إندبندنت: مبارك والسيسي كلاهما مستبد لكن هذه أوجه الاختلاف
.jpg)
نشرت صحيفة "ذي إندبندت" تقريرا تناولت فيه مسيرة الرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك منذ تقلده للحكم وصولا إلى الإطاحة به في ثورة 25 يناير 2011 وفقا للإرادة الشعبية، حيث توفي مبارك في 25 فبراير/شباط 2020، عن عمر يناهز 91 عاما، بعد معاناته لسنوات من المرض.
ومع انتشار خبر وفاة مبارك، فكر المصريون وغيرهم في تراثه الممتد من دوره كقائد لسلاح الجو في بلاده خلال حرب 1973 ضد إسرائيل، إلى حاكم للبلاد لـ30 عاما، تشبث بالسلطة خلال أول 18 يوما من الثورة التي انتهت بالإطاحة به.
واعتبر كثيرون أن مبارك هو المسؤول الأول عن الخلل داخل الدولة المصرية المتمثل في الفساد المتفشي وقمعه الوحشي وتراجع الحريات.
تناول التقرير بداية حكم مبارك لمصر حين سقطت الرئاسة بشكل غير متوقع في يده بعد اغتيال أنور السادات، حيث اعتقد كثيرون أنه لا يريد السلطة، وأنه تولى الأمر على مضض، لكن كان الفضل في ذلك هو الإشراف على مصر في وقت الشقاء والاضطرابات المحتملة.
وقالت تامارا كوفمان ويتيس، باحثة بمعهد بروكينجز عن تولي مبارك الحكم: "أعتقد أنه ورث نظاما واستقر وحافظ عليه لمدة ربع قرن، لكن فشله الأكبر كان في رفضه إعادة تشكيل مصر من أجل المستقبل بمجرد استقرارها".
وتتابع ويتيس في هذ الصدد: "لقد أتيحت له فرصة سانحة حيث كان بإمكانه إعدادها للمستقبل بما في ذلك فترة أوائل العقد الأول من القرن العشرين، فقد كانت هناك درجة من الانفتاح السياسي وكان بإمكانه إجراء تعديلات للاستفادة من ذلك، ونقل مصر إلى طريق مجتمع واقتصاد أكثر انفتاحا، لكنه لم يفعل".
ثورة 25 يناير
بحلول عام 2010 كان مبارك قد عمق الأزمة، حيث سمح للفساد بالتفاقم، وفي ديسمبر/كانون الأول من ذلك العام، أشرف على الانتخابات البرلمانية التي اعتُبرت إلى حد كبير مهزلة، مما أغضب المصريين.
وخلال أسابيع، بدأت الانتفاضة ضده، ففي يوم الشرطة الوطني في مصر يناير/كانون الثاني 2011 نزل الملايين إلى الشوارع تحت شعار "كلنا خالد سعيد" وهو مبرمج كمبيوتر تعرض للضرب حتى الموت على يد أمن الدولة التي استثمرها مبارك في 25 يناير لسحق المعارضين وتعنيفهم.
جرى حل أمن الدولة بعد الثورة ولكن تشكلت من جديد وسميت بالأمن الوطني أو القومي، والذي يمارس العمل الوحشي اليوم بشكل أكثر صرامة.
في هذا الصدد قال "هاي هيلير" وهو زميل مساعد في المعهد الملكي للخدمات المتحدة: "النظام المصري الذي انتفض الشعب ضده في 25 يناير لم يعد موجودا بعد، لكن كان مسؤولا عن العوامل التي خلقت مثل هذا المعارضة التي أدت إلى الانتفاضة.
وتابع: أن "هذه العوامل لا تزال موجودة بالتأكيد مع المصريين اليوم. إرث مبارك هو ذلك، وسيكون له عواقب دائمة". ويبين التقرير أن مبارك لم يفعل سوى القليل لإخفاء الفساد المتفشي الذي ترتكبه أسرته والمقربون منه، بما في ذلك اختلاس أموال الدولة، والتخلص من الاحتكارات مثل صادرات الغاز ومنح عقود البناء.
وقد حُكم عليه في عام 2012 بالسجن مدى الحياة بسبب مقتل حوالي 900 متظاهر على أيدي قوات الأمن خلال الثورة، لكن في سنة 2017 وبعد احتجازه في مستشفيات عسكرية فاخرة، برئ من أخطر التهم وتم إطلاق سراحه وعاش سنواته الأخيرة في منطقة هليوبوليس في القاهرة مع عائلته.
ويشير التقرير أن الرئاسة المصرية الحالية أعلنت الحداد لمدة ثلاثة أيام، ووصفته بأنه أحد "قادة وأبطال" حرب 1973، وأنه "أعاد الكرامة والفخر" للأمة. كما شيع في جنازة عسكرية رسمية على اعتبار أنه طيار سابق في سلاح الجو.
عهد السيسي
وأفاد محللون أن السيسي ودائرته الداخلية كانوا قلقين من حصول إقبال كبير من المشيعين الذين يتوقون إلى الرخاء النسبي والقليل من الحرية السياسية تحت حكمه. قد يكون هذا هو السبب وراء حرص مكتب السيسي على إقامة جنازة رسمية له حتى يكون كل شيء تحت المراقبة.
في عهد السيسي، يبدو أن الطبقة المتوسطة تتراجع في مصر إلى خط الفقر، بينما تتباهى الحكومة والمصرفيون بالنمو. وتقول ميشيل دون الخبيرة في الشأن المصري: "خلال حكم مبارك الذي دام 30 عاما، كانت البلاد تتسم بالفساد والركود لكنها كانت أقل وحشية".
وتتابع: "رغم أن الثروة لم توزع جيدا، فقد كانت أكثر قليلا مما هي عليه الآن. مبارك لم يكن ذكيا لكنه يحيط نفسه بأشخاص أذكياء للغاية ويأخذ نصائح من الناس حول الاقتصاد والسياسة وحتى السياسة الخارجية لكن السيسي يتصرف كما لو كان لديه كل الإجابات".
وأورد التقرير أنه "خلال عقده الأخير في السلطة، أخذ مبارك النصيحة من ابنيه جمال وعلاء الذين حثا على تحرير المجال الإعلامي، وقد بدأت المنافذ الإعلامية بالظهور كجريدة المصري اليوم وكذلك بدأت القنوات التلفزيونية تتناول المواضيع الاجتماعية والسياسية.
وانطلق مبارك كذلك في الانفتاح السياسي المحدود، حيث سمح لجماعة الإخوان المسلمين بالتنافس والفوز بعدد محدود من المقاعد في البرلمان. يعرج التقرير في ختامه على أن جرائم النظام في عهد السيسي كانت أكثر قسوة فقتل المتظاهرين العزل في 2014 تعتبر أكبر عملية قتل في التاريخ الحديث.
وكما قال جون كاسون سفير المملكة المتحدة السابق في القاهرة، وهو الآن زميل مساعد في تشاتام هاوس: "يرى الحكام العسكريون الجدد في مصر أن مهمتهم القضاء على جميع المعارضين". ويرى أن "الربيع العربي في عهد مبارك قد أجهض، لكن القضية لم تحسم بعد".