لماذا فشل برلمان تونس في استكمال أعضاء المحكمة الدستورية؟
.jpg)
للمرّة السابعة على التوالي يفشل البرلمان التونسي في انتخاب ما تبقى من أعضاء المحكمة الدستورية التي تعتبر بوصف القانونيين حجر زاوية داخل النظام الديمقراطي الناشئ في البلاد، لما أوكل إليها من مهام رفيعة حسب دستور 2014.
الوعكة الصحية الأخيرة التي تعرّض لها الرئيس الباجي قائد السبسي يوم 27 يونيو/ حزيران الماضي أعادت للسطح ملف استكمال انتخاب أعضاء المحكمة المخوّلة دستوريا بمعاينة قدرة الرئيس على مواصلة مهامه، وضمان الانتقال الدستوري في أعلى هرم السلطة حال شغور منصب الرئيس.
استكمال عضوية المحكمة الدستورية كغيرها من القضايا في تونس تصطدم بخلافات سياسية متشبعّة وانقسامات مصلحية وإيديولوجية، في ظل تعدّدية واسعة داخل مجلس نواب الشعب (البرلمان).
المهمّة الصعبة
في فصله 118 ينصّ الدستور التونسي على أنّ "المحكمة الدستورية هيئة قضائية مستقلة تتركّب (تتكون) من 12 عضوا من ذوي الكفاءة، ثلاثة أرباعهم من المختصين في القانون الذين لا تقل خبرتهم عن 29 سنة".
"ويعيّن كل من رئيس الجمهورية، ومجلس نواب الشعب (البرلمان)، والمجلس الأعلى للقضاء، 4 أعضاء، على أن يكون ثلاثة أرباعهم من المختصين في القانون، ويكون التعيين لفترة واحدة مدّتها 9 سنوات".
وينص الدستور التونسي على ضرورة تشكيل المحكمة الدستورية في أجل أقصاه سنة من موعد الانتخابات التشريعية التي عقدت في أكتوبر/تشرين الأول 2014وهو ما تعثر حتى الآن.
ويشترط القانون للفوز بعضوية المحكمة الدستورية أن يحظى المرشح بأغلبية الثلثين من أصوات نواب البرلمان، 145 صوتا من أصل 217، وهو ما لم يحصل إلا في مناسبة وحيدة حيث انتخب البرلمان في مارس/آذار 2018 مرشحة نداء تونس روضة الورسيغني بعد حصولها على 150 صوتا.
وخلال الجلسات السبعة للبرلمان كان آخرها في 10 يوليو /تموز الجاري، لم ينجح الأعضاء في اختيار الأعضاء الثلاثة المتبقين رغم اتفاقات سابقة بين مختلف الكتل النيابية.
ففي اجتماع سابق يوم 3 يوليو/ تموز، اتفقت الكتل البرلمانية على 3 مرشّحين يتم انتخابهم خلال الجلسة العامة، وهم العياشي الهمامي، وعبد اللطيف البوعزيزي، وعادل كعنيش.
فقط كتلة "الحرة لحركة مشروع تونس" التي تضم 15 نائبا تمسّكت برفضها التصويت للعياشي الهمامي متحجّجة بمساندته للرئيس السابق المنصف المرزوقي خلال الحملة الانتخابية للعام 2014، وهو ما تعتبره نقصا في شرط استقلاليته.
عقدة المنشار
يسمح القانون التونسي للكتل النيابية تقديم مرشحين لها لتولي مهمة داخل المحكمة الدستورية، بعد إنجاز توافق صعب نسبيا من أجل حصول المرشح الواحد على أصوات 145 نائبا، في الوقت الذي تعتبر فيه أكبر كتلة نيابية تجمع 68 نائبا فقط، وهي كتلة حركة النهضة.
وخلال الجلسات الأخيرة الانتخابية برز اسم المحامي اليساري العياشي الهمامي كأبرز اسم خلافي متهم بتعطيل استكمال انتخاب أعضاء المحكمة، حيث يتهم الرافضون لتواجد الهمامي في المحكمة حركة النهضة بأنّها تعتبر بأن لا محكمة دستورية دون العياشي الهمامي.
كتلة حركة النهضة في الأصل لم تقترح اسم الهمامي، بل طرحته كتلة الاتحاد الوطني الحر وكتلة الجبهة الشعبية والكتلة الديمقراطية. ثم تغيّرت المعادلات لتسحب كتلة الاتحاد الوطني دعمها للهمامي، ولم يبق من نصير رسمي للهمامي سوى الكتلة الديمقراطية وكتلة الجبهة الشعبية.
رئيس كتلة حركة النهضة نور الدين البحيري قال ردا على اتهام كتلته بإفشال التوافقات في تدوينة نشرها على صفحته الرسمية على فيسبوك "كفاكم كذبا، لتبرير رفضها التوافق على المرشحين لعضوية المحكمة الدستورية ادعت زميلة أن كتلة النهضة تصر على أنه بدون العياشي الهمامي لن تكون هناك محكمة دستورية".
مضيفا "هذا التصريح محض افتراء لأن الأستاذ العياشي الهمامي مرشح كتلتي الجبهة الشعبية والديمقراطية وذلك أمر مشروع وبعد رفع الفيتو في وجه الهمامي علنا من إحدى الكتل وسرا من أخرى أكدت شخصيا أنه مثلما رضيت النهضة في نفس الجلسة لرؤساء الكتل بالتصويت لمترشحة اعترضت عليها نزولا عند رغبة بقية الكتل والتزاما بخيار التوافق".
وأضاف البحيري "على الكتلة المعترضة على العياشي الهمامي الالتزام بهذا المنهج ورفع اعتراضها لأن إصرارها على رفع الفيتو ضد العياشي مع تمسك الجبهة الشعبية والديمقراطية بترشيحه سيؤدي حتما لإفشال إرساء المحكمة الدستورية".
في المقابل تمسكت كتلة "مشروع تونس" بعدم التصويت لصالح الهمامي، قبل أن تلتحق بها كتلة حركة "نداء تونس" التي لم تصوت للهمامي في الجلسة العامة الأخيرة، وهو ما دفع إلى إسقاط باقي المرشحين.
وأمام الحملة التي شنت على الهمامي متهمة إياه بعدم الحياد، أصدرت منظمات وجمعيات وطنية، الجمعة 5 يوليو/تموز 2019، بيانًا تضامنيًا مع الهمامي، مشيرة إلى تعرضه لـ"تصريحات مخزية وحملة من الكذب والتشويه تستهدف مسيرته النضالية والحقوقية".
وأدانت هذه المنظمات الحملة التي قالت إنها تشكك في الهمامي "في سعي محموم من بعض الأطراف السياسية لإقصائه من تركيبة المحكمة الدستورية لحسابات ضيقة" مشيرة إلى انخراط شخصيات سياسية وإعلامية وصفحات عبر الشبكات الاجتماعية فيها.
ويعتبر العياشي الهمامي أحد أبرز رموز المعارضة الوطنية ضدّ نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وأحد مؤسسي حركة 18 أكتوبر للحقوق والحريات والتي جمعت لأول مرة في تاريخ تونس تحالفا سياسيا بين جل الأطياف من بينها حركة النهضة (المحظورة حينها) وحزب العمال الشيوعي المحظور كذلك حينها وعدد من الأحزاب والمنظمات الوطنية.
أولوية الأولويات
4 سنوات كاملة فشل خلالها مجلس نواب الشعب في إنجاز أحد أهم الاستحقاقات الدستورية التي من شأنها الدفع في تثبيت الانتقال الديمقراطي في تونس.
وفي الوقت الذي بدأ الجميع يستعد للانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول 2019، لتنهي المدّة النيابية للبرلمان الحالي، أطلقت جمعية "البوصلة" حملة بعنوان "#اليوم_قبل_غدوة" لحث أعضاء البرلمان لإرساء المحكمة الدستورية قبل انتهاء العهدة النيابية باعتبارها "أولوية الأولويات".
وشارك عدد من الناشطين في الحملة لحث النواب على اختيار أعضاء المحكمة الدستورية قبل نهاية العهدة، حيث قالت المنظمة في بيان لها متوجهة للنواب "قبل ترك مقاعدكم، تحملوا مسؤولياتكم وواجبكم في إرساء أهم مؤسسة دستورية وأهم ضمانة للديمقراطية ولدولة القانون".
إلا أن عددا آخر من الناشطين اعتبروا أن البرلمان الحالي في حكم المنتهية ولايته، ولا يحق له اختيار أعضاء المحكمة الدستورية، خاصّة بعد فشله في اختيارهم منذ 4 سنوات خلت.
المصادر
- الدستور التونسي
- اكتمال أعضاء المحكمة الدستورية التونسية ينتظر توافقا برلمانيا
- مسألة المحكمة الدستورية: هل تمنع صراعات إيديولوجية مسيرة تونس نحو الديمقراطية؟
- المحاصصة تحبط انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية في تونس
- في انتظار الجلسة الانتخابیة لأعضاء المحكمة الدستوریة.. ھل ستتنازل الكتل البرلمانیة تحت الضغط؟
- اليوم قبل غدوة هي حملة تطلقها منظمة البوصلة
- ريم محجوب:'رئيس كتلة حركة النهضة قال إما العياشي الهمامي أو لن تكون هناك محكمة دستورية'