لماذا أعلنت الرياض وأبوظبي دعمهما لقيادات الجيش في السودان؟

السودانيون الذين اختاروا طريق الثورة للتعبير عن رفضهم لاستمرار الرئيس عمر البشير، وجدوا أنفسهم أمام معضلات ومعادلات صعبة، بعد نجاحهم في الضغط لإزاحة رأس النظام في 11 أبريل/نيسان الجاري.
الثوار وجدوا أنفسهم أمام مجلس عسكري انتقالي جديد، رجاله في الأساس هم الأعمدة الأمنية والعسكرية لنظام البشير، وفي القلب منهم رئيس المجلس الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ونائبه الفريق أول محمد حمدان دقلو (الشهير بحميدتي)، ولكليهما تاريخ طويل في إدارة دفة العملية السياسية، والمشاركة في صناعة القرار داخل قصر الحكم في الخرطوم، يدا بيد مع البشير.
السودان الذي ظل فترة حكم البشير يوازن بين أقطاب المنطقة، والقوى الإقليمية المهيمنة في الشرق الأوسط، انتقل فجأة إلى لعبة المحاور، والخيارات المتعددة المتنافرة في كثير من الأحيان، لا سيما أن السعودية والإمارات، دخلتا بقوة في أتون الصراع، وأخذتا زمام المبادرة لدعم قيادات الجيش هناك.
ففي 13 أبريل/ نيسان 2019، أعلنت الرياض دعمها الكامل للمجلس العسكري السوداني، وأكدت وكالة الأنباء السعودية الرسمية في بيان أنه "إسهاما من المملكة في رفع المعاناة عن كاهل الشعب السوداني الشقيق، فقد صدرت توجيهات خادم الحرمين الشريفين بتقديم حزمة من المساعدات الإنسانية تشمل المشتقات البترولية والقمح والأدوية".
وتبعتها أبو ظبي، عندما قالت وكالة أنباء الإمارات الرسمية: "إن رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان وجه بالتواصل مع المجلس العسكري الانتقالي في السودان لبحث مجالات المساعدة للشعب السوداني الشقيق"، ثم أردفت: بأن "السودان شريك رئيسي في التحالف العسكري السعودي الإماراتي ضد الحوثيين في اليمن، ويقاتل آلاف الجنود السودانيين في صفوف قوات هذا التحالف الذي بدأ عملياته في آذار/مارس 2015".
الترحيب بالبرهان
في 11 أبريل/ نيسان 2019، أعلن وزير الدفاع السوداني السابق عوض بن عوف، عزل عمر البشير، بعد 4 أشهر من الحراك المناهض لحكمه، وقال: إن "رأس النظام تم اقتلاعه والتحفظ عليه في مكان آمن"، لكن الشارع السوداني لم يهدأ، فيما تحفظت دول الجوار عن إعلان موقفها من ذلك المستجد الصادم، في الدولة التي حكمها البشير لقرابة 3 عقود.
ومع استمرار التظاهرات التي أجبرت بن عوف على التخلي عن منصبه الجديد في ثاني أيام ولايته كرئيس للمجلس العسكري الانتقالي، وتعيين الفريق أول عبد الفتاح البرهان خلفا له، بدأت السعودية والإمارات في مرحلة الخيارات الحمائمية لتوجيه دعم مطلق للبرهان ومجلسه العسكري الجديد.
وفي 13 أبريل/ نيسان 2019، رحبت أبو ظبي بتسلم الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان رئاسة المجلس العسكري الانتقالي السوداني، واعتبرت الإمارات أن تلك الخطوة "تجسد تطلعات الشعب السوداني الشقيق في الأمن والاستقرار والتنمية".
وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية في بيان إنها "تتابع باهتمام التطورات التي يمر بها السودان في هذه اللحظة الفارقة من تاريخه الحديث إذ تعرب عن ثقتها الكاملة بقدرة الشعب السوداني الشقيق وجيشه الوطني على تجاوز التحديات بما يحقق الاستقرار والرخاء والتنمية".
وعلى نفس النهج تقريبا كانت تسير السعودية بإعلانها "دعم الخطوات التي أعلنها المجلس العسكري الانتقالي والوقوف إلى جانب الشعب السوداني".
البعض برر دعم الرياض وأبو ظبي لعبد الفتاح البرهان بإشراف الأخير مع الفريق أول "حميدتي" على إرسال القوات السودانية إلى اليمن للمشاركة في عمليات عاصفة الحزم في 25 مارس/ آذار 2015، وحسب وكالة الأناضول للأنباء، فإن عبد الفتاح البرهان قضى الفترة الأخيرة من حياته متنقلا بين اليمن والإمارات.
الرجل النافذ
في 14 أبريل/ نيسان 2019، التقى "حميدتي" قائد قوات الدعم السريع، بالقائم بأعمال السفارة الأمريكية في الخرطوم إلين ثوربورن داخل "القصر الرئاسي"، وفي 17 أبريل/ نيسان 2019، التقى بالسفيرة الفرنسية في الخرطوم إيمانويل بلاتمان، وهو ما يوضح طبيعة الدور الذي يلعبه الرجل في تلك المرحلة الانتقالية.
ويعتبر الجنرال "حميدتي" من أقوى رجال النظام، وأثقلهم، وذلك لقيادته قوات الدعم السريع، وهي قوات أُسست على غرار قوات الحرس الوطني في السعودية، أو قوات الباسيج الإيرانية، وتعتمد في التجنيد على العناصر العربية ورجال القبائل، خاصة قبائل "الجنجويد" في إقليم دارفور.
أنشأت القوات في العام 2011، بهدف محاربة أعداء النظام في دارفور والمناطق الحدودية، وكان قائدها الفريق أول "حميدتي" أحد المقربين من البشير، ورغم تبعيتها للقوات المسلحة رسميا، لكنها تتمتع باستقلالية، وذاتية في اتخاذ القرار، خاصة وأن من ضمن المهام الأساسية لهذه الوحدات هي حماية النظام من الانقلابات العسكرية، وحالات التمرد.
وتتألف القوات من 40 ألف عنصر معظمهم أبناء القبائل، ويتسلحون بأسلحة خفيفة ومتوسطة مثل المدافع الصغيرة، والبنادق، إضافة إلى سيارات الدفع الرباعي التي تسهل من عمليات انتشارهم داخل القرى والمناطق البعيدة.
ورغم تأكيدات المسؤولين الحكوميين أنها قوة قومية تحمي البلاد، لكن وجهت لتلك الوحدات العديد من الاتهامات بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات بحق المدنيين.بعد فترة توسعت مهام هذه القوات داخل وخارج الأراضي السودانية، فمن جهة قاموا بضبط الهجرة غير النظامية على الحدود السودانية الليبية، ومن جهة أخرى شاركوا ميدانيا في حرب اليمن، وهو ما جعل للفريق أول حميدتي علاقة خاصة بالسعودية والإمارات، حيث أن معظم القوات البرية في حرب اليمن تتبعه بشكل مباشر بصفته قائدا لقوات الدعم السريع.
واتخذ حميدتي مواقف داعمة للاحتجاجات منذ فبراير/شباط 2019 عندما قال "إن قواته لا علاقة لها بعمليات فض المظاهرات"، وظهر الرجل بعد اعتصام 9 أبريل/نيسان 2019، حاثا قواته على عدم فض المظاهرات، وإثر ذلك ظهرت قواته قرب قيادة الجيش ليتخذ مواقف أكثر دعما.
ورغم رفضه المشاركة في المجلس العسكري الأول لكنه قبل دخول المجلس الحالي بتشكيلته الجديدة، والتي أعلنت السعودية والإمارات، الدعم الكامل لذلك المجلس.
وفي 16 أبريل/ نيسان 2019، قال حميدتي في بيان نشرته وكالة السودان للأنباء: إن "القوات السودانية المشاركة مع التحالف العربي في اليمن، بقيادة المملكة العربية السعودية ستظل هناك، نحن متمسكون بالتزاماتنا تجاه التحالف، وستبقى قواتنا حتى يحقق التحالف أهدافه".
عودة الطريد
بعد غياب عامين، وفي 16 أبريل/ نيسان 2019، عاد المستشار طه عثمان الحسين إلى الخرطوم، حيث شغل عثمان منصب مدير مكتب البشير، قبل أن تتم إقالته في يونيو/ حزيران 2017، على خلفية تقارير اتهمته بالتخابر لصالح الرياض، وأبوظبي، بعدها عين مستشارا للخارجية السعودية للشؤون الأفريقية.
وشكلت عودة عثمان بعدا سياسيا مختلفا للمرحلة الحالية، فهو من ناحية كان مهندس التزام السودان بالمحور الخليجي تحت قيادة الرياض، ومن ناحية أخرى يمثل جهة الربط لذلك المحور بقادة الجيش السوداني.
ويحمل عثمان الجنسية السعودية، وله علاقات نافذة بقيادات الرياض وأبوظبي، ويُنظر له على أنه منسق إرسال القوات السودانية إلى اليمن للمشاركة في صفوف التحالف، الذي تقوده السعودية لمحاربة الحوثيين.
وبإلقاء نظرة على تاريخ طه عثمان، الذي يعد مبعوث السعودية، لترتيب دولاب السياسة الخارجية السودانية بما يتناسب مع مسارها، فقد التحق بجهاز الأمن السوداني عام 1997، وعين ضابطا إداريا، ثم تدرج داخل هذا الجهاز حتى تم اختياره عام 2000، ضابطا بجهاز الأمن والمخابرات الوطني، ثم أخذ يتدرج داخل الأجهزة الأمنية حتى تقلد منصب مدير مكتب عمر البشير.
وفي عام 2012، انتزع ثقة "البشير" في أعقاب كشفه لمحاولة انقلاب خطط لها الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات السوداني صلاح قوش، بالتنسيق مع عدد من ضباط الجيش.
وفي يونيو/ حزيران 2015، أصبح مديرا لمكتب البشير، وكان له دور سياسي لافت في ملفات مختلفة، لا سيما الملف الخليجي، وفوجئ الجميع بخبر إقالته من منصبه في يونيو/ حزيران 2017.
من أبرز الأسباب التي تم تداولها في حينها بشأن الإطاحة به ضلوعه في الأزمة بين السعودية والإمارات من ناحية وقطر من ناحية أخرى، تحت مزاعم تسريبه معلومات ووثائق ارتكزت عليها الرياض وأبوظبي في حصارهم لقطر.
مستقبل الثورة في السودان والعلاقة بين المتظاهرين والمجلس العسكري ما زال يسودها الغموض حيث طالبت الجماهير بحزمة إجراءات إصلاحية، وبحكومة انتقالية مدنية تدير المرحلة القادمة، بالإضافة إلى الاعتقال والتحفظ على كل قيادات جهاز الأمن والاستخبارات التي أعطت الأوامر على مدى 30 سنة، وأن يقدموا إلى محاكمات عادلة وفقا للقانون والدستور.
وفي ظل رفض المعارضة السودانية لخطوات المجلس العسكري الذي يبدو أنه لن يستسلم لمطالب الثوار بسهولة، يأتي الدعم السعودي والإماراتي لقيادات الجيش، وهو ما يخيف قادة الحراك من تكرار السيناريو المصري وعودة العسكر للحكم لكن هذه المرة قد يكون بزي جديد.
المصادر
- بعد إعلان المجلس العسكري السوداني.. قلق من دور إماراتي سعودي
- دعم السعودية والإمارات لعسكر السودان.. أسئلة تحتاج إلى إجابات
- الإمارات ترحب بتعيين البرهان رئيسا للمجلس العسكري في السودان
- السعودية والإمارات تدعمان المجلس العسكري الإنتقالي في السودان
- من هو الفريق طه عثمان الحسين مدير مكتب البشير الأسبق
- حميدتي: القوات السودانية المشاركة في اليمن ستظل هناك
- الإمارات تخالف الشارع السوداني بدعم العسكر