فورة تسليح هائلة.. هكذا تعزز اليونان من قدراتها العسكرية في مواجهة تركيا

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عقب وصول العلاقات اليونانية التركية إلى درجات متأزمة شديدة الخطورة، بشأن الحدود البحرية والجوية المتنازع عليها وحقوق التنقيب شرقي البحر المتوسط، سعت أثينا إلى تعزيز تعاونها العسكري والدفاعي مع حلفائها الإقليميين وعقد صفقات أسلحة مع فرنسا والولايات المتحدة، لمواجهة العملاق التركي الصاعد في المنطقة.

لم تتأخر واشنطن وباريس في إمداد اليونانيين بدعم عسكري ولوجستي كبير، سواء على مستوى التدريب أو صفقات الأسلحة، أو المناورات بالذخيرة الحية، أو توقيع اتفاقيات دفاعية، بهدف تقليل حجم الفجوة العسكرية الكبيرة مع تركيا، وتحقيق توازن يسمح لها بالصمود أمام جارتها التي تتطلع إلى حفظ حقوقها المائية والحدودية في تلك المنطقة المستعرة.

ورغم أن اليونان كانت تعاني من أزمات اقتصادية كبرى، وأعلنت حكومتها التقشف قبل سنوات، وخفضت من نفقاتها العسكرية، لكن تلك الإجراءات ذهبت أدراج الرياح مع الأزمة الأخيرة، وانتفض الغرب لدعم أثينا عسكريا وسياسيا.

صفقة الرافال

في 12 سبتمبر/أيلول 2020، أعلن رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، عزم بلاده شراء 18 مقاتلة فرنسية من طراز "رافال" وتعزيز صفوف الجيش بـ 15 ألف جندي.

وفي كلمته خلال منتدى هيليكسبو" بمدينة سيلانيك اليونانية، تحدث ميتسوتاكيس عن إستراتيجية حكومته في الأيام القادمة حيال التطورات شرقي المتوسط. وقال فيما يتعلق بالأزمة مع تركيا شرقي المتوسط: "آن الأوان من أجل تحقيق التوازن بين الإمكانات والاحتياجات".

وقال ميتسوتاكيس: "اتخذنا عدة قرارات من أجل تقوية الجيش وزيادة قدراته العملياتية. سنؤسس سربا جديدا من طائرات الرافال بدلا من طائرات الميراج الموجودة".

ولفت إلى أنهم سيحدثون فرقاطات البحرية اليونانية من نوع ميكو (MEKO)، وتزويد القوات البحرية بـ 4 مروحيات من طراز روميو. وأعلن عزمهم شراء صواريخ مضادة للدروع وطوربيدات وصواريخ موجهة، للقوات البرية والبحرية والجوية.

وقال: "في إطار برنامج يمتد لـ5 سنوات، سنضم 15 ألف جندي جديد لقواتنا المسلحة، وسنفعل الصناعات الدفاعية".

فرنسا من جانبها وعلى لسان وزيرة الدفاع فلورنس بارلي، في بيان، رحبت بقرار اليونان شراء 18 طائرة مقاتلة من طراز رافال، مؤكدة أن هذا القرار سيعزز العلاقات الفرنسية اليونانية، وأن التوقيع على صفقة الطائرات ستكون في الأشهر القليلة القادمة.

سبق لليونان أن أعلنت، أنها ستخصص 10 مليارات يورو خلال العقد القادم، للإنفاق العسكري. وستشتري أثينا في الأشهر القادمة أسلحة وذخائر بقيمة مليار ونصف المليار يورو، من المنتظر أن تكون فرنسا الرابح الأكبر من هذه الصفقات.

التسليح الفرنسي

في 9 سبتمبر/ أيلول 2020، نشرت مجلة "إنتليجنس أونلاين" الفرنسية المعنية بشؤون الاستخبارات، تقريرا عن التسليح الفرنسي لليونان في إطار سعيها إلى تعزيز ترسانتها العسكرية، بعد اشتعال الأوضاع على نحو غير مسبوق مع جارتها تركيا في منطقة شرق المتوسط.

وذكرت المجلة أن "وزير الدفاع اليوناني نيكولاوس باناجيوتوبولوس (ناطق بالفرنسية) قد أرسل عددا من الطلبات إلى الحكومة الفرنسية، للحصول على معلومات بشأن طائرات (رافال) في الأسابيع الأخيرة"، وأضافت: "لم يقف طلب وزير الدفاع اليوناني على الأسلحة فقط، لكن أيضا بشأن معدات الاتصالات والاستخبارات والمراقبة". 

ذلك الأمر أكدته عدة تقارير مختلفة، حيث ذكر موقع "Pentapostagma" اليوناني، أنه "في ظل الدور الفرنسي في تسارع الصراع بشرق المتوسط، ستدعم حكومة ماكرون، اليونان بطائرات من طراز (رافال)، التي شاركت من قبل في ضرب قاعدة (الوطية) العسكرية بليبيا مطلع يوليو/ تموز 2020، كهدية لمواجهة تركيا بشرق المتوسط".

وحسب موقع "ديفينس نيوز" المتخصص في شؤون التسليح، تعتبر طائرات "الرافال" مميزة في القصف الأرضي، ولكن الطائرة المزودة بمحركين، تواجه مشكلة ضعف تسارعها وسرعتها وصغر حجم الرادار، ما يجعلها غير مميزة في القتال الجوي بين الطائرات، كما أن الطائرة باهظة الثمن. 

كما أعلنت شركة "نافال جروب" الفرنسية، أنها بصدد تأمين صفقة لبيع فرقاطات من طراز "فرقاطة الدفاع والتدخل "Defense and Intervention Frigate" إلى القوات البحرية اليونانية، التي تسعى إلى تطوير قدراتها بشكل خاص.

وفي 14 أغسطس/ آب 2020، أعلنت فرنسا إسناد القوات اليونانية الرابضة في شرق المتوسط بطائرتين مقاتلتين من طراز رافال والفرقاطة لافايت، في إطار خطة لدعم وجود أثينا العسكري في المنطقة. 

وفي نفس اليوم أجرى الجيش الفرنسي، تدريبات عسكرية مشتركة مع قوات يونانية قبالة جزيرة كريت الجنوبية، بحسب وكالة رويترز، التي أوضحت أن التدريب بين الدولتين، أول دليل على التزام الرئيس الفرنسي ماكرون، بدعمه الكامل لليونان.

إمدادات واشنطن

لم يكن الدعم الفرنسي المقدم لليونان متفردا في حد ذاته، فجاءت الولايات المتحدة الأميركية على خط الدعم والإسناد في سباق تسليح أثينا، بحسب العديد من التقارير التي رصدت الصفقات الأخيرة بين البلدين.

في أبريل/ نيسان 2020، تبرعت الولايات المتحدة لليونان، بمحركات لسفن العمليات الخاصة، وتسلمتها شركة "أير إكسبو Ariexpo"، المقربة من البحرية اليونانية، والتي تعمل بشكل خاص مع صناع الدفاع بالولايات المتحدة.

وفي ذلك الإطار تتنافس شركات السلاح اليونانية التي تعمل مع موردي الدفاع الأجانب، وخاصة الأميركيين، لإيجاد مكانها على الطاولة، في خضم سباق التسليح الذي تخوضه أثينا.

وفي هذا الصدد، قامت واشنطن بالاعتماد على شركة "إنتراكوم ديفينس Intracom Defense" اليونانية، التي يترأسها جورج ترولينوس، الموالي للولايات المتحدة.

وتعمل "إنتراكوم" مع "رايثيون" في إطار نشر منظومة الدفاع الجوي من طراز "باتريوت باك-3 Patriot PAC-3" الأميركية، بالإضافة إلى بعض مكونات المقاتلات الجوية من طراز "إف-16 بلوك 52 F-16 Block 52" التابعة لسلاح الجو اليوناني.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وقع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو اتفاقية للتعاون المشترك في مجال الدفاع بين اليونان والولايات المتحدة خلال زيارته لأثينا والتي حظيت بتصديق مجلس النواب الأميركي. 

نصت الاتفاقية على زيادة التدريبات المشتركة بين الولايات المتحدة واليونان وحلف الناتو في القواعد والمنشآت العسكرية اليونانية في "لاريسا وستيفانوفيكو وألكساندروبوليس" بوسط وشمال اليونان، بالإضافة إلى استخدام القوات الأميركية البنية التحتية وتطوير قاعدة خليج سودا البحرية الأميركية في جزيرة كريت.

وفي 19 فبراير/ شباط 2020، قالت صحيفة نيويورك تايمز: إن "الجيش اليوناني يعمل حاليا على تحديث سلاح الجو بطائرات مقاتلة من طراز (إف-16) وأيضا تحديث أسطوله البحري، في الوقت الذي تسعى فيه أثينا لبناء علاقات دفاعية أقوى مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وإسرائيل".

إنهاء التقشف

دعم الولايات المتحدة اللامحدود لليونان في صراعها مع تركيا، مستمر منذ أكثر من عام، ففي 14 يونيو/ حزيران 2019، أعلنت صحيفة "ΤO BHMA" اليونانية، بأن الولايات المتحدة أبرمت صفقة تسليح تسلم بموجبها اليونان 70 مروحية عسكرية، بشروط مخففة جدا.

وأضافت بأن أثينا دفعت للحصول على تلك المروحيات، نحو 44 مليون دولار فقط فى صفقة تقدر قيمتها الفعلية بـ589 مليون دولار، وتشمل 70 مروحية من طراز "H-58D Kiowa Warrior" موردة من ترسانة الجيش الأميركي.

وأوردت الصحيفة اليونانية أن "أثينا ستحصل بموجب الصفقة على أنظمة محاكاة متطورة خاصة بتدريب الطيارين، علاوة على مروحيات من طراز 10 CH-47D". 

وتجاوز الإمداد الأميركي مسألة السلاح إلى ماهو أبعد من ذلك، ففي 25 يوليو/ تموز 2020، نشرت صحيفة "يني شفق" التركية، تقريرا أكدت فيه أن "الولايات المتحدة أرسلت شحنات عسكرية إلى منطقة ألكسندروبوليس اليونانية على بعد 30 كم من الحدود مع تركيا بهدف إنشاء قاعدة عسكرية هناك بما يخالف اتفاق لوزان". 

وذكرت أن "واشنطن شحنت الأسلحة الثقيلة إلى ألكسندروبوليس منذ فترة طويلة بذريعة مناورات للناتو، لكنها تخطط لإنشاء قاعدة عسكرية في الميناء الإستراتيجي دعما لليونان في وقت يسود فيه التوتر حده الأقصى مع أنقرة". 

وأشارت إلى أن "الولايات المتحدة، تسعى لتهديد تركيا، وتجري منذ فترة طويلة محادثات مع اليونان، لإنشاء قواعد عسكرية، وعندما تبدي أنقرة ردة فعل للممارسات الأميركية، فإنها تتحجج بالمناورات في البلقان".

وأضافت: أن "الولايات المتحدة تسعى للسيطرة على ميناء ألكسندروبوليس، اليوناني وخصخصته بحجة القيام بأعمال تجارية، لكنه في الواقع قاعدة عسكرية غير رسمية". 

وفي 31 أغسطس/ آب 2020، أوردت صحيفة "حرييت" التركية أن "أثينا تعمل على برنامجين منفصلين للتسليح، أحدهما للفترة 2020- 2021 والآخر للفترة 2020- 2025" أي لمدة 5 سنوات كاملة. 

وأضافت: أن "الحكومة اليونانية قررت إنهاء سياسات التقشف المفروضة على القوات المسلحة بسبب الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد من 10 سنوات، إثر التوتر الأخير مع تركيا في شرق المتوسط". 

وتعتمد اليونان في ذلك على إستراتيجية الدعم الكامل من الحلفاء، خاصة وأن تاريخ الصراع العسكري الدموي الطويل بين أنقرة وأثينا، يصب في صالح الأتراك الذين انتصروا في معظم معاركهم، ولم تنج اليونان أبدا من الهزيمة إلا بمساعدة الغرب بشكل كامل.