الحدود ملتهبة.. لماذا اشتعلت الآن أجواء التوتر بين روسيا وأوكرانيا؟

سام أبو المجد | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تصاعدت مؤخرا حدة التوتر الروسي الأوكراني، بعد أن حشدت روسيا الآلاف من قواتها على الحدود مع الدولة الجارة بحجة حماية أمنها القومي.

في 26 مارس/آذار 2021، نفذ انفصاليون أوكرانيون موالون لروسيا هجوما في إقليم دونباس شرقي أوكرانيا، ما أسفر عن مقتل 4 جنود أوكرانيين، قامت كييف على إثره بتوريد شحنات أسلحة أميركية حديثة للإقليم، وهو ما واجهته روسيا بحشد المزيد من قواتها ومعداتها العسكرية على الحدود.

اتهامات متبادلة

ذلك التحرك العسكري اعتبرته أوكرانيا عدوانا جديدا على أمنها وتهديدا إستراتيجيا لها، فيما اعتبرته روسيا إجراء طبيعيا يهدف لحماية حدودها الغربية، وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن تحركات القوات والمعدات العسكرية في المناطق الحدودية تهدف إلى ضمان أمن روسيا، ولا تشكل أي تهديد لأوكرانيا، حد قوله.

عقب مقتل 4 جنود أوكرانيين في إقليم "دونباس" 26 مارس/آذار 2021، جراء هجوم نفذته القوات الانفصالية على وحدات من الجيش الأوكراني، أصدر البرلمان الأوكراني "الرادا" بيانا اعتبر فيه التحشيد الروسي "عدوانا عسكريا".

وطالب البرلمان بإيقاف تلك الأعمال العدوانية، وناشد المجتمع الدولي بالضغط على روسيا، وإلزامها بسحب قواتها العسكرية من الأراضي الأوكرانية، كما صادق البرلمان على قانون جديد للتعبئة العامة في حال استمر تصاعد الاشتباكات في الإقليم.

وبالإضافة إلى انزعاج أوكرانيا من قيام روسيا بتغذية الحراك الانفصالي في إقليم دونباس (شرق)، فإن مخاوف كييف تتزايد من أي نوايا روسية للتدخل في الإقليم الأوكراني، وهي مخاوف تزايدت منذ قيام موسكو بضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية إليها بشكل غير مشروع عام 2014.

 وتسعى روسيا إلى تعزيز وجودها العسكري عبر تأسيس مزيد من القوات العسكرية على المناطق الحدودية مع أوكرانيا، خصوصا في إقليم دونباس الذي يسيطر عليه انفصاليون أوكرانيون موالون لروسيا.

وتبرر روسيا ذلك بحجة "حماية الرعايا الروس" في الإقليم الذي يشهد تبادلا لإطلاق النار بين الجيش الأوكراني ومجموعات أوكرانية موالية لروسيا منذ عدة سنوات.


دعم دولي

بالنسبة لروسيا، فإن التصعيد قد جاء بعد جملة من التصريحات أدلى بها الرئيس الأميركي جو بايدن في مؤتمر ميونيخ الذي انعقد 19 فبراير/شباط 2021، وهو أول خطاب له بعد توليه منصب الرئاسة.

بايدن هاجم نظيره الروسي فلاديمير بوتين، قائلا إنه يسعى إلى إضعاف المشروع الأوروبي وحلف الناتو، وداعيا، في ذات الوقت، إلى "إيقاف التحركات الروسية ومواجهة المخاطر الكثيرة التي تمارسها"، حد قوله.

بايدن ربط هجومه على بوتين بقضية القرم، حيث قال إن بلاده لن تعترف مطلقا بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، مؤكدا أن واشنطن ستواصل دعمها للشعب الأوكراني، وتقف إلى جانب كييف ضد ما سماها التصرفات العدوانية الروسية.

وأضاف بايدن في الذكرى السنوية لضم روسيا للقرم التي وافقت 28 فبراير/شباط 2021: "لا تزال الولايات المتحدة تقف مع أوكرانيا وحلفائها وشركائها اليوم، كما كانت منذ بداية هذا النزاع".

وتابع: "بهذه المناسبة الحزينة نجدد حقيقة بسيطة: القرم جزء من أوكرانيا، وسنقف مع أوكرانيا ضد التصرفات العدوانية الروسية، ونواصل العمل من أجل معاقبة روسيا على عدوانها وانتهاكاتها لسيادة جارتها أوكرانيا ومخالفتها القانون الدولي".

الدعم الأميركي لأوكرانيا ضد روسيا لم يقف عند ذلك المستوى، بل تعداه للدعم المالي لكييف، والتأكيد على الاستعداد لتزويد أوكرانيا بأسلحة "فتاكة"، وبالفعل تلقت أوكرانيا دعما أميركيا قدره 125 مليون دولار عقب تولي بايدن الرئاسة، وذلك من أجل تطوير قطاع الدفاع والقدرات العسكرية.

وعلاوة على الدعم الأميركي لأوكرانيا فقد تلقت الأخيرة دعما أوروبيا تم التأكيد عليه في مؤتمر ميونخ، كما تتلقى دعما من تركيا، وترتبط مع أنقرة بعلاقات عسكرية وأمنية وتقنية وصلت إلى مستويات إستراتيجية غير مسبوقة في تاريخ العلاقات الثنائية بين البلدين، وغدت تركيا مصدرا رئيسا للطائرات المسيرة للجيش الأوكراني.

وفي 12 فبراير/شباط 2021، صرح وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو في لقاء له مع نظيره الأوكراني دوميترو كوليبا بأن أنقره ستواصل تعزيز علاقتها بكييف، خاصة في مجالي التعاون العسكري والصناعات الدفاعية.

طبيعة تلك التصريحات تؤذن بمزيد من تحسن العلاقات بين أوكرانيا والغرب والإقليم، بشكل ينعكس بشكل إيجابي على قضايا الاقتصاد والتسليح لأوكرانيا.

وفي ذات الوقت تنعكس بشكل سلبي على روسيا التي ترى أن السياسة الخارجية الجديدة لجارتها المنفتحة على الغرب قد تشكل تهديدا لأمنها، وهو الأمر الذي أشارت إليه وسائل إعلام روسية في حديثها عن تلقي الجيش الأوكراني دعما خارجيا واستعداد كييف لتنفيذ هجوم كبير في إقليم دونباس.


"منصة القرم"

تلك التصريحات والإجراءات الداعمة لأوكرانيا تزامنت مع تحركات لعقد مؤتمر "منصة القرم" المزمع عقدها في أغسطس/آب 2021، وهو المؤتمر الذي قوبل بترحيب دولي.

تسعى أوكرانيا من خلال هذا المؤتمر لإدراج شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا إلى أراضيها بشكل غير قانوني، على الأجندة الدولية، بالإضافة إلى محاولة إقناع المجتمع الدولي بإجراء مزيد من العقوبات على موسكو.

وفيما يبدو، فإن تلك الأحداث والتطورات قد أغضبت الدب الروسي ودفعته لمزيد من التحشيد على الحدود بين الدولتين، في تصرف سعى من خلاله إلى بعث رسالة بجاهزيته للتعامل مع تلك التطورات بشكل عسكري.

حسب مقال الكاتبة والباحثة نازرين علي زاده، المنشور بمركز "أنقرة لدراسة السياسات والأزمات"، وترجمته صحيفة الاستقلال، فإن مسألة تطور علاقة أوكرانيا بالغرب مؤخرا (بعد تولي بايدن) تعد سببا لتصاعد التوتر أكثر منها مشاكل حدودية بين الدولتين، وإن كان سبب التوتر الذي تصاعد عام 2021 يعود إلى انتهاكات وقف إطلاق النار على خط المراقبة في منطقة دونباس".

تضيف الكاتبة أن انتهاكات وقف إطلاق النار بين الجيش الأوكراني والانفصاليين الأوكرانيين المدعومين من روسيا في إقليم دونباس قد تزايدت منذ فبراير/شباط 2021، بحسب مراقبي منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.

ومع تزايد هذه الانتهاكات، بدأت الأطراف في نشر القوات المدججة بالسلاح على خط الجبهة مرة أخرى، لتتهم كل من أوكرانيا وروسيا الأخرى بـ"التحريض" وتوجه اتهامات متبادلة ضد بعضهما البعض.

نذر حرب

البعض يرى أن اندلاع الحرب في إقليم دونباس أمر وارد واحتمال مطروح، رغم أن آخرين يعتبرون هذا التحشيد من قبل موسكو يسعى فقط لمجرد الاستعراض العسكري.

هؤلاء يؤكدون أن موسكو لن تنزلق في حرب مع جارتها، لإدراكها بأن أوكرانيا أصبحت منطقة نفوذ وتنافس جيوسياسي بين الشرق والغرب، وأي عمل عسكري في أوكرانيا قد يكون له تبعات على المستوى الإقليمي والدولية.

وحسب الباحثة زاده، فإنه رغم أن الاشتباكات المسلحة والاتهامات المتبادلة في دونباس ليست جديدة، إلا أن المسؤولين العسكريين في كييف وموسكو يعتقدون أن التوترات المتصاعدة في المنطقة هذه المرة قد تتسبب في الحرب.

وقد رأت الكاتبة أن هذا الاحتمال "يستمد قوته من إعلان أوكرانيا التعبئة، واستدعاء جنود الاحتياط الذين شاركوا سابقا في النزاعات المسلحة في دونباس ذوي الخبرة الواسعة، وإجراء مجموعات الاستطلاع الأوكرانية أبحاثا في خط الدفاع الأوكراني وتفقد الجنود رفيعي المستوى القوات في المنطقة". 

وأضافت: "كما يشير عدم استجابة روسيا لدعوة ممثلي أوكرانيا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا للامتثال الكامل لوقف إطلاق النار اعتبارا من مطلع أبريل/نيسان 2021، إلى خطر يحول التوتر المتزايد في المنطقة إلى حرب ساخنة".