موقع تركي: هذا دور الصين الجديد على مسرح الشرق الأوسط

قسم الترجمة | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يرى موقع تركي أن الصين تعمل حاليا على تغيير دورها في السياسة العالمية، إذ أن المبادئ المعروفة بـ"التعايش السلمي" التي استمرت منذ عهد مؤسس الجمهورية ماو تسي تونج قد تغيرت الآن.

ويقول موقع "فيكير تورو" في مقال لـ"جيرين إيرغينتش" الأستاذة في جامعة شيان جياوتونغ- ليفيربول الصينية: "بدأت الصين تظهر بأنها قوة عالمية في القضايا متعددة الجنسيات مثل المناخ والسياسات مثل مبادرة الحزام والطريق".

وأردفت: وبما أن الشرق الأوسط دخل بهذه المبادرة دائرة اهتمام الصين، فقد أصبح مرشحا لتغيير العلاقات الخارجية لبكين وتوازن القوى العالمي، مع أنه لم يكن في بداية الأمر من بين أولويات مبادرة الحزام والطريق.

واستدركت: كانت العلاقات الصينية الشرق أوسطية تتحدد وفقا للدوافع السياسية خلال عهد ماو، فيما ساد الحياد الاقتصادي بعد عهده.

العلاقات الثنائية

أما اليوم، فيمكننا أن نرى إشارات التحيز السياسي، التي يمكن القول إنها نابعة من تولي دور "قوة عظمى مسؤولة"، فضلا عن العلاقات الاقتصادية، في سياسة الصين تجاه الشرق الأوسط.

وقالت إيرغينتش: كانت مناهضة الاستعمار هي ما حددت العلاقات بين الصين والشرق الأوسط خلال الحرب الباردة.

ورغم أنه لم يتم تضمين الصين التي كانت في عزلة دبلوماسية عن العالم الغربي رسميا في حركة عدم الانحياز بسبب علاقاتها مع اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية، فإن "العالم الثالث" كان أحد الأطر المهمة للسياسة الخارجية الصينية في عصر ماو.

وأضافت: مع أن الصين لم تعترف بفلسطين دبلوماسيا حتى عام 1988، فإنها كانت تتخذ موقفا مؤيدا للفلسطينيين في سياستها الخارجية منذ تأسيسها.

كما أقامت الصين علاقات سياسية وثقافية واقتصادية مع الفلسطينيين منذ أوائل الستينيات، فيما لم تقم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل حتى عام 1992.

وبفضل هذا الموقف السياسي الواضح، أصبحت مصر ـ وهي عضو بارز في الاشتراكية العربية ـ أول دولة عربية تعترف بجمهورية الصين الشعبية عام 1956.

 أما دول الخليج التي اتخذت مكانها في صف الكتلة الغربية، فقد أقامت علاقاتها مع الصين بعد التطبيع الدبلوماسي في السبعينيات، وفقا للكاتبة التركية.

وأردفت: عقب عهد ماو، حسنت الصين علاقاتها مع المنطقة بدوافع اقتصادية، وأصبحت لاعبا خارجيا في الشرق الأوسط مع تزايد اعتمادها على مصادر الطاقة منذ ثمانينيات القرن الماضي. 

بيد أن التوازنات في العلاقات التجارية كانت لصالح الصين دائما، كما كان الأمر في العديد من المناطق الأخرى.

وقد تركت العلاقات الاقتصادية المكثفة بصماتها على علاقات الصين بدول الشرق الأوسط حتى العقد الماضي. 

لكن ومع وصول الرئيس الحالي للصين شي جين بينغ، إلى السلطة، بدأت البلاد تغير علاقاتها مع الشرق الأوسط، تماما كما غيرت في العديد من سياساتها الخارجية الأخرى، تلفت الكاتبة.

مجالات العلاقات

وأجرى شي جين بينغ أول رحلة رئاسية له إلى الشرق الأوسط في عام 2016. ونشرت الدولة الصينية في الفترة ذاتها "وثيقة السياسة العربية". 

ومع أن هذه الوثيقة وصفت آنذاك بكونها "فارغة"، فإن الصين كانت تتبع الإستراتيجيات الإقليمية الموضحة في تلك الوثيقة بعينها منذ ذلك الحين.

وأضافت: تستند وثيقة الإستراتيجيات هذه على "نموذج تعاون 1+2+3". 

وبينما تحتل الطاقة الأولوية في هذا النموذج، تمثل البنية التحتية والتجارة والاستثمار الأولوية الثانية، فيما تركز الأولوية الثالثة على الطاقة النووية والأقمار الصناعية ومصادر الطاقة الجديدة.

وتابعت: في هذا تغطي الصين أكثر من نصف احتياجاتها من النفط من المملكة العربية السعودية والعراق. 

وقد ضمنت إمداداتها من النفط لمدة 50 عاما بعد رحلة وزير خارجيتها وانغ يي للسعودية في عام 2021. 

كما تشتري الصين نفطا من إيران أيضا ذاهبة بذلك إلى تنويع مواردها النفطية.

وأصبح الشرق الأوسط أحد المناطق المركزية في مبادرة الحزام والطريق التي أطلقها الرئيس الصيني في عام 2013. 

ومن هنا، تعد مبادرة الحزام والطريق سياسة خارجية ثنائية الغاية؛ إذ تهدف الصين إلى تحويل فائض رأس المال المحلي بشكل منهجي إلى الخارج وزيادة نفوذها الإقليمي في نفس الوقت.

وتضيف الكاتبة: باستثمارات البنية التحتية الرئيسة مثل قناة السويس ذات الأهمية الحيوية بالنسبة للطرق البحرية داخل مبادرة الحزام والطريق كان الشرق الأوسط جزءا في هذا. 

وقد شملت الطرق السريعة التي تغطيها مبادرة الحزام والطريق إيران، من خلال سكة ​​حديد طهران التي تربط الخط الصيني الباكستاني، وإسرائيل مع مشروع "ريد ـ ميد" الذي يهدف إلى ربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط.

وتابعت: وتعتمد مبادرة الحزام والطريق أساسا على البناء ـ خاصة البنية التحتية ـ كما في مدينة الحرير في الكويت.

 وهو أمر مرحب به في مواجهة التباطؤ الاقتصادي الذي واجهته الدول العربية في أعقاب عدم الاستقرار السياسي بعد الربيع العربي وانخفاض أسعار النفط.

وإلى جانب استثمارات البنية التحتية مثل استاد كأس العالم لكرة القدم 2022، تبرز دول الخليج كأهم عملاء التكنولوجيا الخضراء والأسواق المالية في الصين في عشرينيات القرن الحالي. 

وتقوم شركات الطاقة، التي تشارك فيها الشركات الاقتصادية الحكومية الصينية، بعملية إعادة هيكلة المدن مثل دبي بتقنيات صديقة للبيئة، وفقا للكاتبة. 

الجانب السياسي

وتتساءل: هل تملك الصين مكانا في العلاقات السياسية في الشرق الأوسط؟ 

في الواقع تعطي الصين إشارات تدل على اعتزامها على التدخل في القضايا السياسية الإقليمية في الشرق الأوسط بما أن هذا يشكل أداة يمكنها تعزيز صورتها كقوة عالمية مسؤولة من خلالها.

وقالت الكاتبة: كانت الصين تساهم ماليا فحسب في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بسبب مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول التي كانت تتبعها منذ عهد ماو. 

لكن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كانت المناطق التي استثنتها من هذا المبدأ. فمثلا كانت ليبيا ممن استثنتهم، وإن انسحبت من قوات حفظ السلام بعد أن أدى التدخل الدولي إلى تغير النظام.

واستدركت: أما في الصراع العربي الإسرائيلي، فلا تزال الصين تدعو إلى حل الدولتين على النحو المنصوص عليه في وثيقة السياسة العربية لعام 2016.

لكن المؤسسات الأكاديمية والثقافية الصينية لا تشارك في مقاطعة إسرائيل وتستمر علاقاتها الاقتصادية في إطار مشروع الحزام والطريق والعلاقات الثنائية.

ويمكن القول إن مخاوف السياسة الداخلية لعبت دورا أيضا في دعم الصين لفلسطين. 

فمع أن الدولة الصينية تقول بأن سياساتها في سنجان لا تتعلق بالهوية الدينية لسكان المنطقة وأنها مسألة تتعلق بالأمن القومي، فإن معاداة الإسلام تزداد في الرأي العام الصيني، وهو ما خلق رأيا عاما يدعم إسرائيل في الصين، تقول الكاتبة.

وهذا يتناقض مع الخطاب الرسمي الداعم لفلسطين في إطار مناهضة الإمبريالية. وبما أن الموقف المؤيد لإسرائيل ليس على مستوى يعرض السياسات الرسمية للخطر، لم تتخذ الحكومة خطوة للسيطرة على الرأي العام بعد.

وتشير الكاتبة إلى أن دول الخليج أعلنت دعما غير مشروط للحكومة الصينية في قضيتي سنجان (يجري فيها انتهاكات ضد الإيغور المسلمين) وهونغ كونغ (كيان تجاري منفصل عن بر الصين) بالتزامن مع الاتفاقيات الاقتصادية. 

وعلى عكس دول الخليج، فإن سبب عدم تعميق العلاقات بين دول شمال إفريقيا والصين يرجع إلى أن الأخيرة ربطت الربيع العربي بحركة المظلات في هونغ كونغ واتخذت موقفا حذرا.

وتوضح الكاتبة أن "دخول الصين مسرح الشرق الأوسط يعني دخولها لعبة في غير مجالها، لكن سياسات الحصار المتزايدة التي تتبعها الولايات المتحدة في الفترات الرئاسية الثلاث الأخيرة دفعت بكين لتصبح لاعبا سياسيا في الشرق الأوسط قبل أن تكون مستعدة لذلك تمام الاستعداد".

وتختم مقالها بالتحذير من أنه لا يجب على الصين اتخاذ خطوات كبيرة فيما يتعلق بالشرق الأوسط لأنها جديدة نسبيا في المنطقة.

وتقول إن الصين لا تمتلك حتى الآن علاقات مع جهات فاعلة غير حكومية مثل المعارضة الوطنية والمنظمات العابرة للحدود كأي قوة عظمى تقليدية، مع أنها تملك علاقات اقتصادية قوية مع جميع الدول الرئيسة في المنطقة. 

وتضيف: وبالنظر إلى الخلافات السياسية بين إسرائيل وإيران ودول الخليج وعلى رأسهم الإمارات، يمكن القول بأن الصين تفضل شرق أوسط مستقر في هذه المرحلة؛ لأنها ليست قوة خارجية يمكن أن تكون طرفا في الصراعات الداخلية بعد.