طرابلس على شفا الانفجار.. هل تنهار الهدنة ويتجدد الاقتتال الداخلي؟

"هذه الأزمة تخفي خلفها صراعات جيوسياسية أوسع"
مع تصاعد التحشيد العسكري في طرابلس دعت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL) والاتحاد الأوروبي، في 10 يوليو/ تموز 2025، جميع الأطراف الليبية إلى تهدئة عاجلة.
بدورها، سلطت صحيفة "نيغريتسيا" الإيطالية الضوء على هذه الدعوة في وقت تزداد فيه المؤشرات على احتمال تفاقم المواجهات العسكرية في ليبيا خاصة بعد مقتل القائد المليشياوي عبد الغني الككلي المعروف بـ"غنيوة".
واستعرضت الصحيفة التوترات المتصاعدة بين الفصائل المسلحة بطرابلس إلى جانب أبعاد الأزمة الدبلوماسية بين بنغازي والاتحاد الأوروبي، وانعكاساتها على أزمة الهجرة في المتوسط، والعلاقات المتشابكة بين ليبيا ومصر وتركيا.
"توترات لا تهدأ"
في بداية التقرير، تؤكد الصحيفة الإيطالية أن "التوترات لم تهدأ في ليبيا".
مشيرة إلى النداء المشترك الذي أطلقه الاتحاد الأوروبي وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL)، وطالبا فيه بضرورة التهدئة الفورية في طرابلس والأحياء المجاورة.
وقد شدَّد البيان، كما ورد في التصريح الرسمي على ضرورة إيجاد حل سلمي للنزاعات واستعادة الأمن في المناطق المتضررة من العنف.
وجاء هذا النداء بينما تشير المعطيات إلى قرب تفجر مواجهات جديدة محتملة داخل البلاد، وفق التقرير.
ولهذا السبب، دعت بعثة الأمم المتحدة جميع الأطراف إلى "الامتناع عن استخدام القوة في المناطق المأهولة بالسكان".
وأوضح التقرير الإيطالي أن "ليبيا شهدت تصاعدا لافتا في حدة التوترات، منذ مايو/ أيار 2025".
وأشار إلى أن "أعمال العنف اندلعت عقب اغتيال أحد أكثر قادة المليشيات إثارة للجدل في البلاد، ويدعى عبد الغني الككلي".
وتابع: "وقد اندلعت الاشتباكات، سواء قبل مقتله أو بعده، في طرابلس، بين اللواء 444 المقرب من رئيس حكومة طرابلس عبد الحميد الدبيبة، ومليشيا جهاز دعم الاستقرار بقيادة الككلي، الملقب بـ (غنيوة)".
وهو ما أكَّد "الدور المحوري الذي كان يلعبه الككلي داخل معادلة المليشيات".
وأضاف: "في أعقاب اغتياله، اندلعت تظاهرات احتجاجية واسعة ضد الحكومة في ميدان الشهداء بطرابلس، عبر خلالها المحتجون عن غضبهم من غياب الأمن، إضافة إلى التنديد بالفساد المستشري، والجمود السياسي الذي أعقب الهدنة الموقعة عام 2021 بين الدبيبة والجنرال خليفة حفتر، الرجل القوي في برقة".
وفي سياق متصل، أفاد التقرير بأن "اللواء 444 دخل لاحقا في اشتباكات مع مجموعة جهاز الردع النافذة، والتي تسيطر منذ عام 2014 على مناطق تشمل مطار ومعسكر معيتيقة، وتمتدّ حتى حي سوق الجمعة".

مهمة أوروبية جديدة
وأوضحت الصحيفة الإيطالية أن "هذه التوترات الداخلية تنعكس على العلاقات الدبلوماسية بين بنغازي والاتحاد الأوروبي".
وأشارت إلى حادثة طرد وزراء من إيطاليا واليونان ومالطا، إضافة إلى مفوض شؤون الهجرة والداخلية الأوروبي، ماغنوس برونر، من برقة في 8 يوليو/ تموز 2025، وهو ما دفع الدبلوماسيات الأوروبية إلى محاولة إصلاح العلاقات مع حكومة طبرق".
وبحسب ما ذكر، فقد أعلنت مبادرة فريق أوروبا (Team Europe)، بالتعاون مع البنك الأوروبي للاستثمار (BEI) والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية (BERS) خلال مؤتمر أوكرانيا المنعقد أخيرا في روما، عن مهمة أوروبية وشيكة إلى ليبيا تهدف إلى تخفيف التوترات، مع التركيز بشكل خاص على أزمة الهجرة في وسط وشرق البحر المتوسط.
وأفاد التقرير بأن "الرواية الرسمية من الجانب اليوناني أشارت إلى أن طرد الوفد الأوروبي من برقة يعود إلى تقديرات بروتوكولية، تتعلق بلقاءات سابقة عقدها وزراء أوروبيون مع سلطات طرابلس".
ولفت إلى أن "أثينا رأت أن إعلان الوزراء الأوروبيين (أشخاصا غير مرغوب فيهم) لم يكن إلا (فخا دبلوماسيا) دبره حفتر، الذي يسعى للحصول على اعتراف دولي بحكومة طبرق بقيادة أسامة حماد، لتقديم نفسه كقوة وحيدة قادرة على ضبط الهجرة من سواحل الشرق الليبي نحو أوروبا".
وفي هذا السياق، ذكر التقرير أن أعداد المهاجرين القادمين من ليبيا إلى اليونان زادت في الأيام الأخيرة.
وبلغ عدد من حاولوا الوصول إلى جزيرة كريت أكثر من 2,500 مهاجر، وهو ما يمثّل زيادة بنسبة 350 بالمئة مقارنة بالعام الماضي، فيما جاء 173 بالمئة من هذه الرحلات من منطقة برقة. حسب التقرير.

توترات مع مصر واليونان
وردا على ارتفاع أعداد الوافدين، أعلنت السلطات اليونانية عن إجراءات عاجلة؛ حيث نشرت فرقاطتين وسفينة دعم في المياه الإقليمية الفاصلة بينها وبين ليبيا.
ويعتقد التقرير أن "هذه الإجراءات أسهمت في توتير العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وليبيا".
وتابع: "لكن الأمر لا يقتصر على ذلك؛ إذ إن حفتر يعد الحليف الرئيس لعبد الفتاح السيسي، في وقت تُبقي فيه الحكومة اليونانية برئاسة كيرياكوس ميتسوتاكيس على ملفين معلقين مع القاهرة".
وأردف موضحا أن "الملفين المعلقين هما: وضع دير سانت كاترين في سيناء، بعد قرار محكمة الإسماعيلية في 28 مايو/ أيار 2025، الذي رأى أن الدير مقام على أرض مصرية حكومية. والخلافات الطاقوية، خصوصا بعد اكتشافات الغاز شرق المتوسط، ومن بينها مشروع خط أنابيب "إيست ميد" الموقع بين اليونان وإسرائيل وقبرص في يناير/ كانون الثاني 2020".
وفي 12 يونيو/ حزيران 2025، أعلنت أثينا عن طرح مناقصة للتنقيب عن الهيدروكربونات جنوب كريت، مما زاد من التوترات.
وفي خطوة تصعيدية، أفاد التقرير الإيطالي بأن "السلطات اليونانية اعتقلت 1,200 مهاجر من شمال إفريقيا خلال الأيام الأخيرة، وقرّرت تعليق جميع إجراءات اللجوء للمهاجرين القادمين من شمال إفريقيا لمدة ثلاثة أشهر".
وفي هذا السياق، صرَّح رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس بأن هذه الإجراءات تهدف إلى "إرسال رسالة حازمة للمهربين والمهاجرين، بأن الوصول إلى اليونان سيصبح أكثر صعوبة". وأضاف أنّ "حالة الطوارئ تتطلب قرارات طارئة".
وتابع التقرير: "وأوضحت السلطات أن الأسلوب ذاته المعتمد مع تركيا سيطبق مع ليبيا، على غرار الاتفاقات المالية الأوروبية التي حوَّلت تركيا إلى (سجن مفتوح) للمهاجرين".
وقد علقت منظمة العفو الدولية على التدابير الجديدة التي فرضتها أثينا بقولها: "إن محاولات إيقاف الهجرة بأي ثمن تظهر غيابا تاما لاحترام كرامة المهاجرين واللاجئين".

"صراعات جيوسياسية أوسع"
وأشارت الصحيفة الإيطالية إلى أن "هذه الأزمة الدبلوماسية تخفي خلفها صراعات جيوسياسية أوسع".
وأردفت موضحة: "فالحكومة الإيطالية كانت قد منعت، في عام 2024، شحنة طائرات مسيرة صينية كانت في طريقها إلى حفتر في ميناء جيويا تورو".
وأضافت: "وبالمقابل، ازدادت بشكل ملحوظ خلال العام الماضي إمدادات الأسلحة الروسية إلى حفتر، بما في ذلك منظومات S-300 وS-400، التي نقلت من القواعد الروسية على الساحل السوري بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، إلى ليبيا".
وحسب التقرير، شملت الترسانة الروسية المرسلة إلى ليبيا دبابات T-72 وT-62، ومنظومات الدفاع الجوي Tor-M2E، وراجمات Smerch، وآليات BMP-2M، وناقلات BTR-82، ومصفحات Spartak، ومقاتلات MiG-29 وSu-24.
ووفق التقرير، فإن "هذه التوترات مع روسيا على خلفية حرب أوكرانيا ربما أثرت أيضا على فشل بعثة الاتحاد الأوروبي في دخول برقة في 8 يوليو/ تموز 2025".
وفي موازاة التصعيد الأوروبي، يواصل رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي تقديم دعم مباشر لحفتر.
ففي 10 يوليو/ تموز 2025، وضمن أجواء طرد الوزراء الأوروبيين، عقدت القاهرة اجتماعا رفيع المستوى ضم قيادات ليبية وسودانية، ناقشوا خلاله التحديات الأمنية الإقليمية ودور ليبيا في النزاع السوداني.
وقد استقبل السيسي في هذه المناسبة كلا من حفتر، والجنرال السوداني عبد الفتاح البرهان، إضافة إلى رئيس برلمان طبرق عقيلة صالح.
وفي الجانب الآخر أشار التقرير إلى تزايد الدور التركي في طرابلس وعموم ليبيا، وسط تصعيد في التوتر مع اليونان، في وقت تسعى فيه أنقرة إلى التقارب مع القاهرة.
ويواصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بدعم من قطر، دعمه لحكومة عبد الحميد الدبيبة، المعترف بها دوليا.
وأشار التقرير إلى أن "أنقرة وقعت، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، مع حكومة فايز السراج اتفاقا عسكريا لترسيم الحدود البحرية، دون الأخذ في الحسبان جزر اليونان وكريت، ما أثار احتجاجات شديدة من أثينا والقاهرة".
وتابع: "ورغم ذلك، وفي عام 2022، وقع اتفاق جديد يسمح لشركة البترول التركية TPAO بالتنقيب عن المحروقات في الأراضي والمياه الليبية".
وأضاف التقرير: "وفي نهاية يونيو/ حزيران 2025، وقع حادث جديد زاد من التوتر بين أثينا وطرابلس، تمثل في انفجار ناقلة النفط الروسية (Vilamoura|) قبالة السواحل الليبية، وعلى متنها مليون برميل نفط. وقد سحبت السفينة إلى ميناء بيرايوس في اليونان".