المطبعون أكثر الخاسرين.. لماذا جمّدت إدارة بايدن "صندوق أبراهام"؟

إسماعيل يوسف | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

في الوقت الذي انتظر فيه المطبعون العرب مكافأة التوقيع على اتفاقيات التطبيع مع الكيان الإسرائيلي المحتل، صدمتهم إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بتجميد "صندوق أبراهام" الذي ينفق على هذا التطبيع.

بتجميد الصندوق، الذي أنشئ في سبتمبر/ أيلول 2020، أصبح لسان حال المطبعين العرب ينطبق عليه المثل: "رضينا بالهم، والهم لم يرض بنا".

صحيفة "جلوبس" العبرية، كشفت في 7 يوليو/ تموز 2021، أن إدارة بايدن جمدت "صندوق أبراهام" لدعم التطبيع الاقتصادي، وأن حكومة إسرائيل الجديدة لا تتحمس لمشاريع اقتصادية عرضتها الإمارات.

ونقلا عن مصادر أميركية وإسرائيلية، قالت الصحيفة إن إدارة بايدن جمدت عمل الصندوق، رغم تأييدها اتفاقيات التطبيع، وأنها "أقل تحمسا بشأن تخصيص أموال له من ميزانيتها".

القرار، سبقه منع إدارة بايدن الإشارة إلى اسم "اتفاقات أبراهام" كما أطلق عليها ترامب، وفقا لموقع "Washington Free Beacon" الأميركي 4 يونيو/ حزيران 2021.

كما طالبت وزيرة البيئة الإسرائيلية الجديدة بإلغاء اتفاق نفطي مع الإمارات بدعوى إضراره بالبيئة، ما أثار غضب أبوظبي وفق صحيفة "إسرائيل اليوم" 16 يونيو/ حزيران 2021.

تلك التطورات، شكلت انتكاسة للأنظمة العربية المطبعة، بعدما كانت تتطلع إلى حصد المكاسب وفق تصور أن تل أبيب هي الباب إلى دعم البيت الأبيض.

رباعي التطبيع العربي أكثر المتضررين من هذا التحول اقتصاديا، بعدما خسروا شعوبهم في ظل الرفض الواسع للتطبيع، لكنه يمثل ضربة قوية لرهانات السودان والمغرب خاصة، وفق مراقبين.

بين ترامب وبايدن

إغراءات ترامب وصهره جاريد كوشنر، لدفع العرب لإقامة علاقات مع إسرائيل، كان بينها إنشاء "صندوق دعم التطبيع" أو "صندوق أبراهام" بقيمة ثلاثة مليارات دولار، لدعم مبادرات التطبيع.

بعد التوقيع على اتفاقية الصندوق سبتمبر/ أيلول 2020، بدأ عمله سريعا في الشهر التالي أكتوبر/تشرين الأول 2020، فحصل في غضون ثلاثة أشهر مئات الطلبات لتمويل مشاريع مختلفة، بعضها داخل إسرائيل.

"أكثر من 250 طلبا للصندوق من أكتوبر/تشرين الأول 2020 إلى يناير/كانون الثاني 2021، من شركات خاصة وعامة في الإمارات والأردن والبحرين ومصر"، بحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل".

الصحيفة قالت 2 مارس/آذار 2021: إن "صندوق أبراهام الذي أسسته إدارة ترامب ربما يفلس قبل أن يستثمر قرشا واحدا".

وأكدت أن صندوق التطبيع الذي تم تخصيص ثلاثة مليارات دولار له من أموال دافعي الضرائب الأميركيين، أصبح مستقبله غير واضح بعد أقل من خمسة أشهر من توقيع اتفاقيات التطبيع.

انتخاب جو بايدن رئيسا جديدا لأميركا في يناير/ كانون الثاني 2021، أدى إلى توقف أنشطة الصندوق بعد وقت قصير من أدائه اليمين الدستورية.

الحاخام أرييه لايتستون، الذي عينه ترامب لرئاسة الصندوق استقال يوم تنصيب بايدن 20 يناير/ كانون الثاني 2021، ولم تعين الإدارة الأميركية الجديدة خلفا له.

أغلب المشاريع التي وافق عليها الصندوق في مجالات الطاقة والتكنولوجيا المالية، وغيرها لم يتم العمل بها.

وأعلنت إدارة بايدن أنها تدعم اتفاقيات أبراهام، لكنها أقل حماسا بشأن تخصيص الأموال للصندوق من ميزانيتها، وأبلغت الخارجية الإسرائيلية أنه يجري إعادة تقييم أنشطة الصندوق.

تقارير أميركية، ذكرت أن من بين أسباب إعادة التقييم تلك النفقات الضخمة التي تحتاجها إدارة بايدن في التعافي الاقتصادي من أزمة Covid-19، "كورونا".

وقال مصدر أميركي لـصحيفة "جلوبس": إن البيت الأبيض مهتم بتعزيز ونجاح اتفاقيات أبراهام وجلب مطبعين عرب إضافيين، لكن التركيز سيكون على البعد الدبلوماسي لا المالي، وتجميد الصندوق نفسه إلى أجل غير مسمى. 

مصدر إسرائيلي قال للصحيفة: إن الأميركيين أبلغوا حكومتي نتنياهو ثم بنيت، أن أنشطة الصندوق "ليست على جدول أعمال بايدن".

من جانبها، علقت "القناة 12"، الإسرائيلية الخاصة 3 مارس/آذار 2021، على التجميد المبكر لعمل الصندوق عقب فوز بايدن بقولها: "الكلمات الجميلة لواشنطن وأبوظبي بشأن استثمار مليارات الدولارات في إسرائيل باتت حبرا على ورق".

وتساءلت "جيروزاليم بوست" العبرية يوم 3 يونيو/ حزيران 2021: "هل تصمد اتفاقيات أبراهام على الرغم من رحيل نتنياهو عن الحكم؟"، كأنها كانت تقرأ قرار بايدن اللاحق بتجميد الصندوق.

10 مليارات إماراتية

وفي المقابل، سعت الإمارات لإنعاش التطبيع بالإعلان في مارس/ آذار 2021، عن إنشاء "صندوق للاستثمار في إسرائيل" بـ 10 مليارات دولار.

فشل هذا الصندوق أيضا في الانطلاق بعدما تأجلت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو للإمارات، لتوقيع إعلان مشترك حوله، ثم خسارته أخيرا رئاسة الوزراء.

وتأمل إسرائيل في أن توفر الاتفاقات التي وقعها وزير الخارجية يائير لبيد خلال زيارته للإمارات 29 يونيو/ حزيران 2021، إطارا قانونيا لاستثمارات حكومة أبوظبي في تل أبيب.

مع هذا، حدث توتر في العلاقات وغضب رجال أعمال اثنتين من أغنى عائلات الإمارات بسبب إلغاء لقاء مع لبيد خلال زيارته أبوظبي، بحسب "جلوبس".

زاد التوتر، بتراجع حكومة إسرائيل الجديدة عن اتفاق وقعته شركة "EAPC" الإسرائيلية مع "ميد ريد لاند بريدج" الإماراتية، لنقل النفط من الخليج إلى إسرائيل عبر البحر المتوسط، ما شكل ضربة أخرى للتطبيع.

ممنوع رسميا

لم تكتف إدارة بايدن بتجميد عمل صندوق "أبراهام" والتخلي عنه، بل قررت رفض تسمية اتفاقيات التطبيع باسم "اتفاقيات أبراهام".

"لم تعد إدارة بايدن تستخدم عبارة "اتفاقيات أبراهام"، والخارجية الأميركية منعت موظفيها من الإشارة إلى الاتفاقيات بهذا الاسم"، بحسب موقع "Washington Free Beacon" الأميركي 4 يونيو/ حزيران 2021.

الموقع الأميركي اطلع على بريد إلكتروني، تضمن حذف اسم "أبراهام" من مجموعة واسعة من الاتصالات الرسمية لوزارة الخارجية، وتنبيه إدارة بايدن على الموظفين الإشارة إلى صفقات عهد ترامب باسم: "اتفاقيات تطبيع".

وردا على استفسارات صحفية عن سبب تجاهل الاسم، قالت الخارجية الأميركية: "إنه اسم ابتكرته إدارة ترامب، ويفضل عدم استخدامه"، مرجعة ذلك بأنه "مرتبط بالرئيس السابق، والإدارة تتجنب هذا المصطلح وتعتبره أمرا سخيفا وتافها". 

أضافت كذلك أن فريق بايدن يرى أن الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية "حماس" كانت لحظة "للتغوط على اتفاقيات أبراهام"!!.

إلغاء اتفاقيات

في أكتوبر/ تشرين أول 2020 وقعت شركة خطوط الأنابيب "EAPC" الحكومية الإسرائيلية وشركة "MED-RED Land Bridge Ltd"، ومقرها الإمارات، مذكرة تفاهم، لنقل النفط من الخليج لأوروبا عبر الخط الإسرائيلي.

مطالبة وزيرة البيئة الإسرائيلية الجديدة "تامار زاندبرغ" بإلغاء الاتفاق صدمت مطبعي الإمارات، بحسب صحيفة هآرتس 16 يونيو/ حزيران 2021.

الوزيرة، التي تنتمي لحزب ميرتس (اليساري) طالبت بالإلغاء الفوري للاتفاقية الموقعة، بين شركة خط أنابيب النفط "عسقلان-إيلات" مع الإمارات لنقل النفط عبر إسرائيل إلى أنحاء العالم.

ونقلت "هآرتس" عن مسؤول إماراتي، لم تنشر اسمه، قوله: إن تل أبيب أبلغت أبوظبي بأن إلغاء الاتفاقية سيلحق ضررا بالعلاقات.

هذا المشروع، الذي قصفته حماس في حرب غزة في مايو/ أيار 2021، سبق أن أثار قلقا مصريا من تأثيره على قناة السويس، التي تعد الشريان الأساسي لنقل النفط عبر العالم، وفق مراقبين.

ووصفه رئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع، في لقاء تلفزيوني بأنه "سيؤدي إلى تخفيض عدد سفن نقل النفط، المارة في القناة بنسبة 16 بالمئة".

خلال زيارته الأخيرة لأبوظبي، أبلغ وزير خارجية إسرائيل صحيفة "جلوبس" أنه "يدرس موضوع الاتفاق".

وقال: لا نريد الإضرار بالبيئة في إسرائيل، وسننظر رأي محكمة العدل العليا في هذه القضية.

إضعاف عسكري

صحيفة "مكور ريشون" العبرية أشارت إلى ضرر آخر لعمليات التطبيع تمثل فيما أسمته "إضعاف الإدارة الأميركية الجدار الحديدي لاتفاقيات أبراهام".

وقالت 20 يونيو/ حزيران 2021: إن "ما يزيد من إضعاف الاتفاقيات هو انسحاب أميركا العسكري من منطقة الخليج والشرق الأوسط".

الباحث والمسؤول الأمني السابق دورون متسا، كتب يقول إن "تقليص القوات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط بما فيها الدفاعات الجوية المنصوبة في السعودية التي تواجه مشكلة الحوثيين في اليمن يضر التطبيع".

وذكر أن "ترامب اهتم بخلق توازن إستراتيجي جديد في الشرق الأوسط يعتمد على تحالف (إسرائيلي -خليجي) باتفاقيات أبراهام، وتقديم صفقات سلاح متقدمة للدول المشاركة في الائتلاف لإقامة جدار حديدي لمعسكر هذه الدول".

وانتقد تعامل إدارة بايدن، مع الأمر بشكل مختلف والسعي للخروج بسرعة من المنطقة، والاتفاق مع إيران ما يسمح بتحويلها لقوة إقليمية عظمى، ويضعف دول التطبيع.  

واعتبر  ذلك يقوض "اتفاقيات أبراهام ويضعف الجدار الحديدي (الإسرائيلي - الخليجي) للتطبيع ضد إيران".

وأكد أن هذا اضطر دول الخليج لمغازلة إيران، بعد أن أدركت هذه الدول تغير التوجه الأميركي.

خسائر المطبعين

الإمارات، تعد الخاسر الأكبر اقتصاديا وسياسيا من تجميد صندوق "أبراهام" وتباطؤ التطبيع، لأنها فقدت اتفاقيات كانت ستدر عليها دخلا كبيرا، كما خسرت مصر حين دخلت مع إسرائيل في منافسة ضد قناة السويس.

وتوشك أن تخسر أميركا في ظل أنباء إلغاء اتفاقية بيع طائرات "إف 35" لها، وخسرت تل أبيب نفسها بسبب تراجع الأخيرة عن الاتفاق النفطي.

وفي حقل "تمارا" الذي اشترت شركة "مبادلة للبترول" الإماراتية يوم 26 أبريل/ نيسان 2021، 22 بالمئة منه (كانت مملوكة لشركة ديليك الإسرائيلية) بقيمة 1.1 مليار دولار، توقف العمل به مؤقتا، حين استهدفت مقاومة غزة بطائرات مسيرة.

خسائر إسرائيل، وبالتبعية الإمارات، من توقف الحقل بلغت 6 ملايين دولار يوميا، بحسب باحث متخصص في شؤون الطاقة لقناة "الجزيرة".

باحث متخصص في شؤون الطاقة: خسائر إسرائيل اليومية من #حقل_تمار للغاز تصل إلى 6 ملايين دولار وصفقة شراء #الإمارات لحصة منه توقفت.#فلسطين #القدس #غزة pic.twitter.com/9L3BfhJmGW

المغرب والسودان أغراهما ترامب بمشاريع يمولها "صندوق أبراهام" مقابل التطبيع مع إسرائيل، خسرا بدورهما؛ لأن الصندوق أغلق أبوابه دون أن يصرف دولارا واحدا للاستثمار فيهما.

لهذا بدأت الأصوات المعارضة للتطبيع في السودان تحث السلطات على الانسحاب من الاتفاقية.

دفع هذا إسرائيل لمطالبة البيت الأبيض باستضافة احتفال يعزز تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل، وفقا لموقع "أكسيوس" 11 مارس/ آذار 2021.

زاد من تكهنات توقف التطبيع، لقاء وفد من الموساد بنائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، المتنافس مع رئيس المجلس عبد الفتاح البرهان، وفق موقع أكسيوس (Axios) الأميركي 24 يونيو/ حزيران 2021.

بشكل عام، استفاد السودان من تحسين علاقاته مع أميركا وإسرائيل في الحصول على إعفائه يوم 30 يونيو/ حزيران 2021 من 1.4 مليار دولار من ديونه لصندوق النقد الدولي والحصول على قرض بـ 2.47 مليار.

بحسب دراسة لمعهد "بروكينجز" 14 ديسمبر/ كانون أول 2020 استفاد المغرب من اتفاقيات أبراهام التطبيعية في الحصول على اعتراف أميركي بسيادة المغرب على أراضي الصحراء الغربية المتنازع عليها.

لكن المغرب كان ينتظر صفقة لشراء أسلحة أميركية بقيمة مليار دولار أبلغ ترامب بها الكونجرس عقب توقيع اتفاق التطبيع 10 ديسمبر/ كانون أول 2020، لم تتحقق.

كانت الرباط تنتظر صفقات واستثمارات اقتصادية، بجانب العسكرية، في المغرب يصل إجمالي حجمها إلى حوالي 4 مليارات دولار.

لكن إدارة بادين أوقفت كل صفقات السلاح التي أبرمها أو وعد بها ترامب ومنها صفقة الأسلحة المغربية. صفقة اعتراف ترامب بمغربية الصحراء الكبرى نفسها تشكل "صداع رأس آخر لفريق بايدن"، حسبما قال موقع "CNN" يوم 12 ديسمبر/ كانون أول 2020.

لكن المغرب تنفست الصعداء حين أبلغها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عدم إلغاء إدارة بايدن قرار ترامب بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.

ما لفت الأنظار أن بلينكن أبلغ المغرب الإبقاء على الاعتراف "على الأقل في الوقت الراهن"، بحسب موقع "أكسيوس" الأميركي 30 أبريل/ نيسان 2021، ما يعني أن الاعتراف ليس نهائيا.

الآن جفت جميع وعود ترامب حول صندوق دعم التطبيع أو صندوق أبراهام بانهمار الأموال على المنطقة، وتقف الدول المطبعة حائرة لا تجد ما تبرر به لشعوبها أين العوائد والفوائد الاقتصادية التي لم تتحقق.