامب، وتجمهروا أمام منزل ترامب وهتفوا لـ"إنهاء الديمقراطية"، وبدأت تظهر حوادث عنف بعدة ولايات.

واستغل ترامب ذلك، وهاجم بايدن بشدة لأنه صوره في خطابه الأخير على أنه تهديد للديمقراطية، ووصف بايدن بالمقابل بأنه "عدو الدولة"، وذلك خلال تجمع انتخابي في 3 سبتمبر/2022، في ولاية بنسلفانيا، تمهيدا لانتخابات التجديد النصفي.

ولم ينس ترامب معاودة التشكيك في نتيجة الانتخابات الرئاسية لعام 2020، التي خسرها أمام بايدن، وقال: "الانتخابات الأميركية يجب أن يقررها الشعب الأميركي، وهذا لم يحدث على هذا النحو في 2020".

مراقبون قالوا إن أحد أسباب عدم تقديم ترامب للمحاكمة بسبب هذه الوثائق السرية المستولي عليها، ومخالفته القانون هو التخوف من قيام أنصار ماغا ومعتنقي نظرية المؤامرة "كيو أنون"، بأعمال فوضى وعنف.

وهذه الظروف دفعت مراقبين للتخوف على مستقبل الديمقراطية الأميركية، وتناول ذلك بالتفاصيل ستة خبراء سياسيين استطلعت صحيفة "نيويورك تايمز" آراءهم في 17 مارس 2022 حول "إلى أين تتجه الديمقراطية الأميركية؟".

قالوا إن الحزب الجمهوري تحول مع ترامب وأنصاره من مجموعات "ماغا" وغيرها إلى "قوة معادية للديمقراطية" وأنهم سعوا لتمرير قوانين بشأن التصويت على أساس عنصري/ وغيروا الحزب لنبذ سود ومسلمين وغيرهم، ثم حاولوا الانقلاب الرئاسي مطلع عام 2021.

قبل هذا، أصدرت منظمة فريدوم هاوس الأميركية تقريرا أوائل 2021، يحذر من تراجع الولايات المتحدة في ترتيب البلدان حسب الحقوق السياسية والحريات المدنية.

وحذر التقرير من أن البلاد تواجه "أزمة حادة للديمقراطية"، فهي الآن في المرتبة 59 على قائمة فريدوم هاوس وأقل من الأرجنتين ومنغوليا.

وفي نوفمبر 2021 حذا "المعهد الدولي للديمقراطية والانتخابات"، وهو مؤسسة فكرية مؤثرة مقرها ستوكهولم، حذو فريدوم هاوس، وأضاف أميركا إلى قائمتها الخاصة بـ "الديمقراطيات المتراجعة" لأول مرة.

وكان الدافع وراء عمليات إعادة التقييم هذه هو محاولات دونالد ترامب لإلغاء نتائج انتخابات 2020 وهجوم 6 يناير 2022 على مبنى الكابيتول الذي أعقب ذلك.