واشنطن بوست تتنبأ بكارثة أخطر ستضرب المناطق الناجية من كورونا

12

طباعة

مشاركة

تنبأ تقرير نشرته صحيفة أميركية بكارثة إنسانية محققة ستضرب بشدة مناطق الأزمات، ليس فقط بسبب جائحة كورونا المنتشرة عالميا، ولكن أيضا بسبب المجاعة التي بدأت تلوح في الأفق. 

وقالت صحيفة واشنطن بوست: "على غير المتوقع، في العديد من أكثر الأماكن بؤسا في العالم، وحيث تستعد المؤسسات والمنظمات الصحية العالمية لصد الهجوم الوبائي المدمر، فإنه حتى الآن، كانت التأثيرات الصحية والخسائر البشرية أقل بكثير من معدلاتها العالمية".

فعلى سبيل المثال، وفي أكثر مناطق الأزمة الإنسانية خطورة، محافظة إدلب السورية، ومخيمات الروهينجا للاجئين في بنغلاديش، واليمن التي مزقتها الحرب، والصومال، وجنوب السودان، وقطاع غزة، كل هذه المناطق مجتمعة سجلت ما يزيد قليلا عن 1800 إصابة بفيروسات تاجية و79 حالة وفاة، بين سكان يبلغ عددهم حوالي 60 مليون نسمة. 

وعلى النقيض من ذلك، سجلت مقاطعة كولومبيا الأميركية، التي يبلغ عدد سكانها 700 ألف نسمة فقط، حوالي 8000 حالة، و427 حالة وفاة، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة، حتى أواخر مايو/أيار 2020.

الأكثر تهديدا

ويوضح تقرير الصحيفة كيف أن هذه المناطق كانت، وما زالت، من أكثر المناطق تهديدا بانتشار الوباء، بالقول: "في محافظة إدلب، تم حشر أكثر من ثلاثة ملايين سوري، نصفهم تقريبا من النازحين، في منطقة دمرت فيها المستشفيات بشكل منهجي بسبب القصف الروسي".

وأكد أنه من الصعب المبالغة في تقدير الكوارث الصحية المتوقعة، والتي بشكل ما جرى تجنبها حتى الآن، مبينا أن بعض الخبراء توقعوا ما يصل إلى 100 ألف حالة وفاة في هذه المحافظة (إدلب) وحدها.

ولكن، للمفاجأة السارة، لم ترد تقارير عن حالات وفاة حتى الآن. وينطبق الشيء نفسه على غزة، حيث يخدم 40 سريرا للعناية المركزة حوالي 2 مليون فلسطيني. 

وتتكرر الصورة كذلك في المخيمات المكتظة بالسكان، حيث لجأ حوالي مليون من الروهينجا بشكل غير مستقر منذ طردهم من ميانمار المجاورة، وفق التقرير.

ويتابع التقرير: "تم تنبيه مسؤولي الأمم المتحدة قبل أسبوع عندما تم اكتشاف أول أربع إصابات بالفيروس التاجي في مخيمات الروهينجا، الذين سارعوا لعزل وتأمين 5000 شخص قد يكونوا قد تعرضوا للإصابة".

وفي منطقة أخرى أعرب مارك لوكوك، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، عن قلقه بالقول: إنه منزعج بشكل متزايد بشأن اليمن، حيث تم الإبلاغ عن 33 حالة وفاة فقط، ولكن هناك أدلة متزايدة على تزايد الإصابات داخل المجتمع.

مثبطات كورونا

في محاولة لتفسير انخفاض الأضرار في مثل هذه المناطق، يقول مسؤولو الأمم المتحدة وعمال الإغاثة: "إن عددا من العوامل ربما تكون قد حمت المناطق الأكثر ضعفا في العالم من هذا الوباء".

فقد أدت عمليات الإغلاق إلى تقييد الحركة بشكل أكبر في أماكن، مثل إدلب وغزة، والتي كان من الصعب الوصول إليها بالفعل. كذلك ساعدت التركيبة السكانية ذات العمر المنخفض، من ثلث إلى نصف السكان على عدم انتشار الوباء، خاصة أن عمر الناس هناك فوق 65 يعد قليلا. 

عامل آخر قد يكون له تأثير مثبط لانتقال الفيروسات التاجية، وهو درجات الحرارة المرتفعة، إلى جانب زيادة التعرض لأشعة الشمس، إضافة إلى قلة عدد الاختبارات بسبب قلة الإمكانيات، فربما لم يتم الإبلاغ عن العديد من الحالات غير المكتشفة، وفق التقرير.

لسوء الحظ، هذه ليست نهاية القصة، فعلى الرغم من أن الفيروس لم يحدث خسائر كبيرة مباشرة في الأرواح، إلا أن تأثيراته غير المباشرة على وشك أن تضرب بشدة وبلا رحمة.

ويوضح التقرير: "أن أفقر الناس في العالم هم الأكثر عرضة للمعاناة من بعض أكبر خسائر الوباء". يتمثل ذلك في شكل هبوط حاد في الدخل، الذي بالكاد يكفي في الأساس، ونتيجة لذلك، فإن تزايد معدلات الجوع وسوء التغذية بشكل كارثي غير مستبعد بالمرة. 

ونقل التقرير عن لوكوك خلال مقابلة في أواخر مايو/أيار، قوله: "هناك تأثير سلبي كبير للفيروس التاجي على الاقتصاد، والذي بدوره له تأثير يفوق تأثير المرض نفسه".

الاقتصاد العالمي

بحسبة رياضية بسيطة جدا، من المتوقع الآن أن ينكمش الاقتصاد العالمي هذا العام (2020) بنسبة 3 ٪ على الأقل، وفي تقديرات أخرى 5 ٪، مما يلحق ضررا مباشرا بصادرات السلع الأساسية والتحويلات والسياحة التي تعيش عليها العديد من البلدان الفقيرة. 

ووفقا لـ "لوكوك": "للمرة الأولى منذ 30 عاما، ستزداد النسبة المئوية لسكان العالم الذين يعيشون في فقر مدقع، أولئك الذين يعيشون على أقل من 1.90 دولارا في اليوم".

ففي بداية هذا العام، رأت الأمم المتحدة أن 130 مليون شخص معرضون لخطر المجاعة. وقال لوكوك: "نعتقد الآن أنه سيكون هناك 265 مليون شخص معرضون لخطر المجاعة، يمكن أن يكون لدينا جوع جماعي ومجاعات متعددة".

الخبر السار نسبيا هو أنه على عكس covid-19، هناك علاج جاهز لأزمة الغذاء هذه. فطبقا لـ "لوكوك": "هذه مشكلة قابلة للإصلاح، فالأزمة ليست نقص الغذاء، إنما القضية هي نقص المال في أيدي الناس لشراء الطعام".

وفي ضوء البيانات الجديدة، حدَّث مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، هذا الشهر، خطته للتعامل مع الوباء في أفقر دول العالم، وفق التقرير.

وتابع لوكوك: "وفقا لهذه الخطة فإن حماية أكثر 10 في المائة من سكان العالم الأكثر عرضة للخطر سيكلف 90 مليار دولار، وهو ما يساوي حوالي 1 ٪ من الأموال التي خصصتها الدول الغنية لدعم اقتصاداتها".

خطر المجاعة

ومن المتوقع أن يأتي ثلثا أموال المساعدة من مؤسسات دولية، مثل البنك وصندوق النقد الدوليين، وفق التقرير. وأردف لوكوك: "تحاول الأمم المتحدة نفسها جمع 6.7 مليارات دولار لتنفيذ بعض الخطط العاجلة من أجل دعم المناطق شديدة الاحتياج".

ونقل التقرير عن لوكوك قوله: "إن هذه الأموال لا تكفي لرعاية الـ 260 مليون شخص، وهو عدد المعرضين لخطر المجاعة، لكنها ستمول الخطط التي يمكننا تنفيذها الآن، إذا تمكنا من الحصول على المال". 

للأسف، كانت الاستجابة حتى الآن ضعيفة، فقد تم جمع حوالي مليار دولار فقط. ومن ذلك، ساهمت الولايات المتحدة بمبلغ 164.1 مليون دولار، مما يجعلها ثاني أكبر دولة مانحة بعد ألمانيا، وفق التقرير.

وتابع التقرير: "أصدرت وزارة الخارجية في الولايات المتحدة الأسبوع الماضي (أواخر مايو/أيار) بيانا إخباريا من 31 صفحة يصور إدارة دونالد ترامب على أنها أكبر مورد في العالم للمساعدات لمكافحة الفيروس التاجي".

وتقول الإدارة في بيانها: "إنه تم تخصيص مليار دولار"، لكن الرقم الحقيقي هو 125 مليون دولار فقط، وخصص لليمن، والصومال، وسوريا، وجنوب السودان، والروهينغيا، والفلسطينيين، وفق التقرير. 

يبدو أن سكان هذه المناطق الأبرياء، ليس عليهم أن يعانوا فقط من الحروب والوباء وشبح الجوع الذي يلقي بظلاله المميتة، بل أيضا عليهم أن يعانوا تأثيرات السياسة والتوجهات الأيدولوجية، تقول واشنطن بوست.

ونقل التقرير حث لوكوك للولايات المتحدة على القيام بدورها، بالقول: "لقد حان الوقت حقا الذي يجب أن يكون فيه دور واشنطن مهما في إنقاذ عدد لا يحصى من الأرواح". في ذلك، كما هو الحال في أشياء أخرى كثيرة، يبدو أن القيادة الأميركية مفقودة، تختم الصحيفة.