ليست الزيارة فقط.. ماذا يعني السماح لليهود بالعبادة داخل المسجد الأقصى؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في 18 يوليو/ تموز 2021، وبالتزامن مع اقتحام 1700 مستوطن للحرم القدسي في ذكرى ما يسمى "خراب الهيكل"، أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني المتطرف نفتالي بينيت بيانا يؤيد صلاة اليهود داخل الحرم.

منذ احتلال القدس عام 1967، هناك "وضع قائم" يسمح لليهود بدخول ساحة الأقصى للزيارة فقط، لذا جاء تأكيد "بينيت" – لأول مرة – على ما أسماه حق اليهود بـ"العبادة" هناك أيضا، بمثابة تغيير كبير في المعادلة.

في ذلك اليوم سمحت الشرطة لأول مرة للمستوطنين بالصلاة داخل الحرم القدسي وليس الزيارة فقط.

أما بينيت فقد شكرهم على "الحفاظ على حرية العبادة لليهود في الحرم القدسي"، بحسب بيان لمكتب رئيس الوزراء.

البيان أثار جدلا بشأن: هل قررت الحكومة الجديدة تغيير الوضع القائم في الحرم القدسي منذ 1967؟ وماذا سيكون رد فعل العالم الإسلامي لا الفلسطينيين فقط؟

تصريحات جدلية

الفلسطينيون اعتبروا ما جرى تغييرا جذريا في السياسة الإسرائيلية المتبعة منذ دخول وزير الجيش الإسرائيلي السابق "موشي ديان" للقدس المحتلة عام 1976 تجاه المسجد الأقصى.

حينئذ أقر "ديان"، بعدما اجتمع مع أئمة المسجد 17 يونيو/ حزيران 1967، سياسة "الوضع الراهن" التي تسمح للمسلمين فقط بالصلاة في الأقصى، وتعطي لليهود حق الزيارة دون الصلاة.

بحسب ما قال "دافيد هوروفيتس" في صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" 19 يوليو/ تموز 2021: كانت الشرطة الإسرائيلية تخرج الزوار اليهود من مجمع الحرم القدسي "لمجرد تمتمة بضع كلمات عبادة"، لأن من حقهم الزيارة دون الصلاة.

لكن هذه المرة، سمحت الشرطة للمستوطنين بالصلاة علنا لأول مرة داخل الحرم القدسي، بعد مباركة أول رئيس وزراء متدين متطرف (بينيت) يرتدي القلنسوة اليهودية لذلك.

أثار بث القناة 12 الإسرائيلية هذه الصلاة اليهودية التي غضت الشرطة الطرف عنها علنا يوم 17 يوليو/ تموز 2021 ثورة غضب عارمة بين المسلمين بسبب هذا التغيير الجذري في السياسة الإسرائيلية تجاه الأقصى.

واعتبروا السماح لليهود بالصلاة رسميا خلال الزيارة، بمثابة بدء دخول خطط "تقسيم الصلاة" بالأقصى حيز التنفيذ، على غرار ما فعله الاحتلال بتقسيم الصلاة في المسجد الإبراهيمي 25 فبراير/شباط 1994، بين المسلمين واليهود.

هدد حزب القائمة الموحدة (إسلامي)، بإسقاط حكومة بينيت التي يدعمها، وشدد في بيان، على أن "المسجد الأقصى المبارك بكل مساحته البالغة 144 دونما هو حق خالص للمسلمين وليس لأحد غيرهم أي حق فيه".

دفع هذا "بينيت" للتراجع ضمنيا لا فعليا، وقال مكتبه: إن "بينيت أخطأ عندما قال إن كلا من اليهود والمسلمين يتمتعون بحرية العبادة في المسجد الأقصى، وأن الوضع الراهن في المسجد سيبقى كما هو".

مصدر بمكتب رئيس الوزراء قال لإذاعة الجيش الإسرائيلي: إن بينيت: "كان يقصد أن يقول إن لليهود حقوق الزيارة، وليس العبادة"، أي من حقهم اقتحام الأقصى بحماية الشرطة للزيارة لكن دون العبادة داخله.

تغيير الوضع

خلال الحكم العثماني كان "الوضع الراهن" أو "الوضع القائم" في القدس ينبع من "فرمانات" أو أنظمة قانونية عثمانية تحكم وضع الأماكن المقدسة في البلدة القديمة في القدس.

بموجب هذا "الوضع القائم" (Status Quo) مارس الأردن صلاحيات وسلطة شاملة حصريا عبر دائرة الأوقاف الأردنية في إدارة شؤون المسجد الأقصى/الحرم القدسي، وتنظيم خروج ودخول المصلين المسلمين وزيارات غير المسلمين.

كانت العناصر الرئيسة لـ "الوضع القائم" تتضمن عدم السماح لغير المسلمين بالصلاة في منطقة المسجد الأقصى (144 دونما تضم الأقصى والمصلى القبلي، وقبة الصخرة، وكافة المصليات والمباني والجدران والباحات).

حين احتلت إسرائيل القدس 7 يونيو/ حزيران 1967 أعلن الجنرال موردخاي غور قائد لواء المظليين 55، الذي دخل المسجد الأقصى، أن "جبل الهيكل في أيدينا"، وقام برفع علم إسرائيل فوق مسجد قبة الصخرة.

استمر رفع العلم الإسرائيلي على المسجد ساعتين حتى طلب القنصل التركي وقتها من موشيه ديان إنزال العلم الإسرائيلي عن المسجد وأكد له أن المسجد الأقصى ملك للمسلمين.

اضطر موشيه ديان، في ظل غضب العالم الإسلامي العارم حينئذ، لمطالبة "غور" بإنزال العلم الإسرائيلي عن قبة الصخرة فورا.

في اليوم التالي لاحتلال القدس 8 يونيو/ حزيران 1967 عقد موشيه ديان اجتماعا مع خطيب الأقصى ورئيس المحكمة الشرعية ومدير دائرة الأوقاف وأكد لهم استمرار سياسة "الوضع القائم"، أي عدم السماح سوى للمسلمين بالصلاة هناك.

لكنه طلب منهم مفتاح باب المغاربة للسماح لليهود بالصلاة عند حائط البراق (المبكى)، وسمح لليهود بزيارة الحرم القدسي دون الصلاة داخله.

في يوليو/تموز 1967 أصدر ديان بيانه الأول الرسمي حول المسجد الأقصى أكد فيه أن اليهود يحق لهم زيارة المسجد الأقصى كسائحين دون ممارسة الصلاة والشعائر الدينية اليهودية داخله.

كتاب ومحللون في صحف إسرائيلية اعتبروا بيان "بينيت" الأخير عن حرية العبادة" لليهود في الأقصى "لعب بالنار في نقطة مشتعلة بالفعل هي الحرم القدسي".

الكاتب "دافيد هوروفيتس" اعتبر تصريح بينيت "انقلابا على التعهدات الإسرائيلية السابقة"، وقال: حتى (رئيس الوزراء السابق بنيامين) نتنياهو تعهد بالالتزام بـ "الوضع الراهن".

طمأن الأردن عام 2015 أن إسرائيل لن تسمح لليهود بالصلاة في الأقصى ويزورونه فقط.

الصحفي في القناة 12 الإسرائيلية "يائير شيركي" وصف ما يجري في المسجد الأقصى المبارك بمدينة القدس على أيدي جماعات يهودية متدينة بدعم من الشرطة الإسرائيلية وتصريح بينيت بأنه "انقلاب صامت"

قال في تقرير بثته القناة 18 يوليو/ تموز 2021: "منذ شهور تقام صلوات يهودية في الأقصى، الدولة تسمح للمتدينين اليهود بالصلاة هناك لكن بشكل غير رسمي وبرعاية الشرطة يمكن سماع تراتيل التوراة تتلى في ساحات الأقصى".

أوضح أن "الوضع القائم الجديد المتغير في الأقصى بدأ بزيادة عدد اليهود الذين يقتحمون المكان سنويا حتى بلغ العام الماضي 35 ألف يهودي متدين.

ثم تقديم الشرطة الإسرائيلية الدعم لهم حتى صارت تستقبل المقتحمين في أماكن مظللة قبل الاقتحام وتقدم لهم أصنافا من الطعام والمشروبات المختلفة.

عاموس هرئيل  المحلل الإسرائيلي بصحيفة "هآرتس" 18 يوليو/ تموز 2021 اعتبر يوم سماح بينيت بصلاة اليهود في الأقصى "تغييرا في اللعبة قد يؤدي لاشتعال القدس".

وكتب: "بينيت ثبت بشكل أساسي التغييرات التي حدثت في الحرم بالسماح لليهود بالصلاة هناك علنا"، بالمخالفة لسياسة الوضع الراهن الموضوعة عام 1967.

وأكد أنه منذ العدوان على غزة مايو/أيار 2021 عملت إسرائيل والأردن والولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية من وراء الكواليس، لقطع الصلة التي أوجدتها حركة المقاومة الإسلامية حماس بينها وبين القدس.

لكن إعلان بينيت "أحرجهم جميعا" وجاء مكسبا لحماس، وفق ما قال.

خرق الاتفاقات

"بينيت" لم يكن أول مسؤول إسرائيلي يخرق "الوضع الراهن"، فقد بدأ خرق اليهود لهذا الاتفاق منذ سنوات حتى أوشك على الانهيار.

كانت آلية الدخول للمسجد في الماضي محددة، حيث جرى تخصيص بوابة المغاربة كمنفذ وحيد لليهود، ودخول المسلمين من باقي البوابات.

لاحقا بدأ السماح للسياح بالدخول من بوابات: المغاربة، والسلسلة، والقطانين، ثم بدأ السماح للمستوطنين بالدخول من بوابات أخرى أو اقتحامها بحماية شرطة الاحتلال.

في سبتمبر/أيلول عام 1996 وعلى إثر انتفاضة الأقصى التي جاءت بعد حفر اليهود نفقا تحت المسجد، انهار الوضع القائم.

 وجرى وقتها إغلاق المسجد الأقصى بوجه المستوطنين من قبل مرابطي الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة 1948.

بعد 4 سنوات، وفي سبتمبر/ أيلول 2000، اقتحم رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون المسجد، ما أدى لمواجهات انتفاضة فلسطينية عارمة أدت لغلق الأقصى بوجه اقتحامات المستوطنين مرة أخرى حتى عام 2003.

في أغسطس/ آب 2003، بدأت سياسة الوضع القائم تتآكل بشكل كبير بسبب تنظيم تيارات دينية يهودية اقتحامات متتالية للمسجد الأقصى بدعم الحاخامات والشرطة الإسرائيلية.

زاد من تآكل سياسة الوضع الراهن بدء شرطة الاحتلال تحديد أعمار معينة لدخول المسلمين المسجد ومنع آخرين منذ 2013، عقب الثورات المضادة في العالم العربي وتولي حكام صمتوا عن الانتهاكات في الأقصى.

عقب محاولة اغتيال الحاخام المتطرف "يهودا غليك" أبرز مقتحمي الأقصى 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2014 واشتعال مواجهات في القدس، بدأ الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) يناقش لأول مرة إلغاء "الوضع القائم" رسميا.

في أغسطس/آب 2019، أكد وزير الأمن الداخلي جلعاد أردان على "ضرورة تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى لتمكين اليهود من الصلاة فيه باعتباره المكان الأقدس عند الشعب اليهودي"، وفق تعبيره.

أصبحت ذكرى "خراب الهيكل الأول والثاني" والتي تتزامن مع فترة عيد الأضحى مناسبة لاقتحامات متتالية للمسجد، وارتفع عدد الزوار اليهود لساحة الأقصى بنسبة 350 بالمئة، بحسب الداخلية الإسرائيلية.

الأن أصبح نبأ اقتحام المتدينين اليهود للمسجد من أبواب أخرى بخلاف باب المغاربة مثل بابي حطة والملك فيصل على شكل مجموعات كبيرة وأداء شعائر تلموديه قبالة قبة الصخرة أمرا متكررا بحماية شرطة الاحتلال.

جاء إعلان "بينيت" حول حق اليهود في "الصلاة" وليس "الزيارة" فقط (رغم التراجع الشكلي) ليمهد فعليا لإلغاء "الوضع القائم".

الكاتب اليهودي "جوناثان توبين" اعترف في مقال كتبه بصحيفة "إسرائيل هيوم" المتطرفة 20 يوليو/ تموز 2021 أن اليهود كانوا يصلون بالفعل داخل ساحة الأقصى منذ عامين ولم يكن ينقص سوى التثبيت الرسمي لذلك.

وقال: "منذ عام 2019 يصلي اليهود بصوت عال وبانتظام وعلنا هناك دون تدخل الشرطة، لكن دون ارتداء المشاركين شالات الصلاة، ولولا التقرير الذي بثته القناة 12 الإسرائيلية لصلاتهم رسميا داخله ما أثيرت هذه الضجة".

التقسيم الزماني والمكاني

"الاحتلال بات يعتقد أن هذه الفترة صارت مواتية لفرض سيادته على المسجد الأقصى في ظل انشغال الدول العربية والإسلامية بمشكلاتها الداخلية، بالإضافة إلى انبطاح بعض الدول من خلال التطبيع".

هكذا فسر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري ما يجري في تصريحات للتلفزيون التركي TRT عربي 18 يوليو/ تموز 2021.

أكد أن "الاحتلال الإسرائيلي يسعى لفرض سيطرته على المسجد الأقصى بغلق مداخل البلدة القديمة والمسجد ومنع المسلمين من دخولها، وإخراج المصلين المسلمين بالقوة من المسجد وسحل الشباب والنساء في ساحاته".

يقصد بـ "التقسيم الزماني" تحديد الاحتلال أوقات معينة في المسجد الأقصى تكون مخصصة لدخول اليهود فقط، وأوقات أخرى للمسلمين.

والاحتلال يجبر المسلمين على مغادرة الأقصى في الفترة ما بين الساعة 07:30 حتى 11:00 صباحا ومن بعد صلاة العصر حتى قبل صلاة المغرب، لتخصيص هذا الوقت لليهود، ويسمح بعدها بدخول المسلمين.

أما "التقسيم المكاني"، فيقصد به: الاستيلاء تدريجيا على أجزاء من الحرم القدسي وعدد من مصليات المسجد لتحويلها إلى كنس يهودية لأداء صلواتهم بها.

لتحقيق التقاسم الزماني والمكاني ينظم المستوطنون المدعومون من الحكومات الإسرائيلية المختلفة رحلات شبه يومية للمسجد الأقصى، لفرض أمر واقع جديد.

حين انتشر وباء كورونا، سعى الاحتلال لاستغلاله في تثبيت التقسيم الزماني للمسجد بين المسلمين واليهود بتقسيم وقت الدخول بينهم واستقطاع أجزاء من أرضية المسجد لصالح المستوطنين مقتحمي المسجد يوميا.

أيضا سعى الاحتلال إلى دفع الأردن للتنازل عن حقه الحصري في الإشراف على المسجد الأقصى تارة بإثارة أزمة بينه وبين وتركيا، بادعاء سعي أنقرة للسيطرة على القدس عبر مشاريعها هناك بدلا من عمان.

وتارة عبر ادعاء مطالبة دول عربية لإسرائيل أن يكون هناك دور أكبر للسعودية في إدارة الأماكن المقدسة.

صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية 28 يونيو/ 2018 نشرت تقريرا، يزعم أن دولا عربية على رأسها السعودية والسلطة الفلسطينية توجهت إلى السلطات الإسرائيلية بتحذير من الدور التركي في شرق القدس المحتلة.

كما نشرت صحيفة "إسرائيل هيوم" تقريرا 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 يدعي أن هناك ترتيبات تجري لمنح السعودية دورا في إدارة شؤون الأقصى، للوقوف في وجه النفوذ التركي هناك.

تهدف هذه التقارير لضرب عصفورين بحجر واحد: زرع إسفين بين الأردن وتركيا فيما يتعلق بالوجود التركي في القدس، وتخويف عمان من الدور السعودي كبديل لها، لدفعها لتقديم تنازلات للاحتلال في مسألة الوصاية على الأماكن المقدسة.