كيف تمكن بوتين من ترويض بن سلمان لتطبيع العلاقات مع الأسد؟

شدوى الصلاح | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

داعب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "نرجسية" الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، وحبه للمديح، محاولا ترويضه خلال الأشهر الماضية لتنفيذ ما يصبو إلى تحقيقه في الملف السوري، والذي يتوافق إلى حد كبير مع سياسات بن سلمان المناهضة لثورات الربيع العربي.

بوتين وعبر مبعوثه إلى الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف الذي قال في مقابلة مع وكالة "بلومبرغ" في 22 يناير/كانون الثاني 2019 إن "بن سلمان له كل الحق في وراثة العرش عندما يموت الملك سلمان بن عبد العزيز البالغ من العمر 82 عاما".

مغازلة بوتين الأخيرة لولي العهد السعودي جاءت ضمن سلسلة مديح متواصل وتصرفات ودودة لإعطاء قوة دفع جديدة للعلاقات الثنائية بينهما، ففي 2016 وصف بوتين "بن سلمان" بأنه شريك موثوق ومسؤول نشيط يعرف كيف يحقق أهدافه، قائلاً: ""يمكن أن نتفق معه وأن نكون واثقين من تنفيذ تلك الاتفاقات".

وفي ديسمبر/كانون الأول 2018، في قمة مجموعة العشرين بالأرجنتين، استقبل بوتين و"بن سلمان" بعضهما بابتسامة عريضة ومصافحة حظيت باهتمام إعلامي عالمي كبير.

كما ظهر الرئيس الروسي في مقطع مصور وهو يرفع يديه ليصافح ولي العهد السعودي على طريقة "هاي فايف"، وغيرها من مواقف الاستقطاب والمجاملات الأخرى من الجانب الروسي، تبعتها مطالبات للمملكة بمواقف سياسية تتوافق مع السياسة الروسية في الملف السوري.

وساطة روسية

مسار العلاقات السابق الإشارة إليه، أتاح لروسيا أن تقوم بدور الوساطة لإعادة العلاقة بين الرياض ونظام بشار، إذ وصل المبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، عشية عيد "الفصح" الجمعة 19 أبريل/نيسان 2019 إلى دمشق قادما من الرياض، لإيصال رسالة إيجابية، لم يتم الكشف عن محتواها، من ولي العهد السعودي، إلى رئيس النظام السوري بشار الأسد، وفقا لتقرير بموقع "آسيا تايمز".

وخلص كاتب التقرير إلى أنه "لا وجود لتاريخ شخصي بين بشار الأسد ومحمد بن سلمان. بالإضافة إلى ذلك، يفضل الروس انخراطا منخفض المستوى فيما يخص الأمن بين سوريا وتركيا. لكن يرون أن التقدم الحقيقي يمكن إحرازه تجاه السعودية، لمنع النفوذ التركي أو الإيراني من أن يزداد قوة في سوريا".

التقارب السعودي الروسي الذي دخل في تفاصيل المشهد السوري ينتقل لخيارات التطبيع السعودي العلني مع النظام السوري، رغم مرور 8 سنوات من عجز المجتمع الدولي عن إيقاف نزيف دم الشعب السوري بسبب الانتهاكات التي يرتكبها نظام الأسد وحلفائه المتمثلين في إيران ومليشياتها وروسيا التي تمنع سقوط الأسد.

الخارجية الروسية، قالت في بيان بعد اجتماع "لافرنتييف" مع الأسد، وبعد زيارته الرياض، أن المحادثات "تناولت النظر في مسائل ضمان التسوية السياسية المستدامة للأزمة السورية بالتوافق مع قرار مجلس الأمن رقم 2254  الذي نص على "إطلاق عملية سياسية تفاوضية تسيرها الأمم المتحدة بين ممثلي نظام الأسد والمعارضة".

رعونة سعودية

في مقابلة مع مجلة "تايم" نهاية مارس/آذار عام 2018، وبنبرة مرنة غير مسبوقة تحدث بن سلمان عن مصير بشار الأسد، قائلا: إن "بشار الأسد باقٍ في السلطة"، مُتمنياً عليه "ألا يسمح للإيرانيين بعمل ما يريدون في سوريا"، وهو ما يناقض حديث الخارجية السعودية المتكرر عن بشار أنه "يجب أن يرحل في بداية العملية الانتقالية، أو يواجه خياراً عسكرياً".

وفي أغسطس/آب 2018، كشف النائب عن كتلة حزب الله في البرلمان اللبناني نواف الموسوي عن تلقي رئيس النظام السوري بشار الأسد عرضا مغريا من مندوب سعودي زار دمشق موفدا من ولي العهد، نص بوضوح على أن "يبقى الأسد رئيسا مدى الحياة ولا نريد إصلاحات سياسية ودستورية في سوريا.. كما تتعهد السعودية بإعادة إعمار سوريا كلها، لكن مقابل ذلك يتوجب على الأسد قطع العلاقات نهائيا مع كل من حزب الله اللبناني وإيران".

وانفتحت دول خليجية بعد ذلك على نظام الأسد تدريجياً، بداية من لقاء جمع وزير الخارجية البحريني حمد بن أحمد آل خليفة، مع نظيره بحكومة النظام السوري وليد المعلم، في سبتمبر/أيلول 2018، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، قبل أن تفتح المنامة وأبوظبي سفارتيهما في العاصمة السورية، التي زارها الرئيس السوداني عمر حسن البشير، قبل أن تتم الإطاحة به في 11 أبريل/نيسان الجاري بعد حراك شعبي.

الرياض تتآمر

العلاقات بين السعودية ونظام الأسد ظلت قريبة رغم الاختلاف في بعض الملفات، فقبل اندلاع الثورة بشهور قليلة قدمت السعودية 140 مليون دولار مساعدات إلى سوريا، كما تدفقت الاستثمارات السعودية الضخمة بعد زيارة العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى دمشق قبيل اندلاع الثورة.

وبعد أسابيع معدودة من بداية الثورة السورية، وقعت الرياض عقدا لتمويل إنشاء محطة كهربائية في دير الزور بتكلفة 375 مليون دولار في أبريل/نيسان 2011. وفي أغسطس/آب من نفس العام وضعت الرياض 4 مليارات دولار بالبنك المركزي السوري، في الوقت الذي كانت المملكة تصف بشار الأسد بالديكتاتور الذي يقتل شعبه.

كما قدمت السعودية للتحالف الأمريكي الذي قادته الولايات المتحدة في سوريا خارج الشرعية الدولية، 100 مليون دولار أمريكي، في ظل معاناة الشعب السوري من فاقة الفقر والتراجع الاقتصادي المريع في مستوى حياته.

وحسب مراقبين فإن السعودية تسببت في إطالة أمد الأزمة في سوريا ودعمت القوى التي تهدد أرضها وشعبها، لافتين إلى أنها تعاونت مع نظام الأسد في مهمته التي استهدفها منذ بداية الثورة، والمتمثلة في تحويلها أمام أعين العالم إلى ثورة طائفية وإرهابية، حيث لعبت المملكة على دعم المتطرفين بكافة أشكال الدعم العسكري والمالي، وأبرزت منهم شخصيات وفتحت لهم الفضائيات باعتبارهم محركين للثورة.

اتجاه للتسوية

وتحدثت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية عن رغبة الرياض في تسوية علاقاتها مع النظام السوري بعد فشل دعمها للمعارضة المسلحة وجرها لمزيد من التدخلات، مشيرة إلى أن رغبة السعودية ضرورية  لتحييد السياسات الإيرانية والتركية.

ونقلت عن الأستاذ في قسم الدراسات الشرقية الحديثة في كلية التاريخ والعلوم السياسية والقانون بجامعة موسكو الحكومية للعلوم الإنسانية، "غريغوري كوساتش" قوله: إن "الوضع بالنسبة للمملكة العربية السعودية فيما يتعلق بسوريا، في طريق مسدود؛ لأن الدعم السعودي للمعارضة السورية لم يأت بنتائج جديّة، علاوة على ذلك، بفضل ذلك الدعم، أصبحت سوريا مسرحًا لنشاط العديد من القوى الإقليمية.. لذلك، يبدو أن الرياض تريد كسر هذه الحلقة".

وأضاف: "ستكون السعودية آخر من يتخذ قرارًا بين الذين يقيمون أو يستعدون لإقامة علاقات (مع النظام السوري). وبهذه الطريقة، تتحقق من كيفية تفاعل العالم والمنطقة مع خطوتها المستقبلية. إنها تسبر ذلك من خلال حلفائها" في إشارة إلى الإمارات بعد إعادة فتح سفاراتها في دمشق 27 ديسمبر/كانون الأول 2018، والمنامة التي اتخذت نفس الخطوة بعدها بيوم واحد.

ورأت الصحيفة أنّ موسكو تريد مشاركة أكبر من الرياض في الملف السوري؛ لأن ذلك من شأنه أن يساعد في تحقيق توازن للقوى في سوريا، لاسيّما أن وضعها الراهن يقلق روسيا.

المصالح الروسية

الاحتلال الروسي لسوريا يحاول جاهدا إعادة تأهيل الأسد -المصنف كمجرم حرب- ويقوم تحت هذه الإستراتيجية بالتواصل مع البلدان التي لها تأثير على القضية السورية ومن بينهم السعودية، لإعادة العلاقات.

الرئيس الروسي سعى من خلال تدخل بلاده في الأزمة السورية إلى تحقيق أهداف عدة تتجاوز رغبة الكرملين في الحفاظ على نظام بشار الأسد، أبرزها إعادة إظهار روسيا كقوة عظمى، والتدخل كان فرصة كبيرة لها لإثبات ذلك ولفرض نفسها كلاعب لا غنى عنه في الساحة الدولية.

تمكنت روسيا من اختبار أكثر من 200 نوع من الأسلحة الجديدة التي ابتكرها الجيش الروسي مؤخراً. فقد كانت تصميمات الأسلحة الجديدة ترسل إلى سوريا لمعرفة نتاج عملها.

وتباهى غرسيموف بأن الصراع السوري قد منح روسيا أعظم فرصة حتى الآن لنشر طائرات «درون»، وكان العدد يصل أحيانا إلى 60 طائرة تحلق في السماء يومياً.

ومنذ أن تدخلت روسيا وإيران لمساعدة الأسد مالت موازين القوة لصالحه، فقد عملت موسكو على عرقلة جهود الأمم المتحدة لوقف نزيف الدم أو إحالة ملف سوريا للمحكمة الجنائية الدولية، كما خذلت الولايات المتحدة السوريين بجمودها أمام الجرائم البشعة، وكذلك كان موقف أوروبا.

وقال موقع "آسيا تايمز" وفقا لمحللين ومواقع إلكترونية مقربة من الحكومة في دمشق، إنّ "السعوديين على استعداد لإعادة التواصل سياسيا مع سوريا"، وبحسب التقرير، جاءت هذه اللفتة السعودية بعد أيام من زيارة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف لسوريا عبر أنقرة، ما يشير أيضا إلى تطبيع العلاقات هذه المرة مع تركيا إضافة إلى طهران، اللتين تعتبرهما الرياض محورا منافسا.

خطة خليجية إسرائيلية

وإذا صحت التحليلات السابقة فإنها تصب في مصلحة تنفيذ خطة خليجية إسرائيلية سبق أن كشف موقع إخباري بريطاني عن تفاصيلها، تضمن عودة بشار الأسد إلى الوسط العربي، وإعادة سوريا إلى الجامعة العربية بعد 8 أعوام من تعليق عضويتها بسبب قمع دمشق الوحشي للاحتجاجات السلمية ضد الأسد.

الموقع الإلكتروني البريطاني "ميدل إيست آي" قال في 8 يناير/كانون الثاني 2019، إن الخطة الخليجية الإسرائيلية المشتركة تهدف إلى تهميش النفوذ الإقليمي لكل من تركيا وإيران، وهي الخطة التي تم الاتفاق عليها خلال اجتماع سري عقد في ديسمبر/كانون الأول 2018 بإحدى العواصم الخليجية (دون ذكر اسمها).

جمهوريات موز

وقال فهد صقر الباحث والمحلل السياسي: إن "إعادة تأهيل نظام الأسد عربياً بعد أن تأهل دولياً هي رغبة أمريكية إسرائيلية بالدرجة الأولى وسيتم إقحام إيران بالموضوع للتغطية على النوايا الحقيقية"، مشيرا إلى أن الرياض "تمشي في كل صغيرة وكبيرة حسب رغبات واشنطن وتل أبيب".

وأضاف في حديثه مع "الاستقلال": "عندما أرادت أمريكا إشعال الحرب والفتنة في بداية الثورة أوعزت للرياض بدعم الثورة، ولكن منعت عن الثوار الأسلحة النوعية ومضادات الطيران وبعد أن كان لها ما أرادت أمرت السعودية وغيرها من الخليجيين فاستداروا 180 درجة، مستطردا: "هذه الدويلات هي أشبه بجمهوريات موز تفعل ما تؤمر به وسياستها تتناغم وتتماهى مع الموقف الإسرائيلي الأمريكي".

بدوره، وصف فهد الغويدي المعارض السعودي، موقف السعودية في الملف السوري مؤخرا بـ"المخزي"، مستطردا: "هم يعتقدون أن التقرب لنظام الأسد الآن هو الحل الأمثل لإعادته إلى جامعة الدول العربية خوفا من سقوطه في التبعية الإيرانية".

وتساءل خلال حديثه مع "الاستقلال": "أين كانت جامعة الدول حين سمحت لإيران وروسيا بالتدخل عسكرياً في سوريا وإطالة أمد النظام الأسدي المجرم؟ وهل حقا يعتقد محور الشر (السعودية، الإمارات، مصر) أن عودة العلاقات مع نظام الأسد والقبول به يعني عودة سوريا بلدا عربيا من جديد؟".

الدكتور حامد الخليفة الباحث في التاريخ السياسي والفكر الإسلامي، اعتبر افتتاح السفارة الإماراتية في دمشق "أعطى دعما لطاغية سوريا على حساب الدم  والدين والانتماء العربي".

وقال في حديثه مع "الاستقلال": إن "أي تقارب عربي خليجي مع نظام الطاغية في سوريا سيكون أكبر معاون على تثبيت النفوذ الإيراني الشعوبي في سوريا والعراق واليمن ولبنان".

الدعم التركي

يأتي ذلك في الوقت الذي تتصدر فيه تركيا دول العالم من حيث استضافتها أكثر من 3.5 مليون سوري، لجأوا إلى أراضيها بعد اندلاع الحرب في سوريا في مارس/ آذار 2011.

وفي كلمة له خلال مؤتمر "مستقبل العمل: التحديات والفرص" في العاصمة أنقرة، الخميس 18 أبريل/نيسان الجاري، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مواصلة حكومته دعم السوريين الذين تستضيفهم على أراضيها، مشيرا  إلى استضافة بلاده 4 ملايين لاجئ، أنفقت عليهم 35 مليار دولار.

وأكدت الرئاسة التركية، عدم وجود أي اتصالات مع نظام الأسد في سوريا، نافية أن تكون زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، إلى أنقرة لإجراء وساطة بين تركيا "ونظام الأسد.

الناشط السوري أحمد الهواس، أكد أن ما تريده السعودية هو تدمير تركيا ولذلك دعمت تنظيم "بي كا كا" الإرهابي تحت مسمى "سوريا الديمقراطية"، وساهمت في إضعاف الاقتصاد التركي وتتعاون مع التنظيم الموازي التابع لفتح الله جولن المقيم بولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة الأمريكية والذي قاد انقلابا فاشلا في تركيا منتصف يوليو/تموز 2016.

خنق الربيع العربي

الهواس قال لـ"الاستقلال": إن "الموقف السعودي تجاه القضية السورية، تراجع كثيرا بعد تسلم الملك سلمان الحكم وازداد سوءا بعد أن أصبح ولي عهده محمد بن سلمان الآمر الناهي، وقد بدا أن الموقف السعودي داعم لخنق الربيع العربي وفي القلب منه الثورة السورية، ولذلك كانت مبادرة الإمارات بفتح سفارتها في دمشق ومن ثم الطلب من البشير زيارة دمشق قبل أن تطيح به الثورة السودانية".

وأوضح الهواس أن "السعودية لا تفكر في قتال إيران التي ساهمت الرياض في تقويتها عندما سمحت بإسقاط صدام حسين في العراق وحركة طالبان في أفغانستان، وأضعفوا الجيش الحر في سوريا ومزقوا الكتائب وشتتوا الرأي العام".

ولفت الهواس إلى "وجود مؤشرات إلى أن محور الرياض أبوظبي من مول ومازال يمول الغزو الروسي في سوريا، حيث أشارت عدة تقارير إلى أن الروس قد دخلوا سوريا بتفاهمات قادها ملك البحرين في زيارته لموسكو قبل أن تعلن موسكو عن تدخلها في 29 سبتمبر/أيلول 2015".

الهواس أكد أن "السعودية كانت ومازالت في عداء مستحكم مع الثورات العربية، ولم تكن الثورة السورية استثناء، وعندما انتقل الملف السوري من قطر نهاية 2012 إلى السعودية بدأ التراجع في الثورة، وتم تصنيع فصائل تتبع السعودية مهمتها حماية العاصمة دمشق ومنع سقوط النظام ومن ثم القتال البيني مع بقية الفصائل قبل أن ينتهي الحال إلى التسليم والانسحاب".