"حميدتي".. هل يصبح رجل السعودية والإمارات في الخرطوم؟

أحمد يحيى | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

ربما غدا الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر، مثالا ونموذجا يحتذى به في صناعة طرف عسكري موالٍ للقوى الإقليمية، يستطيعون من خلاله إدارة دفة المعركة، وتوجيه الصراع نحو الجانب الذي يخدم مصالحهم.

في السودان وعلى خطى حفتر، ربما يأتي الفريق أول محمد حمدان دقلو الشهير بـ "حميدتي"، كطرف أصيل توجه له الرياض وأبوظبي أسباب التأييد، والدعم والرعاية الدولية.

بملامحه الحادة، وطوله الفارع، وقيادته زهاء 40 ألف عسكري، إضافة إلى استحواذه على العصبيات القبلية، والولاءات العشائرية، أصبح "حميدتي"، الرجل الأهم والأقوى في السودان في مرحلة ما بعد الإطاحة بالرئيس عمر البشير.

نفوذ جامح

في 11 أبريل/ نيسان 2019، قرر قادة الجيش الإطاحة بالبشير بعد حكم دام 30 عاما، وتحديد إقامته، وتأسيس مجلس عسكري انتقالي، جاء على رأسه عبد الفتاح البرهان، والفريق أول محمد حمدان دقلو نائبا له.

طبيعة الدور الذي يلعبه "حميدتي"، تؤكد أنه يتمتع بنفوذ جامح، ومختلف عن أقرانه من قيادات الجيش، بداية من اعتراضه على تشكيلة المجلس العسكري عند التأسيس مع ولاية الفريق أول عوض بن عوف، الذي قرر التنحي بعد يوم واحد، ثم انضمامه إلى التشكيلة الثانية للمجلس المعترف بها من قبل السعودية والإمارات، ثم اللقاءات التي عقدها مع مبعوثين أمميين، وسفراء الدول إلى الخرطوم.

أضف إلى ما سبق تمركز قوات "حميدتي" وانتشارها في محيط العاصمة، وعلى مقربة من اعتصام الثوار أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية، كل هذه المعطيات تمنح "حميدتي" صورة الرجل الأقوى في البلاد، المدعوم دوليا، القادر على وضع قواعد المرحلة القادمة للحياة السياسية في السودان، بمعزل عن واقعية الاحتجاجات التي أسقطت ديمومة النظام الأطول في حكم البلاد، الدائبة على الانقلابات العسكرية من حين إلى حين.

ثالوث الخطر

السعودية، والإمارات، ومصر، قوى إقليمية ثلاث تحاول التحكم حاليا بآليات التغيير في المنطقة المضطربة، على إثر ثورات الربيع العربي التي انطلقت من تونس في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2010، ثم مصر 25 يناير/ كانون الثاني 2011.

تلك الأنظمة رأت أن الثورات تهدد مفهوم الدولة القديمة في الشرق الأوسط، القائمة على بواعث القومية، والهيمنة العسكرية، وديكتاتوريات طويلة الأمد، فعملوا على كبح جماحها، والحد من أثرها، بإطلاق خريف مضاد، ودعم انقلابات عسكرية، كما حدث في انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013 في مصر، أو بإشعال حرب أهلية على الطريقة الليبية، بدعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وإمداده بالمال والسلاح.

تاريخ السودان مليء بالمتناقضات على الصعيد الإقليمي، فعند إنفاذ العميد البشير والدكتور حسن الترابي لانقلاب عام 1989، فشلت الرياض والقاهرة في ذلك الوقت في قراءة هوية الانقلاب، وسارعوا إلى دعمه بسبب الخلافات مع حكومة الصادق المهدي، ولكن التسرع أورثهم حسرة بعد تكشف خيوط العملية، ومعرفتهم أن الإسلاميين هم من سيطروا على الحكم، وأن الانقلاب هذه المرة على غير المعتاد يحمل طابعا إسلاميا جديدا.

ورغم استمرار السودان على نفس منوال أشقائه في الجمهوريات العربية، وحمله نفس المعاناة، من الأنظمة الأحادية العسكرية، لكن المسمى الإسلامي ظل يؤرق حكومات الجوار، وخاصة في مصر والسعودية.

حتى مع انفرد البشير بالحكم تماما في 12 ديسمبر/ كانون الأول 1999، واتخاذه إجراءات تمثلت في تعليقه للدستور، وحل البرلمان والأحزاب السياسية، وفرض أحكام الطوارئ، وخلع البزة العسكرية، وتعيين نفسه رئيسا مدنيا، وإعلانه الحكومة الإسلامية.

ذلك التاريخ القريب، جعل السعودية، والإمارات، ومصر، الذين لم يكونوا في وئام تام مع نظام البشير، أكثر حذرا في التعامل مع حركة التغيير في بنية النظام السوداني، بل دخلوا بشكل مباشر كفاعلين أساسيين في التعامل مع النظام الجديد، المتمثل في قيادات الجيش الذين يواجهون أزمات تتسع وتتراكم، من جماهير تحاول قراءة أخطاء الثوار في دول الجوار، لتجنب سقطات مماثلة، والوقوع مرة أخرى تحت وابل الموجات المضادة.

واجهة العسكر

وفي الأيام السابقة عقد "دقلو" لقاءات متعددة مع مسؤولين دوليين، منهم السفيرة الفرنسية التي التقى بها في 17 أبريل/ نيسان 2019، وكان قد التقى في 15 أبريل/ نيسان 2019، بالسفير البريطاني داخل القصر الرئاسي في العاصمة السودانية الخرطوم.

وفي نفس اليوم، وبشكل منفصل، التقى "حميدتي" كلا من سفيرة هولندا لدى السودان كارين بوقين، وسفير الاتحاد الأوروبي جان ميشل ديموند، وكان اللقاء الأبرز، هو الذي تم يوم 14 أبريل/نيسان 2019، بين "حميدتي"، والقائم بأعمال السفارة الأمريكية في السودان ستيفن كوتسيس، بالقصر الرئاسي في الخرطوم.

وأصدر المجلس العسكري الانتقالي في السودان، بيانا يقول فيه إن حميدتي "أطلع الدبلوماسي الأمريكي، على آخر التطورات في البلاد، والأسباب وراء تشكيل المجلس العسكري"، وأضاف أن خطوات المجلس العسكري، جاءت لـ"حفظ الأمن والاستقرار في السودان".

ولعل وجود حميدتي، كواجهة للمجلس العسكري السوداني، للقاء السفراء الأوربيين، يؤكد ما يتمتع به من تأييد إقليمي، بداية من الإمارات عندما أعلنت في 13 أبريل/ نيسان 2019، أن تسلم الفريق عبد الفتاح البرهان قيادة المجلس العسكري يأتي كخطوة "تجسد تطلعات الشعب السوداني الشقيق في الأمن والاستقرار والتنمية".

وقالت وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية في بيان إنها "تتابع باهتمام التطورات التي يمر بها السودان في هذه اللحظة الفارقة من تاريخه الحديث؛ إذ تعرب عن ثقتها الكاملة بقدرة الشعب السوداني الشقيق وجيشه الوطني على تجاوز التحديات بما يحقق الاستقرار والرخاء والتنمية".

وعلى نفس النهج أعربت السعودية عن "دعم الخطوات التي أعلنها المجلس العسكري الانتقالي والوقوف إلى جانب الشعب السوداني".

تاجر جمال

القائد العسكري الذي غدا ملء السمع والبصر في بلاده، بدأ شبابه وهو بعمر 15 عاما بممارسة تجارة الإبل وحماية القوافل التجارية، وقيادته لمجموعات مسلحة صغيرة، تعمل على ردع قطاع الطرق، ولم يلتحق قط بالمؤسسة العسكرية النظامية، ولم يكمل تعليمه.

ينحدر "حميدتي" من قبيلة الرزيقات العربية البدوية التي تعد من كبرى القبائل المنتشرة بالسودان، خاصة في إقليمي دارفور وكردفان، والتي كان لها دور كبير بالحرب الأهلية التي قادها نظام البشير.

وقد جعلته تجارة الإبل كثير التنقل بين معقله في دارفور وتشاد وليبيا ومصر، وكون ثروة كبيرة، استطاع من خلالها تشكيل ميليشيات مسلحة، ثم لفت انتباه الحكومة في السودان، مع سعيها إلى ضم القبائل، وتحالفها مع "الجنجويد" ، لمواجهة التمرد في دارفور.

الدعم السريع

قوات أُسست في العام 2011، واستهدف البشير أن تكون درعه وسيفه الذي يحارب به أعداء نظامه في دارفور وأماكن النزاع، بالإضافة إلى المناطق الحدودية، ووضع على رأسها محمد حمدان دقلو الذي لم يكن عسكريا، وبعدها أضحى أحد المقربين من البشير، الذي أدخله السلك العسكري، بل وقلده المناصب حتى وصل إلى درجة فريق أول.

ورغم تبعية "الدعم السريع للقوات المسلحة رسميا، لكنها تتمتع باستقلالية، وذاتية في اتخاذ القرار، خاصة وأن من المهام الأساسية لهذه الوحدات حماية النظام من الانقلابات العسكرية، وحالات التمرد.

وتألفت القوات من 40 ألف عنصر معظمهم أبناء القبائل، متسلحين بأسلحة خفيفة ومتوسطة مثل المدافع الصغيرة، والبنادق، إضافة إلى سيارات الدفع الرباعي التي تسهل من عمليات انتشارهم.

ورغم تأكيدات المسؤولين الحكوميين أنها قوة قومية تحمي البلاد، لكن وجهت لتلك الوحدات العديد من الاتهامات بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات بحق المدنيين، خاصة في دارفور.

وبعد فترة توسعت مهام هذه القوات داخل وخارج الأراضي السودانية، فمن جهة قاموا بضبط الهجرة غير النظامية على الحدود السودانية الليبية، ومن جهة أخرى شاركوا ميدانيا في حرب اليمن، وهو ما جعل للفريق أول حميدتي علاقة خاصة بالسعودية والإمارات، حيث إن معظم القوات البرية في حرب اليمن تتبعه بشكل مباشر بصفته قائدا لقوات الدعم السريع.

سلم الصعود

بدأ حميدتي من كونه معارضا، ومتمردا على النظام السوداني، بسبب فشل النظام في حماية عشيرته في منطقة جنوب دارفور، وفي عام 2010، دخل النظام معه ومع قبيلته في مفاوضات لم تكن صعبة، واستوعبت الحكومة حميدتي، وضمته إلى العمل في صفها، بجعله ضابطا في سلاح حرس الحدود.

الشاب الثلاثيني وقتها حقق صعودا قياسيا في سرعة الترقي في تراتيبية الجيش، وخلال أقل من 10 أعوام مُنح رتبة "فريق أول" مقرونة بمنصب نائب أول في المجلس العسكري، ليكون الرجل الثاني في السودان، والرجل الأقوى في آن واحد.

ويعد الصراع السابق بين محمد حمدان دقلو، ورفيقه القائد العسكري "موسى هلال" قائد قوات مجلس الصحوة الثوري في دارفور، بمثابة نقلة نوعية في مسيرته، فكلاهما تحالف مع النظام، وكانا من أدواته في قمع التمرد.

لكن البشير أراد أن يجمع كل القبائل والجماعات المسلحة تحت لواء قوات الدعم السريع بقيادة "حميدتي"، ومع رفض موسى هلال التسليم والانصياع لرغبة البشير، شن حميدتي عليه حربا ضروسا، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، واستطاع أن يوقعه في الأسر، ويرسله إلى الخرطوم قيد الإقامة الجبرية.

مشهد مركب

تمكن حميدتي من قراءة مشهد النهاية لرئاسة البشير، فأصبح جزءا فاعلا من مشهد التغيير في محيط كبار جنرالات الجيش، وواحدا من صناع القرار البارزين، وفي بداية الاحتجاجات تمكن من إعادة فرز مواقفه بالتقرب إلى الشارع الغاضب، وتبني مطالب تقليل الفترة الانتقالية، هذا التقدير وضع على كتفه نجمة إضافية مع موقع الرجل الثاني. كما اعتمد حميدتي على ترسيخ الصورة الذهنية باعتباره صانع ثورة، ومن هنا يمكن له أن يتجاوز حواجز أخرى، كما تجاوز في الماضي.

الباحث السياسي أحمد فريد مولانا يرى "حميدتي رجل في الأساس من صنع النظام، وقواته الدعم السريع رغم نفوذها، إلا أنها تظل في النهاية قوات تعمل تحت مظلة النظام السوداني، ومن الصعب أن تعبر حاجز الجيش وتهيمن بشكل مطلق على الأوضاع".

مولانا قال لـ "الاستقلال": "هناك متكآت جغرافية وسياسية تتحكم في المشهد، بداية من انتماء الرجل لإقليم دارفور الذي شهد حروبا وتمردا، ولم يحدث أن وصل رجل من هذا الإقليم ليقود البلاد كرئيس لها، بالإضافة إلى وجود أعراف شديدة للجيش السوداني، الذي لن يتقبل أن يزيح قادته جنرال لم يدخل الكلية الحربية".

ويضيف الباحث المصري: "نحن أمام مشهد مركب في السودان، ربما يحمل في طياته مأساة مستقبلية، تقود إلى احتراب أهلي على غرار ليبيا، فالسودان ليس مركزيا، ومن الصعب أن يمسك بزمامه رجل واحد، في ظل إثنيات متعددة، وتكتلات أمنية وقبلية معقدة".

ورغم ضبابية المشهد السوداني، في ظل مجلس عسكري قائم على أنقاض نظام بائد، وشارع غاضب، رافض لأن ينصاع لمن يراهم أذناب النظام، وعدم الجزم بنتائج الثورة المستقبلية، لكن صعود نجم الفريق أول محمد حمدان دقلو، ودخوله في دائرة الضوء، أبرزت تساؤلات عن إمكانية ارتقاء ذلك العسكري إلى قصر الرئاسة.

فإلى أي درجة تصل تطلعات الجنرال، وكيف لرجل كان يقود ميليشيا قبلية مبعثرة، تحولت إلى قوات نظامية، أن يرتقي ذاك المرتقى الصعب؟ المؤكد حاليا هو أن الجنرال "حميدتي" استطاع أن يبرز بقوة في المشهد، وتكون له صولة وجولة، وأن يخلف جدليات ستظل قائمة خلال الفترة القادمة.