تزامنت مع حملة اضطهاد لمسلمي كشمير.. سر تكريم الخليج لزعيم الهند

شدوى الصلاح | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"الوسام" في معاجم التفسيرات اللغوية هو ما يعلق على صدر من أحسن عملا تقديرا له، أما في أعراف السياسة الخليجية فيمكن تعريف الأوسمة والقلائد بأنها شهادات تقدير ومكافأة عينية تمنحها الأنظمة لمناهضي الإسلام ومن ينكل بالمسلمين.

محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي منح ناريندرا مودي رئيس وزراء الهند، الذي تقوم سلطات بلاده بقتل المسلمين وذبحهم علنا، أرفع أوسمة الإمارات مرتين خلال العام الجاري، كدعم معنوي وموافقة ضمنية على جرائمه بحق مسلمي الهند ومسلمي إقليم كشمير المتنازع عليه بين الهند وباكستان.

سبق للإمارات أن أعربت صراحة عن تأييدها لقرار الهند إلغاء الحكم الذاتي لإقليم كشمير ذو الغالبية المسلمة، وبينما رأى العالم كله أن الخطوة تهدد بإشعال فتيل الحرب بالمنطقة، اعتبرت الإمارات متفردة مرة أخرى أنها خطوة "تشجع على الاستقرار والسلام"!.

أبوظبي سبق أن دعمت الصين التي تضطهد مسلمي الأويجور، وتشاركها في الجرم ذاته باقي دول الخليج، زاحفة نحو الهند والصين وباقي الأنظمة التي تناهض الإسلام والمسلمين.

معبد هندوسي

البحرين سارت على خُطى الإمارات، ومنح ملك البحرين، حمد بن عيسى، رئيس وزراء الهند وسام البحرين من الدرجة الأولى، خلال زيارة للمنامة.

وتسير المنامة على نهج الإمارات في كل شيء، فبعد أن دشنت الإمارات في 20 أبريل/نيسان الماضي، أول معبد هندوسي في العاصمة أبوظبي، وذلك بوضع حجر الأساس بحضور رسمي، إلى جانب آلاف من الجالية الهندية في البلاد، سمحت البحرين بإعادة تطوير معبد هندوسي في 25 أغسطس/آب الجاري.

جاء ذلك خلال زيارة هي الأولى من نوعها أجراها رئيس وزراء الهند للبحرين، بعد أن وصل قادماً من الإمارات التي منحته وسام زايد، كما جرى "إطلاق طابع بريدي تذكاري خاص بمناسبة مرور 150 عاماً على مولد المهاتما غاندي".

تأتي سياسة منح الأوسمة الخليجية للهند، في الوقت الذي تشهد فيه ولايات هندية اضطهاد ممنهج ضد المسلمين، إذ جرى إجبارهم على ترديد هتاف "جاي شري رام".

والإله "رام" يعتبر رمزا دينيا خالصا في الهند، ويردد المؤمنون به دائما شعار "جاي شري رام"، لكن الشعار تحول تدريجيا من رمز ديني إلى شعار تحريضي يشجع على العنف ضد مسلمي البلاد.

وفي الآونة الأخيرة تصاعدت الاعتداءات والجرائم العنصرية بحق المسلمين في الهند، وتقوم بهذه الممارسات على الغالب جماعة تُدعى "حرّاس البقر"، إحدى المجموعات الأهلية الهندوسية التي تستخدم العنف لـ"حماية الأبقار"، حيث يُحظر ذبح أو بيع الماشية في معظم الولايات.

ويمثّل الهندوس، الذين يُقدسون الأبقار ويمنعون بيعها وأكلها، نحو 80% من إجمالي سكان الهند البالغ عددهم أكثر من مليار و339 مليون نسمة، وفق تقديرات 2017.

في حين يعيش في الهند نحو 154 مليون مسلم (14% من السكان)، ما يجعل الهند أكبر دولة تضمّ أقلية مسلمة في العالم.

مسلمو الأويجور

سبق للسعودية والإمارات منح أعلى الأوسمة للصين، رغم اضطهاد بكين للمسلمين، إذ منح العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز الرئيس الصيني شي جين بينغ "قلادة الملك عبدالعزيز" في 20 يناير/كانون الثاني 2016، وهو التصرف ذاته الذي فعله رئيس الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، في 20 يوليو/تموز 2018.

كما منح السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان، وسام النعمان من الدرجة الأولى للسفير يو فولونج سفير جمهورية الصين الشعبية المنتهية ‏فترة عمله بالسلطنة في 17 ديسمبر/كانون الأول 2018.‏

بكين التي حرصت الدول الخليجية على تكريمها ومنحها الأوسمة، تنفذ حملة قمع واسعة النطاق تستهدف السكان المسلمين منذ ما يقرب من 3 سنوات، وتواجه انتقادات دولية بسبب سياساتها في منطقة شينغيانغ الشمالية الغربية.

وحسب منظمة الأمم المتحدة، فالسلطات الصينية، تحتجز ما يصل إلى مليون من الإويجور وغيرهم من الأقليات المسلمة في معسكرات اعتقال جماعية كجزء من جهد رسمي واسع النطاق للقضاء على ما أسموه "التطرف الإسلامي"، والمشاعر المناهضة للحكومة، ونشر فكرها السياسي بين أقلية الأويجور.

وأفادت منظمة "هيومن رايتس ووتش" بأن السلطات الصينية تستخدم تطبيقا ذكيا للمراقبة الجماعية يستغل في رصد المسلمين في إقليم شينغيانغ والتحقيق معهم واحتجازهم.

منح الأوسمة الخليجية للصين، لم يكن بالأمر المستغرب، فقد كان قادة الخليج بين 35 دولة بعثوا رسالة إلى الأمم المتحدة، في 12 يوليو/تموز الماضي، قالوا فيها إنهم يؤيدون سياسة الصين في إقليم شينغيانغ، مشيدين بما وصفوه بإنجازات الصين الملحوظة في مجال حقوق الإنسان.

بدورها، أعربت الصين، عن شكرها لكل الدول المؤيدة لسياستها، وبينهم "السعودية وسوريا وسلطنة عمان والكويت وقطر والإمارات والبحرين"، بسبب موقفها الداعم لسياسات بكين تجاه أقلية الإويجور المسلمة.

معاداة الإسلام

الدكتور عزام التميمي مدير معهد الفكر السياسي الإسلامي بلندن، قال إن ما أقدمت عليه أنظمة بعض دول الخليج من تأييد للأنظمة العنصرية والكارهة للإسلام في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك الهند والصين، يؤكد أن هذه الأنظمة تنتهج سياسة معادية للإسلام.

وأضاف في حديثه لـ"الاستقلال" أن منح هذه الأوسمة لمن يضطهدون المسلمين يثبت أن الأنظمة المانحة لا تبالي بالمسلمين إطلاقا، وتؤثر المصالح الشخصية لحكامها على مصالح الأمة.

وأعرب "التميمي" عن أسفه "أن نرى دولا عربية مثل السعودية والإمارات والبحرين ومصر تنتهج أنظمتها سياسات موالية لأعداء الإسلام والمسلمين في المنطقة وحول العالم، مؤكدا أن الدافع لها على ذلك رغبتها في منع أي نهضة وتحول ديمقراطي في بلدانها".

وأشار إلى أنه لم يكن عجبا أن تدخل هذه الأنظمة في تحالف مع دولة الاحتلال الإسرائيلي كما رأينا من خلال مواقف وتصريحات مسؤوليها والذباب الإلكتروني الذي تجنده عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

تراخيص ضمنية

وقال الدكتور محمد الحساني الباحث في الفكر الإسلامي والدراسات السياسية، إن منح الدول الخليجية الأوسمة لمناهضي الإسلام والمسلمين سلوك غير مستغرب من دول رعت واحتضنت ومولت "صفقة القرن" وسعت جاهدة بكل السبل لتصفية أكبر قضية لدى الأمة الإسلامية والعربية.

وذكر في حديثه لـ"الاستقلال" دور تلك الأنظمة في تخريب الربيع العربي وما تبع ذلك من مأسي، رافضا التعويل على هذه الأنظمة لتكون حامية أو مدافعة عن قضايا المسلمين لأن التاريخ والأحداث نسفوا فكرة أن محور الخليج هو حامي العروبة والإسلام.

واعتبر "الحساني" منح الأنظمة الخليجية الأوسمة لمناهضي المسلمين بأنها تراخيص ضمنية تحمل إشارات ورسائل مفادها أن ما يحدث للمسلمين هناك لا يهمنا من قريب أو بعيد، ولكم الحق أن تفعلوا بهم ما شئتم.

وأكد أن أقصر طريق لنصرة المسلمين المضطهدين هو الإصرار على التخلص من الاستبداد المقيت الذي يلف حبله حول عنق الأمة جمعاء، بالإضافة إلى تسليط الأضواء على قضاياهم وتفعيل المؤسسات الحقوقية تجاه قضاياهم وغير ذلك من الوسائل المعروفة.

وقال حامد الخليفة الباحث في التاريخ السياسي والفكر الإسلامي، إن الحديث عن الأوسمة والهبات التي تمنح لغير أهلها من أعداء الأمة ونازعي أمنها وكرامتها واقع مرير يظهر مدى الاختراق الكبير في هوية الانتساب إلى الأمة لدى من يقع بمثل هذه الرزايا.

وأكد في حديثه لـ"الاستقلال" أن منح هذه الأوسمة يبين ضعف هيبة الأمة وشدة الجرأة على ثوابتها وعدم مراعاة مشاعر أبنائها ولاسيما الرازخين تحت عدوان تلك الدول التي يُكرم قادتها الوالغين في دماء المسلمين. 

وأضاف الخليفة "ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على مرض متفشي في الأمة جعل ولاتها لا يبالون بثوابتها ولا بحقوقها المهدورة، وأظهر أن كثيرا من شعوبها في سبات عميق لا يحركهم إجرام المجرمين بحقوق أمتهم ولا يردهم عن موالاة الطغاة ما يرونه من تفريط بواجبات حماية حقوق شعوبهم ومداهنتهم لمن يسلبها ويخوض فيها".

واستطرد: "فما بين استبداد الكثير من الحكام وتبعيتهم وبين جهل كثير من الشعوب بحقوقها وواجباتها وقع الجميع في هاوية مظلمة لا مخرج منها إلا بقيام شعوب الأمة بما يفرضه الواجب عليهم من مواجهة الاستبداد والظلم وحماية حقوقهم وأمنهم وبناء مستقبلهم".