تقرير الحالة العربية: مايو/أيار 2021

قسم البحوث | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

المحتويات

مقدمة

المحور الأول: جائحة كورونا في الوطن العربي

  • العراق 

  • الأردن 

  • الإمارات 

  • لبنان

المحور الثاني: الحالة السياسية

مصر 

  • سد النهضة

  • خطوة جديدة على مسار التقارب المصري التركي

سوريا

  • هل تعطي الانتخابات الرئاسية في سوريا الشرعية لهذا النظام؟

فلسطين 

  • العدوان على غزة

المغرب

  • اتهامات متبادلة بين الأحزاب مع اقتراب العملية الانتخابية

لبنان

  • جدل بشأن تشكيل الحكومة

المحور الثالث: الاقتصاد العربي

  • مؤتمر المانحين للسودان

  • الأبعاد الاقتصادية للحرب على غزة وترتيبات إعادة الإعمار

المحور الرابع: الحالة الفكرية

  • الحق المزعوم لليهود في أرض فلسطين.. أباطيل ومغالطات

  • الوعي بالمصطلحات في الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي

خاتمة


مقدمة 

في الوقت الذي لا تزال تعاني فيه من التداعيات السلبية لجائحة فيروس كورونا، تظل منطقة "الشرق الأوسط" مثقلة بمشكلاتها الخاصة، ففي مصر تتفاعل قضية سد النهضة بشكل كبير، وبما يضع النظام المصري في مأزق في ظل إصرار إثيوبيا على المضي في مشروعها لإتمام عمل وتشغيل السد.

كما أن النظام في سوريا، لا تعنيه مأساة النازحين، ومن يتعرضون للقتل بشكل يومي جراء قصفه للمعارضين، فمضى رئيس النظام بشار الأسد في إجراء انتخابات رئاسية لم تخرج عن مهزلة التزوير التي تعيشها سوريا منذ عقود.

وبالإضافة للقضايا السابقة يتناول تقرير الحالة العربية هذا الشهر، ملفات أخرى حول العدوان في غزة، واستعدادات الأحزاب المغربية للانتخابات، وكذلك الجدل الدائر حول تشكيل الحكومة في لبنان. 

أما المحور الاقتصادي فقد تضمن موضوعين مهمين، هما مؤتمر المانحين للسودان الذي عقد في باريس، ويرصد التقرير أهم نتائج المؤتمر، وكذلك الأبعاد الاقتصادية للعدوان الإسرائيلي على غزة وترتيبات إعادة الإعمار.

وكما فرضت أحداث غزة نفسها على المحورين السياسي والاقتصادي، أتت الحالة الفكرية لتشير إلى موضوعين في نفس الإطار، فتناول محور الحالة الفكرية موضوع الحق المزعوم لليهود في فلسطين، وكذلك قضية الوعي بالمصطلحات في الصراع مع الاحتلال.


المحور الأول: جائحة كورونا في الوطن العربي

بمرور نحو ما يزيد على 17 شهرا منذ ظهور فيروس (COVID-19) المعروف باسم فيروس كورونا، ضربت الجائحة معظم دول العالم، وبلغ عدد الإصابات المكتشفة ما يقرب من 168 مليون حالة حول العالم منذ بداية الأزمة في ديسمبر/ كانون الأول 2019، حتى نهاية مايو/ أيار 2021.

لا شك أن السباق الذي يجري حالياً حول العالم هو نحو التلقيح، خاصة بعد تصاعد موجات ثالثة من الفيروس وسلالات جديدة في بلاد عديدة، وإعادة صورة الخطر الذي بدأ مع بداية الجائحة.

تأتي الدول العربية في حالة متوسطة من حيث الأخطار وعدد الحالات مقارنة مع باقي دول العالم، حيث يعد العراق الدولة الأكثر من حيث عدد الإصابات في الوطن العربي في المرتبة الرابعة والعشرين عالمياً، يليه الأردن في المرتبة الرابعة والثلاثين، إلا أنه بلا شك تختلف كفاءة الدول في مواجهة الوباء والتعاطي مع المستجدات. 

نرصد خلال هذا الشهر مايو/ أيار 2021، الدول العربية الأكثر إصابة بفيروس كورونا وهي: العراق، والأردن، والإمارات العربية المتحدة، ولبنان.

العراق

في فبراير/شباط 2021، أعلنت وزارة الصحة العراقية تفشي "سلالة جديدة" لكورونا في البلاد، وأكدت انتشارها بشكل كبير بين صفوف الأطفال والشباب، بعد أن كانت الإصابات منتشرة طيلة عام بين كبار السن فقط.

وانتشرت السلالة الجديدة بشكل بالغ، حيث زادت الإصابات خلال شهرين ونصف إلى أكثر من 500 ألف حالة جديدة.

يحتل العراق المرتبة الأولى عربيا من حيث عدد الإصابات، وقد تجاوزت حاجز المليون مؤخرا، كما شهد هذا الشهر مايو/ أيار زيادة في أعداد الإصابات بما يعادل 150 ألف حالة جديدة، حيث بلغ العدد الإجمالي 1180690 حالة، في حين تعتبر حالات الوفاة ضئيلة مقارنة بهذا العدد من الإصابات، فقد بلغت 16276 حالة وفاة

ووفقا لآخر الإحصائيات تعد الحالات الفعالة التي تخضع للعلاج حالياً، ما يقارب 71 ألف حالة، مما يدل على ارتفاع نسبة المتعافين عنه في الشهر الماضي، حيث كانت قد تجاوزت المائة ألف إصابة تحت العلاج.  

ويعاني الشعب العراقي من سوء الخدمات الصحية، حيث يفضل الكثير منهم التداوي في الحجر المنزلي بدلاً من الذهاب إلى المستشفيات، خاصة في ظل الكثافة السكانية العالية وزيادة الأعداد في ظل عدم سيطرة كاملة من الحكومة لمعالجة الأوضاع التي تسوء يوماً بعد يوم. 

وفي 4 مايو/أيار، صادق مجلس الوزراء على حظر تجول شامل يدخل حيز التنفيذ من 12 مايو/ أيار وحتى 22 منه، ضمن إجراءات حظر واسعة لمجابهة فيروس كورونا، وقد شملت إجراءات الحظر منع السفر للمجاميع السياحية كافة، والسماح بدخول البضائع عبر المنافذ، ومنع السفر من وإلى الهند إلى إشعار آخر، فضلاً عن استثناء الإعلاميين ومنتسبي الدوائر الخدمية من إجراءات الحظر. 

تراجعت الحكومة عن قرار الحظر الشامل، وقررت الانتقال إلى الحظر الجزئي في 13 مايو/ أيار.

 وقالت اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية المعنية بمكافحة الفيروس، في بيان، إنه "تقرر إلغاء حظر التجوال الشامل والإبقاء على حظر تجوال جزئي خلال الليل".  

من جانب آخر، شهد هذا الشهر قبول استقالة وزير الصحة العراقي من قبل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وذلك على خلفية حادثة مستشفى ابن الخطيب، التي راح ضحيتها أكثر من 80 قتيلاً على إثر نشوب حريق، في نهاية إبريل/ نيسان، ما نتج عنها حالة من الغضب ودعوات لاستقالة جميع المتسببين في الحادث.  

وكان مجلس الوزراء صوّت، على توصيات اللجنة التحقيقية المؤلفة بموجب قرار مجلس الوزراء (140 لسنة 2021) بشأن حادث حريق مستشفى ابن الخطيب، وتضمنت فرض عدة عقوبات انضباطية بحق مدير مستشفى ابن الخطيب ومعاونه الإداري ومسؤول الدفاع المدني، وإعفائهم من مناصبهم، وتنزيل مدير المستشفى درجة وظيفية، كما تضمنت القرارات إعفاء مدير عام صحة الرصافة من منصبه، وإنهاء حالة سحب اليد المنصوص عليها بقرار مجلس الوزراء رقم (140 لسنة 2021) بحق وزير الصحة ومحافظ بغداد

وفي أبريل/ نيسان، تسلمت وزارة الصحة وجبة جديدة من لقاح سينوفارم الصيني عبر مطار بغداد الدولي، بواقع 200 ألف، بعد حصة أولى بلغت 50 ألفًا، فيما أشارت الوزارة مؤخرًا إلى أن مجموع عدد الذين تلقوا اللقاح مؤخرًا بلغ 561966 مواطناً

الأردن 

يحتل الأردن المرتبة الثانية عربيا من حيث عدد الإصابات بكورونا، حيث بلغ إجمالي الإصابات في نهاية مايو/ أيار ما يعادل 732365، وفقا للإحصائيات الرسمية، بمعدل إصابة 8.8 لكل 100 ألف من السكان، بنهاية هذا الشهر.

 ما يعني أن منحنى انخفاض الإصابات يسير بشكل أكثر انتظاماً هذا الشهر، حيث زادت الأعداد عن سابقها في شهر أبريل/ نيسان، بما يقرب من 25 ألف إصابة، وذلك يُعد تحسنًا مقارنة بالشهر الماضي

بلغ مجموع الحالات النشطة في الأردن، 10500 حالة، فيما بلغت إجمالي حالات الشفاء 712458، بينما بلغت أعداد الوفيات بنهاية مايو/ أيار 9400 حالة، بمعدل وفيات إجمالي يصل إلى 897/مليون

وكانت السلطات في الأردن أعلنت تخفيف إجراءات الحظر، تماشيًا مع انخفاض المعدل العام للإصابات، اعتباراً من أول أيام عيد الفطر.

بحسب البيان ستصبح ساعات حظر التجول من الحادية عشرة مساء حتى السادسة صباحًا لجميع أيام الأسبوع بدلا من السابعة مساء حتى الساعة السادسة صباحا المعمول به حاليا

وأكدت الحكومة أن القرار يأتي في إطار الإجراءات التخفيفية والتدريجية الآمنة التي تتخذها الحكومة وفقا لتطورات الوضع الوبائي، وصولا إلى الهدف الإستراتيجي بالوصول إلى صيف آمن تكون فيه معظم القطاعات والعجلة الاقتصادية عادت إلى طبيعتها بشكل كامل من خلال تطبيق البروتوكولات الصحية والالتزام بالمطاعيم

ويُذكر أن الأردن، بدأ في 13 يناير/كانون الثاني، حملة تلقيح ضد فيروس كورونا، ومنح "تراخيص طارئة" لخمسة لقاحات هي: "سينوفارم" و"فايزر/بايونتيك" و"أسترازينيكا" و"جونسون آند جونسون" و"سبوتنيك-في"، ويجاوز عدد الأشخاص الذين تلقوا اللقاح حتى الآن مليونًا

كما ألزم الأردن مواطنيه بوضع كمامات في الأسواق والأماكن العامة وفرض غرامات على المخالفين، وقد شددها مؤخرا.

الإمارات 

تأتي الإمارات العربية المتحدة في المركز الثالث على مستوى الدول العربية خلال هذا الشهر، حيث بلغ إجمالي عدد الإصابات 561050، ما يعني زيادة الإصابات خلال هذا الشهر بنحو 45 ألفا. وهذا يُعد تراجعاً ملحوظاً عما كانت عليه الأعداد قبل أسابيع، فيما بلغت حالات الوفاة 1661 حالة، وهي نسبة ضئيلة كذلك مقارنة بعدد الإصابات

وتماشيًا مع خطة وزارة الصحة في توسيع وزيادة نطاق الفحوصات في الدولة، بهدف الاكتشاف المبكر وحصر الحالات المصابة بفيروس كورونا المستجد "كوفيد - 19" والمخالطين لهم وعزلهم، أعلنت الوزارة عن إجراء 178,528 فحصا جديدا خلال الساعات الـ 24 الماضية على فئات مختلفة في المجتمع باستخدام أفضل وأحدث تقنيات الفحص الطبي. 

كما أعلنت الوزارة عن شفاء 1,481 حالة جديدة لمصابين بفيروس كورونا وتعافيها التام من أعراض المرض بعد تلقيها الرعاية الصحية اللازمة منذ دخولها المستشفى، وبذلك يكون مجموع حالات الشفاء 537,531 حالة

واتخاذًا للتدابير اللازمة، لمواجهة كورونا، أعلنت دبي في 10 مايو/ أيار، تعليق دخول المسافرين القادمين من أربع دول، هي بنغلاديش وباكستان ونيبال وسريلانكا. 

 وكانت الإمارات قد أعلنت في 22 أبريل/نيسان تعليق الرحلات القادمة من الهند، بسبب التفشي الكبير للفيروس هناك.

وفيما يتعلق بإحصائيات اللقاحات، فقد تجاوز العدد الإجمالي لمجموع جرعات اللقاح 12 مليونا و400 ألف جرعة، لعدد سكان تجاوز 3 ملايين و800 ألف نسمة، بنسبة 39%، فيما وصل عدد الحالات النشطة حتى الآن 18500 حالة

لبنان

تأتي لبنان في المرتبة الرابعة عربياً من حيث عدد الإصابات، حيث بلغ العدد الإجمالي للإصابات بنهاية شهر مايو/ أيار 539270، بزيادة تبلغ نحو 15 ألف حالة خلال هذا الشهر، فيما بلغ العدد الإجمالي للوفيات 7697، بزيادة تبلغ نحو 500 حالة في هذا الشهر، بنسبة ضئيلة جدًا تبلغ 1.5 بالمئة

على الصعيد الآخر، بلغ إجمالي عدد حالات الشفاء في لبنان 513880 حالة، بنسبة عالية جدًا تصل إلى 95.2 بالمئة من إجمالي عدد الإصابات، فيما وصلت أعداد الحالات النشطة إلى 17690 حالة بنهاية الشهر.

وخلال إجازة عيد الفطر، فرضت الحكومة اللبنانية حظر تجوال شامل، في محاولة للحد من ارتفاع فيروس كورونا، خشيةً من تكرار سيناريو أعياد العام 2020 حيث أدت التجمعات العائلية وفتح المقاهي إلى ارتفاع غير مسبوق في الأعداد. 

ولفت وزير الصحة اللبناني إلى أن لبنان سيتسلم في شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز مليوني لقاح، ما سيرفع نسبة التمنيع المجتمعي. 

وكشف في هذا المجال عن دراسة أنجزتها وزارة الصحة العامة أظهرت أن نسبة المناعة المكتسبة في المجتمع اللبناني نتيجة الإصابة بالفيروس بلغت 40 بالمئة، وهذا يعني أن نسبة المناعة المجتمعية الحالية ترتفع مع العدد الحالي للملقحين إلى 50 بالمئة، ومن المرتقب أن تبلغ في شهر أغسطس/آب حوالي 75 بالمئة، مع الكميات الكبيرة من اللقاحات المرتقبة


المحور الثاني: الحالة السياسية

يتناول المحور السياسي خلال شهر مايو/ أيار، أبرز الأحداث السياسية في الدول العربية، حيث شاهد العالم العدوان الإسرائيلي في فلسطين واستجابة فصائل المقاومة في غزة، ردًا على محاولة اقتحام الأقصى وَحي الشيخ الجراح التي باءت بالفشل من جانب إسرائيل، والتي انتهت بإعلان الهدنة في 21 من مايو/أيار.

كما نرصد في الحالة المصرية الخطوات التي اتخذتها القاهرة مجددًا في إطار مفاوضات سد النهضة مع اقتراب الملء الثاني في يوليو/ تموز من جانب إثيوبيا، وكذلك الخطوات التي اتخذتها كل من مصر وتركيا لإعادة العلاقات بين البلدين، وذلك بعد أول زيارة لوفد تركي إلى القاهرة. 

في الحالة السورية نتناول الانتخابات الرئاسية التي وقعت في سوريا نهاية مايو/ أيار، والتي يريد النظام السوري من خلالها تثبيت شرعيته على الرغم من رفض المعارضة السورية والكثير من الدول الغربية لهذه الانتخابات التي يصفها كثيرون بالمسرحية الهزلية.

 وفي الحالة المغربية مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية تتزايد الاتهامات المتبادلة بين الأحزاب، خاصة بعد اعتماد المحكمة الدستورية تعديل القاسم الانتخابي ليكون على أساس عدد الناخبين وليس على أساس الأصوات الصحيحة، كما تزداد الاتهامات بشأن المال السياسي وأثره في تزوير الإرادة الشعبية. 

وأخيرًا نتناول النزاع القائم بين رئيس الحكومة اللبنانية المكلف سعد الحريري والرئيس الميشال عون بشأن تشكيل الحكومة في لبنان.  

مصر 

  •  سد النهضة 

   مع بداية شهر مايو/أيار، واقتراب موعد الملء الثاني لسد النهضة، لم يزدد الموقف الإثيوبي سوى إصرارٍ على عملية الملء، بينما شهد الموقف المصري بعض المباحثات والتصريحات التي خرجت بخصوص رد الفعل والموقف من هذا التعنت الإثيوبي.

    أكد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في الأول من مايو/ أيار أن بلاده متمسكة بموعد الملء الثاني لسد النهضة، في رسالة وجهها إلى الشعب الإثيوبي.

واعتبر أن "الحلم الذي كان يرقبه الإثيوبيون خلال ثلاث سنوات أصبح الآن واقعاً مع تطلعهم للملء الثاني في يوليو/ تموز"، مشيرًا في خطابه إلى "مناهضي النهضة الإثيوبية" على حد وصفه، ليؤكد على صد أي محاولة لعرقلة بناء السد

    حمل خطاب أحمد نفس النهج المعتاد في التعنت وعدم الاكتراث بمطالبات مصر والسودان، وعلى صعيد آخر لم تتوقف مطالبات إثيوبية بالتوصل لاتفاق مع الدولتين حول الملء الثاني للسد، على لسان المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية،  دون إبداء سبب واضح يجعل هذه الجولة مختلفة عن سابقاتها؛ كان آخرهم فشل جولة كينشاسا التي تم عقدها في 4-5 أبريل/نيسان، بعد الرفض الإثيوبي لكافة المقترحات المصرية المتعلقة بإكمال المفاوضات. 

    حرص السياسة المصرية على متابعة المسار التفاوضي والسير فيه، يتزامن مع تعنت إثيوبي وإصرار على متابعة الملء من جانب، إضافة إلى غضب شعبي مبرر بعدم جدية المفاوضات في التوصل إلى اتفاق ملزم.

 وهو ما يدفع الحكومة إلى احتواء هذا الغضب بين الحين والآخر، ودعوة الشعب لعدم التعجل والانتظار حتى يؤتي المسار التفاوضي أكله في تمكين مصر من حصتها المائية، وفق تصريحات لرئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي في 11 مايو/ أيار

   الحديث عن المسار العسكري كذلك في التعامل مع هذه القضية تم طرحه على الصعيد الشعبي في إطار الخوف من الخطر المتصاعد على فقدان مياه النيل التي تعد شريان الحياة المصرية، ويمكن النظر إليه على أنه ضغط على السلطة كذلك لاحتواء الموقف.

كما أن تصريح السيسي بأن المياه خط أحمر وأن كل الخيارات مطروحة للتعامل مع الموقف، قد يندرج في هذا الإطار، إضافة إلى التلويح للجانب الإثيوبي بقدرات مصر العسكرية.

وتتمسك كل من مصر والسودان بالمسار التفاوضي، وذلك بحسب تصريحات الرئيس السيسي ورئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان خلال لقائهما في العاصمة الفرنسية باريس، بتأكيدهما على محاولة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم لعملية ملء وتشغيل السد.

 وهنا يمكن القول بأن النظامين في مصر والسودان يشعران بالخطر في حالة التصدي لهذا الملف عسكرياً لأسباب تخص النظام ذاته إضافة إلى قدرات الدولتين.

 فالنظام المصري يخشى من مواجهة عسكرية، كما صرح بذلك السيسي، مستدعيًا العمليات التي أضرت بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر والدولة حينها.

 وهو ما يجعل السيسي يخشى أن تشكل هذه المواجهة العسكرية مع إثيوبيا تهديدًا ما لنظام حكمه، كما قد يفرض العمل العسكري عزلة على مصر وينهي أي فرصة للتسوية مستقبلاً، كما صرح بذلك مدير مشروع شمال إفريقيا أي جي سي، كما هو الحال في السودان التي تلوِّح أحيانا بالعمل العسكري تنبيهاً على خطورة المسألة، ليس أكثر،  كما فسرها رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك.

جاءت التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية المصري سامح شكري، في إطار ليس هو المتوقع في التصدي للغة الخطاب الإثيوبية، ليؤكد أن مصلحة مصر لن تتأثر بعملية الملء الثاني للسد.

أكد شكري في مقابلة بثت على التلفزيون المحلي أنه علينا الاطمئنان، لأن مصر لديها رصيد من الأمان في مخزون السد العالي تستطيع التعامل من خلاله.  

 هذا التراجع الذي سجله خطاب شكري لا يفسر جدية النظام المصري في التوصل إلى اتفاق شامل، ويدعم قبول مصر شروطاً ضاغطة في نهاية المطاف، كما يعد أنه لا يساعد على تبني القضية أممياً بشكل أوسع، خاصة في إطار الخطاب الذي أرسله وزير الخارجية إلى الأمم المتحدة في أبريل/ نيسان لوصف خطورة الملء الثاني لسد، ودعوتهم لدعم موقف مصر حياله

المراقب للموقف التفاوضي يجد أن إثيوبيا تسجل تقدماً ملحوظاً في ظل تراجع الموقف المصري والسوداني، إذ تعمل أديس أبابا على تركيز الجهود لإتمام الملء الثاني والتفاوض بشأن ذلك فقط برعاية الاتحاد الإفريقي، في حين ترفض اللجنة الرباعية التي طرحتها مصر التفاوض بشأن تقسيم المياه بشكل عام، كما صرحت الخارجية الإثيوبية، وهو ما يعطيها مساحات أكبر للتحايل فيما بعد.

ووفقاً لمصادر لـ"عربي 21"، فإن القاهرة تنتظر نصف حل من أجل الخروج من المأزق الراهن في ظل حالة الضغط والاهتمام الشعبيين بالملف، وسط انتقادات حادة لإدارة الملف من جانب الإدارة المصرية بالشكل الذي أفقدها القدرة على الفعل، وانتظار ما ستجود به أديس أبابا بعد تضاؤل الخيارات". ورجحت المصادر "قبول القاهرة بتوقيع اتفاق جزئي خاص بالملء الثاني فقط من أجل إنقاذ الموقف.  

الملء الثاني لسد النهضة الإثيوبي يعتبر صدمة من الصدمات، وفق تصريح لوزير الري المصري محمد عبد العاطي، لأنه ينتقص من الكمية التي تصل مصر، وهذا يسبب جفافا صناعيا.

وأضاف أنه لو تزامن حدوث جفاف طبيعي مع هذا الجفاف الصناعي فإن الضرر سيكون كبيراً على دولتي المصب، وفي حال إتمام إثيوبيا جميع مراحل الملء فسيكون من الصعب حينها التعامل مع أزمة أمر واقع وقد تصل الأمور إلى حد كبير من التعقيد. 

  1. خطوة جديدة على مسار التقارب المصري التركي 

يُعد التقارب المصري التركي من أبرز الملفات التي ظهرت على الساحة خلال الشهرين الماضيين، حيث يعتبر تحولًا كبيراً في مسار العلاقات السياسية الجامدة منذ وقوع انقلاب 2013 في مصر. 

يربط كل من الدولتين مصالح مشتركة وموقع جغرافي هام يجعل التواصل بينهما أمراً ضرورياً، وقد اشتبكت الدولتان في عدد من الملفات خلال الفترة الماضية أبرزها الملف الليبي، ورسم الحدود البحرية المشتركة بينهما مع دول أخرى مثل ليبيا واليونان، كما شهدت الفترة الأخيرة تصريحات سياسية من أنقرة تدعو إلى فتح باب سياسي للحوار مع مصر حول بعض القضايا، وبحث مسألة التقارب بينهما.  

كانت بادرة التقارب والسعي نحو التواصل باتخاذ كلا الدولتين بعض الإجراءات التي تثبت حسن النية.

فعلى صعيد الجانب التركي أرسلت الحكومة التركية إفادة إلى قنوات المعارضة المصرية بالخارج بتخفيف لغة الخطاب في انتقاد النظام في مصر، وهو ما قابلته الإدارة المصرية بالشكر، حيث كانت على رأس مطالبها من أنقرة، وترتب على ذلك تخفيف حدة الخطاب الموجه نحو تركيا من جانب القاهرة.

وفيما يتعلق بترسيم الحدود البحرية، أشارت تركيا إلى المكاسب المشتركة التي يمكن أن يتوصل إليها كلا البلدين إذا ما تم توقيع اتفاق على غرار ذلك الذي أبرمته أنقرة مع الحكومة الليبية.

أشار رئيس مركز الدراسات البحرية الخبير التركي بهجت شهير، أنه بتوقيع القاهرة اتفاقية ترسيم للحدود مع تركيا فإن هناك مساحة مائية تقدر بـ11500 كيلو متر من المياه لن تكون بيد اليونان بل بيد مصر. 

كما أن القاهرة في 18 فبراير/ شباط 2021، وخلال طرحها لأول مزايدة عالمية للتنقيب عن البترول والغاز الطبيعي لعام 2021، أخذت بعين الاعتبار الجرف القاري لتركيا من وجهة نظر أنقرة، وهو ما قابله وزير الدفاع التركي خلوصي أكار بالشكر مؤكدًا على الروابط التي تصل بين البلدين، وهكذا بدأت العلاقة المصرية التركية تتقارب نحو خطوة أكثر تفاهمًا.  

وفي خطوة جديدة، بتاريخ 5 مايو/أيار، زار وفد تركي برئاسة نائب وزير الخارجية القاهرة للالتقاء بنظرائهم المصريين، وهو ما أشارت إليه الخارجية التركية بالقول إنه بداية لتناول الخطوات الواجب اتخاذها لمسألة التطبيع بين البلدين، ورسم الخطوط العريضة التي يمكن أن يلتقي عليها بعد ذلك الطرفان على مستوى قيادي أو على مستوى وزراء الخارجية

صدر البيان المشترك من كلا  الطرفين، بعد المباحثات التي تمت في القاهرة يومي 5 و6 مايو/ أيار، بدون تفاصيل، وإنما يشير إجمالاً إلى القضايا التي تناولها الطرفان بالحديث، وأن المناقشات كانت صريحة ومعمقة، حيث تطرقت إلى القضايا الثنائية، فضلا عن عدد من القضايا الإقليمية، لا سيما الوضع في ليبيا وسوريا والعراق، وضرورة تحقيق السلام والأمن في منطقة شرق المتوسط

أضاف البيان أن كلا الطرفين سيعمل على تقييم نتيجة هذه الجولة من المشاورات والاتفاق على الخطوات المقبلة، كما نقلت وكالة رويترز عن مصدرين من المخابرات المصرية أن تركيا مستعدة لعقد اجتماع ثلاثي بين مسؤولين: أتراك ومصريين وليبيين للتوصل لتفاهمات بشأن القضايا الخلافية في ليبيا، بما فيها وجود مقاتلين أجانب

من الجانب التركي

علق وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو، أن المباحثات بين أنقرة والقاهرة تمت في أجواء إيجابية، وأكد أن البلدين مستمران في اللقاءات لتطوير الخطوات التي ستُتخذ لتطوير العلاقات، وأضاف أن الوفدين تناولا أيضاً قضايا إقليمية تهم البلدين، مشيراً كذلك أن الدعوة جاءت من الجانب المصري. 

وحول موقف تركيا من جماعة الإخوان المسلمين، أكد تشاووش أوغلو، أن الجماعة حركة سياسية تسعى إلى السلطة، ولا يمكن اعتبارها جماعة إرهابية، مشيراً إلى أن الموقف من الانقلاب في مصر موقف مبدئي، لا يتعلق بالإخوان.

وهنا يمكن القول بأن هذه التفاهمات مع مصر لن تصل بتركيا إلى الإخلال بالوضع القانوني للمعارضين المصريين على أرضها، وفي الوقت ذاته فقد لفتت انتباه المعارضة إلى الحفاظ على سقف معين من خطابها تجاه السلطة في القاهرة وهو ما كان.  

ومن الجانب المصري، صرح سامح شكري، مؤخرًا أن "القاهرة لمست بوادر من تركيا لتغيير المسار والوفاء بالمتطلبات المطروحة سابقًا، ومنها مراعاة طبيعة العلاقات الدولية، واحترام الشؤون الداخلية". كما أشار إلى أنه قد يلتقي بنظيره التركي، لكن بعد انتهاء المشاورات الاستكشافية.  

وإجمالاً، يمكن القول إن المباحثات الأخيرة لاقت قبولاً لدى الطرفين، ويمكن أن يليها اجتماعات أخرى، وإن كان ثمة قضايا حرجة لا يزال التوصل فيها إلى حل نهائي أمرًا شديد التعقيد، وخاصة أن البلدين يتشابكان في العديد من القضايا الإقليمية، ومن المنتظر في الخطوة التالية، أن يتواصل الطرفان على مستوى وزيري خارجية البلدين لبحث تعيين السفراء.   

سوريا 

  • هل تعطي الانتخابات الرئاسية في سوريا الشرعية لهذا النظام؟

هنأت خمس دول فقط بشار الأسد بنتائج الانتخابات الرئاسية، التي أظهرت في نهاية مايو/أيار "فوزه بنسبة 95.1 بالمئة" من أصوات الناخبين، وتمكنه من ولاية رابعة مدتها سبع سنوات. وهذه الدول هي فنزويلا وروسيا وإيران وبيلاروسيا والصين.

ويحاول نظام الأسد عبر الانتخابات الرئاسية التي أجراها في 26 من مايو/أيار إظهار سوريا بشكل طبيعي للمجتمع الدولي على الرغم من الحرب التي استمرت عقداً من الزمان. لكن المعارضة ودولاً غربية اعتبرت إجراءها مسرحية لإحكام قبضته على السلطة.

وفي أثناء الإدلاء بصوته، قال الأسد إن رأي الغرب يُعتبر "صفراً". وخاض الأسد السباق الرئاسي أمام اثنين من المرشحين المغمورين.

على المستوى الدولي، أعلنت الأمم المتحدة أنها غير منخرطة في الانتخابات، مؤكدة أهمية التوصل إلى حل سياسي وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم “2254” ، خلال مؤتمر صحفي عقده المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، الأربعاء 21 أبريل/نيسان، في المقر الدائم للمنظمة الأممية في نيويورك.

وحول موقف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، صرح كذلك أنه لا يوجد تفويض من الأمم المتحدة بذلك، وأضاف دوجاريك، أنه يجب التوصل إلى حالة من حالات التسوية عن طريق المفاوضات قبل البدء في هذه الانتخابات. 

وانتقد وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة في بيان، الأسد، قائلين إن الانتخابات لن تكون حرة ولا نزيهة.

من جهته رفض الاتحاد الأوروبي الاعتراف بنتائج الانتخابات، وقال وزير خارجية الاتحاد جوزيب بوريل، إن الانتخابات لن تؤدّي إلى إنهاء للنزاع في سوريا، كما أنها لن تؤدّي إلى أي مبادرة من شأنها إعادة العلاقات مع نظام الأسد.

كما مدّد الاتحاد الأوروبي عقوباته ضد حكومة الأسد وداعميها لمدة عام آخر حتى أول يونيو/حزيران 2022.

على الطرف الآخر، حظي النظام بدعم كامل من قبل حليفه الأول روسيا، والتي استنكرت بدورها ردود أفعال الدول الغربية، معتبرة أنه تدخل غير مسموح به في شأن داخلي.  

يحاول نظام الأسد تصوير الأمر على أنه يملك شرعية إقامة انتخابات "صورية" كهذه لإقامة الحجة على دستوريته ومد أمد بقائه في الحكم، وتمكين حلفائه من البقاء والدعم له على كل المستويات، ضارباً عرض الحائط بما تعرضت له سوريا خلال سنوات، وما يعتري هذه الانتخابات من صور النقص. 

اعتبر الدكتور أسامة دنورة، السياسي المقرب من النظام، عضو الوفد الحكومي السابق المفاوض في جنيف، أنه وفق مبدأ السيادات المتساوية وميثاق الأمم المتحدة ومعايير القانون الدولي لا يحق لأي دولة أن تنتهك سيادة أخرى، أو أن تتدخل في شؤونها السيادية والسياسية الداخلية، مشيراً إلى أن محاولات التأثير على الاستحقاقات الدستورية يعد تدخلا في إطار مساعي الغرب لنزع الأهلية السياسية عن الشعب السوري، وإعادة الوصاية المباشرة أو غير المباشرة على هذا الشعب الحر، وهو ما سَيرفضه السوريون بشكل حاسم ونهائي. 

حديث أسامة دنورة يحاول رسم صورة مستقلة للدولة السورية صاحبة الإرادة والشرعية القانونية، والتي لا ينبغي لأية دولة أو فصائل داخلية الاعتراض على ممارستها حقوقًا قانونية كحق الانتخاب، وذلك ما يعد انفصالاً عن الواقع الذي تعيشه الدولة السورية منذ سنوات، على حد تعبير رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة نصر الحريري،  مؤكدًا بؤس النظام واستمراره في الانفصال عن واقع الشعب السوري. 

ويشير أستاذ القانون الدستوري عبد الحميد العواك إلى أن الشرعية الديمقراطية تفترض الأصل الشعبي للسلطة، وحتى لا يكون هذا الأصل مجرد تأكيد لفظي فإنه يجب تهيئة الإمكانات العملية لممارسة الشعب للسلطة، فمنذ زمن بعيد أكَّد علماء اللاهوت والكتاب السياسيون في ظل الأنظمة الملكية المطلقة، أن الشعب مصدر السلطة، إلا أن ذلك التأكيد النظري لم يزعزع هذه الأنظمة أو يؤثر فيها، وعليه لكي تكون الديمقراطية حقيقة ملموسة، يجب أن تكفل التنظيمات الدستورية إمكانية خضوع ممارسة السلطة إلى الإرادة الشعبية

فلسطين 

  • العدوان على غزة 

شهدت الساحة الفلسطينية أحداثاً متتالية خلال شهر مايو/أيار، بداية من محاولة الكيان الإسرائيلي اقتحام حي الشيخ جراح، والمسجد الأقصى، ثم تتابعت الأحداث لتشمل جولة جديدة من جولات الصراع والمواجهة بين المقاومة في غزة وجيش الاحتلال شهدت عدة ضربات من الطرفين وسقط خلالها ضحايا، وسجلت المقاومة الفلسطينية عبرها تطوراً بالغاً في صد العدوان، انتهت بإجبار تل أبيب على الهدنة. 

وفي أبريل/نيسان بدأت قوات الاحتلال الإسرائيلي باقتحام حي الشيخ جراح لإخلاء عدد من العائلات الفلسطينية لإحلال مجموعة من المستوطنين محلهم، وهو ما لم يمرره الفلسطينيون أو الرأي العام هذه المرة.

وواجه المستوطنون مظاهرات فلسطينية أدت إلى إصابة أكثر من العشرات، واعتقال أعداد منهم، أثناء الاحتجاجات على محاولات اقتحام حي الشيخ جراح.  

ويضع مستوطنون يهود أيديهم على منازل في الحي استناداً إلى أحكام قضائية بدعوى أن عائلات يهودية عاشت هناك، وفرت خلال حرب عام 1948 عند قيام دولة إسرائيل، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية، في حين أن الفلسطينيين -وهم أصحاب الأرض- يرون أن الخروج منها أشد من الموت.  

شهد يوم الجمعة، السابع من مايو/أيار الذي وافق الجمعة الأخيرة من رمضان، الحشود الهائلة في الصباح التي أدت صلاة الجمعة، ثم وقوع مواجهات أخرى في حلول مساء ذلك اليوم في ساحات المسجد الأقصى أسفرت عن إصابة أكثر من 200 فلسطيني، وهو ما كان بمثابة بداية التصعيد في المواجهات بين الطرفين، حيث أثار انتهاك حرمة الأقصى فصائل الداخل الفلسطيني، كما شكل حالة تعبئة وحشد وتأييد من دول حول العالم رداً على اقتحام المسجد الأقصى. 

أدانت الرئاسة الفلسطينية، ما وصفته بأنه "تصعيد إسرائيلي خطير ومتواصل" في القدس المحتلة وباقي أنحاء الضفة الغربية، مطالبة المجتمع الدولي بتوفير الحماية للفلسطينيين، كما جاء على لسان متحدثها الرسمي أن استمرار الممارسات الإسرائيلية وانتهاكاتها المتواصلة لحقوق الشعب الفلسطيني واعتداءاتها المستمرة على المواطنين ستخلق توتراً وتصعيداً خطيراً. وشهد اليوم نفسه مطالبات أممية بالتخلي عن محاولات الإخلاء القسري.

استمر التصعيد الإسرائيلي، فشنَّ المحتلُّ هجوماً سافرًا على حرم المسجد الأقصى في العاشر من مايو/أيار، باستخدام الرصاص الحي وقنابل الغاز، ما نتج عنه إصابة أكثر من 330 فلسطينياً، وهو ما أدى إلى التصعيد الأول المقابل من كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس.

وأصدرت الكتائب في اليوم نفسه بيانا شديد اللهجة بالتحذير من إخلاء المسجد الأقصى، وهو ما تلاه إطلاق أول رشقة صواريخ من غزة تجاه المستوطنات بانتهاء تلك المهلة، وكان ذلك إيذاناً ببدء مواجهة شديدة العواقب.

وصرح المتحدث باسم كتائب القسام "أبو عبيدة" أن الضربة الصاروخية الضخمة التي وجهتها الكتائب لتل أبيب وضواحيها نُفذت بصواريخ العطار الثقيلة، وقد استهدفت إحدى الرشقات مطار "بن غوريون" بشكل مباشر". 

كما قال الناطق باسم لجان المقاومة أبو مجاهد، إن "المقاومة ستجعل تل أبيب نسخة مكرَّرة من عسقلان، وبسيف القدس (اسم المعركة) ستقطع أوصال بقرتكم المقدسة".  

انتقلت ساحة المواجهة، التي بدأت في حي الشيخ جراح والمسجد الأقصى، إلى غزة منذ ذلك الحين، حيث بدأت تل أبيب بقصف القطاع.

شهدت الفترة من 10 إلى 21 مايو/أيار قصفا وحشيا على قطاع غزة يستهدف البنيان والبشر، وهو الاعتداء الصهيوني الرابع منذ 2008، إلا أن المختلف هذه المرة هو رد الفعل المقاوم الذي أبهر العالم رغم عدم تكافؤ القوى. 

ووفقاً لبيانات رسمية، أسفرت الهجمات الصاروخية الإسرائيلية على القطاع، برا وجوا وبحرا، عن استشهاد 232 مدنيا فلسطينيا، بينهم 65 طفلا، و39 سيدة، و17 مسنا. 

كما أدت الهجمات الصاروخية لجيش الاحتلال إلى إصابة أكثر من 1900 مواطن فلسطيني بجروح مختلفة، منها 90 صُنفت شديدة الخطورة. ومن بين الإصابات، وفق وزارة الصحة الفلسطينية، 560 طفلاً، و380 سيدة، و91 مُسناً

كما ألحقت تلك الغارات ضرراً بالغاً بالقطاع، حيث قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 300 منشأة اقتصادية وصناعية وتجارية، وهدم 7 مصانع بشكل كلي، وألحق أضراراً بأكثر من 60 مرفقا سياحيا. 

ركز جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال العدوان على استهداف الشوارع والبنى التحتية، حيث تضررت شبكات الصرف الصحي وإمدادات المياه تحت الأرض بشكل كبير، نتيجة الاستهداف المباشر.

اتبعت المقاومة إستراتيجية كانت ملفتة للأنظار، تحمل رسائل إلى الكيان أكثر منها مجرد رد على العدوان، حيث وجهت صواريخها إلى أبعد المطارات، وإلى القدس المحتلة، وليس إلى مستوطنات غلاف غزة كما جرت العادة في كل مرة، بحيث بدأت قصفها في الساعات الأولى لمواقع في القدس المحتلة وتل أبيب،  مما شكل مفاجأة ثقيلة العيار لإسرائيل التي اعتبرت ذلك خرقا لما تعتبره "سيادة" في المدينة المقدسة.

بدت قيادة الاحتلال في حالة تخبط منذ بداية العدوان، حيث تم التصعيد بدون أهداف واضحة، فالأمر لا يعدو كونه عدواناً غير معروف المآلات، على عكس المقاومة التي كانت في غاية التحديد لأهدافها العسكرية والسياسية حتى إعلان الهدنة.

وهذا ما عبر عنه روعي شارون المراسل العسكري لقناة "كان" الإسرائيلية بقوله "(رئيس الوزراء بنيامين) نتنياهو و(وزير الجيش بيني) غانتس و(رئيس الأركان أفيف) كوخافي لم يقولوا شيئا جديدا، ما الذي يتبقى حتى نصل لوقف إطلاق النار، على الأقل ظهروا على الشاشات".  

وفي 21 مايو/أيار بدأ وقف إطلاق النار في الساعة الثانية من فجر الجمعة، وبدأت حالة عودة حذرة للحركة في قطاع غزة تحسباً لأي عدوان جديد

خلال هذا العدوان على غزة، والذي سبقه الهجوم على الأقصى وحي الشيخ جراح، تتالت المواقف الدولية والعربية، وبدأت الدول تتحرك في اتجاهات عدة بدءًا من إصدار بيانات إدانة وصولاً إلى مساعٍ للتدخل لوقف العدوان والتوصل إلى حالة هدنة شاملة، بعد تصاعد الأحداث إلى حد غير مسبوق من قبل. 

الموقف الأوروبي منذ التصعيد في العدوان كان أقرب إلى الوسط أو بالأحرى إلى إسرائيل منه إلى الفلسطينيين، ودعا من خلال دوله ومنظماته إلى السلم وضرورة التوصل إلى اتفاق بين الطرفين وأولوية وقف إطلاق النار لكنه لم يغفل التأكيد على "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".

دعا رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال في 12 مايو/أيار إلى "وقف التصعيد" بين الإسرائيليين والفلسطينيين بعدما تحدث هاتفيا مع الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، وأعرب عن قلقه من تصاعد "العنف الأخير والهجمات العشوائية"، التي سببت خسائر لدى الجانبين

وخلال أيام تلتها قال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إن الأولوية الآن لوقف إطلاق النار بين الفلسطينيين وإسرائيل، وإيصال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة.   

ولفت إلى أن جميع أعضاء الاتحاد الأوروبي باستثناء دولة واحدة (لم يسمها) اتفقوا على أن تكون الأولوية لوقف إطلاق النار الفوري. وأضاف بأن تحقيق الأمن للإسرائيليين والفلسطينيين يحتاج إلى حل سياسي، مشيرا إلى أنه بعد توقف إطلاق النار، الذي توقع أن يتم خلال يوم أو يومين، لا بد من انخراط الطرفين في مفاوضات لتحقيق السلام

في المقابل، كانت تصريحات ألمانيا متجاهلة الاعتداء السافر على القدس، وداعمة لموقف إسرائيل، واعتبرت أن لها الحق في الدفاع عن نفسها في مقابل الهجمات من غزة، بحسب تعبيرها. 

وقال المتحدث باسم الحكومة الألمانية شتيفن زايبرت: "من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها في وجه هذه الهجمات في إطار الدفاع المشروع عن النفس"، موضحا أن الحكومة الألمانية تدين "بشدة هذه الهجمات المتواصلة بالصواريخ، انطلاقا من قطاع غزة على مدن إسرائيلية".

موقف مجلس الأمن لم يكن على المستوى ذاته في تصديه لوقف هذا العدوان، وهو ما أصاب الدول العربية بخيبة أمل إزاء عدم تحركه، كما صرح السفير الجزائري لدى الأمم المتحدة، مشيراً إلى أن "وقف جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد شعبنا الفلسطيني في غزة والقدس الشرقية يتطلب إرادة وعزيمة قويتين من المجتمع الدولي". 

وأضافت المجموعة العربية في نيويورك، بأن تأخر مجلس الأمن في التوصل إلى قرار بوقف إطلاق النار في غزة والتدخل لإعلان هدنة مرتبط بعدم رغبة الإرادة الأميركية، حيث إنه لو أراد ذلك الرئيس الأميركي جو بايدن لنجحت تلك المساعي منذ جلستها الأولى، في حين عقدت ثلاث جلسات لمجلس الأمن دون الوصول إلى قرار حاسم.

وخلال 3 جلسات عقدها المجلس خلال الأيام الماضية، حالت الولايات المتحدة، حليفة إسرائيل، دون التوصل إلى توافق بشأن إصدار بيان يدعو إلى الوقف الفوري للقتال، حيث يتطلب صدور بيانات المجلس موافقة جماعية من كافة أعضائه البالغ عددهم 15 دولة.

فكان خروج الولايات المتحدة عن الرأي العام المطالب بوقف العدوان هو العائق أمام صدور البيان، الأمر الذي دعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى حثهم على اتخاذ قرار في الجلسة الرابعة. 

انتقدت الصين هذا الموقف المشين للولايات المتحدة، وأعربت عن أسفها لعرقلة الولايات المتحدة إصدار بيان لمجلس الأمن الدولي حول التصعيد مطالبة ببذل مزيد من الجهود الدولية لوقف دوامة العنف.  

وقال وزير الخارجية الصيني، وانج يي، الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية لمجلس الأمن خلال اجتماع للأخير عبر الفيديو "بكل أسف، فقط بسبب عرقلة دولة واحدة، لم يتمكن مجلس الأمن من التحدث بصوت واحد

وفي الجلسة الرابعة لمجلس الأمن، 22 مايو/أيار، دعا مجلس الأمن الدولي بالإجماع الفلسطينيين وإسرائيل إلى التقيد التام بوقف إطلاق النار، مشددا على الحاجة الفورية لتقديم المساعدة الإنسانية لغزة. 

ونعى المجلس في أول بيان يصدره بشأن العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة واستمر لفترة 11 يوما الخسائر في أرواح المدنيين. وأكد البيان الذي صاغته الصين وتونس والنرويج على الحالة الملحة لاستعادة الهدوء التام.  

ويرى مؤسس الملتقى الوطني الديمقراطي والقيادي الفتحاوي، ناصر القدوة، أن السلطة الفلسطينية لم تضغط سياسياً في مجلس الأمن الدولي، من أجل وقف إطلاق النار ووقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

وأضاف "كنا نستطيع تقنيا وسياسيًا ومن باب الضغط السياسي على إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية أن نتقدم بمسودة مشروع قرار، لكن هذا لم يحدث، الأمر الذي خلق فراغاً لدرجة أن فرنسا ومصر تحاولان الآن ملء هذا الفراغ والتقدم بمشروع قرار حول وقف إطلاق النار"

الموقف التركي، جاء مدافعاً عن حق الفلسطينيين وعن المسجد الأقصى، واستنكاراً لما قام به المستوطنون من محاولات لإخلاء حي الشيخ جراح، ثم العدوان على غزة، كما استنكر أيضاً الصمت الدولي في بادئ الأمر، لافتاً إلى أنه من الضروري أن يلقّن المجتمع الدولي إسرائيل درسا حازمًا.

كما طالب وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو بـ"إنشاء آلية دولية" لحماية الفلسطينيين من اعتداءات إسرائيل التي أكد أنها تمارس "جرائم حرب" بحق الفلسطينيين

وقال تشاووش أوغلو: إن جهود حماية الفلسطينيين يجب أن تشمل الحماية الجسدية عبر تشكيل قوة دولية بمساهمات عسكرية ومالية من الدول المتطوعة"، معتبرا أن الأعمال العدوانية الأخيرة التي تمارسها إسرائيل تشكل جريمة حرب. 

كما شهدت تركيا على المستوى الشعبي حشودًا ومظاهرات أمام مقر السفارة الإسرائيلية للتعبير عن حالة الغضب ورفض العدوان. 

على صعيد الجامعة العربية، كان الموقف على ما هو معهود، حيث اقتصر على صدور بيان إدانة، بعد اجتماع وزاري طارئ انعقد في 11 مايو/أيار، على إثر الأحداث لبحث اعتداءات إسرائيل على الفلسطينيين في القدس المحتلة وقطاع غزة.  

وحث الاجتماع الوزاري المحكمة الجنائية الدولية على المضي قدما في التحقيق الجنائي في جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني الأعزل.

وندد البيان الختامي لمجلس الجامعة العربية بحملة التطهير العرقي التي تمارسها إسرائيل في حي الشيخ جراح وبقية أحياء القدس

وطالب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المتخصصة بتحمل المسؤوليات القانونية والأخلاقية والإنسانية من أجل الوقف الفوري لهذا العدوان الإسرائيلي، وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، والحفاظ على حقه في حرية العبادة، وحفظ الأمن والسلم في المنطقة والعالم.

أما الموقف في مصر تجاه الأحداث، فقد كان في الأيام الأولى على مستوى وزارة الخارجية التي أصدرت بيان إدانة للاعتداءات الإسرائيلية، كان محوره إدانة اقتحام المسجد الأقصى والاعتداء على أهالي القدس و المصلين وسياسة التهجير التي تنتهك القانون الدولي.

 كما أكد السفير نزيه النجاري مساعد وزير الخارجية، في اجتماعه بسفيرة إسرائيل على ما ورد في البيان السابق، من ضرورة احترام المقدسات الإسلامية، وتوفير الحماية للمدنيين الفلسطينيين وصيانة حقوقهم في ممارسة الشعائر الدينية

كما أجرت الخارجية كذلك تواصلاً مع أطراف دولية، حتى التوصل إلى إجراء وقف إطلاق النار بين الجانبين بمساعدة أطراف دولية أبرزهم الولايات المتحدة الأميركية.

ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن مسؤولين مصريين زاروا إسرائيل مرتين منذ بدء القتال من أجل محادثات وقف إطلاق النار، وفقا لمسؤول في الاستخبارات المصرية. 

وفي السياق ذاته أجرى الرئيس الأميركي، جو بايدن، اتصالا هاتفيا مع رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، لبحث الجهود الرامية للتوصل لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، وفق ما أفاد البيت الأبيض.  

أشاد بايدن بدور مصر في التوصل للاتفاق مؤكدًا على دعم واشنطن لجهود الوصول إلى سلام دائم، كما رحب مسؤولون غربيون باتفاق الهدنة.

 وأصدر بنيامين نتنياهو بيانًا أعلن فيه موافقة مجلس الوزراء الإسرائيلي بالإجماع على توصيات جميع المسؤولين الأمنيين بقبول مبادرة مصر للوقف الثنائي غير المشروط لإطلاق النار.

وعقب الإعلان عن موافقة إسرائيل على وقف إطلاق النار قال الناطق باسم كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس في غزة إنهم يستجيبون للوسطاء

جاءت كلمة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، بعد التوصل إلى حالة الهدنة، تحمل روح الانتصار بهذا التطور الفارق الذي حققته المقاومة في غزة، بحيث أصبحت تستطيع الدفاع عن كامل أرض فلسطين بما فيها الأقصى وحي الشيخ جراح، وهو ما يعكس مدى الإنجاز الحاصل خلال هذه السنوات في سلاح المقاومة.

وأشار هنية إلى أن المقاومة تعد نفسها الآن لما بعد "سيف القدس" حتى تتجهز لما هو قادم في الصراع مع إسرائيل.   

كما شملت كلمة هنية، توجيه الشكر لجمهورية إيران، على دعمها للمقاومة بالمال والسلاح والتكنولوجيا، وشكر مصر كذلك التي أشار إلى دورها في صد العدوان وهو الدور التاريخي الذي تمارسه منذ عشرات السنوات.  

ويمكن القول إن هذا الصراع الدامي، وإن كانت غزة تحملت فيه أكثر الدماء والضحايا، إلا أنها كانت المنتصر الحقيقي بحسابات السياسة وتحطيم أهداف العدو وإرباك حساباته، حتى اضطرت الحكومة الإسرائيلية إلى الدفع بقوات من الجيش لحفظ الأمن، ما أدى إلى حوار داخل الصحافة الإسرائيلية عن مدى الاضطرار التي عانت منه تل أبيب حتى تقحم الجيش في مثل هذه المهام

كما أن الأوساط الإسرائيلية سرعان ما وجهت الانتقادات لنتنياهو وحكومته، باعتبار أنهم تصرفوا بشكل مخزٍ خلال هذه الأحداث، ابتداءً من الهجوم الذي طال تل أبيب بالكامل، وحتى الخضوع لاتفاق هدنة غير مشروط مع حماس، ما وصفه العديد منهم بـ المخجل، بل عده البعض انتصارًا للمقاومة. 

المغرب 

  • اتهامات متبادلة بين الأحزاب مع اقتراب العملية الانتخابية 

من المقرر أن يشهد المغرب إجراء الانتخابات التشريعية 2021، والتي تعد الثالثة منذ الإصلاحات الدستورية عام 2011، ومن المعلوم أن الرباط بها هيئة تشريعية ذات مجلسين، مجلس المستشارين ومجلس النواب الذي يحتوي 395 مقعدًا، يتم انتخابهم عن طريق التمثيل النسبي.

وفي 5 و12 مارس/ آذار 2021، أقر مجلسا النواب والمستشارين (غرفتا البرلمان)، على التوالي، مشروع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، والذي سينظم الانتخابات البرلمانية. 

لم يتحدد بعد تاريخ دقيق لهذه الانتخابات، لكن يتوقع إجراؤها في سبتمبر/ أيلول 2021، بحسب تصريح امحند العنصر، الأمين العام لحزب "الحركة الشعبية" (مشارك في الائتلاف الحكومي)

لا يزال تبادل الاتهامات بين الأحزاب المغربية يغزو المشهد السياسي، على بعد أشهر من الانتخابات البرلمانية والمحلية والمهنية. وبخلاف الانتخابات السابقة، يخيم على هذه الدورة "عدم توافق" القوى السياسية بشأن تعديلات مطروحة على قانون الانتخابات، أبرزها تعديل القاسم الانتخابي، الذي يتم على أساسه توزيع المقاعد البرلمانية بعد الاقتراع.  

ومن قبل رفض حزب العدالة والتنمية الحاكم، مشروع التعديل بشأن القاسم الانتخابي، وهو المعدل الذي يحتسب على أساسه توزيع المقاعد، وتلك هي الطريقة المعمول بها في المغرب وفي كثير من الدول التي تعتمد الاقتراع اللائحي النسبي

ويشمل اقتراح التعديل الذي تمت الموافقة عليه، احتساب القاسم الانتخابي على أساس المسجلين في اللوائح الانتخابية وليس على أساس المصوتين كما جرت العادة، وذلك أثناء مناقشة القانون التنظيمي لمجلس النواب، على بعد أشهر من ثالث انتخابات تشهدها البلاد بعد حراك 20 فبراير/شباط وتعديل الدستور.

ووصف رئيس الفريق البرلماني لحزب العدالة والتنمية مصطفى الإبراهيمي في كلمته أمام مجلس النواب هذا التعديل بأنه "غير دستوري"، معتبراً أن الحكومة فقدت أغلبيتها بعد تصويت برلمانيين يمثلون أحزاب الأغلبية على هذا التعديل الذي عارضته الحكومة، ومن ثمّ ينبغي تفعيل الفصل 103 من الدستور، المتعلق بمنح الثقة للحكومة أو حجبها عنها

أقرت المحكمة الدستورية التعديل الخاص بالقاسم الانتخابي، في أبريل/ نيسان، ما شكل صفعة لحزب العدالة والتنمية الحاكم، حيث يكون التعديل نهائيًا بعد قرار الدستورية.

 وخلصت المحكمة الدستورية، في حكمها المنشور ذاك اليوم، إلى أن القانون التنظيمي رقم 04.21 بتغيير وتتميم القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، ليس فيه ما يخالف الدستور

وأمرت المحكمة الدستورية في قرارها، بتبليغ نسخة من قرارها بشأن القانون التنظيمي لرئيس الحكومة سعد الدين العثماني، وبنشره في الجريدة الرسمية ليصبح بذلك ساري المفعول.

وبصدور حكم المحكمة الدستورية يكون "العدالة والتنمية" قد خسر الجولة الأخيرة من معركة إقرار تعديل احتساب القاسم الانتخابي على أساس المسجلين في اللوائح الانتخابية العامة بدل الأصوات الصحيحة المعمول به حالياً.

وآخر الاتهامات، انتقاد أحزاب: "الأصالة والمعاصرة" و"التقدم والاشتراكية" و"الاستقلال" من المعارضة و"العدالة والتنمية" (قائد الائتلاف الحكومي)، محاولة حزب "التجمع الوطني للأحرار" (عضو الائتلاف الحكومي) "استغلال فقر وضعف عدد من الأسر" لاستمالتهم انتخابيا، وهو ما نفاه التجمع. 

واعتبرت الأحزاب الثلاثة أن "تلك الظاهرة غير القانونية التي تعتمد على استغلال غير مشروع ولا أخلاقي للبيانات والمعطيات الشخصية للمواطنين، تقتضي تدخل السلطات العمومية من أجل ردعها وإيقافها، معتبرة أن ذلك يتنافى مع مبدأ التنافس الشريف المتكافئ في الانتخابات.

وحثت فيدرالية اليسار الديمقراطي وزارة الداخلية على فتح تحقيق في القضية، للحدّ من الممارسات التي تتنافى مع القوانين، وشددت الفيدرالية على محاسبة المتورطين في توظيف حزب التجمع الوطني للأحرار للمساعدات الرمضانية، عبر جمعية تابعة له، في حملة انتخابية سابقة لأوانها، وهددت بخوض كل الأشكال الاحتجاجية لفضح هذه الممارسات غير الأخلاقية، التي تهدد سلامة العملية الانتخابية

يرجع مراقبون تلك الظاهرة إلى انتشار عدم الوعي بين الكثيريين، وصرحت الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، نبيلة منيب، بأن تلك الظاهرة تكشف عن عدد كبير من المبعدين والمهمشين، أناس خارج دائرة الوعي وخارج الإحساس بالكرامة، مؤكدة أن "ذلك يشكل نتيجة لتغييب المدرسة التي هي الآن فاشلة بكل المقاييس

اعتبر سلمان بونعمان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة سيدي محمد بن عبد الله، أن تبادل الاتهامات بين الأحزاب السياسية يدخل في باب الشعبوية الانتخابية، كنوع من المنافسة التي تركز على فكرة تحطيم الخصم واغتياله معنويا.

وأضاف بونعمان لوكالة "الأناضول" التركية: "بدل أن تكون المرحلة الحالية فرصة لنقاش الأفكار والبرامج والتصورات في قضايا الديمقراطية والتنمية تلجأ الأحزاب إلى هذا النوع من السجال"

وبحسب أستاذ القانون الدستوري عبد الحفيظ اليونسي، فإن تبادل الاتهامات والتراشق الإعلامي بين الأحزاب السياسية مسألة عادية ومألوفة في الممارسة الحزبية بالمغرب، تحصل عند كل محطة انتخابية. 

أضاف أنه أصبح معهوداً في كل مرة أن يكون هناك ملفات لضرب الخصم، واستدرك "لكن التحول الذي حصل هذه المرة، أن الحزب الذي كانت توجه إليه أصابع الاتهام منذ انتخابات 2007 هو العدالة والتنمية، قبل أن يتم تحويل الوجهة اليوم نحو التجمع الوطني للأحرار

والنتيجة، أن كثرة الطعون وتبادل الاتهامات بين الأحزاب المتنافسة وتشتت مساحة ورقعة العمليات الانتخابية يفضي في نهاية المطاف إلى إعمال المسطرة القانونية التي تتطلب وقتا بحكم حجم الطعون، ولكون الحالات التي يتم ضبطها بتوزيع المال أو التأثير في إرادة الناخبين.

في النهاية يأتي القضاء كي يعيد بناء الواقع بالاعتماد على الحجج وعلى أدلة وَعلى تقارير وزارة الداخلية، وليس على مجرد اتهامات تفتقد إلى أي سند.

  • لبنان.. جدل بشأن تشكيل الحكومة 

منذ تكليف الرئيس ميشال عون لسعد الحريري بتشكيل الحكومة في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، لم ينته النزاع القائم بين الرجلين حول تشكيل الحكومة إلى الآن، في حالة لم تعد تحتمل تأخرًا بسبب هذا الفراغ السياسي الذي تشهده الدولة. 

في مارس/ آذار صرح الحريري "في حال وجد فخامة الرئيس نفسه في عجز عن توقيع مراسيم تشكيل حكومة اختصاصيين غير حزبيين قادرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، لوقف الانهيار الذي تعاني منه البلاد والعباد، فسيكون على فخامته أن يصارح اللبنانيين بالسبب الحقيقي الذي يدفعه لمحاولة تعطيل إرادة المجلس النيابي الذي اختاره الرئيس المكلف، والذي يمنعه منذ شهور طويلة من إفساح مجال الخلاص أمام المواطنين". 

كان هذا التصريح ردا على دعوة الرئيس للحريري، للذهاب إلى القصر الجمهوري للتوافق معه حول تشكيل الحكومة، وذلك بعد رفض عون للعرض الوزاري الذي عرضه الرئيس وهو ما قابله الطرف الآخر بهذا الرفض كذلك، ما زاد من التوتر القائم بينهما. 

وعقب شهرين من تكليفه، أعلن الحريري أنه قدم إلى عون تشكيلة حكومية تضم 18 وزيرا من الاختصاصيين غير الحزبيين.  لكن "عون" أعلن آنذاك اعتراضه على ما سماه "تفرد الحريري بتسمية الوزراء" خصوصا المسيحيين، دون الاتفاق مع الرئاسة. 

تصاعدت الأحداث خلال هذا الشهر، فقد صرح عون في 21 مايو/ أيار، في رسالة موجهة إلى البرلمان، أن رئيس الحكومة المكلف عجز عن تشكيلها وقال: "أصبح من الثابت أن الحريري عاجز عن تأليف حكومة قادرة على الإنقاذ والتواصل المجدي مع مؤسسات المال الأجنبية والصناديق الدولية والدول المانحة" مطالبًا البرلمان باتخاذ قرار بشأنه.

ووفق أحكام الدستور اللبناني، يحق لرئيس الجمهورية أن يوجه رسائل إلى المجلس لتلاوتها في جلسة علنية دون أن يكون المجلس ملزما بالأخذ بها. وبدوره أرسل الرئيس هذه الرسالة التي تتضمن "تعسف الحريري" في تشكيل الحكومة، فيما لم ينص الدستور على آلية لسحب التكليف النيابي الممنوح للرجل للتشكيل

أعلن سعد الحريري ردًا على ذلك، أنه موضوع أمام معادلة مستحيلة منذ سبعة أشهر وهي "إما تشكيل الحكومة كما يريدها الفريق الرئاسي وإما لا حكومة"، مجددًا رفضه الاستجابة لرغبة الرئاسة.

وأضاف "لن أشكل الحكومة إلا كما يريدها وقف الانهيار ومنع الارتطام الكبير الذي يتهدد اللبنانيين"

الانقسامات السياسية، والخلاف على الحصص، هو الذي يقف دون الاتفاق على تشكيل الحكومة، حيث يتبادل الطرفان منذ أشهر الاتهامات بتعطيل تأليف حكومة يريدها الحريري من الاختصاصيين، بينما يريد "التيار الوطني الحر" بزعامة عون أن تكون ممثلة لميزان القوى السياسي، علما أن تيار الرجل لديه أكبر كتلة برلمانية في مجلس النواب

ويعاني لبنان من مشاكل عدة أهمها الحالة الاقتصادية الصعبة التي لم تشهدها البلاد منذ الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1990، إضافة إلى تداعيات جائحة كورونا، التي تسجل البلد فيها المرتبة الثانية في الوطن العربي من حيث أعداد الإصابات، ما جعل هذا النزاع السياسي يضيف إليها أثقالًا بدلاً من تحمل المسؤولية وإنهاء الأزمة الداخلية. 


المحور الثالث: الاقتصاد العربي

اقتصاديات المنطقة العربية خلال مايو/أيار 2021، مرت بمجموعة من المتغيرات الطبيعية، التي تعبر عن عمق المشكلات مثل تذبذب أسعار النفط في السوق الدولية، رغم انخفاضها، وكذلك استمرار ارتفاع إنفاق المنطقة على التسليح، وأزمة التمويل التي تلم بميزانيات الدول العربية، حيث الديون المتراكمة، ولجوء العديد من الدول العربية للاستدانة الخارجية والمحلية أيضًا.

وبالإضافة إلى ما سبق ذكره، فإن ثمة حدثين مهمين، شهدهما شهر مايو/أيار، الأول ما يتعلق بعقد مؤتمر باريس بشأن الوضع الاقتصادي في السودان، والتباحث حول إمكانية إعفاء الخرطوم من جزء كبير من ديونه، وكذلك النظر في جذب استثمارات أجنبية مباشرة هناك.

 إلا أن المؤتمر كعادة مؤتمرات المانحين، انتهى بمجموعة من التعهدات والوعود، التي ينتظر لها أن تنزل على أرض الواقع، ليستفيد منها السودان، وإن كانت فاتورة ذلك ذات آثار شديدة السلبية على الأوضاع الاجتماعية في البلد الإفريقي.

أما الحدث الثاني، فكان العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ، وما خلفه ذلك من تأثيرات سلبية على البنية الأساسية في القطاع.

وعلى الصعيد الآخر كانت الحالة الجديدة التي عكسها الأداء العسكري للمقاومة الفلسطينية، شديدة التأثير السلبي على اقتصاد الكيان الإسرائيلي الذي توقفت مطاراته الدولية، وشُلت فيه حركة السياحة والدخول في حالة حظر تجول أوقف الحياة العامة والاقتصادية بشكل خاص في تل أبيب. 

وقبل أن تضع الحرب أوزارها، ويتم التوصل إلى وقف إطلاق النار، أطلقت دعوات إعادة الإعمار في قطاع غزة، من قبل دولتين عربيتين (مصر، وقطر) كما أعلن عن ذلك بعض المؤسسات الدولية، والولايات المتحدة.

وفي السطور التالية نتناول بشي من التفصيل الموضوعي مؤتمر باريس بخصوص السودان، وكذلك العدوان على غزة، وأبعاده الاقتصادية، وإعادة الإعمار.

  • مؤتمر المانحين للسودان 

شهدت العاصمة الفرنسية انعقاد مؤتمر بعنوان "حول دعم الانتقال الديمقراطي في السودان" وذلك يوم 17 مايو/أيار 2021، وكانت قضية الديون السودانية حاضرة على أجندة المؤتمر بشكل كبير.

أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تأييد بلاده لإسقاط ديون مستحقة على السودان بنحو 5 مليارات دولار، فضلًا عن الموافقة على منح الخرطوم قرضًا جديدًا بنحو 1.5 مليار دولار، من أجل مساعدتها على سداد جزء من ديونه المستحقة لصندوق النقد الدولي.

وقد تراكمت ديون خارجية على السودان، والتي قدرت بنهاية حكم الرئيس السابق عمر البشير بنحو 60 مليار دولار، إلا أن الجزء الأكبر منها عبارة عن فوائد متراكمة، نتيجة عدم سداد الحكومة السابقة أصل الدين.

وتراهن حكومة حمدوك، على مساعيها لدى الدول الدائنة، للتخفيف من هذه الديون، من أجل الحصول على ديون أخرى تستخدم مشروعات البنية الأساسية، لتحقيق البنية الأساسية في السودان، عبر مشروعات الزراعة والطرق والاتصالات، وغيرها.

وثمة آلية أعلنت عنها أكثر من دولة، للمساعدة في سداد الديون المستحقة على السودان، من خلال ما يسمى تجسير الديون، أي سدادها للجهة الدائنة مباشرة، على أن تحسب قيمتها على الخرطوم.

وهو ما أعلنت عنه فرنسا بإقراض السودان 1.5 مليار دولار مستحقة لصندوق النقد، لكي يتمكن السودان من الحصول على قروض من صندوق النقد الدولي، وكذلك الدخول في مفاوضات ثنائية مع الدول الدائنة للخرطوم والتي تستحق حصة قدرها نحو 38 مليار دولار على البلد الإفريقي.  

وأثناء مؤتمر باريس أعلن ماكرون، بأن هناك تعهدات من دول عدة، لإسقاط ديون السودان، بناء على ما تم اتخاذه من إصلاحات اقتصادية مؤخرًا فيها.

 والجدير بالذكر أن حكومة حمدوك التي أتت في ضوء انتفاضة ديسمبر/كانون الأول 2019، والتي أطاحت بنظام البشير، اتخذت خطوات كبيرة تحت مسمى الإصلاح الاقتصادي، منها تقليص كبير في دعم الوقود، وكذلك تخفيض قيمة العملة المحلية، مما أدى لارتفاع معدلات التضخم لأكثر من 300 بالمئة.

كذلك أعدت حكومة حمدوك ما يعرف بوثيقة الفقر وإطلاق برنامج لدعم الأسر، وذلك في إطار برنامج فني يشرف عليه صندوق النقد الدولي خلال الفترة من يونيو/حزيران 2020 حتى ذات الشهر من العام الجاري 2021.

وحسب تصريحات وزارة الشؤون الخارجية السودانية، فإن إيطاليا وألمانيا تعهدتا بتسوية ديون قدرها 1.8 مليار دولار، كما أعلنت سفيرة النرويج بأن بلادها ستلغي ديون مستحقة على السودان قيمتها 100 مليون دولار.

ومن بين الدول العربية التي تعهدت بالمساعدة في إسقاط ديونها على السودان، كل من الكويت والسعودية.

وتعد الكويت أكبر دائن للسودان بنحو 9.8 مليار دولار، وقد أعلنت الدولة الخليجية في مؤتمر باريس بأنها ستدعم مناقشات تسوية ديون الخرطوم.

أما الصين، فقد أعلنت وزارة خارجيتها أنها خفضت وألغت بعض الديون المستحقة على السودان، وستحث المجتمع الدولي، لأن يحذو حذوها.  

وتبقى هذه الإعلانات بالتعهدات في مؤتمر باريس مجرد وعود، ينتظر أن تأخذ محمل الجد، وأن يستفيد منها السودان، وثمة تقديرات حول ما يمكن إعفاؤه من ديون الخرطوم منها ما يذهب إلى أنه يمكن إعفاء نحو 42 مليار دولار من إجمالي 58.8 مليار دولار، ومنها ما هو أكثر تفاؤلًا فيرفع قيمة الديون التي يمكن إعفاؤها منها إلى 50 مليار دولار.

إلا أن أقل التقديرات، والتي يمكن اعتبارها متشائمة، تذهب إلى أنه يمكن إعفاء السودان من نحو 27 مليار دولار فقط لا غير.

ويعد الرقم المشار إليه بنحو 27 مليار دولار، كديون يتم إعفاء السودان منها، هو الأقرب للواقع، حيث يعني أن الدول الدائنة، تنازلت فقط عن فوائد الديون، وتحتفظ بحقها في أصل الدين، وهو ما سيضع الخرطوم أمام تحد جديد، يتعلق بحسن إدارة الموارد المالية، وأن توجه الديون الجديدة، أو ما يأتي إليها من موارد مالية خارجية لمشروعات إنتاجية أو خدمية حقيقية، تستطيع أن تحقق أمرين.

الأول قيمة مضافة تحرك الناتج المحلي الإجمالي بشكل إيجابي وتعمل على إتاحة سلع وخدمات للاقتصاد المحلي، والثاني أن تساهم في التصدير، وخلق فرص عمل، كما أنه يفترض في هذه المشروعات أن تكون قادرة على سداد التزاماتها من أقساط وفوائد، حتى لا تقع السودان مرة أخرى في براثن الديون. 

  • مشروعات الاستثمار

كان السودان أعلن أن له عدة أهداف من المشاركة في مؤتمر باريس، على رأسها تقديمه للاقتصاد العالمي، والثاني مساعدة الدول المشاركة للخرطوم والسودان في إسقاط ديونه الخارجية، وكذلك تقديم مجموعة من المشروعات التي تصلح للاستثمارات الأجنبية المباشرة.

وفي هذا الإطار عملت وزارة العدل السودانية على إنجاز ثلاثة قوانين بارزة لتساعد على تحقيق أهداف الحكومة في مؤتمر باريس، منها إصدار قانون يهدف لاعتماد نظام مالي مزدوج، يضم النظام التقليدي بجوار النظام الإسلامي، لكي تتمكن الشركات الدولية من الدخول السوق السوداني.

وكذلك إصدار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بما يمكن لإنجاز مشروعات البنية الأساسية للسودان خلال الفترة القادمة.

 وثالث هذه القوانين، قانون تشجيع الاستثمار لسنة 2021، وقد تضمن حزمة من الضمانات والحوافز للاستثمار الأجنبي في السودان، وكذلك اعتماد آلية عمل الشباك الواحد، لإنهاء المعاملات الحكومية للاستثمارات الأجنبية، من أجل القضاء على البيروقراطية.

وأعدت الحكومة السودانية مجموعة من المشروعات طرحت في الجلسة الخاصة بالأعمال ضمن المؤتمر، منها ميناء سواكن، وتأهيل الناقل الجوي بشراء أسطول جديد، وكذلك مشروع تأهيل الخطوط الجوية السودانية بتكلفة 2 مليار دولار، ومشروع لتأهيل السكك الحديدية بتكلفة 2.6 مليار دولار، كما تضمنت المشروعات أطروحات من قبل وزارات الزراعة والطاقة والاتصالات

وتذكر الحالة السودانية التي تعيشها الآن، بما مرت به مصر من أحوال في مطلع التسعينيات، حيث تم إعفؤها من قرابة نصف ديونها الخارجية المدنية، فضلا عن إعفاءات أخرى تخص ديونها العسكرية.

وظلت مصر قرابة عقد من الزمن تحت مراقبة صندوق النقد الدولي، لتنفي التزاماتها، المرتبطة بتطبيق تلك الإعفاءات، ولكن نجاح مصر في الوفاء بشروط صندوق النقد الدولي، لم يمكنها من اتخاذ خطوات جادة على صعيد القطاعات الإنتاجية، لتتواكب مع ما تم اتخاذه على الصعيدين المالي والنقدي، وهو ما يخشى أن يقع فيه السودان.

  • الأبعاد الاقتصادية لحرب غزة وترتيبات إعادة الإعمار 

على مدار 11 يومًا، استمرت الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة، وهو ما دفع المقاومة الفلسطينية للرد عبر أدوات قتالية جديدة من حيث الكم والنوع، ما ألحق خسائر بشكل ملموس على واقع اقتصاد تل أبيب.

ولكن ثمة تقديرات بشأن الخسائر على الجانبين، في إطارها الاقتصادي والاجتماعي، ففي قطاع غزة، أشارت وزارة الأشغال العامة هناك، إلى تضرر نحو 16.8 ألف وحدة سكنية، منها 1.8 ألف وحدة غير صالحة للسكن حاليًا، كما أن منها نحو ألف وحدة سكنية تم تدميرها بالكامل.

حسب التقديرات، فإن أداء خدمة الكهرباء بالقطاع أصبح بحدود من 3 ساعات إلى 4 ساعات، مقارنة بنحو 12 ساعة قبل الاعتداءات الإسرائيلية.

 كما أشارت تقديرات المسؤولين في غزة إلى أن أضرار المصانع بقطاع غزة بنحو 40 مليون دولار، وأن أضرار قطاع الطاقة بنحو 22 مليون دولار نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية.

أما وزارة الزراعة في غزة فقدرت الخسائر التي أصابت الأراضي الزراعية بنحو 22 مليون دولار.

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن حصول المواطنين في قطاع غزة على مياه الشرب الصالحة، محدود ومتعذر، ومؤخرًا أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" إلى حاجتها لتمويل إضافي بنحو 38 مليون دولار، لتقديم المساعدات الضرورية اللازمة في القطاع والضفة الغربية المحتلة.

وفي العموم، لا تصرح تل أبيب بخسائرها الحقيقية من هكذا مواجهات، لكن رابطة المصنعين في إسرائيل قدرت خسائر المصنعين في الفترة من 11 – 13 مايو/أيار 2021، بحدود 166 مليون دولار، فضلًا عما أحدثته صواريخ المقاومة من عدم انتظام العمال في الذهاب للمصانع.

وذكر البنك المركزي الإسرائيلي ووزارة المالية ورابطة المصنعين بأنهم ليس لديهم حصر على وجه الدقة للخسائر الاقتصادية الناتجة عن "الحرب"، وذلك حسبما أوردت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية.

وأضافت الصحيفة نقلا عن البنك المركزي بأن خسائر الاقتصاد الإسرائيلي من المواجهة الأخيرة خلال 8 أيام تعادل إجمالي الخسائر الاقتصادية في حرب 2014 والتي استمرت لنحو 51 يومًا. 

إلا أنه من ضمن الأرقام التي أشارت إليها الجريدة على سبيل المثال وليس الحصر، أن التكلفة الخاصة بالمجهود الحربي بحدود 290 مليون دولار.

ولكن من المهم أن نذكر هنا تكلفة لم تصرح بها إسرائيل، وهي تمثل خسائر مباشرة وغير مباشرة، تتعلق بالأداء السلبي للقبة الحديدية كمنظومة دفاع، فقد كلفت هذه المنظومة إسرائيل مبالغ كبيرة نتيجة إطلاقها الصواريخ لمواجهة صواريخ المقاومة، ولكنها فشلت في صدها.

 وتقدر تكلفة الصاروخ الواحد لتلك القبة بنحو 50 ألف دولار، وليس هناك حصر دقيق لعدد الصواريخ التي أطلقت في ظل الرشقات التي أطلقتها المقاومة على مدار 11 يوميًا، والتي تقدرها مصادر عبرية بنحو 4400 صاروخ، فضلًا عن الطائرات المسيرة، وما أشير إليه من هجمات بحرية موجهة من قبل المقاومة.

  • إعادة الإعمار

كانت مصر من أول الدول التي أعلنت عن تقديم مبلغ 500 مليون دولار لإعادة إعمار قطاع غزة، على أن يشمل هذا الإعمار البنية الأساسية وكذلك المساكن التي تضررت، ومؤخرًا أعلنت قطر كذلك عن تقديم 500 مليون دولار.

 كما أعلنت دول أوروبية والولايات المتحدة عن استعدادها للمساهمة في إعادة إعمار غزة، ولكن لم تتخذ خطوات بعد تدلل على تفعيل هذه الوعود على أرض الواقع.

بعض وسائل الإعلام المصرية، أشارت إلى أن مساهمة مصر في إعادة إعمار غزة، ستكون من خلال شركات مصرية، كما أن الحكومة أعلنت عن فتح باب التبرعات داخل مصر، لحساب تحيا مصر، تخصص تبرعاته لغزة.

ولكن ثمة أصوات أخرى، ذهبت إلى أن إعادة الإعمار الحقيقية التي يجب أن تقدم لقطاع غزة، ينبغي أن تتم من خلال الشركات الفلسطينية في القطاع لأبعاد اقتصادية واجتماعية بشكل كامل.

 منها أن غزة تمتلك من الموارد والكفاءات البشرية ما يمكنها من تنفيذ كامل مشروعات الإعمار، وبالتالي تضمن تشغيل هؤلاء الخبراء المهندسين والعمال.

ثانيًا، أن غزة بحاجة فقط للأموال، والعدد والآلات والمواد الخام، التي حرمت منها تحت الحصار الاقتصادي على مدار 15 عامًا، كما أن تنفيذ الشركات الفلسطينية لمشروعات إعادة الإعمار، يساهم في التخفيف من حدة معدلات البطالة التي وصلت لنحو 50 بالمئة بين سكان غزة، كما يخفف من حدة مشكلة الفقر التي نالت من نحو 85 بالمئة من السكان

وإذا كانت إعادة الإعمار يتم تناولها في إطار الخسائر المادية والاقتصادية، فإن هناك خسائر لم تدرج بعد، وهي الخسائر البشرية، وكذلك حالات الانهيارات النفسية التي أصابت أسر الشهداء والجرحى والنازحين.

وتظل جهود إعادة الإعمار في قطاع غزة، أو في غيره من الأراضي الفلسطينية المحتلة، مجرد تصرف وقتي، يتوقع أن يتكرر في ظل الاعتداءات الإسرائيلية، التي لا تواجه بالمحاسبة من قبل المنظمات الدولية.


المحور الرابع: الحالة الفكرية

الحق المزعوم لليهود في أرض فلسطين .. أباطيل ومغالطات

اشتهر اليهود بصفات ذميمة، جاء ذكرها في القرآن، وهذه الصفات متأصلة في جبلتهم إلى أن تقوم الساعة، منها: الغدر والخيانة، ونقض العهود والمواثيق. قال تعالى:[فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ] (المائدة: 13). 

كما أنهم قوم بهت وكذب، فقد كتب أحبار اليهود قديما كتبا وأسفارا أضافوها للتوراة ونسبوها لله، وحرّفوا الكلم عن مواضعه، ثم جاء الذين من بعدهم وبنوا على ما سبق، وعدُّوا كل أسفار ما يسمى بالكتاب المقدس العبري إلهامية من الله تعالى، رغم اعترافهم أن مؤلفي كثير من تلك الأسفار كتَّاب مجهولون، وأنّ كثيرا من تلك الأسفار أُلِّف على مراحل، وجمع من عدة مصادر. 

 يقول الله عزَّ وجلَّ عنهم : [فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ ] (البقرة:79).  ويقول:[ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ]  (آل عمران:78).

وكانت الطامة أن استندت الحركة الصهيونية الاستعمارية في القرنين الأخيرين إلى نصوص التوراة العبرية المحرفة؛ لتسويغ احتلالها لما اعتبرته "الأرض الموعودة" الممنوحة لها من الله، وأخذت تعيث ظلما وفسادا وقتلا وهدما في أرض فلسطين، مستندة لنصوص توراتية، ما أنزل الله بها من سلطان. كما أخذت تهدد بناء المسجد الأقصى – قبلة المسلمين الأولى – بحجة البحث عن الهيكل السليماني المزعوم.

لقد ادَّعى اليهود أن لهم حقًّا دينيًّا  على ما جاء في كتبهم المقدسة لديهم من أن الله وعدهم بامتلاك (أرض كنعان) فلسطين وما جاورها (من النيل إلى الفرات) وهي أرض الميعاد؛ لتكون لهم  ملكا ووطنا.

ويستدلون على ذلك بما ورد في التوراة أن ذلك الوعد كان مع أبيهم إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، حينما قال له الرب: (لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات). ويزعم اليهود المعاصرون أنهم أحفاد إبراهيم وسلالته، وأنهم شعب الله المختار، فهم الأحق إذًا بفلسطين، وما جاورها أرض الآباء والأجداد.

وادَّعوا أنَّ لهم حقًّا تاريخيًّا يتمثَّل في الوعد الإلهي لهم بالأرض المقدسة، إرثًا وموطنًا أبديًّا، ذُكر في القرآن الكريم في قوله تعالى: [وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ] (المائدة:20-21).

 بطلان هذه الدعوى وهذا الزعم:

1-من الثابت تاريخيًّا وجود القبائل العربية من الكنعانيين والفينقيين في فلسطين قبل ظهور اليهود بآلاف السنوات، ولم ينقطع وجود العرب واستمرارهم في فلسطين إلى يومنا، بخلاف اليهود. 

2-على اليهود المعاصرين - سلالة الخزر- أن يطالبوا بالحق التاريخي لمملكة الخزر بجنوب روسيا وبعاصمتهم (إتل)، وليس بفلسطين أو بيت المقدس، لأن أجدادهم لم يطؤوها من قبل.

3-كانت مدة بقاء بني إسرائيل في فلسطين لا تزيد على ثلاثة قرون ونصف قرن - وبعض المؤرخين يرى أنها تبلغ خمسة قرون- فهل المدة التي مكثوها في فلسطين كافية في إثبات حقهم مقابل وجود العرب في فلسطين من قبلهم وبعدهم لمئات القرون ؟! 

4-يذهب كثير من العلماء المختصين بتاريخ الشعوب إلى الاعتقاد بأن يهود اليوم ليسوا أصلاً من أحفاد بني إسرائيل الذين بُعث إليهم موسى عليه السلام، وليسوا من سلالة إبراهيم عليه السلام.. ومن هؤلاء العلماء على سبيل المثال اليهودي "فريدريك هيرتس في كتابه الجنس والحضارة" و"ريبلي في كتابه أجناس أوروبا" و"أوجين بتار في كتابه الأجناس والتاريخ".

5- يبيِّن لنا القرآن الكريم بطلان انتساب اليهود إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام دينيًّا، فقال عز وجل :[ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَما أنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُون مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ] (آل عمران: 65- 68).

 وهذا النبي هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فانظر كيف نسف الله عز وجل ادعاءاتهم في ولاية إبراهيم عليه السلام،  فلا يكون وليًّا لإبراهيم إلا من اتبعه واتبع محمدًا، عليهما الصلاة والسلام. 

 وقد قال الله عز وجل لنبيه نوح عليه السلام حين سأله عن ابنه: [ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ] (هود: 46).  وفي إنجيل يوحنا على لسان المسيح عليه السلام:  (لو كنتم أولاد إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم).

6- فإن قيل: بأن الوعد الإلهي لهم بالأرض المقدسة، إرثًا وموطنًا أبديًّا ، قد ذكر في القرآن الكريم في قوله تعالى: [وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ] (المائدة:20-21).

فالجواب أنه بقطع النظر عن كون يهود اليوم هم غير بني إسرائيل القدماء، فإن الحق في هذا الأمر الذي عليه جمهور المفسرين هو أن عبارة الآية ليست على التأبيد، وإنما هي خاصة بالزمن الذي وعدوا فيه بذلك، ونتيجة لما كان من استجابتهم لأوامر الله وصبرهم، وذلك الجزاء لإيمانهم وتفضيلهم على عالمي زمانهم سنَّة إلهية في عباده عزَّ وجلَّ. قال تعالى:  [ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ]  (الأنبياء:105). 

فلما انحرف بنو إسرائيل عن دين الله الحق، وارتدوا وفسدوا وأفسدوا في الأرض، لم يعد لهم حقٌّ بالتمسك بالوعد الإلهي لهم، بل كان الجزاء عليهم بما تضمنته الآيات الكريمة بلعنة الله عليهم وغضبه وعقابه بتشتيتهم في الأرض، وتسليط من يسومهم سوء العذاب عليهم إلى يوم القيامة، وضرب الذلة والمسكنة عليهم أينما ثقفوا جزاء لنقضهم مواثيق الله وكفرهم بآياته .

وهناك دراسة  أجراها اثنان من المحقِّقين العلميِّين اليهود، أحدهما إسرائيلي والآخر أميركي، من خلال التنقيبات الآثارية، وعلم الآثار، وتوصلا إلى أنَّ التوراة الحالية ليست كلها كلمة الله، وأنه قد كتبها كهنة يهود في عهد الملك المستقيم (يوشيا) ملك يهوذا في القرن السابع ق . م.

 وتوصلا من خلال تنقيبهما إلى بطلان الدعاوى الصهيونية في أرض فلسطين استنادا لوجودهم القديم فيها، أو أنها أرض الميعاد، على لسان اثنين من كبار علمائهم أنفسهم، اللذين أكدا أن فلسطين كانت- وظلت دائما- مسكونة من عدة شعوب تتالوا عليها كاليبوسيِّين والكنعانيين والفلسطينيين والعماليق والعرب، وأن الإسرائيليين لم يكونوا إلا مجموعة هامشية فوضوية نمت وسيطرت لفترة قصيرة على منطقة محدودة من المرتفعات والتلال المركزية في فلسطين، في حين كانت بقية فلسطين مسكونة من الكنعانيين والفلسطينيين وغيرهم.

الوعي بالمصطلحات في الصراع مع العدو الصهيوني

المصطلحات هي مفاتيح العلوم، وقد قيل: إن فَهم المصطلحات نصف العِلم؛ لأن المصطلح هو لفظ يعبر عن مفهوم، والمعرفة مجموعة من المفاهيم التي يرتبط بعضها ببعض في شكل منظومة، وقد ازدادت أهميّة المصطلح وتعاظَم دوره في المجتمع المعاصر الذي أصبح يوصف بأنه "مجتمع المعلومات"، أو"مجتمع المعرفة" .

وتحديد المفاهيم والمصطلحات مسألة ضرورية لضبط وتنظيم العملية الفكرية والتحليلية التفسيرية، وتأطير ممارسات الفكر الاجتماعي في سياق منهجي بعيدا عن الفوضى والشتات الذهني. فإذا ما تعلق الأمر بالمصطلحات المستخدمة في الصراع مع العدو الصهيوني، وجب التنبيه والوعي تجاه قبول هذه الاصطلاحات والتحدث بها.

ولهذا نجد أن الخطاب العربي لا يزال يتأرجح في محاولته تسمية دولة إسرائيل، فهي أحيانا" الدولة الصهيونية"، وأحيانا أخرى" الدولة اليهودية"، وهناك أحيانا من يشير إليها بأنها" الدولة العبرية".

 ولا يمكن أن نستخدم اصطلاح" الدولة اليهودية"، لأنه ليس له قيمة تصنيفية أو تفسيرية، كما لا يمكن استخدام مصطلح" الدولة العبرية" لأنه لا دلالة له، ولأنه يحاول تطبيع الدولة الصهيونية. 

والصهيونية هنا تعني" الاستعمار الاستيطاني الإحلالي الصهيوني"، كما يمكن تسميتها" الدولة الوظيفية"، أو "الدولة الصهيونية الوظيفية"!

والخطاب الصهيوني له سمات محددة أهمها المراوغة النابعة من تعدد الجهات التي يتوجه لها هذا الخطاب

 يعمد الصهاينة إلى الخلط بين بعض المصطلحات التي لها حدود معروفة؛ فهم يحاولون الخلط بين مصطلحات: "يهودي"، و"صهيوني"، و"إسرائيلي"، وأحيانا "عبراني". وذلك على الرغم من أن كل مصطلح له مجاله الدلالي الواضح. وقد جرى الخلط بينها لتأكيد مفهوم الوحدة اليهودية الذي يشكل جوهر الرؤية الصهيونية.

وشاع الاستخدام الصهيوني في العقول، حتى أصبح من الممكن الحديث عن "الدولة اليهودية" و"دولة اليهود" و"الدولة الصهيونية" باعتبارها عبارات مترادفة، وحتى أصبح من الشائع القول:"إن كل يهودي صهيوني وكل صهيوني يهودي"، وأن كل اليهود يؤيدون الدولة الصهيونية، على الرغم من وجود يهود غير صهاينة، وصهاينة غير يهود.

ومن الحيل الأساسية في الخطاب الصهيوني محاولة عزل الظواهر والمصطلحات عن أصولها التاريخية والاجتماعية والثقافية بحيث يبدو الواقع كما لو كان مجرد عمليات وإجراءات وأحداث ليس لها تاريخ واضح ولا سياق تاريخي محدد، وبالتالي فليس لها سبب معروف أو اتجاه محدد. 

فالصراع العربي الإسرائيلي على سبيل المثال ليس ثمرة العقد الصهيوني الصامت بين الحضارة الغربية والحركة الصهيونية والذي غرست الدول الإمبريالية بمقتضاه كتلة بشرية غريبة في وسط العالم العربي والإسلامي.

تحولت هذه الكتلة إلى دولة وظيفية تحتفظ بعزلتها وتقوم بضرب السكان الأصليين وجيرانها لصالح الراعي الإمبريالي، أي أنه صراع له أسباب تاريخية واضحة وينضوي تحت نمط واضح أي نمط الاستعمار الاستيطاني الإحلالي. فالصهيونية –كما يقول د. المسيري – في تصورنا ليست ظاهرة يهودية، وإنما هي ظاهرة غربية ولدت من رحم الفكر الغربي الإمبريالي.

يتم تناسي كل هذا ويُقدم الصراع العربي الإسرائيلي باعتباره نتيجة رفض العرب قرار التقسيم (وهكذا يتحول الهامشي إلى جوهري) ونتيجة هجومهم "الغاشم" على اليهود المسالمين دون سبب واضح (وهكذا تتحول النتيجة إلى سبب).

 وتقدم الصهيونية لا باعتبارها حركة استعمارية استيطانية إحلالية، وإنما باعتبارها تعبيرا عن الحلم اليهودي الخاص بالعودة إلى صهيون أو أرض الميعاد، أو باعتبارها حركة إنقاذ يهود العالم من هجوم الأغيار. 

داخل هذا الإطار، تصبح المقاومة شكلا من أشكال الإرهاب غير العقلاني وغير المفهوم، في حين تصبح هجمات إسرائيل على العرب مجرد دفاع مفهوم ومشروع عن النفس. ومن ثم، فإن الجيش الإسرائيلي هو" جيش الدفاع الإسرائيلي".

لقد امتاز الخطاب الصهيوني دائماً بالمراوغة والخداع في مصطلحاته وتعبيراته المطاطية الهادفة لتزوير الحقائق التاريخية واعتبار الأوهام ثوابت تاريخية مسلم بها، وفي غفلة قد تكون متعمدة بشكل كبير بدأت العديد من "الأبواق العربية" في استخدام نفس المصطلحات المخادعة والتي تساهم في إثبات هذه الأوهام وترسيخ كذبة أن لليهود حقا في أرض فلسطين.

ولإزالة الخداع والأوهام عن طريق التلاعب بالألفاظ وجب البحث وتحليل الخطابات السياسية الصهيونية لتفادي خطأ ترديد مصطلحاتهم. 

وفي هذا الإطار ظهرت مصطلحات مثل:

  • الحكم الذاتي: الذي يرى أن الحقوق اليهودية في فلسطين مطلقة، أما الحقوق الفلسطينية فليست أصيلة.

  •  وقف العنف وضبط النفس: من المصطلحات المستخدمة في الخطاب الصهيوني الأميركي، وكأن ما يجري على أرض فلسطين حرب بين جيشين متكافئين أو شبه متكافئين يحاربان على أرض متنازع عليها، وكأنه لا توجد قرارات أصدرتها الأمم المتحدة عام 1949 تعطي الفلسطينيين حقوقهم في أرضهم، وهذان المصطلحان هما جزء طويل من مصطلحات متحيزة ضد الفلسطينيين. ففلسطين "أرض محتلة"، في حين تستخدم أميركا مصطلح "أرض متنازع عليها disputed territory". 

  • الأرض والمنطقة: يشير الصهاينة إلي فلسطين المحتلة بمصطلح "الأرض" وهي صيغة علمانية لمصطلح "إرتس يسرائيل" وتعني أرض إسرائيل بالعبرية، ومصطلح الأرض يبدو كمصطلح محايد، ولكنه في الواقع مصطلح إبادي ينكر وجود الفلسطينيين ويحدد أصل أرض فلسطين لصالح اليهود. 

  • إعلان استقلال إسرائيل: يشير هذا المصطلح إلي أن فلسطين هي "إرتس يسرائيل"، وأن العرب غزاة ومحتلون لهذه الأرض، وبالتالي فإن ما يقوم به اليهود هو تحريرها من هؤلاء الغزاة، فيكون تحريرها منهم هو إعلان استقلالها. 

  • توغل: توغل قوات الاحتلال في مناطق السلطة الفلسطينية، هو في واقع الأمر إعادة احتلال هذه المناطق والهجوم على الممتلكات والبشر، واغتيال بعض القيادات الفلسطينية.

  • صدام: تقول الصحف الإسرائيلية إنه حدث صدام بين بعض الفلسطينين (عادة الإرهابيين) والقوات الإسرائيلية، وهذا المصطلح يصور المسألة وكأنها صدام بين طرفين متعادلين في القوة، وليس صداما بين شعب صاحب حق يقاوم من جهة، وقوة احتلال مغتصبة من جهة أخرى.

  • دائرة العنف: هذا المصطلح يحاول أن يصور الصراع العربي الإسرائيلي على أنه صراع لا يمكن حسمه، فهو "دائرة" ، غير أن الصراع في الحقيقة ليس دائرة عنف، وإنما هو مفهوم له أسباب، وهو قيام الصهاينة باغتصاب أرض فلسطين .

  • النمو الطبيعي: يتحدث الصهاينة عن النمو الطبيعي للمستوطنات، بمعنى أن المستوطنات تنمو مثل أي كائن طبيعي، وعوامل نموها من داخلها وليس من خارجها. وهذه أكذوبة كبرى، فالمستوطنات كيانات غير طبيعية غرست في الضفة الغربية وغيرها من المناطق، وتم استجلاب سكان لها إما من فلسطين المحتلة قبل عام 1967 ، أو من خارج فلسطين، وحينما يزداد عدد المستوطنين فهو نمو غير طبيعي، لأنه يتم من الخارج، حيث يتم استيراد وغرس المزيد من المستوطنين.

  •  مستوطنات غير قانونية: أي المستوطنات التي شيدت بدون تصريح من الحكومة الصهيونية، رغم أنها شيدت تحت سمع وبصر قوات الاحتلال وأحيانا بمساعدتها، وهذا المصطلح قد يسقط الشرعية عن بعض المستوطنات الهامشية غير المهمة.

ولكنه في نفس الوقت يضفي شرعية زائفة على بقية المستوطنات، أما من منظور عربي، فإن كل المستوطنات بلا استثناء غير قانونية وغير شرعية، بما في ذلك المستوطن اليهودي نفسه.

  • الأحياء اليهودية: مصطلح مراوغ يستخدم للإشارة إلي المستوطنات في الضفة الغربية، لإسباغ نوع من الشرعية عليها، وكأن الصراع بين المستوطنين والمقاومة الفلسطينية هو صراع بين "جيران"، ويخلق نوعا من الندية بين الطرفين.

  • جيش الدفاع الإسرائيلي: مصطلح يستخدمه الصهاينة ليبينوا أن الدولة الصهيونية دولة محاصرة من العرب وأن المقاومة العربية هي عدوان عربي على الدولة التي تحمي نفسها، وتستخدم بدلا منه جيش الاحتلال الصهيوني.

ونرى من خلال هذا التحليل لبعض مصطلحات الخطاب الصهيوني خطورة استخدام مصطلحاتهم المراوغة والمخادعة، وضرورة استخدام  المصطلحات ذات المرجعية العربية بدلا منها، منعا لتزوير الحقائق التاريخية الثابتة لحق الشعب الفلسطيني في أرضه.


خاتمة

أتى أداء المقاومة الفلسطينية في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، ليعيد ترتيب كثير من الملفات، على رأسها الأفكار التي سعى مشروع التطبيع لترسيخها في أذهان أبناء المنطقة العربية، للقبول بصفقة القرن، ولكن المقاومة أحيت القضية الفلسطينية، وشحذت الأذهان نحو تحرير فلسطين، والتفكير في ضرورة تغيير تلك النظم العربية التي جعلت من الكيان الصهيوني قوة يجب أن تسيطر على مقدرات المنطقة.

كما فتحت المقاومة الفلسطينية -بالنتائج التي حسمتها في الصراع مع الكيان الصهيوني- ملف الترتيبات الإقليمية في المنطقة، ودور دول مثل إيران، في إدارة الصراع، وإن كانت مصر قد حصدت بعض المكاسب الخاصة بعودتها كفاعل رئيس في إدارة الملف الفلسطيني باعتبارها متحكمة في معبر رفح الذي يمثل شريان الحياة لقطاع غزة، على الرغم من إغلاقه معظم الوقت.