"الأفق والخلاص".. هذه أهداف إسرائيل من اختراق قطاع التعليم في المغرب

نددت قطاعات واسعة في المغرب بتوقيع الرباط وإسرائيل، اتفاقا للتعاون بين جامعات ومراكز أبحاث الجانبين وربط التواصل بين الطلاب والباحثين في المجال.
ووصف مراقبون تلك الخطوة بـ"الخطيرة" وأنها غير محسوبة العواقب، واستنكر أكاديميون ونقابيون وهيئات أكاديمية هذا الاختراق الذي يهدد "مستقبل" المغرب.
كما أعلنوا رفضهم "إقحام مؤسسات التعليم العالي في محافل التطبيع مع كيان الاحتلال تحت مسميات الشراكة الأكاديمية والبحثية.
سقطة خطيرة
وترأس وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار المغربي، عبد اللطيف ميراوي، ووزيرة الابتكار والعلوم والتكنولوجيا الإسرائيلية، أوريت فركاش هكوهين، مراسم توقيع مذكرة تفاهم في مجال البحث العلمي والتكنولوجيا بالعاصمة الرباط في 27 مايو/أيار 2022، حسب بيان صادر عن الوزارة المغربية.
وأكد ميراوي في كلمة له على أهمية المذكرة في "الدفع قدما بعلاقات التعاون الثنائي في ميدان البحث العلمي والابتكار، من خلال تحفيز التقارب بين المؤسسات الجامعية بكلا البلدين وتبادل الخبرات والتجارب، فضلا عن تشجيع حركية الطلبة والباحثين"، وفق البيان.
وعد المبادرة فرصة لـ"تطوير برامج مشتركة للبحث العلمي في المجالات ذات الاهتمام المشترك كالطاقة الخضراء والفلاحة المستدامة والقطاع الصحي، بالإضافة إلى مجال الصناعات الحديثة".
من جهتها، قالت الوزيرة هكوهين، بحسب البيان، إن المذكرة الموقعة بين الوزارتين تندرج في إطار "الإعلان المشترك" بين البلدين، الموقع في 22 ديسمبر/كانون الأول 2020. وأضافت أنها تفتح "آفاقا واعدة للتعاون الثنائي".
لكن "المكتب الوطني للنقابة المغربية للتعليم العالي" (مستقلة)، عد مراسم التوقيع على الاتفاقية، “لا تعني سوى الوزير وحده، ولا تمثل الأساتذة الباحثين".
ودعا "المكتب الوطني" في بيان صادر عنه في 29 مايو 2022، الأساتذة الباحثين والأطر التعليمية، بهيئاتهم التربوية العلمية إلى "التصدي لكل الفعاليات والمبادرات التطبيعية التي تستهدف اختراق الجامعة المغربية ومؤسسات التعليم العالي، وتدنيس حرمها، وتلويث سمعتها، بهدف النيل من صمودها وكسر مناعتها التاريخية".
وشدد المصدر ذاته، على أن القضية الفلسطينية "ستبقى حية في ضمير الجامعة والجامعيين وكل المغاربة".
بدوره، عد "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب" أن "الاتفاق سقطة خطيرة، وجرأة ما بعدها جرأة... وزارة التعليم العالي تدخل سباق التطبيع المشؤوم رسميا، بعد قيام بعض الجامعات بمجموعة من الخطوات التطبيعية خلال السنة الجارية، في تحد واضح لكل مكونات الجامعة المغربية التي ترفض التطبيع بكل أشكاله وألوانه".
وحذر "الاتحاد" (أكبر هيئة طلابية)، في بيان، من "خطورة التورط في جريمة التطبيع، والانسياق وراء الوهم والركض نحو السراب".
ورأى أن "هذه الخطوة الخطيرة هي إيذان بخراب الجامعة، وإعلان رسمي بدخول الجامعة نفقا مظلما لن تخرج منه أبدا، وبدء مرحلة جديدة تنسلخ فيها الجامعة المغربية من مضمونها وهويتها ووظيفتها، وتدشين لمسار جديد سيجعل منها أداة في يد الصهيونية توظفها في الاتجاه الذي يخدم أهدافها الاستعمارية والعنصرية والتخريبية".
وقال "الاتحاد": "يا عقلاء وفضلاء الجامعة المغربية، إن الأمر خطير، وإننا بصدد لحظة تاريخية استثنائية، تفرض على جميع مكونات الجامعة تحمل مسؤوليتهم في منع الاختراق الصهيوني".
وتستلزم هذه المرحلة نضالا منظما وموحدا يتجاوز كل الحسابات الضيقة، يفضح المطبعين، ويسقط مخطط التطبيع ويحرر الجامعة والمجتمع من قبضة مجرمي الحرب، وفق البيان.
من جانبها، قالت "المبادرة الطلابية ضد التطبيع والعدوان في المغرب"، إن هذه الخطوة التطبيعية "تؤكد عزم الكيان الصهيوني وعرابيه بالمملكة على اختراق الوسط الجامعي من خلال ترويج مقولات الدولة الصهيونية على كونها دولة متقدمة ومتطورة على مستوى البحث العلمي".
وعدت خلال بيان نشرته في 29 مايو 2021، أن "الاتفاقية محاولة بائسة لكي الوعي الطلابي الجماعي وتمرير مخططات التطبيع والصهينة من خلال تقبل هذا التنسيق الأكاديمي المنمق".
وجددت استنكارها التام لـ"كل أشكال التطبيع مع الاحتلال، وخصوصا التطبيع الأكاديمي بما يوقع الجامعة المقاومة في براثن التطبيع".
وأكدت أن "الرصيد الحافل للأصوات الحرة بالجامعة في الدفاع عن قضايا الوطن والأمة لا يمكن الركوب عليه من خلال التنسيق الرسمي للوزارة مع الكيان المحتل".
وشجبت المبادرة "كل المحاولات البئيسة في وعي الطلبة بإظهار الكيان المحتل لهم كونه دولة أولا وكونه متقدما أكثر من غيره على مستوى البحث العلمي، في حين أن الواقع يؤكد بأن البحث العلمي الصهيوني لم يتقدم إلا في سياسات تطوير مختلف الأسلحة التي يقتل بها إخواننا الفلسطينيون".
ودعت كل الأصوات الحرة بالجامعة إلى توحيد الجهود في الدفاع عن القضية الفلسطينية.
جريمة كبرى
وتعود مبادرات التطبيع التعليمي بين إسرائيل والمغرب إلى فبراير/شباط 2021، حيث اتفقت الوزارتان على إطلاق برنامج لتبادل الوفود الطلابية بين البلدين، وإجراء مسابقات تعليمية باللغتين العربية والعبرية في الدولتين، وهو ما لاقى في حينه معارضة شديدة من الجمعيات والمنظمات المغربية المناهضة للتطبيع.
وكانت إسرائيل والمغرب قد أعلنتا في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، بعد توقفها عام 2000 إثر اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
ومنذ توقيع اتفاق التطبيع بين المغرب وإسرائيل برعاية أميركية أواخر عام 2020، تسير العلاقات بين الجانبين في منحى تصاعدي، توج بزيارات وزراء إسرائيليين إلى الرباط وتوقيع اتفاقيات تعاون عدة.
واستنكرت "نقابة أساتذة الجامعات المغربية"، إقحام مؤسسات التعليم العالي في "جريمة التطبيع"، على إثر اتفاقية الشراكة.
وتبرأت "نقابة أساتذة التعليم العالي المغربية" (مستقلة)، خلال بيان صادر في 30 مايو 2022، من "التطبيع الأكاديمي مع المحتل"، مؤكدة أنه "لا يمثل الأساتذة الباحثين في شيء وإنما يعني الوزير وحده".
وفي ذات الصدد، قال رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، أحمد ويحمان، أن "تطبيع العلاقات في مجال التعليم، ما هو إلا جزء يسير من خطة الاحتلال الصهيوني للاستيلاء على كافة المجالات".
وأكد لموقع "بي جي دي" المغربي في 27 مايو، أن "الاختراق الصهيوني يتهدد الرباط في مصيرها وكينونتها"، مردفا "أنه إذا ما استمرت الأمور فيما هي عليه الآن، سيتساءل المغاربة بعد مدة قصيرة عن شيء اسمه المغرب".
وشدد على أنه "على المغاربة أن يعوا أولا أنهم في خطر حقيقي ماحق لأننا في العد العكسي لانهيار المغرب أرضا ومجتمعا ودولة".
وأشار إلى أنه في وقت سابق كان هناك مخطط لنقل "إسرائيل" إلى المغرب، حيث لفت إلى أنه منذ أن "أصبحت صواريخ المقاومة تدك العمق الإستراتيجي للكيان فهم يبحثون عن البديل، ولذلك فهم يرون في المملكة البديل لنقل الكيان إليه" يقول ويحمان.
وأشار إلى "ما كشفت عنه الصحفية الصهيونية، نتسحيا يعقوب، في نفس الأسبوع الذي وقع فيه المغرب على الاتفاقية المشؤومة للتطبيع مع الكيان الصهيوني، من أن الحركة الصهيونية العالمية ناقشت إنشاء وطن قومي لليهود بالمملكة قبل فلسطين وقبل أميركا الجنوبية بالأرجنتين وشرق إفريقيا بأوغندا".
وتابع: "كان المغرب سنة 1903 موضوع مناقشة الحركة الصهيونية العالمية برئاسة، تيودور هرتزل، شخصيا، والذي وضع هذا المشروع هما يهوديان مغربيان صهيونيان، يعقوب وباروخ التوليدانو".
ثم قررت الحركة الصهيونية تجاوزه نتيجة الموت المفاجئ لهرتزل سنة 1904، وفق قوله. ويرى ويحمان، أن "التطبيع في المغرب توسع بشكل غير مسبوق ليشمل مجالات واسعة".
ولفت إلى أن "الاحتفال بعيد استقلال إسرائيل يأتي في ذكرى اغتصاب فلسطين ويستدعى الكيان الصهيوني كضيف شرف، وفي الدعوات الموزعة تسمى إسرائيل الشقيقة، وبرعاية السلطات وبالمال العام المغربي".
"الأفق والخلاص"
من جهته، أكد الكاتب العام للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع، عزيز هناوي، أن "الحكومة اليوم توقع على تخريب التعليم وليس على رفع مستوى التعليم"،
وأضاف في حديث لقناة "الحوار" (مقرها لندن)، أن "التطبيع انطلق من الصحراء فصرنا إلى الصهينة الشاملة للبرامج في التعليم الأساسي، ووصولا لتوقيع الاتفاقية مع التعليم العالي".
وأردف هناوي: "نحن إزاء هرولة للصهينة التعليمية، عنوانها ربط عجلة التعليم المغربي بعجلة التعليم الصهيوني".
وعد ذلك "جريمة كبرى ليس فقط في حق فلسطين، ولكن الأخطر بحق المنظومة التعليمية الهوياتية المغربية والمرجعيات الوطنية الدستورية، ونحن نعيش في المغرب تحت إمارة المؤمنين وفي إطار لجنة القدس".
وشدد هناوي على أن "ما يجري اليوم تناقض مباشر وحالة تناف مع الموقف والموقع والمسؤوليات الوطنية الرسمية"،
ونبه إلى أن "هناك أجندة لتيار داخل الدولة يحاول أن يقول للمغاربة إن كل الأفق وكل الخلاص للمغرب في تل أبيب".
وتابع هناوي: "نحن لا نقبل مطلقا أن يعطي الصهاينة قرار صك الاعتراف بالصحراء، فهي مغربية والمغاربة يؤمنون بها بشكل مقدس كقضية أولى للمغاربة"، وفق قوله.
وأشار إلى أن "المغاربة حرروا الصحراء بالمسيرة الخضراء (مسيرة شعبية سلمية في خريف 1975 من أجل الضغط على إسبانيا لمغادرة الإقليم) وبالمقاومة وليس بالتطبيع مع الاحتلال".
وختم حديثه بالقول إن "هذه الموجة التطبيعية التي مضى فيها المغرب منذ سنة ونصف ارتبطت للأسف بقضية الصحراء، لكن يبدو أن الموضوع تم تجاوزه".
ويعتقد أن "مراهنة المملكة على دعم الصهاينة في قضية الصحراء وهم كبير".