خطة طويلة.. كيف تتغلغل إيران داخل المؤسسة العسكرية للنظام السوري؟
.jpg)
لا ينتهي التموضع النوعي لإيران في سوريا عند حد الإبقاء على مصالحها الإستراتيجية وحمايتها التي جنتها على مدى عشر سنوات؛ بل يتعداه إلى تشويه هوية المؤسسات الرسمية لتكريس النفوذ الإيراني طويل الأمد في البلاد.
وتعكف إيران على تفكيك بنية المؤسسة العسكرية السورية في مشهد يؤكد على قطع طهران الطريق أمام استعادة السوريين قرارهم الوطني وحلمهم بدولة ديموقراطية غير مرتهنة، وكذلك ترك الملف السوري مشرعة أبوابه على عملية سياسية غامضة.
وسلط رئيس هيئة التفاوض السورية المعارضة أنس العبدة الضوء في سلسلة تغريدات متتالية له مطلع يونيو/حزيران 2021 على طبيعة التغلغل الإيراني داخل المؤسسة العسكرية السورية.
تفكيك وتركيب
قال فيها: "بعد أن أمضت طهران قرابة تسع سنوات من إنشاء وتدريب مليشيات عديدة في سوريا تخدم مصالحها التخريبية والطائفية، ها هي اليوم تبدأ ترتيب حصتها ونفوذها في مؤسسة النظام العسكرية وبموافقة من روسيا والنظام وعلى حساب السوريين ودمائهم".
بعد أن أمضت طهران قرابة تسع سنوات من إنشاء وتدريب مليشيات عديدة في سوريا، تخدم مصالحها التخريبية والطائفية. ها هي اليوم تبدأ ترتيب حصتها ونفوذها في مؤسسة النظام العسكرية، وبموافقة من روسيا والنظام، وعلى حساب السوريين ودمائهم. #سوريا #الثورة_السورية
— أنس العبدة Anas Abdah (@AlabdahAnas) June 1, 2021
كما فجر العبدة مفاجأة من العيار الثقيل في تغريدة تالية أكد فيها أن "إيران بدأت خلال شهر مايو/أيار 2021 إرسال مئات العناصر من مليشياتها بسوريا إلى ريف دمشق من أجل تسجيلهم رسميا على أنهم عناصر في جيش النظام ثم تعيدهم إلى ثكناتهم ليخدموا الأجندة الإيرانية من جديد".
لم يكتف رئيس هيئة التفاوض السورية بهذا القدر من المعلومات الهامة والخطيرة بل اعتبر أن "ما تفعله موسكو وطهران هو عملية تفكيك وتركيب للمؤسسات السورية".
واعتبر أن هذه هي "الطريقة التي تحفظ مصالحهما وتقتل كل أمل للسوري بالحرية والديمقراطية"، منوها إلى أن "كل ذلك يتم بمساعدة مجرم الكيماوي (رئيس النظام بشار الأسد) مقابل بقائه على كرسي باعه بيديه".
لم تخف إيران شهيتها في التغلغل بالمؤسسة العسكرية التابعة للنظام السوري؛ إذ اعترف بذلك وزير الدفاع وإسناد القوات المسلحة الإيرانية العميد أمير حاتمي في أغسطس/آب 2018 خلال توقيعه مع النظام اتفاقية للتعاون العسكري والدفاعي.
وأكد حاتمي أن بلاده دخلت بما وصفها بـ "مرحلة إعادة البناء" في إطار حديثه عن تعزيز البنى التحتية الدفاعية في سوريا.
تلك التصريحات الخطيرة اعتبرت بداية جدية من طهران لإعادة هيكلة "الجيش السوري"، لا سيما أن حاتمي قالها صراحة بأن "أهم بنود اتفاقية التعاون العسكري مع سوريا هو إعادة بناء القوات المسلحة والصناعات العسكرية الدفاعية السورية".
وعلى الرغم من ادعاء إيران بأن وجودها في سوريا هو بصفة مستشارين عسكريين وأن إرسال هؤلاء مستمر ما دام ذلك ضروريا، فهي لا تتوانى عن التهديد بـ "رد ساحق" لكل من يعرقل الوجود الاستشاري الإيراني بدمشق.
لكن الوقائع على الأرض هي بخلاف تلك التصريحات الرسمية لطهران، إذ يقدر عدد المليشيات الإيرانية في سوريا بنحو 90 ألف عنصر، منهم قرابة 50 ألف من السوريين الذي انخرطوا ضمن "قوات الدفاع المحلي" التي شكلتها إيران منذ عام 2012 وهم عبارة عن خليط من مدنيين وعسكرين.
والباقي هم عناصر من جنسيات أجنبية جلبتهم إيران من (العراق – لبنان – باكستان – أفغانستان) ومنهم 8 آلاف فقط من الحرس الثوري الإيراني.
وحسب الخريطة العسكرية فإن المليشيات الإيرانية تتوزع في 125 موقعا عسكريا في عشر محافظات سورية، بينها 37 موقعا في محافظة درعا جنوب سوريا، و22 موقعا في العاصمة دمشق ومحيطها، و15 موقعا في محافظة حلب حسب ما نشر مركز "جسور" للدراسات في تقرير له منتصف 2020.
كما توجد لإيران في سوريا 4 قواعد عسكرية كبيرة ذات مواقع إستراتيجية هامة، أولها قرب مطار دمشق الدولي، وثانيها قاعدة "عزان" في ريف حلب الجنوبي، و"قاعدة الإمام علي" في مدينة البوكمال الحدودية بريف دير الزور، وقاعدة "اللجاة" في ريف درعا الشمالي.
مرحلة مبكرة
لكنه وأمام هذا الحضور العسكري الضخم لإيران في سوريا، يبقى السؤال المطروح: هل وصلت طهران إلى مرحلة تفكيك وتركيب المؤسسات العسكرية السورية؟
وهنا يجيب المحلل العسكري السوري العقيد علي ناصيف الذي ركز في حديثه لـ "الاستقلال" على أنه "من المبكر القول إن إيران وصلت إلى مرحلة تفكيك المؤسسة العسكرية السورية وتركيبها من جديد".
وشرح العقيد أن المؤسسة العسكرية السورية الحالية "منقسمة إلى 3 أقسام وهي قادة الفرق والفيالق والقوى الجوية والدفاع الجوي"، مبينا أن "منها ما هو موال لإيران والبعض الآخر للروس وقسم آخر مع رأس النظام بشار الأسد".
ونبه المحلل العسكري إلى أن "بعض الفرق تتحكم إيران بقرارها نظرا لوجود قائد وضباط يوالون طهران مثل الفرقة التاسعة والفرقة الخامسة والفرقة السابعة".
واستدرك بالقول: "بعض الفرق العسكرية تتحكم فيها روسيا مثل الفيلق الخامس والفرقة الثالثة والفرقة 14 وقسم من القوات الخاصة وقسم كبير من الحرس الجمهوري".
وبين العقيد ناصيف "أن الأجهزة الأمنية تتبع للمؤسسة العسكرية وتسيطر على معظمها روسيا".
وأضاف أن "هناك غرفة عمليات في أركان جيش النظام تضم ضباطا من الإيرانيين والروس والنظام وهي من تتخذ القرار لأي تحرك أو عمليات عسكرية".
ودلل العقيد على مدى قدرة إيران على التأثير في المؤسسة العسكرية التي يديرها النظام السوري من خلال لعبها "دورا كبيرا في قرار لجنة الترفيع والتعيينات لبعض القادة".
وأوضح العقيد ناصيف أن "القوات الجوية ومعظم الدفاع الجوي المتطور مثل (بوك والبانسير١ وإس - 300) هي تحت السيطرة الروسية بالكامل".
ويذهب المحلل العسكري علي ناصيف إلى أن "إيران لا يمكنها السيطرة الكاملة على المؤسسة العسكرية السورية بكل أنواعها لأن روسيا ستكون خارج المؤسسة وهذا لن يحصل لأن الروس لن يتخلوا عنها لطهران بشكل كامل".
وحدد العقيد نطاق وقوة السيطرة الإيرانية التي وصفها بأنها "شبه كاملة على القوات العسكرية للنظام السوري الموجودة في منطقة حلب وريفها وحتى بادية الرقة وديرالزور".
تغلغل هجين
إيران ومنذ زج مليشياتها إلى جانب قوات النظام السوري عام 2012 بعد أقل من سنة على اندلاع الثورة السورية في مارس/آذار 2011، كانت ترمي إلى خلق قوى محلية سميت بـ "القوات الرديفة" ودمجها في نهاية المطاف داخل الفرق وقطع "الجيش" النظامي وهذا ما حصل لاحقا.
بمعنى أن طهران نجحت بالتغلغل بشكل نوعي وطويل الأمد في المؤسسة العسكرية السورية.
وتعد الهياكل العسكرية الهجينة اليوم في سوريا إحدى نقاط القوة لإيران كونها باتت تدين بالولاء المطلق لطهران نظرا للدعم المالي واللوجستي المقدم لها.
لدرجة أن قادة تلك الفرق العسكرية والأفرع الأمنية يتبعون بشكل شبه مباشر لإيران مثل "المخابرات الجوية"، و"الفرقة الرابعة" التي يقودها ماهر الأسد شقيق بشار.
ومما هو واضح فإن إيران تعمل على استكمال حلقات سيطرتها الكاملة على سوريا، فهي ماضية بالتوسع الاقتصادي وأسست للتغلغل العسكري سواء من ناحية القواعد أو تطعيم المؤسسات العسكرية بعناصر أو عبر ضباط يتبعون لها، إلى جانب الولاء السياسي المتمثل برأس النظام بشار الأسد.
ويفصل الباحث في المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام، رشيد حوراني في تصريح لـ "الاستقلال"، الأساليب التي اتبعتها إيران لدعم وجودها العسكري في سوريا منذ اندلاع الثورة السورية وتخطيطها لمواجهة المتظاهرين دعما للنظام السوري.
الأول وفق الباحث تمثل بـ "إدخال المليشيات الطائفية الأجنبية والثاني إنشاء نظيرتها المحلية من أبناء الطائفة الشيعية في سوريا كلواء الرضا في حمص واللواء 313 في بصرى الشام بدرعا، والثالث هو استغلال الحالة المعيشية الصعبة لأبناء المناطق السورية المنتشرة فيها وتجنيدهم في مليشياتها".
ولفت حوراني إلى أن إيران "لجأت مؤخرا من أجل التمويه على وجود مليشياتها إلى إلباسهم الزي العسكري الخاص ببعض وحدات النظام كالفرقة الرابعة".
وأردف أن "تسجيل طهران مليشياتها رسميا على أنهم من عناصر النظام هي خطوة تكتيكية تحت نظر العين الروسية نظرا لما يعانيه جيش النظام من نقص في الكفاءة والطاقات البشرية".
وأشار إلى أنها "لا ترقى إلى مستوى اتخاذ قرار يتعلق بالمؤسسة العسكرية التي تحكم روسيا السيطرة عليها، وذلك دليل على عدم قدرة إيران على اتخاذ أي قرار بشن معركة في أي اتجاه بدون القرار والإذن الروسي".
ونوه الباحث حوراني إلى أن "الصراع الميداني غير المعلن بين الروس والإيرانيين كإرغام المليشيات الإيرانية على تسليم بعض مواقعها منذ فترة مضت للقوات الروسية في مدينة البوكمال شرق سوريا؛ يعكس إصرار روسيا استخدام المليشيات الإيرانية كذارع مؤقتة ليس إلا".
مقاومة المعارضة
وبحسب تحليل نشرته مجلة فورين بوليسي، في منتصف مارس/آذار 2021 للكاتبة "أنشال فوهرا" بعنوان "إيران تسعى لتحويل سوريا للتشيع"، فإن طهران تستخدم "الدين" من أجل الحفاظ على نفوذها، كما فعلت في الجارة لبنان من خلال ذراعها حزب الله.
ويشير التحليل إلى أن "المقاربة الإيرانية في سوريا تنطوي على إستراتيجية مختلفة في تعامل النظام مع روسيا حيث تطمح طهران إلى إيجاد جيل جديد من الشباب يدين بالولاء لإيران وفي مرحلة من المراحل ستطالب طهران بإعطاء هؤلاء حقوقا ومناصب في الدولة السورية".
وأرجعت الكاتبة سرعة طهران في تحقيق طموحها في سوريا في عهد بشار الأسد لاختلافه عن أبيه حافظ.
وتقول: "إنه رغم علاقة حافظ الوثيقة مع إيران فإنه لم يسمح لطهران بتوسيع نفوذها في سوريا، كما هو الحال الآن؛ إذ كان يبقى على مسافة أمان لضمان استمرار التعاون والدعم، ولكن من دون إشراكهم في شؤون البلاد".
ويرى كثير من المراقبين السوريين أن الرؤية الروسية الإيرانية في سوريا تسير في طريق التعاون والتنسيق المستمرين بهدف منع أي تغيير محتمل في النظام السوري وانتقال البلاد إلى نظام مؤسسات الدولة الديمقراطية.
ويقولون إن هذا ما سيهدد مصالح طهران وموسكو التي ضمنها لهما النظام السوري على شكل اتفاقيات وعقود طويلة الأمد شملت أهم المواقع الإستراتيجية في سوريا.
وهنا يبرز دور المعارضة السورية في مواجهة الدور الإيراني والروسي في سوريا، خاصة أن النظام السوري كبل البلاد باتفاقيات لعقود طويلة.
وبالتالي ستكون مهمة إعادة النظر بتلك الاتفاقيات من أولويات الحكومة الجديدة التي ستتولى إدارة البلاد مستقبلا عبر حل سياسي جامع.
وحول هذه الجزئية رأى موقع "نينار برس" (محلي سوري معارض) في تعليقه على تغريدات "العبدة" أن تكامل دوري طهران وموسكو في سوريا من أجل الاحتفاظ بمصالحهما "ينبغي أن ترد عليه قوى الثورة والمعارضة من خلال إعادة إنتاج رؤيتها لهذه الحقائق الخطيرة".
وأوضح أن "إعادة إنتاج الرؤية لابد أن تكون أمامها فرصة وضع رؤية إستراتيجية تتعلق بطرد قوات هاتين الدولتين المحتلتين والعمل على تفريغ سوريا من أي نفوذ حقيقي لهما على المستويات الاقتصادية والسياسية والعسكرية وذلك عبر التفكير جديا بإنتاج قدرات ذاتية لمقاومة مشاريع الدولتين".
المصادر
- أنس العبدة: من يظن بأن روسيا تريد تقويض وجود إيران في سوريا واهم
- العميد حاتمي: القطاع الخاص في إيران سيبذل جهوداً مضاعفة لتطوير البنى التحتية الدفاعية السورية
- وزير الدفاع الإيراني للميادين: دمشق وحلفاؤها جاهزون للرد على أي عدوان محتمل
- فورين بوليسي: إيران تريد سوريا منطقة نفوذ شيعي دائم
- اقتصاديات.. المشاريع الاقتصادية الإيرانية التبشيرية في سوريا