روسيا تسحب مرتزقتها وترسل طائرات إلى ليبيا.. ما نواياها؟

12

طباعة

مشاركة

في وقت أعلنت حكومة الوفاق تقدما كبيرا في مناطق كان قد سيطر عليها الجنرال المتقاعد خليفة حفتر لسنوات، تطل أنباء عن انسحاب المرتزقة الروس من ليبيا باتجاه روسيا.

في المقابل، انتشرت أنباء عن إرسال موسكو طائرات مقاتلة إلى ليبيا، الأمر الذي يعقد المشهد ويزيد من صعوبة فهمه، في بلد تغرق في دوامة من الحروب والنزاعات منذ مقتل العقيد معمر القذافي.

وقال إسماعيل ياشا الكاتب بصحيفة ديرليش بوسطاسي التركية: إن ثمة أنباء ترددت حول انسحاب المرتزقة المنتمين إلى شركة فاجنر الأمنية التي أرسلها بوتين لدعم حفتر من جبهتي طرابلس وترهونة إلى مدينة بني وليد وقد كانوا يستعدون لمغادرة ليبيا في مجموعات.

حملة إعلامية

في المقابل، ترددت معلومات تفيد بأن تركيا أرسلت إلى ليبيا قوات من سوريا وهي مرتبطة أو على علاقة بتنظيم الدولة وأنها ستستهدف قوات تابعة لحفتر. وقد تداولت الكثير من وسائل الإعلام السعودية والإماراتية والمصرية التابعة لأنظمة تلك الدول هذه الأنباء بغزارة.

والغرض من هذه الأخبار معروف؛ بحسب الكاتب وهو لفت انتباه المجتمع الدولي عن المرتزقة الروس والسودانيين والتشاديين والسوريين الذين يقاتلون تحت قيادة حفتر وأيضا إظهاره على أنه "يقاتل الإرهابيين بالدرجة الأولى والمدعومين من تركيا التي تقول إنها تدعم الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا".

ويوضح الكاتب: قد يكون ذلك أقرب لتطبيق "لا يوجد نار بدون دخان"، أي أن هذه الأخبار إن لم تكن كلها صحيحة ففيها شيء من الحقيقة كما يحاول الكثير من الأطراف ترويج ذلك. وقد ردد ذلك العشرات من المواقع ومئات الناشطين أو ما يطلق عليهم "الذباب الإلكتروني".

وتابع: "هذه ليست المرة الأولى التي تتهم فيها تركيا بالتعاون مع تنظيم الدولة. قبل ذلك ترددت أنباء عن أنها تشتري النفط من التنظيم المصنف إرهابيا في الوقت الذي تعاون مع التنظيم بالفعل مع منظمات إرهابية أخرى مثل ما تسمى وحدات الشعب الديمقراطية التابعة لبي كاكا (حزب العمال الكردستاني)".

ولفت إلى أن "نفس المشهد يتكرر في ليبيا حيث أنه ولتبرير هجمات حفتر ومعاركه التي لا طائل منها، يتم ترويج نفس الحجح".

وبين الكاتب أن الأخبار الكاذبة الصادرة من الدول التي تدعم الجنرال المتقاعد لاحتلال طرابلس وإقامة ديكتاتورية عسكرية في البلاد لا تعرف حدودا، ومن ذلك ما بثته قناة "العربية الحدث" عما قالت إنها مكالمة بين قائد سوري في ليبيا سمته بأبي الخطاب الإدلبي (نسبة إلى مدينة إدلب).

وزعمت القناة أن "الجيش الوطني الليبي (قوات حفتر) تمكن من اختراق مكالمة هاتفية لقيادي بحكومة الوفاق في طرابلس مع قائد فصيل سوري، طالبه بها بإرسال فتيات لمسلحيه مقابل إرسال مقاتلين من سوريا للقتال في طرابلس".

كما تحدثت القناة عن عشرات الجثث لمرتزقة سوريين قضوا في معارك بليبيا وصلت في توابيت خشبية إلى الحدود التركية السورية وجرى حرق الجثث ودفنها من قبل مسلحي الفصائل السورية، وفق الرواية.

ويعلق الكاتب: "الادعاء بأن جثث المحاربين السوريين نقلت إلى عفرين وأظهرت وكأنهم ماتوا في سوريا هو تكتيك معروف جيدا لأن النظام المصري يطبقه ويظهر جنوده الذين ماتوا في ليبيا على أنهم قتلوا في الاشتباكات في سيناء".

غني عن القول إن إنشاء مثل هذه التسجيلات الصوتية المزيفة مهمة بسيطة للغاية، "وهذا يذكرنا بنكاح الجهاد قبلا حين اعتصام رابعة في مصر ولاحقا حين أثار البعض لغطا متهمين الجنود الأتراك بالاعتداء على سيدات قطريات في القاعدة العسكرية التركية بقطر"، يقول الكاتب.

ورأى أن "الهزيمة الثقيلة التي مني بها حفتر وجنوده كانت السبب وراء كل هذه الكمية المهولة من الشائعات والمعلومات المغلوطة، فبعد أن عجزوا عن تحقيق أي نصر ميداني بجنودهم المرتزقة وأموالهم الطائلة يريدون تحقيق نصر إعلامي".

عيد جديد

بدوره ذكر الكاتب محمد اجيت في مقالة نشرتها صحيفة يني شفق أن المشهد الراهن في ليبيا يمكن أن يطلق عليه عيدا بالنسبة لحكومة الوفاق المدعومة تركيّا بعد الهزائم المتوالية التي تلقاها حفتر، ليفقد الكثير من المناطق التي سيطر عليها قبل سنوات.

ومما لا شك فيه أن الطائرات المسيرة التركية كانت سببا رئيسيا في تدمير ترسانة الأسلحة بملايين الدولارات، فضلا عن أنظمة الدفاع الجوي التي تساقطت في مشهد هزلي بدت فيه هذه الأنظمة كذباب يتطاير يمنة ويسرة لدرجة أن البعض وصف المشهد الأخيرة بالهزيمة الأكبر لحفتر منذ 6 سنوات، وفق الكاتب.

فيما وصفت صحيفة واشنطن بوست الهزيمة هذه بأنها عار على روسيا وعلى داعمي خليفة حفتر.

وشدد الكاتب على أن التطورات الأخيرة في ليبيا تصلح حقا لأن تجعل العيد عيدين. لكن ومع ذلك يبقى التساؤل مطروحا حول فيما لو كان ذلك هو نصر فعلي لا رجعة فيه؟ أم هناك تطورات تجعلنا نتساءل فيما لو كان هذا الوضع نذير سوء.

ويعتقد أنه "لن يتوقع أحد من الطرف الآخر الرضا بهذه الهزائم وكأن شيئا لم يكن، فروسيا أرسلت مؤخرا 8 طائرات مقاتلة من قاعدتها المعروفة باسم حميميم في سوريا، إلى شرق ليبيا بعد أن تمكنت من تأسيس خط جوي بين البلدين.

كما أنه ثمة أنباء تتردد أن الإمارات أسست جماعات مسلحة لها في طرابلس هم بالأساس من المنتمين أو التابعين لنظام الأسد، الأمر الذي سبب قلقا في أنقرة.

ورأى أنه "من الطبيعي أن الروس لن يتخلوا عن نفوذهم في ليبيا أو يتراجعوا عن تقديم الدعم لحليفهم حفتر سيما وأن الرئيس فلاديمير بوتين يستغل حالة التشتت الغربي، من أجل زيادة نفوذه في البلد الإفريقي عبر مجموعة مسلحة من المرتزقة تسمى فاجنر وهي شبه عسكرية، أو شركة أمنية روسية خاصة".

على الرغم من أن فاجنر لا تحمل صفة رسمية، إلا أنه من المعلوم أنها تعمل بتوجيه مباشر من موسكو، فضلا عن أن مالكها مقرب من بوتين.

من الواضح أن التدخل الروسي لم يصل إلى الوضع في سوريا، أي وجود رسمي هناك بقواعد معلنة، واكتفت موسكو بوجود مرتزقتها، ولكن وحين فشل أولئك في تحقيق أي تقدم، بات وجودهم أقرب إلى الحالة العلنية.

كان الاعتقاد السائد هو أن روسيا لا ترغب بأن يحمل تدخلها في ليبيا هوية رسمية كما هو الحال في سوريا مثلا، وإلا فكيف يمكن تفسير إرسال ثمانية مقاتلات من قاعدة حميميم بسوريا نحو شرق طرابلس، ولأي هدف؟!

ويقول الكاتب: إن الأنباء التي تناولت انسحاب المرتزقة الروس من ليبيا هي أقرب للدقيقة وذلك بعد تقدم كبير حظيت به حكومة الوفاق على المناطق التي كانت في الأصل تسيطر عليها أو يحميها المرتزقة الروس. 

الخطوة الآنفة هذه ينبع من خلالها سيل من الأسئلة التي لا تنتهي، فهل يأتي هذا الانسحاب في سياق اعتراف روسي بالوضع الجديد؟ ماذا عن إرسال المقاتلات الثمانية وفي أي إطار؟ هل هو رسالة تحذير وتخويف مثلا؟ هل تأتي ضمن سياق حمايتها لقوات حفتر وحفاظا على أهدافها المستقبلية؟ أم أنها ستستخدم تلك المقاتلات بهدف تأجيج الوضع بشكل أكبر؟

ويرى أنه "من الواضح أن الحديث عن وقف إطلاق نار في ليبيا هو محط اهتمام وسائل الإعلام فقط برغم وجود اتفاق بين الطرفين التركي والروسي في ذلك، لكن الشيطان يكمن في التفاصيل كما يقال، فما هي النية الحقيقية لموسكو من وراء هذا كله؟، الأيام القادمة حبلى بالإجابات وعلينا أن نراقب الأحداث خلال الفترة المقبلة".