زيارات "الحجاج" الشيعة إلى سوريا.. لماذا كلفت إيران حزب الله اللبناني بتأمينها؟

مصعب المجبل | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تتعدد أدوار "حزب الله" اللبناني في سوريا بإيعاز مباشر من إيران، التي أوكلت له هذه المرة مهمة حماية وتأمين ما تسميهم "الحجاج" الشيعة خلال زيارتهم إلى دمشق من أجل "السياحة الدينية" بضوء أخضر من رئيس النظام بشار الأسد.

وتشكل البادية السورية من جهة محافظة دير الزور وصولا إلى مدينة البوكمال على الحدود السورية العراقية، نقطة ثقل المليشيات الإيرانية وبوابة عريضة لوجودهم وتنقلهم من وإلى سوريا بما في ذلك الأسلحة.

لكن مرحلة جديدة من عودة السياحة الدينية للشيعة القادمين من إيران والعراق ودول أخرى، ضمن حملات ضخمة تنظمها جمعيات شيعية بدأت مجددا.

وتنطلق القوافل البرية من مدن محددة في إيران والعراق لتنتهي في سوريا في رحلة محفوفة بالمخاطر، قبل أن تصل عند "مقام السيدة زينب" في أحد أحياء العاصمة دمشق، الذي بات منطقة إيرانية منفصلة بشكل كامل عن محيطها.

ومن أجل ذلك، كان العائق الوحيد الذي تتخوف منه إيران هو تعرض قوافل الزائرين القادمة برا من العراق لهجمات من قبل خلايا تنظيم الدولة التي تنتشر على شكل مجموعات متفرقة بالبادية السورية.

خدمات حزب الله

وفي مطلع مارس/ آذار 2022، ذكرت شبكة تدمر الإخبارية، أن مليشيا "حزب الله” اللبناني، نشرت حواجز ونقاطا مؤقتة على طريق تدمر- دمشق، وطريق تدمر- دير الزور، لتأمين الزائرين العراقيين والإيرانيين خلال رحلات الذهاب والعودة من وإلى دمشق.

وتتمثل مهمة حزب الله في تأمين الزائرين الشيعة في الجزء الخاص بسوريا، فيما تتولى مليشيا الحشد الشعبي تأمينهم في العراق.

ويرافق تلك العملية نشر أجهزة تشويش مزود بها "حزب الله" تتبع لمنظومة الاتصالات الإيرانية التابع للحرس الثوري تحديدا، فضلا عن حدوث قطع بالاتصالات في بعض المواقع على الطريق الدولي تدمر -دير الزور.

وبحسب شبكة تدمر الإخبارية، فإن مليشيا "حزب الله” اللبناني، نشرت حواجز ونقاطا مؤقتة على طريق تدمر- دمشق، وطريق تدمر- دير الزور، بهدف تأمين عودة العوائل العراقية والإيرانية التي توجهت إلى دمشق.

وفي 28 ديسمبر/ كانون الأول 2021 أكد رئيس منظمة الحج والزيارة الإيراني، علي رضا رشيديان، أنه سيتم إيفاد الدفعة الأولى من الحجاج الإيرانيين إلى سوريا، بعد إعلان الموافقة من النظام السوري.

 ومهدت إيران لعودة "السياحة الدينية" نتيجة تعطلها بسبب مزاعم فيروس كورونا، عبر توقيع مذكرة تفاهم مع حكومة الأسد في 16 أكتوبر/تشرين الثاني 2021 تقضي بإرسال 100 ألف "حاج إيراني" إلى سوريا سنويا.

ونصت المذكرة حينها على تولي وزارة داخلية النظام السوري مسؤولية أمن وصحة "الحجاج الشيعة"، على أن يغادر هؤلاء إلى سوريا جوا من مطار "الخميني الدولي" في طهران، مع إمكانية تسيير رحلات من مطارات أخرى، إلى مطار دمشق الدولي، حيث اعترف رشيديان حينها أن السفر برا ليس متاحا في الفترة الحالية.

ومن أبرز المواقع التي تعتبر من الرموز الدينية للشيعة في سوريا، مرقد السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب، ومقام "السيدة رقية" في حي العمارة الدمشقي، الذي يبعد نحو مئة متر عن الجامع الأموي الكبير.

إضافة إلى مقام السيدة سكينة بنت علي بن أبي طالب في دمشق أيضا، ومقبرة باب الصغير في دمشق، ومشهد الحسين في مدينة حلب، ومزار علي في دير الزور.

مسار بديل

وشكل مطار دمشق الدولي عقبة أمام استقبال رحلات خارجة عن الاستيعاب المتاح، نظرا لأنه المنفذ الخارجي الوحيد الذي يستخدمه النظام مدنيا وتجاريا، فضلا عن صغره وضعف قدراته اللوجستية التي لم تتمكن حكومة الأسد من تحديثها.

وهذا من جملة ما دفع إيران لتسريع تأمين وصول قوافل "الحجاج الشيعة" برا إلى سوريا.

وسبق أن حذر خبراء في مطار دمشق، من انهيار المدرج الشمالي، حال لم يتم تخفيض عدد الرحلات القادمة، لا سيما طائرات الشحن العسكرية الإيرانية، المحملة بأطنان من الأسلحة والذخائر.

والمدرج الشمالي في مطار دمشق يعتبر قديما نسبيا، وآخر عملية صيانة أجريت له كانت قبل نحو ثمان سنوات، وهو الآن يعمل بشكل مكثف لاستقبال الرحلات القادمة من العراق، وأخرى قادمة من طهران، تحمل بعضها وفودا من الزوار الشيعة.

وكان الحرس الثوري الإيراني يستخدم المدرج الجنوبي في مطار دمشق بشكل منفرد، قبل أن يخرج عن الخدمة في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2021، بعد تعرضه لقصف بثلاثة صواريخ إسرائيلية من نوع "أرض- أرض".

ما دفع طهران لجلب مجموعة من المهندسين الإيرانيين التابعين لوزارتي النقل والدفاع للإشراف على عملية ترميمه الجارية حاليا.

وأكدت شبكة "الشرقية 24" المحلية لـ "الاستقلال أنه "حاليا لا يوجد سياحة في سوريا سوى للشيعة تنظمها شركات ومكاتب سياحة من إيران والعراق وتتنافس في العروض طبقا لنوع الخدمات وبرنامج الزيارة". 

وأوضحت الشبكة أن تكلفة أقل رحلة لشخص واحد من العراق لسوريا 700 دولار أميركي شاملة لحجز الطيران ومدتها أسبوع وتشمل التأشيرة والموافقة الأمنية والتأمين الصحي وإقامة في فندق 4 نجوم في حي السيدة زينب مع تأمين موافقات الدخول والخروج.

إضافة إلى رسم مسحة كورونا بقيمة 125 دولارا أميركيا وجولات على المقامات الشيعية، مع تقديم ثلاث وجبات طعام في اليوم الواحد طيلة أيام الرحلة.

ولفتت الشبكة إلى أنه "نظرا لفرق العملة بين الليرة السورية والدولار فإن هؤلاء الشيعة يستفيدون من السياحة العلاجية وخاصة في مجال طب الأسنان".

وأضافت أن "حي السيدة زينب تحول إلى منطقة سياحية خاصة بالشيعة والتي تسمح شوارعها ليلا نهارا بإقامة طقوس شيعية ولطميات للوفود القادمة التي يكون على رأسها معمم يتبع لتلك الشركات السياحية".

إستراتيجية دينية

وسلخت إيران حي "السيدة زينب" جنوبي العاصمة دمشق عن محيطه وحولته إلى عاصمة إدارية شيعية لها.

وكان شعار "لن تسبى زينب مرتين"، كافيا لتحفيز عشرات الآلاف من المليشيات الشيعية من لبنان والعراق وإيران وباكستان وأفغانستان، للسفر إلى سوريا والقتال من أجل "حماية" مقام السيدة زينب بنت الخليفة الرابع علي بن أبي طالب.

وحاليا حي "السيدة زينب" جنوبي دمشق، تحول بعد عقد من الزمن لأضخم معقل محصن لمليشيات إيران في قلب العاصمة، حيث تقطنه عوائل قادتها العسكريين بينهم ضباط بالحرس الثوري.

وأصبح الحي "قم سوريا" حيث تأسس ما بين عام 1995-2000 ما يزيد عن خمس حوزات علمية، وباتت فيه حاليا أضعاف هذا العدد بعد تدخل إيران عسكريا بالبلاد في عام 2012، لإنقاذ رئيس النظام السوري بشار الأسد من السقوط إثر ثورة شعبية كادت تطيح به.

كما تحول حي "السيدة زينب"، وفق مراقبين، لشماعة طائفية تخفي وراءها إيران حلم الوصول إلى البحر المتوسط.

وأنشأت كذلك إيران عدة معسكرات تدريب في المزارع والبساتين المحيطة بحي "السيدة زينب" للعناصر المحلية التي انضمت للمليشيات الإيرانية، لخلق بقعة نفوذ ممتدة إلى مطار دمشق الدولي.

ودأبت إيران على إقامة الطقوس أمام "مقام السيدة زينب" في يوم "عاشوراء" من كل عام، وهو ذكرى استشهاد الإمام الحسين حفيد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، في معركة كربلاء وهو ما يعتبره الشيعة يوم "عزاء وحزن".

واتخذت طهران من مسألة الدفاع عن "المقامات" حجة لجذب المليشيات الشيعية من كل أصقاع العالم إلى سوريا، إلى أن بلغ تعداد أفراد تلك المليشيات ما بين أجنبية ومحلية نحو مئة ألف، ينتشرون في دمشق وريفها ودير الزور وحلب وحمص وحماة والجنوب السوري.

رسالة ترويجية

وتزيد خطوة تكليف طهران لـ"حزب الله" بتأمين قوافل "الحجاج الشيعة"، من توسيع وجوده على الأراضي السورية، إذ لم يكتف بالحضور العسكري بل انتقل إلى تنظيم العمليات اللوجستية والخدمية التي تسهل على إيران تمرير المشاريع التي رسمتها وترسمها في سوريا.

وتدخل "حزب الله" بقوة إلى جانب قوات الأسد في سوريا بأمر مباشر من المرشد الإيراني علي خامنئي منذ عام 2012، مرسلا عناصره لمنع سقوط الأسد ومساعدته على قلب المعادلة العسكرية لصالحه.

وتشير التقديرات إلى أن الحزب خسر 2000 من مقاتليه وأصيب الآلاف منهم مع تعرض بعضهم لإعاقات جسدية دائمة.

ويكثف الحزب تموضعه في سوريا، عبر كثير من الطرق، منها استمراره بتملك وشراء الأراضي الواقعة على الحدود السورية اللبنانية وخصوصا في منطقة القلمون بريف دمشق.

وكذلك تمركزه في بلدة الحمدان بدير الزور التي يوجد فيها مطار عسكري يستخدمه للتنقل، فضلا عن انتشار كثيف في الجنوب السوري بمحافظتي القنيطرة ودرعا.

أما في حمص فتعد مدينة القصير (15 كم عن الحدود اللبنانية) من أهم معاقل حزب الله في سوريا، وهو يسيطر عليها بشكل كامل.

كما استطاع حزب الله تأمين حواضن لقواته عبر اتخاذ عدد من المدن السورية معقلا لاستيطان مقاتليه وركزها في المناطق الحدودية مع لبنان.

وهذا ما يسهل على مجاميع قوات حزب الله الحركة والتنقل وتبديل المناوبات التي لا تستهلك أقل من ساعة لتعود إلى الضاحية الجنوبية في لبنان معقل المليشيا.

وسبق لزعيم حزب الله حسن نصر الله أن قالها صراحة في 24 يونيو 2016 إن "موازنة الحزب ومعاشاته ومصاريفه وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه من الجمهورية الإسلامية في إيران".

وفي هذا السياق يؤكد المحلل المختص في الشأن الإيراني، معن الشريف، أن "زج حزب الله في حماية قوافل الحجاج الشيعة إلى سوريا هي رسالة ترويجية من الحرس الثوري حصرا قبل دخول موسم الصيف النشط في هذا المجال، لبث دعاية جديدة حول قوة الحماية الأمنية وسهولة زيارات مقامات الشيعة بدمشق وريفها ".

وأضاف الشريف لـ"الاستقلال"، "كان هناك إحجام كبير من الشيعة لدخول سوريا خوفا من الهجمات وتعقيدات فيروس كورونا لكن هذا الموسم يبدو أكثر ملائمة لإيران للبدء بسياحة دينية صرفت عليها الكثير من أجل تمهيدها والترويج لها وهي تصب في روايتها بأن تدخلها بسوريا لحماية المراقد الشيعية وهي اليوم آمنة للشيعة".

وذهب المحلل للقول: "أعتقد أن تكليف حزب الله بهذه المهمة، للتربح اقتصاديا من قبل إيران أكثر، كون الحزب بات معروفا من قبل الشيعة، ما يعطي انطباعا بالأمن والتشجيع على التسجيل في هذه الزيارات التي تعد من صلب عقيدة الشيعة وهي تساوي عندهم زيارة مكة والمدينة".

وختم بالقول، إن إيران لديها إستراتيجيتها لتشجيع الشيعة لزيارة سوريا لزيادة عمليات التحشيد والتجنيد في صفوف مليشياتها، وبالتالي هي تريد للسياحة الدينية أن تنشط، وهي ماضية في تأمين الطريق البري بين سوريا والعراق الأقل تكلفة.