توقيت حساس.. ماذا وراء الغضب الصيني من إسرائيل وجماعة الحوثي؟

منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

زيارة مثيرة للجدل قام بها النائب الإسرائيلي أمير دوبروفسكي إلى تايوان؛ حيث التقطت له صور وهو يرفع فنجانا يحمل عبارة "الصداقة التايوانية الإسرائيلية"، واصفا تايوان علنا بأنها "دولة"، وهو ما أثار موجة غضب دبلوماسية في بكين. 

وقد أبرز تقرير نشره موقع "سوهو" الصيني، تزامن هذا الحدث مع تصعيد عسكري خطير في البحر الأحمر، تمثل في غرق سفينة شحن إثر هجوم حوثي. 

وقد حملت الصين إسرائيل والحوثيين معا مسؤوليات متشابكة، مستخدمة خطابا دبلوماسيا حادا ومتعدد المستويات. 

وتساءل الموقع عن دلالات الربط بين هذه التطورات الجيوسياسية المتباعدة ظاهريا، وعما إذا كانت الصين بصدد إعادة رسم خطوط التوازن في مشهد إقليمي ودولي بالغ التعقيد.

"الصداقة التايوانية الإسرائيلية"

في 9 يوليو/ تموز 2025، انتشرت بسرعة صورة لعضو الكنيست عن حزب المستقبل الإسرائيلي أمير دوبروفسكي، وهو يبتسم حاملا كوب شاي يحمل عبارة: "الصداقة التايوانية الإسرائيلية" في منطقة تايوان، وذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي. 

وقد وصف تايوان علنا بأنها "دولة"، وأجرى لقاءات علنية مع عدد من الشخصيات السياسية في المنطقة، ما أثار اهتماما واسعا.

وفي سياق آخر، أفاد التقرير بأنه في عمق البحر الأحمر، تعرّضت سفينة الشحن "ماجيك أوشن" التي تبلغ حمولتها 35 ألف طن لهجوم من جماعة الحوثي، وبدأت تغرق ببطء، في مشهد وصفه التقرير بـ"المروع". 

وأشار إلى أن هذا الحدث شكل تناقضا صارخا مع تحرك دوبروفسكي، وأنه بات يعكس مظهرا مركزا للتوترات الجيوسياسية المتصاعدة.

وأوضح التقرير أن السفارة الصينية في إسرائيل أصدرت مساء ذلك اليوم بيانا صارما استخدمت فيه ثلاث عبارات "خطيرة" لوصف سلوك النائب الإسرائيلي، قائلة: إن ما فعله "انتهاك خطير لمبدأ صين واحدة، وتدمير خطير للأساس السياسي للعلاقات الصينية-الإسرائيلية، وتسميم خطير لأجواء التعاون الودي والعملي بين الجانبين".

وفي الوقت نفسه، ذكرت الصحيفة أن المندوب الصيني في مجلس الأمن بالأمم المتحدة، قنغ شوانغ، نادرا ما اتهم جماعة الحوثي بالاسم صراحة، لكنه فعل هذه المرة، وطالبها بقوة "بوقف الهجمات على السفن التجارية".

ثم تساءل التقرير: “لماذا تختار إسرائيل استفزاز الصين في وقت حساس كهذا؟ ولماذا أثار موقف الصين الواضح تجاه الحوثيين هذا القدر من الاهتمام الدولي؟”

وأشار إلى أن هذين الحدثين اللذين يبدوان غير مرتبطين قد ربطا بشكل غير متوقع بين المشهد المعقد في الشرق الأوسط وتوترات مضيق تايوان.

ولفت التقرير إلى أن الصورة التي يظهر فيها دوبروفسكي وهو يحمل كوب الشاي، قد تبدو في ظاهرها عادية، لكنها "أحدثت صدعا" على رقعة الشطرنج الجيوسياسية. 

وأوضح أن دوبروفسكي، بصفته رئيس "مجموعة الصداقة مع تايوان" في الكنيست الإسرائيلي، لم تكن زيارته تصرفا فرديا، بل إن تكاليف تذاكر سفره تكفلت بها مؤسسة تابعة لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، كما جرى الترتيب مسبقا لعقد لقاءات مع بعض الشخصيات السياسية في منطقة تايوان.

وأضاف التقرير أن "ما أثار غضب الصين بشكل أكبر، هو أن دوبروسكي وبعد عودته إلى إسرائيل، قام بنشر تصريح عبر وسائل التواصل الاجتماعي وصف فيه تايوان مجددا بـ (الدولة)، وهو ما عد تخطيا للخط الأحمر الأساسي لدى الحكومة الصينية".

وفي هذا السياق، أفاد التقرير بأن "الصين سارعت إلى الرد بفعالية ودقة". 

حيث أصدرت السفارة الصينية في إسرائيل بيانا عاجلا، استشهدت فيه مباشرة ببيان إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وإسرائيل عام 1992، والذي تضمن التزام الحكومة الإسرائيلية باعترافها بأن "حكومة جمهورية الصين الشعبية هي الحكومة الشرعية الوحيدة التي تمثّل الصين بأكملها، وأن تايوان جزء لا يتجزأ من أراضي جمهورية الصين الشعبية".

ورأى التقرير أن هذا الرد الدبلوماسي كان "ذا دلالات عميقة، إذ لم تلجأ الصين لاختراع عبارات جديدة، بل استخدمت نصوص التزام إسرائيل المكتوبة بالحبر الأسود على الورق، كأداة رد قوية".

ولفت إلى أن المتحدث باسم السفارة الصينية ذهب لأبعد من اللغة الدبلوماسية التقليدية، حين قال: "أنصح هذا النائب أن يراجع التاريخ الصيني، ليفهم كيف أن الإيمان المشترك الذي ترسخ عبر 5000 عام من الحضارة الصينية، والمتمثل في أن (الأراضي لا يمكن تقسيمها، والدولة لا يمكن أن تفكك، والأمة لا يمكن أن تتشتت، والحضارة لا يمكن أن تنقطع) قد تشكل في وجدان الشعب الصيني".

وأبرز التقرير أن هذا النوع من الخطاب الذي يستند إلى الثقافة والتراث القومي، قد رفع من الأهمية الرمزية لقضية تايوان ضمن إطار الهوية الوطنية الصينية.

وفي موازاة ذلك، أشار التقرير إلى أن الصين أرسلت أيضا إشارات تحذيرية ذات طابع اقتصادي وعسكري. 

ففي اليوم نفسه، قامت السفينة 2101 التابعة لخفر السواحل الصيني بدورية بحرية عبر أمواج مضطربة قبالة سواحل فوجيان، بينما أطلقت طائرات J-16D المقاتلة موجات تشويش كاملة التردد بالقرب من ساحل كنمن. 

ولفت التقرير إلى أن صور هذه الأنشطة العسكرية أرسلت في بث مباشر إلى دوائر صنع القرار في تل أبيب.

وأكد على ما وصفه بـ "ضرورة إدراك إسرائيل لواقع أن خطوط الشحن في مضيق تايوان تمر عبرها نحو 27 بالمئة من تجارتها الخارجية، وأن 70 بالمئة من المواد الأساسية لصناعة الرقائق الإلكترونية لديها تعتمد على هذا المسار البحري".

مأزق إسرائيلي

وأوضح الموقع الصيني أن "وزارة الخارجية الإسرائيلية وجدت نفسها في مأزق؛ إذ إنها من جهة أصدرت بيانا رسميا عالي النبرة تؤكد فيه تمسكها بـ(مبدأ الصين الواحدة)، ومن جهة أخرى عجزت عن تبرير تفاصيل رحلة دوبروفسكي ذات الخلفية الرسمية".

وعلق الموقع على هذا التناقض قائلا إنّه" يعكس بوضوح المأزق الإستراتيجي الذي تعانيه إسرائيل نتيجة تذبذبها بين الصين والولايات المتحدة".

وتابع: "حيث إنها تعتمد بدرجة عالية على السوق الصيني في الجانب الاقتصادي؛ إذ تعد الصين الشريك التجاري الثالث لإسرائيل، في حين أن أمنها القومي مرتبط بشكل وثيق بالدعم الأميركي؛ حيث بلغت المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل عام 2024 نحو 3.8 مليارات دولار".

وانتقل التقرير إلى حادثة غرق سفينة "ماجيك أوشن"، مشيرا إلى أن المشهد كان صادما، بعدما اصطدم بها زورقان مسيران محملان بالمتفجرات في الجانب الأيسر، ما تسبب بفتحة يبلغ طولها ثلاثة أمتار. 

وأفاد التقرير أن وجود 17 ألف طن من نترات الأمونيوم على متن السفينة سرع من وتيرة غرقها.

وبحسب ما أشار إليه التقرير، فقد علق المتحدث باسم الحوثيين، يحيى سريع، على الحادث بهدوء، مؤكدا أن السفينة كانت قد رست 3 مرات خلال الأسبوع الماضي في موانئ إسرائيلية، وهو ما يعد خرقا لحظر الشحن الدولي. 

وأردف التقرير أن بعد 4 أيام، أُغرقت سفينة شحن أخرى تدعى "إيترنال-C"، وقد أكّد الحوثيون للمرة الأولى أنهم استخدموا مزيجا من صواريخ كروز البحرية والصواريخ الباليستية.

وذكر التقرير أن الرد الإسرائيلي جاء سريعا وعنيفا، ففي فجر السابع من يوليو/ تموز 2025، أطلقت إسرائيل عملية جوية حملت اسم (الراية السوداء)، شاركت فيها عشرات المقاتلات من طراز F-35 وF-15، قطعت مسافة 2000 كيلومتر لتنفذ ضربات دقيقة على 3 موانئ يمنية رئيسة. 

وأشار إلى أن مستودعات النفط في ميناء الحديدة اشتعلت بالنيران، كما دمّرت محطة كهرباء، ما تسبب في انقطاع واسع للتيار الكهربائي في غرب اليمن.

وتابع أن "الحوثيين لم يتأخروا في الرد؛ إذ بعد أقل من ساعة على الغارات، أطلقوا صاروخا فرط صوتي استهدف مطار بن غوريون الإسرائيلي مباشرة، ما اضطر السلطات إلى إغلاق المطار مؤقتا لعدة ساعات".

ولخص التقرير التكتيك القتالي الذي يتبعه الحوثيون، واصفا إياه بـ "الاستنزاف غير المتماثل"؛ إذ أوضح أن الزورق المسير الذي أغرق السفينة لم تتجاوز كلفته 1000 دولار، بينما كانت السفينة نفسها تساوي عشرات الملايين من الدولارات. 

كذلك، فإن تكلفة اعتراض صاروخ واحد من قبل إسرائيل تبلغ 5 ملايين دولار، بينما لا تتجاوز تكلفة صاروخ الحوثيين جزءا بسيطا من هذا المبلغ.

نبرة حاسمة

وأشار الموقع الصيني إلى أن "موقف بكين في مجلس الأمن الدولي قد أثار اهتماما دوليا واسعا". 

ففي التاسع من يوليو/ تموز، ألقى المندوب الصيني قنغ شوانغ بيانا مطولا، دعا فيه الحوثيين بوضوح إلى "وقف مهاجمة السفن التجارية". 

وفي الوقت نفسه، حمل إسرائيل المسؤولية بشكل منهجي، مطالبا بـ: تنفيذ حل الدولتين، والالتزام باتفاق وقف إطلاق النار مع إيران، واحترام ميثاق الأمم المتحدة.

ولفت التقرير إلى أن البيان الصيني استخدم مرتين تعبير "أقرب وقت ممكن" -وهما "وقف نيران غزة بأقرب وقت ممكن"، و"إنهاء الكارثة الإنسانية بأقرب وقت ممكن"- مشيرا بذلك ضمنيا إلى انتقاد التأخير في تحقيق السلام. 

كما أنه وضع أزمة البحر الأحمر ضمن سياق أوسع يرتبط بعملية السلام في الشرق الأوسط.

وأوضح التقرير أن "هذا الطرح الصيني بدا أكثر شمولية وبناء بالمقارنة مع الموقف الأوروبي الذي اقتصر على إدانة الهجمات فقط".

وأضاف أن "العلاقات الصينية العربية في هذا التوقيت أظهرت قيمتها الإستراتيجية". 

ففي اليوم نفسه الذي صدر فيه البيان، التقى رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ بالأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط في القاهرة، حيث أعاد الأخير التأكيد على "دعم الدول العربية الثابت لمبدأ الصين الواحدة".

ورأى التقرير أن "هذا النوع من الثقة السياسية المتبادلة، يوفر أساسا قويا لجهود الوساطة الصينية في الشرق الأوسط". 

كما نقل عن رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ تأكيده على "وجوب تعميق التعاون متعدد المجالات بين الصين والعالم العربي، والعمل معا على دفع مسار التحديث"، في تعبير يبرز -وفق التقرير- العلاقة الجدلية بين التعاون الاقتصادي والتقدم في عملية السلام.

وفي هذا السياق، ذكر التقرير أن "إسرائيل تواجه حاليا ضغوطا شديدة على أربع جبهات قتالية".

وأكد أن "تعدد جبهات القتال بدأ ينال من تفوق إسرائيل التكنولوجي"، مشيرا إلى أن "مزاياها تتآكل بشكل ملحوظ في حرب الاستنزاف الممتدة".

وفي ما يخص قضية تايوان، أشار التقرير إلى أن "المغامرة التي أقدمت عليها إسرائيل في مضيق تايوان قد ترتب عليها مخاطر اقتصادية فاقت تقديرات تل أبيب بكثير". 

إذ كشفت التقييمات العاجلة التي أجرتها الدوائر الاقتصادية الإسرائيلية أن "أي إغلاق محتمل للممر الملاحي في المضيق قد يعيد قطاع التكنولوجيا الفائقة إلى الوراء ثلاث سنوات على الأقل".

وشدّد التقرير على أن "هذا الخطر لا ينبع فقط من احتمال اتخاذ الصين إجراءات انتقامية، بل لأن سلسلة توريد أشباه الموصلات العالمية شديدة الحساسية".

موضحا أن "إسرائيل تعتمد بنسبة 41 بالمئة في استيراد معدات أشباه الموصلات على الصين، وأي اضطراب في سلسلة التوريد من شأنه أن يوجه ضربة قاصمة إلى صناعات التكنولوجيا الإسرائيلية".

ونقل التقرير عن أستاذ في جامعة تل أبيب تحذيره من أن "انقطاع قناة التجارة بين الصين وإسرائيل سيشكل ضربة قاصمة لمستقبل الدولة العبرية". 

مضيفا أن "كوب الشاي الذي حمل عبارة (الصداقة التايوانية الإسرائيلية)، قد أصبح بمثابة (سيف ديموقليس) المعلق فوق رأس إسرائيل".

ورأى التقرير أن "أزمة البحر الأحمر ما هي إلا امتداد مباشر للقضية الفلسطينية؛ حيث لا تفوت جماعة الحوثي فرصة إلا وتهتف خلالها (للثأر من أجل غزة)، وتغلف عملياتها العسكرية بخطاب مقاوم للهيمنة يهدف إلى كسب الشرعية".

كما أشار إلى أن الحوثيين يتعمدون بعد كل عملية تأكيد أنهم "لا يستهدفون المدنيين"، في تباين واضح مع سلوك إسرائيل في النزاع، معتبرا أن "هذه الحرب الإعلامية أسهمت بشكل كبير في تقويض السيطرة الخطابية التي كانت تحتكرها القوى العسكرية التقليدية".

وفي ختام التقرير، شدد الموقع على أن "السياسة الصينية في الشرق الأوسط تظل متسقة وواعية؛ إذ إنها ترفض الانحياز لأي طرف، لكنها تتمسك في الوقت ذاته بالمبادئ". 

ولفت إلى أن "المندوب الصيني في مجلس الأمن، قبل ثلاثة أشهر فقط، وتحديدا في 14 مايو/ حزيران 2025، أدان ما وصفه بـ (المجاعة الكارثية) في غزة". 

وفي 3 أبريل/ نيسان 2025، وصف قيام إسرائيل بقطع الإمدادات عن القطاع بأنه "استخدام للمساعدات الإنسانية كسلاح".

وأكد التقرير أن "التحذير المزدوج الذي وجهته الصين هذه المرة إلى كل من جماعة الحوثي وإسرائيل، ما هو إلا تجسيد وتمديد لموقفها المبدئي الثابت".