حال أوقفت روسيا توريد الغاز إلى أوروبا.. هل تدفئ قطر القارة العجوز؟

قسم الترجمة | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تساءلت صحيفة الإندبندنت البريطانية عن مدى قدرة قطر على تلبية احتياج أوروبا من الغاز الطبيعي المستخدم في التدفئة وإنتاج الطاقة، حال أوقفت روسيا إمداداتها مع غزوها المحتمل لأوكرانيا.

وذكرت الصحيفة بنسختها الفارسية في مقال للخبير بالسياسة الخارجية والجيوسياسية، أميد شكري، أن الولايات المتحدة تحث قطر على مزيد من الاستثمارات في استخراج وإنتاج الغاز المسال لتحييد التهديدات الروسية في هذا الملف.

خيوط متشابكة

وذكرت الصحيفة أن استمرار التوتر بين أوكرانيا وروسيا وأزمة الطاقة الأخيرة هما السبب الأصلي للقلق لدى أوروبا بشأن تأمين الطاقة خلال الشهور المقبلة.

وتعد روسيا الموفر الرئيس للغاز الطبيعي لأوروبا خلال السنوات الماضية، واستفادت في بعض الحالات من ورقة قطع صادرات الغاز إلى أوروبا لأجل الوصول إلى أهدافها السياسية والاقتصادية.

ولو اُختتم التوتر الراهن بين روسيا وأوكرانيا بحرب، فيمكن أن تقطع روسيا صادرات الغاز عن أوروبا أو تعمل على تقليلها.

لذا تحاول أوروبا أن تتنوع في سياستها التنفيذية الخاصة بمصادر الطاقة حيث تسعى إلى تقليل ميزان اعتمادها على الغاز الطبيعي الروسي، لكن تفشي فيروس كورونا وانخفاض الاستثمارات في بعض مشروعات الطاقة حال دون تحقيق ذلك.

وهيأت أزمة الطاقة فرصة مناسبة بالنسبة لروسيا لكي تزيد ضغوطها لبدء تصدير الغاز عن طريق خط أنابيب نورد ستريم، فضلا عن بيع الغاز بقيمة مرتفعة لبعض الدول الأوروبية.

وللتقليل من آثار هذه الأزمة، يمكن لأوروبا اللجوء لعدة عوامل، أبرزها، استيراد الغاز الطبيعي المسال من دول أخرى، والاستثمار بشكل أكبر في الطاقة المتجددة، والاهتمام الأكبر بعملية معالجة الطاقة.

 لكن عند أخذ ميزان إنتاج الدول الرئيسة المالكة للغاز الطبيعي في عين الاعتبار، فلا يمكن توقع أن أوروبا يمكنها تجهيز بديل للغاز الطبيعي الروسي في مدة قصيرة في حال اشتعال الحرب.

وتشهد العلاقات بين كييف وموسكو توترا متصاعدا منذ نحو 7 سنوات، بسبب ضم روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية إلى أراضيها بطريقة غير قانونية، ودعمها الانفصاليين الموالين لها في "دونباس".

وأخيرا، وجهت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، اتهامات إلى روسيا بحشد قواتها قرب الحدود الأوكرانية، وهددت واشنطن بفرض عقوبات على موسكو إذا شنت هجوما على أوكرانيا.

الغاز القطري

وأشارت الصحيفة إلى أن قطر إحدى الدول الكبرى المنتجة للغاز الطبيعي المسال في العالم، حيث تقوم بتصدير ما يقرب من ثلاثة أرباع إنتاجها إلى دول شرق آسيا من قبيل اليابان وكوريا الجنوبية.

وتوفر قطر ما يقرب من 5 بالمئة من الغاز الطبيعي الذي تحتاجه أوروبا. ففي سبتمبر/ أيلول 2021، تجاوز ميزان صادرات الغاز المسال الأميركي نظيرتها القطرية والأسترالية.

ومن المتوقع أن تصعد أميركا لتكون أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم في 2022.

وأزمة الطاقة وزيادة قيمة الغاز المسال تهيأ الفرصة لأميركا كي تزيد ميزان صادراتها إلى شرق آسيا، كما يمكنها أن تؤدي دورا في تأمين الطاقة لبعض الدول الأوروبية التي لديها بنية تحتية مناسبة لاستغلال شحنات الغاز المسال.

وبأخذ أزمة الطاقة وزيادة التوتر بين أوكرانيا وروسيا في عين الاعتبار، ستزداد احتمالية خيار زيادة استيراد الغاز المسيل من قطر وأميركا إلى حد بعيد وباهتمام بالغ من الحكومات الأوروبية.

وفي عام 2018 في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، فرضت أميركا عقوبات كثيرة على مشروع نورد ستريم2.

وأعلن دان برويليت، نائب وزير الطاقة الأميركي آنذاك عن مفاوضات واشنطن والدوحة لزيادة استيراد الغاز المسيل القطري إلى أوروبا لتقليل اعتماد هذا الاتحاد على الغاز الروسي.

وفي عهد ترامب طلبت أميركا مرارا من ألمانيا، وسائر الدول الأوروبية أن تقلل نصيب الغاز الروسي في سلة الطاقة الأوروبية بالتدريج عن طريق زيادة استيراد الغاز من قطر وأميركا بدلا من الغاز الروسي.

وفي سبتمبر/ أيلول 2018، أعلنت قطر أنها تنوي على خطة خمسية لاستثمار حوالي 10 مليارات يورو (11.6 مليار دولار) لتقوية علاقتها بألمانيا.

وكان من المقرر في هذه الخطة بناء محطة غاز طبيعي مسال في ألمانيا.

وكشفت المستشارة الألمانية حينها أنجيلا ميركل أن الاستثمارات القطرية في ألمانيا وبالأخص في مجال البنية التحتية للطاقة تهيأ الفرص الواعدة لتطوير المعاملات التجارية وتساعد على تنويع مصادر الطاقة بالبلاد.

ولو تحقق الاستثمار القطري في مجال البنية التحتية الألمانية للغاز الطبيعي المسال، سيكون بإمكان ألمانيا عن طريق اتصالها بمحطات الغاز الطبيعي المسال في هولندا، بلجيكا، بولندا أن تؤدي دورا في تأمين الطاقة لهذه الدول، وعند اللزوم تحصل على الغاز منهم.

كما تسعى الحكومة الألمانية نحو تطوير شبكة الغاز الطبيعي المسال داخل البلاد، وشركات ألمانية منشغلة حاليا في مجال بناء محطات غاز مسال.

في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، عند طرح فكرة زيادة استيراد الغاز المسال من قطر، أعلنت الدوحة مع أخذ حجم الإنتاج ومطالب عملائها التقليديين في الاعتبار أنها لن تستطيع أن تخطو خطوة مؤثرة لتقليل ميزان أزمة الطاقة وانخفاض قيمة الغاز الطبيعي في أوروبا بالنظر إلى الظروف الحالية.

وأرجعت ذلك لأنها خصصت كل إنتاجها للعملاء السابقين، ولا تمتلك القدرة على الإنتاج أكثر من الميزان المتوفر.

ووفق وكالة أنباء رويترز البريطانية، أعلن وزير الطاقة القطري سعد الخابي أن "في الوقت الحالي، ننتج بأقصى قدرة، ونوزع إنتاجنا بأكمله بحصة نسبية بین العملاء".

يذكر أن قطر تنتج 77 مليون طن من الغاز المسال، ومن المقرر أن يصل حجم إنتاجها إلى 127 مليون طن حتى عام 2027.

التدخل الأميركي

وأشارت الصحيفة أن تقارير إعلامية تحدثت في 21 يناير/ كانون الثاني 2022 عن مفاوضات حكومة جو بايدن مع قطر لزيادة حجم إنتاج وصادرات الغاز المسال إلى أوروبا.

ونقلت عن مصدرين مطلعين لوكالة بلومبرغ الأميركية أن بايدن دعا أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى زيارته في البيت الأبيض نهاية يناير.

كما قال أحد المسؤولين في البيت الأبيض أن مسألة اللقاء بين بايدن والأمير القطري دارجة منذ فترة.

وأوضحت أيضا أن بولندا وليتوانيا من الدول التي سعت إلى تقليل الارتباط بالغاز الطبيعي الروسي في السنوات الأخيرة.

حتى أن بولندا أبرمت معاهدة طويلة الأمد في عهد ترامب لاستيراد الغاز المسال من الولايات المتحدة.

وفي نفس الوقت مازالت واشنطن تصر في الطلب من أوروبا بمنع بدء صادرات الغاز الروسية عن طريق مشروع نورد ستريم2.

ومع الأخذ في عين الاعتبار أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رفض شن الهجوم على أوكرانيا بشكل ظاهري، لكن أزمة الطاقة في أوروبا مستمرة كما كانت.

وينوي بوتين أخذ بعض الضمانات، ليس فقط بتقليل انتشار التوتر في المنطقة، ربما ببدء تصدير الغاز من خط نورد ستريم2 الذي يزيد من اعتماد أوروبا على مصادر الطاقة الروسية.

ولو أرادت قطر أن ترد ردا إيجابيا على طلب حكومة بايدن، مع أخذ حجم إنتاج الغاز المسال للدولة، ونصيبها القليل في سلة الطاقة الأوروبية في عين الاعتبار، يجب عدم توقع تقليل نصيب روسيا في سوق الطاقة الأوروبية على المدى القصير.

أوروبا كذلك لابد أن تستثمر بشكل أكبر في تأسيسات التخزين للهيكلي للغاز المسال ويجب أيضا أن تستورده بقيمة أعلى من أميركا، كي تستطيع التقليل من الاعتماد على الغاز الروسي خلال المدى المتوسط.

وبالاهتمام بدبلوماسية موسكو الفعالة للطاقة في بعض وسائل الإعلام، ومراكز الدراسات، وفي التواصل مع بعض رجال السياسة الأوروبية، فلا يبدو أن بوتين سيقبل مسألة قلة نصيب أوروبا في سوق الطاقة الأوروبية ببساطة.