عبر الفيزا الإلكترونية.. هكذا يقفز بشار الأسد على الحل السياسي في سوريا

15866 | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

يواصل النظام السوري البحث عما يرفد خزينته من العملة الأجنبية، حيث يعاني اقتصاده من انهيار شبه كامل رغم إعادته إلى الجامعة العربية عام 2023.

إذ كان يأمل نظام الأسد من تلك العودة تحريك اقتصاده من جديد، إلا أن مساعيه باءت بالفشل نتيجة العقوبات الغربية وعلى رأسها الأميركية التي تشترط تطبيق النظام للحل السياسي بسوريا طبقا للقرارات الأممية ذات الصلة.

لكن مع ذلك، يجد النظام السوري في السياحة بابا لتحصيل العملة الصعبة، حتى وإن تطلب ذلك تقديم تسهيلات أمنية كبيرة للمواطنين المغتربين وللعرب والأجانب، كي يحرفوا وجهاتهم السياحية إلى سوريا على الرغم من عدم إقرار الأمم المتحدة بأن هذا البلد بات آمنا.

سياحة مزيفة

ومن أجل ذلك، أعلن وزير السياحة في حكومة النظام السوري محمد رامي مرتيني عن إمكانية حصول العرب والأجانب على فيزا إلكترونية لزيارة البلاد بدءا من مايو/ أيار 2024.

وقال مرتيني في تصريح لوكالة "سبوتنيك" في 17 أبريل/ نيسان 2024: "تم عقد اجتماع مع الوزارات والجهات ذات الاختصاص لوضع التفاصيل النهائية لإطلاق منصة خدمة الفيزا الإلكترونية (evisa.sy) في الأول من مايو  فيما يخص المجموعات السياحية والخدمات المتممة".

وأضاف مرتيني أن إطلاق المنصة يهدف إلى “التغلب على الظروف الصعبة التي تمر بها السياحة السورية وبالأخص في الدول التي لا توجد فيها سفارات أو قنصليات”.

وتابع: إذ لا يحتاج الراغب بالقدوم إلى سوريا قطع مسافات طويلة للوصول إلى السفارات السورية في غير بلد مثلا، بما يسهم بتخفيف الوقت والجهد على السياح الراغبين بالمجيء إلى سوريا".

وحول تحصيل رسوم الخدمة، قال مرتيني: "تتيح المنظومة حاليا خيارين لدفع قيمة الفيزا عبر الدفع إلكتروني إن كان متاحا، وإلا فسيتوجب على صاحب العلاقة تأجيل دفع قيمة رسم الخدمة لحين وصوله إلى المنافذ الحدودية ليتم استيفاء الرسوم بشكل متكامل وهي عبارة عن قيمة الفيزا ورسم بدل الخدمة".

وأشار مرتيني إلى أن الحصول على الفيزا عبر المنصة يتم خلال "مدة أقصاها 72 ساعة".

هذه الخطوة الجديدة لنظام الأسد، تعكس مدى رغبته لزيادة أعداد السائحين لتحصيل العملة الصعبة، وللترويج على أن سوريا باتت بلدا آمنا على الرغم من نفي الأمم المتحدة ذلك.

فضلا عن كون الخطوة محاولة للقفز على الحل السياسي عبر تمييعه من خلال عرقلة إقرار دستور جديد للبلاد برعاية أممية.

وتعد السياحة الدينية للشيعة هي الأكثر نشاطا حاليا في مناطق نفوذ نظام الأسد، نظرا للتسهيلات التي يقدمها لهم جوا أو حتى برا حيث تنطلق القوافل البرية من مدن محددة في إيران والعراق لتنتهي في سوريا.

كما يقصد شيعة لبنان دمشق "مقام السيدة زينب" في أحد أحياء العاصمة دمشق، الذي بات منطقة إيرانية منفصلة بشكل كامل عن محيطها.

اللافت أن حزب الله موكل بمهمة تأمين الزائرين الشيعة في الجزء الخاص بسوريا، فيما تتولى مليشيا الحشد الشعبي تأمينهم في العراق.

وتشير المعطيات الواردة من مناطق سيطرة النظام السوري، إلى تقسيمه السياحية إلى مناطق خاصة بـ السياحة الدينية الشيعية، وأخرى للعرب والأجانب للاصطياف على سواحل البحر المتوسط التي نشطت فيها الشركات السياحية الروسية منذ عام 2022.

ولهذا عمدت حكومة الأسد إلى اتخاذ خطوات جديدة من شأنها أن تضاعف أعداد هؤلاء.

لا سيما أن أرقام حكومة الأسد الصادرة مطلع فبراير 2024 تشير إلى أن الحركة السياحية في سوريا خلال عام 2023 شهدت وصول نحو مليوني زائر.

منهم مليون و750 ألف عربي، و250 ألف أجنبي، ومن بين هؤلاء 213 ألف زائر للمواقع المقدسة للشيعة، وبلغ عدد الليالي الفندقية مليونين و230 ألف ليلة. 

ووفقا لوزارة السياحة التابعة لنظام الأسد فإن عدد الزائرين العراقيين ارتفع إلى 44 ألفا في الشهر الأول من عام 2024 بعدما وصل العدد إلى 11 ألفا في  يناير عام 2023.

وبحسب القائم بأعمال السفارة العراقية في دمشق، ياسين شريف الحجيمي، فقد جرى تخفيض رسم الفيزا للعراقيين القادمين إلى سوريا لغرض السياحة أو الزيارة الدينية والعلاجية من 80 إلى 50 دولارا والإقامة لمدة شهر وبالتعليمات نفسها، حيث يتم الحصول عليها من مطار دمشق أو المنافذ البرية.

وسوريا قبل اندلاع الثورة في مارس 2011، كانت إحدى أبرز الوجهات السياحية العالمية في الشرق الأوسط، لما تتضمنه من تراث حضاري (دمشق وحلب من أقدم المدن في العالم) وجمال وتنوع في طبيعتها (بحر، جبال، صحراء)، ما جذب إليها ملايين السياح من مختلف أرجاء المعمورة. 

ففي سوريا، أكثر من 14 ألف موقع أثري و65 قلعة، إضافة إلى المتاحف والمساجد والكنائس والمعابد التاريخية المنتشرة في كل أنحاء البلاد.

ووفقا لإحصاءات وزارة السياحة، فقد تراجعت أعداد السياح من خمسة ملايين في عام 2010 إلى أقل من 400 ألف في عام 2015، وتراجعت إيرادات السياحة 98 بالمئة عقب 2011.

وبالوقت الراهن، بمجرد اقتراب الطائرة من الهبوط بمطار دمشق الدولي يمكن للسائح أن يرى دمارا لأحياء كاملة بمحيط العاصمة والتي كانت سابقا من أبرز الأماكن التي يقصدها السياح.

فيما استولت روسيا على مناطق سياحية في الساحل السوري عبر تأهيل منشآت للسياحة وتخديمها بشكل كامل. 

مرشد سياحي مخابراتي

وتعليقا على مخطط الأسد، قال الصحفي السوري محمود كلاس، إن "النقطة الأهم في خطوات النظام تجاه تفعيل السياحية، كان توجيه السياح لزيارة الأماكن الأثرية الحضارية والمناطق التي لم تطلها عمليات التدمير بفعل الآلة العسكرية إبان قمع ثورة السوريين".

وأضاف لـ"الاستقلال": "لدرجة أن بعض الشركات السياحية باتت تقدم تسهيلات أمنية للسائحين لمنع تعرضهم لأي مشاكل طوال الرحلة، خاصة من عمليات خطف وابتزاز أو سرقة للأموال أثناء تنقلاتهم بسبب وجود مليشيات متعددة الولاءات هناك".

ومضى يقول: "لقد ظهر في مناطق النظام السوري مفهوم مرشد سياحي مخابراتي يشعر السائح بأنه بحماية الدولة وهذا ما جذب آلاف السوريين المقيمين في الخارج لجعل بلدهم وجهة السياحة وخاصة المقيمين في دول الخليج الذين بدأوا يعودون بسياراتهم مستفيدين من رخص الأسعار بالأماكن السياحية ببلدهم".

ولفت كلاس، إلى أن "الترويج إلى أن سوريا بلد آمن غير واقعي وهو عملية تجميلية، وأكبر دليل على ذلك هو استباحة إسرائيل للأراضي السورية وضرب مطاري دمشق وحلب بشكل متكرر".

ومنذ أغسطس 2023 فرضت وزارة المالية بحكومة الأسد رسوما جديدة على دخول السيارات الخليجية والأجنبية إلى سوريا ضمن ما يسمى بـ"زيارة مؤقتة"، بمبلغ قدره 100 دولار، حيث يسمح بدخول السيارة الواحدة للتجوال في سوريا من يوم إلى أسبوعين.

في حين فرضت مبلغا ماليا قدره 200 دولار على كل سيارة تحمل لوحة أجنبية أو خليجية للسماح بدخولها لمدة أكثر من أسبوعين إلى 4 أشهر.

وفي خطوة تشجيعية لمواطني الدولتين المجاورتين الأردن ولبنان، قامت وزارة المالية لدى نظام الأسد باستثناء السيارات الأردنية واللبنانية من القرار المذكور.

وتبلغ قيمة الليرة السورية أمام الدولار الواحد 14 ألف ليرة، حيث يسهم هذا الانهيار في قيمة العملة في جذب السياح.

إذ تتراوح كلفة الإقامة في فنادق اللاذقية المطلة على البحر، لعائلة مكونة من 6 أفراد مليون ليرة (70 دولارا) من دون حساب كلفة الأكل والشرب وأجور التنقل والمصاريف اليومية، وفق ما ذكرت صحيفة "الوطن" المقربة من النظام.

وأمام ذلك، يستعين نظام الأسد بالمؤثرين والمشاهير السوريين والعرب لتصوير سوريا كأنها بلد قد تعافى من الحرب رغم عدم قدرة اللاجئين السوريين على العودة إلى مدنهم الأصلية خشية الانتقام الأمني.

معارض عربية

 خلال السنوات الأخيرة عمدت وزارة السياحة في حكومة الأسد على تكثيف نشاطها في عدد من المعارض التي أقيمت في عدد من الدول العربية حيث ركزت على عرض “كل أنماط السياحة في سوريا”.

وكمحاولة ترويجية، يحاول كشك سياحي سوري في دبي، مطل على صورة رئيس النظام بشار الأسد ويقدم الحلوى، استغلال التقارب الناشئ مع الدول العربية لاستعادة السائحين الخليجيين.

وقال نضال مشفج نائب وزير السياحة السوري خلال معرض سوق السفر العربي في دبي لوكالة رويترز: "نهدف الآن إلى استعادة الدخل السياحي من (دول مجلس التعاون الخليجي) إلى سوريا. لقد اعتدنا أن يكون لدينا ملايين من أصدقائنا وإخواننا من دول مجلس التعاون الخليجي في سوريا، خاصة في الصيف".

وأشار إلى أن القطاع السياحي الخاص يجري محادثات مع منظمي الرحلات السياحية في الأردن ولبنان لإعادة تقديم جولات سياحية متعددة البلدان كانت تحظى بشعبية كبيرة في السابق. 

وهناك تنافس بين كل من الإيرانيين والروس للسيطرة على ملف السياحة في مناطق سيطرة النظام السوري عبر طرح استعداداتهم للمشاركة في عملية إعادة إعمار وترميم المناطق الأثرية والسياحية السورية، التي تعرضت للتخريب، إضافة إلى القيام بالاستثمار السياحي من خلال بناء وتجهيز منشآت فندقية جديدة.

إذ تنظر إيران إلى أن السياحة الدينية للشيعة في سوريا، كعامل أساسي لتحقيق الإقامة طويلة الأمد في هذا البلد وتعويم الدعاية الداخلية بأن تدخلها عسكريا في عام 2012 لإنقاذ نظام الأسد من السقوط هو لحماية المزارات والمقامات الدينية.

"لن تسبى زينب مرتين"، كان هذا الشعار كافيا لتحفيز عشرات الآلاف من المليشيات الشيعية من لبنان والعراق وإيران وباكستان وأفغانستان، للسفر إلى سوريا والقتال من أجل "حماية مقام السيدة زينب" جنوب دمشق.

ومنذ عام 2012، امتلكت إيران نحو 100 ألف عنصر مقاتل لها في سوريا جرى تنظيمهم على يد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.

أما روسيا التي تدخلت عسكريا عام 2015 إلى جانب قوات الأسد لاستعادة مساحات شاسعة كانت تسيطر عليها المعارضة السورية، فقد ركزت على الجانب السياحي في سوريا.

وشكلت محافظتا اللاذقية وطرطوس على ساحل البحر المتوسط رأس حربة للوجود الروسي، وتحولتا إلى موطئ قدم إستراتيجي لموسكو.

وفي أول مشروع سياحي لشركة روسية يقام على الساحل السوري، وقع مجلس مدينة اللاذقية وشركة "سينارا إنت" الروسية، في 6 يوليو/ تموز 2022، عقدا استثماريا لبناء مجمع سياحي (4 نجوم) في منطقة "جول جمال" بالمحافظة الواقعة شمال غربي سوريا.

وقد قام فيتالي ميلونوف عضو البرلمان الروسي في عام 2022 بمهمة في اللاذقية قال إن هدفها تعريف المواطنين الروس الذين يبحثون عن الراحة بأهمية السياحة السورية وتحديدا في اللاذقية.

وأضاف حينها بالقول: إن "الوجهة الأوروبية - التركية ليست الأنسب لهم في هذه المرحلة بسبب الظروف السياسية"، في إشارة إلى العزلة الدولية التي تلقتها روسيا عقب غزوها لجارتها أوكرانيا في فبراير 2022.