مخيم الركبان.. تجمع نازحين يسعى الأسد لتفكيكه بقطع "شريان الحياة" عن سكانه

لندن - الاستقلال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

لا يزال مخيم "الركبان" العشوائي للنازحين السوريين والواقع بالمنطقة المحرمة بين سوريا والحدود الشمالية الشرقية للأردن، يواجه ضغوطا بهدف تفكيكه وتشريد قاطنيه مرة أخرى.

ورغم صبر نحو 10 آلاف شخص في "الركبان" مع الواقع الأليم، بعد قطع المساعدات الأممية منذ عام 2019، إلا أن المخيم بات مهددا بقطع المياه عنه كخطوة أخيرة "قد تجبر النازحين على الركوع".

والمخيم حاليا محاصر من قبل قوات النظام السوري والمليشيات الإيرانية، ويمنعان وصول المساعدات إليه، بهدف إجبار ساكنيه على قبول التسوية مع النظام.

قطع المياه

وأطلقت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" المعارضة، في 3 أغسطس/آب 2022، نداء استغاثة إلى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في العاصمة الأردنية عمان؛ لزيادة مخصصات مياه الشرب إلى ما كانت عليه في مخيم الركبان.

وفي خطوة غير متوقعة، لجأت عمان إلى تخفيض كمية المياه الصالحة للشرب إلى النصف تقريبا منذ مايو/أيار 2022، والتي كانت تدخل عبر الحدود الأردنية بدعم من منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف".

ونظم عشرات من سكان الركبان، في 25 يوليو/تموز 2022، وقفة احتجاجية عند نقطة توزيع المياه مطالبين "اليونيسيف" بزيادة كميات مياه الشرب للمخيم، وتحلية المياه المقدمة للمخيم.

وكانت المياه تصل إلى مخيم الركبان من بئر داخل الحدود الأردنية عبر منظمة "عالم أفضل" متعاقدة معها اليونيسيف رسميا.

وتصل المياه إلى المخيم عبر نقطتين، الأولى هي النقطة الغربية وتبعد عن المخيم نحو خمسة كيلومترات، وتنقل مياهها لسكانه عبر الصهاريج.

والثانية مجاورة للمخيم، يحصل النازحون على مياهها عبر عربات صغيرة تحمل خزانات مياه بلاستيكية بسعة ألف لتر.

والأشد كارثية في نقطة المياه، هو أن الخزانات مهترئة وتسرب المياه، فضلا عن عدم صلاحيتها لتخزين المياه، بسبب كمية الصدأ الكبيرة التي تكدست فيها على مدار سنوات.

وخلال الفترة الأخيرة تصدر وسم (#انقذوا_مخيم_الركبان) منصات التواصل الاجتماعي، بعدما طالب سوريون ومنظمات إنسانية محلية، بتأمين المياه الكافية للمخيم، بعد تخفيضها من قبل منظمة "اليونيسيف" والجانب الأردني.

وعد رئيس الائتلاف الوطني المعارض، سالم المسلط، أن "نظام بشار الأسد يستمر بتطبيق جريمة الحصار على مخيم الركبان كما طبقها على عدة مدن سابقا، بهدف السيطرة عليه والانتقام من قاطنيه".

وطالب المسلط، خلال اجتماع طارئ في 3 أغسطس 2022 بمقر الائتلاف في مدينة إسطنبول، بـ"تدخل دولي عاجل لإنقاذ أرواح العائلات في مخيم الركبان وتأمين حياة كريمة لهم".

نشأة الركبان

وعام 2013، أقيم مخيم الركبان في تلك البقعة الصحراوية القاحلة، كنقطة عبور للعائلات السورية الفارة من بطش نظام الأسد، والتي تريد الوصول إلى الأردن، قبل أن تغلق عمان حدودها أمام اللاجئين بعد أن ارتفع عددهم فيها إلى 1.4 مليون بحلول عام 2016.

وقرب مخيم الركبان توجد قاعدة "التنف" العسكرية التي تأسست عام 2016 وتتمركز فيها قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وتوصف القاعدة بأنها "حصن حاسم ضد إيران" بسبب موقعها الإستراتيجي بالجنوب السوري وتحديدا قرب المثلث الحدودي مع العراق والأردن.

ومنذ ذلك الوقت أصبحت المنطقة عسكرية بموجب اتفاق روسي - أميركي، وتخضع كذلك لحماية جوية من التحالف الدولي نظرا لوجود قوات دولية داخل القاعدة.

في يناير/كانون الثاني 2016، تشكل "جيش مغاوير الثورة" بقيادة الضابط المنشق عن قوات الأسد عام 2012، المقدم مهند طلاع، من مقاتلين يتبعون للجيش السوري الحر المعارض للنظام، بينهم ضباط منشقون عن قوات الأسد.

وأنيط لفصيل "مغاوير الثورة" المدعوم من واشنطن، حماية مخيم الركبان من هجمات "تنظيم الدولة"، كونه يتبع لمنطقة دائرية نصف قطرها 55 كيلومترا، وهو امتداد لبادية محافظة حمص التي تصل حدود العراق.

لكن "الركبان" الذي يقطنه نازحون سوريون غالبية شبابه مطلوبون لأجهزة مخابرات الأسد كونهم أبناء مناطق ثائرة انخرطت بالثورة التي تفجرت في مارس/آذار 2011، "لا تديره أي جهة بعينها".

وتوجد في المخيم نقطة طبية وغرف بدائية لتعليم الأطفال وعدد من النشطاء الذين ينقلون صوت المخيم للعالم الخارجي عبر وسائل الإعلام المحلية والعربية.

وفي 3 أبريل/نيسان 2022، أكد المتحدث باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية الأممي، ينس لارك، أن قوافل المساعدات الإنسانية المقدمة عبر الأردن لم تصل إلى مخيم الركبان منذ سبتمبر/أيلول 2019.

وأوضح لارك، لوكالة "الأناضول" التركية، أن أكثر من 20 ألفا و700 فرد غادروا المخيم منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019، حيث جرى تسكين 20 ألفا و353 فردا منهم في الملاجئ الجماعية داخل مدينة حمص الخاضعة للنظام السوري.

أوضاع قاسية

ونجح نظام الأسد والمليشيات الإيرانية في إقامة شبكة من النقاط العسكرية التي تصل لمحيط مخيم الركبان انطلاقا من مدينة تدمر الإستراتيجية شرقي حمص والتي تسيطر عليها تلك المليشيات.

وتعيش العائلات في الخيام أو بيوت طينية، ويتعرضون لظروف جوية قاسية، وسط نقص الوقود شتاء، مما يدفع العائلات إلى حرق المواد غير الآمنة مثل القمامة للحصول على التدفئة فضلا عن النقص الحاد في الغذاء والدواء.

وكثيرا ما رصدت حالات وفاة خلال الأعوام السابقة لأطفال حديثي الولادة جراء نقص الرعاية الصحية، عدا عن تسجيل حالات وفاة لأشخاص جراء أمراض قابلة للعلاج.

وفي هذا الإطار، أكد الناشط السوري داخل مخيم الركبان، خالد العلي، أن "الواقع حاليا سيء للغاية، كون المخيم محاصر من قبل المليشيات الإيرانية وقوات الأسد، ويمنع دخول أي شيء إليه، فهناك نقص في الطحين والمواد الطبية".

وأوضح العلي لـ"الاستقلال" أن "مياه الشرب كانت تضخ من الأردن بمقدار 600 متر مكعب يوميا، وجرى تخفيض الكمية إلى 200 متر مكعب يوميا دون معرفة الأسباب".

وشدد على أن "هذه الكمية لا تغذي المخيم بالكامل وهناك عوائل لم يصلها مياه الشرب منذ أربعة أيام".

وأرجع العلي الحال الذي وصل إليه المخيم إلى "التجاذبات السياسية الحاصلة بين الروس والأميركان والتي تلقي بثقلها على أهالي الركبان كون المخيم يقع في منطقة يسيطر علها التحالف الدولي".

وحينما فرض النظام السوري الحصار على مخيم الركبان عام 2019، كان عدد سكانه نحو 70 ألف نسمة.

ولجأ بعض السكان بعد حصار المخيم إلى زراعة الخضار لتحقيق الاكتفاء الذاتي، إلا أن هذه الخطوة انعكست سلبا على حياتهم، جراء استهلاك المياه لأغراض ثانية.

ورغم ذلك، فليس الماء والمساعدات فقط تعصفان بأهالي المخيم، بل عوامل الطبيعة الباردة شتاء والحارة صيفا، فضلا عن اشتهار المنطقة بعواصف غبارية تجعل من سكانه وكأنهم يلبسون التراب على أبدانهم.

وكان المبعوث السابق للولايات المتحدة الخاص لسوريا، جيمس جيفري، برر لصحيفة "واشنطن بوست" في 19 يوليو 2018 عدم مساعدة مخيم الركبان بالقول: "إذا قمنا بإطعامهم سيبدو الأمر كما لو أننا سنبقى هناك للأبد".

لكن يعد لعب الأردن ومنظمات دولية بالمياه الواصلة إلى مخيم الركبان، كون الماء شريان الحياة، يشي بوجود رغبة دولية في تفكيك هذا المخيم وإزالته بشكل كامل.

وتقدم واشنطن التي تدعم قوات سوريا الديموقراطية "قسد" شمال شرقي سوريا، الكثير من الخدمات هناك على مستويات متعددة، سواء من محطات تحلية المياه والمواد اللازمة أو الخدمات الطبية والغذائية، بينما يترك مخيم "الركبان" يلفظ أنفاسه وحيدا.

وأمام ذلك، فإن أهالي المخيم يعون ما يحاك لهم، إلا أنهم يطالبون بنقلهم حصرا نحو مناطق المعارضة في الشمال السوري، مع تأمين مساكن لهم أو داخل المخيمات هناك.

الموت أو الاستسلام

ويرفض هؤلاء النازحون الذهاب باتجاه مناطق النظام السوري، لكون الأخير يضع الخارجين من مخيم الركبان في مساكن إجبارية هي بالأصل ملاجئ في حمص.

وتقوم أجهزة مخابرات النظام بالتحقيق مع الشباب، وقد يتعرض هؤلاء للاعتقال وحتى الموت في أقبية سجون الأسد، أما من يثبت بأنه غير مطلوب للنظام يزج على جبهات القتال وفي الخدمة العسكرية أو الاحتياطية بقوات الأسد.

كما أن حكومة الأسد تشترط لإخراج هؤلاء من تلك المساكن وجود كفيل لهم للخروج، مما يزيد الأعباء عليهم أكثر في تأمين كفيل، وسط الظروف المعيشية الصعبة بمناطق النظام.

فيما شكل تحويل المكتب الإغاثي من مكتب الأردن التابع لمنظمة الأمم المتحدة إلى مكتب دمشق التابع للمنظمة ذاتها عام 2019، أولى الخطوات نحو تطبيق نظام الأسد "سياسية الجوع التي توصل للاستسلام أو الموت".

وأدت هذه الخطوة إلى التدرج الطبيعي في تقليص أعداد سكانه وتفكيكه شيئا فشيئا من الداخل عبر تسرب العوائل والأشخاص نحو مناطق النظام أو التهريب نحو الشمال السوري الخاضع للمعارضة.

ووثقت شبكة "تدمر" الإخبارية، في سبتمبر/أيلول 2021، اعتقال النظام السوري لعدة أشخاص خرجوا من الركبان، ومنهم أحد أعضاء المجلس المدني في المخيم الذي اعتقل هو وابنه في نفس العام عند حاجز أمني في مدينة حمص.

وضمن هذه الجزئية، أكد مدير شبكة "تدمر" الإخبارية، محمد العايد، أن "الأردن راغبة في تفكيك المخيم وإزالة كافة الأعباء المترتبة عليها تجاهه، وخاصة عقب تطبيع علاقاتها مع النظام السوري قبل عامين".

وأضاف العايد لـ"الاستقلال" أن "روسيا تخشى أن تكون منطقة الركبان نقطة تعبئة عسكرية لاحقا، لكون أغلب شباب المخيم هم من مناطق ثائرة بوجه النظام".

ومضى قائلا: "كما أن هناك مصلحة لنظام الأسد ومن ورائه إيران بتفكيك المخيم من أجل حماية مشروع الطريق البري من طهران إلى دمشق ثم بيروت، والذي يمر من معبر الوليد عند الحدود العراقية السورية".

أما بالنسبة للمصلحة الأميركية، وفق العايد، "فتتمثل في رغبتها بتخفيف الأعباء الملقاة على عاتقها في مسألة النازحين ومساعدتهم وتقديم الخدمات لهم".

ويرفض نظام الأسد تهجير أهالي مخيم الركبان نحو الشمال السوري كما يرغبون، ويصر على تجميعهم في مساكن تتبع له، وذلك بهدف تنفيذ عمليات اعتقال والانتقام من ساكنيه لمشاركتهم في الثورة.

ومما يشجع النظام على المماطلة في الحل، هو كون المخيم في بقعة صحراوية خالية ومعدومة لكل مقومات الحياة، بخلاف المدن الأخرى التي قبل فيها إجراء اتفاقيات بوساطة روسية وتهجير المعارضين نحو الشمال السوري المحرر.