صحيفة عبرية: هكذا أحبط خبراء إسرائيليون خطط صدام حسين النووية

قسم الترجمة | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أكدت صحيفة هآرتس العبرية أن مهندسا نوويا إسرائيليا اعترف في مذكراته بأن جهاز الاستخبارات "الموساد" خرب معدات نووية عراقية على أرض فرنسية.

وسلط ميكي رون المهندس السابق في مفاعل ديمونا النووي، الضوء على دور خبراء الطاقة الذرية الإسرائيليين في إحباط خطط الرئيس العراقي الراحل صدام حسين النووية، وأكد تورط الموساد في تخريب معدات نووية عراقية في فرنسا. 

وفي 7 يونيو/حزيران 1981، أي قبل 40 عاما، دمرت إسرائيل مفاعل أوزيراك (المعروف أيضا باسم تموز) النووي بالقرب من بغداد. 

هجوم الموساد

واتخذ رئيس الحكومة الإسرائيلي مناحيم بيغن قرار استخدام القوة الجوية لشن هجوم مفاجئ على المنشأة غير المكتملة، بالتشاور مع جميع أجهزة الدفاع والاستخبارات في البلاد، بعد فشل الخيارات الأخرى لإفشال برنامج صدام حسين للأسلحة النووية.

وتسلط مذكرات نشرت مؤخرا الضوء على مساهمة علماء لجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية في عملية الأوبرا، وتؤكد لأول مرة أن عملاء الموساد خربوا في عام 1979 ، شحنة من المواد في فرنسا كانت متجهة إلى منشأة نووية عراقية. 

وحتى الآن كانت المعلومات حول انتهاك إسرائيل للسيادة الفرنسية تستند إلى "تقارير أجنبية".

 لكن المهندس ميكي رون الذي ألف كتابا تطرق فيه للحادثة، أكد أن العملية الإسرائيلية لم تحقق هدفها، لأن الموساد لم يستمع لنصائح الخبراء من لجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية.

 تعود جذور البرنامج النووي العراقي إلى السنوات التي تلت حرب "يوم الغفران" (أكتوبر) عام 1973. 

وبدأت إسرائيل في تلقي معلومات مقلقة حول جهود صدام حسين حين كان نائبا لرئيس مجلس قيادة الثورة في حزب البعث في العراق، حتى قبل أن يصبح رئيسا في عام 1979 - للحصول على أسلحة نووية سرا، ببناء مفاعل أبحاث مستورد من فرنسا.

وبين عامي 1974 و1977، واصل رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها إسحاق رابين ووزير الجيش شيمون بيريز ووزير الخارجية إيغال ألون التحذير من الخطر الوشيك في العراق. 

واستخدموا الدبلوماسية العلنية والسرية في محاولة للتأثير على إيطاليا والبرازيل ودول أخرى - وخاصة فرنسا، في عهد الرئيس فاليري جيسكار ديستان - مطالبين هذه الدول بالتوقف عن مساعدة صدام حسين في تقدمه نحو أسلحة الدمار الشامل. 

واستمر ضغط السياسيين الإسرائيليين لبضعة أشهر بعد الانهيار السياسي في عام 1977، عندما أصبح بيغن رئيسا للوزراء، وحل الليكود محل حزب العمل الحاكم لقيادة الحكومة. كما شارك الرئيس الأميركي وقتها جيمي كارتر في هذا الجهد.

ومع قرب نهاية عام 1977، عندما كان من الواضح أن الجهود الدبلوماسية لم تكن ستؤدي إلى نتيجة، أمر بيغن بالبدء في المرحلة التالية: وهي الاعتماد على وكالة  الاستخبارات المحلية من أجل تعطيل خطط صدام.

نفذ تلك المهمة رئيس الوزراء بالتنسيق مع الموساد برئاسة يتسحاق حوفي، وفرع المخابرات في جيش الاحتلال الإسرائيلي بقيادة اللواء شلومو غازيت؛ وهيئة الطاقة الذرية الإسرائيلية بقيادة عوزي عيلام.

وعين حوفي نائبه ناحوم أدموني كمدير مشترك بين الوكالات لمشروع إحباط التهديد النووي العراقي. 

عمل أدموني، رئيس الموساد لاحقا على تجميع فريق من هيئة الطاقة الذرية ووحدة جديدة عرفت بالاسم المختصر العبري Nabak (اختصار عبري لـ "الأسلحة غير التقليدية"). 

كما انضم للعمل على هذا المخطط  أعضاء في وحدة استخبارات النخبة 8200 في الجيش الإسرائيلي والجزء التقني من قسم الأبحاث التابع للجيش.

 وأطلق على هذا الفريق المشترك  اسم "العصر الجديد" وقد وضع خطة من جزأين: المرحلة "الناعمة" و"الصاخبة".

وفي مرحلة معينة، حصل الموساد على معلومات دقيقة للغاية من معظم الشركات الفرنسية وغيرها من الشركات المشاركة في تخطيط وبناء المنشأة العراقية. أتاح ذلك إعداد مخططات لمجمع أوزيراك والمستودعات والمختبرات. 

إحباط "التهديد"

ومن بين أمور أخرى، تمكن الجنود في الوحدة 8200 من التنصت على المكالمات الهاتفية وكذلك الاتصالات السلكية واللاسلكية التي تأتي من شركات فرنسية ومصادر أخرى.

ودفع الكم الهائل من المعلومات الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي إلى تجنيد متحدثين باللغة الفرنسية للتنصت وفك رموز المهام.  

ومكنت المعلومات التي جرى جمعها ضباط استخبارات الموساد من الاتصال وتجنيد عملاء من بين 2000 عامل أجنبي شاركوا في المشروع. 

وافق البعض منهم على التعاون من أجل المال فيما تطوع آخرون وشاركوا من منطلق الرغبة في مساعدة إسرائيل.  

كما نجح الموساد في تجنيد عدد من المهندسين والفيزيائيين العراقيين الذين سافروا إلى فرنسا من حين لآخر لشراء المعدات.

وكانت صورة المشروع النووي ككتاب مفتوح أمام عيون وآذان المخابرات الإسرائيلية، ومع تقدم بناء المفاعل بدأت المرحلة "الناعمة" من المؤامرة. 

وبدأ عملاء  من الموساد في العمل تحت رعاية قيادة فريق "العصر الجديد". وشرع الفنيون والمهندسون والعلماء والمسؤولون التنفيذيون في الشركات الفرنسية والإيطالية وغيرها من الشركات في تلقي مكالمات هاتفية ورسائل، حيث "نصحهم" المتصلون المجهولون بتجنب أي صلة بنظام صدام حسين وبإنشاء المفاعل.  

وعندما لم تسفر هذه "النصيحة" عن النتائج المرجوة، أطلق الموساد حملة تخويف كانت فعالة إلى حد ما حيث انسحب بعض من المشروع، لكن معظمهم تجاهلوا التهديدات.

واستمر البرنامج النووي العراقي في التقدم وبحلول عام 1979 كان على وشك الاكتمال. 

وعندها أمر رئيس الوزراء بيغن هوفي بالانتقال إلى المرحلة "الصاخبة" لإفشال المخطط العراقي.  

وتتألف المرحلة بشكل أساسي من عمليات تخريب المعدات التي كان من المقرر أن تقوم فرنسا بتوريدها لاستكمال بناء المفاعل.

وتعد هذه واحدة من أكثر هذه العمليات جرأة، وفقا لتقارير الصحافة الأجنبية، حيث تم استهداف مستودعات تابعة لشركة CMIM المتخصصة في تصنيع قطع غيار السفن والمفاعلات النووية، في ليلة 6 أبريل/نيسان 1979 في بلدة لا سين سور مير، على ساحل البحر الأبيض المتوسط ​​غرب طولون. 

سبق هذه العملية أسابيع من المراقبة من قبل عملاء الموساد، الذين جمعوا معلومات حول إجراءات العمل في المستودعات وإجراءات الدخول والخروج والترتيبات الأمنية.

 كما تدرب عملاء الموساد الذين جرى اختيارهم  للمهمة على نموذج أنشئ في إسرائيل. 

وكان من المقرر أن تتم العملية في عطلة نهاية الأسبوع على افتراض أن المنطقة لن تمتلئ بالعمال وأن تقل فرص وقوع إصابات. 

وفقا للتقارير الأجنبية نفسها، وصل في تلك في تلك الليلة، 15 مقاتلا ومقاتلة إلى مستودعات CMIM مع قائدهم مايك هراري.  

وأشارت التقارير أيضا إلى أن هوفي وصل إلى فرنسا قبل أيام قليلة متخفيا باستخدام هوية مزورة لمراقبة العملية عن قرب.

وذهبت ناشطات لإلهاء الحراس عند بوابة المنشأة، بينما اخترق العملاء السياج الأمني ​​المحيط بالمنشأة بالزحف إلى الداخل واقتربوا بهدوء من دبابتين عملاقتين ، ووضعوا تحتهما قنابل وغادروا للخارج. 

وبعد أقل من ساعة ، وقعت سلسلة من الانفجارات في المجمع. وكانت الدبابات في الواقع عبارة عن نواة مخصصة للمفاعل في العراق وكان من المفترض أن يتم تحميلها على متن سفينة بعد ذلك إلى بغداد بعد أيام قليلة.  

وأصيبت الدبابتان بأضرار جسيمة ، لكن لم يتم تدميرهما بالكامل كما توقع الموساد.

وبعد ساعات من التفجيرات، قال متصل مجهول للصحف الفرنسية إن منظمة غير معروفة من نشطاء البيئة "الخضراء" أعلنت مسؤوليتها  عن التخريب. 

مع ذلك ، لم تتعامل أجهزة المخابرات الفرنسية بجدية مع هذه الرواية، واشتبهت في أن المخبر كان شخصا من قسم الحرب النفسية والتضليل التابع للموساد.

 من هو رون؟

وكان ميكي رون البالغ من العمر الآن 89 عاما أحد كبار العلماء في مركز ديمونا للأبحاث النووية ، والذي يدار تحت رعاية هيئة الطاقة الذرية الإسرائيلية. 

وكشف رون في مذكراته التي نشرت مؤخرا أنه عمل مستشارا خاصا في هذه الخطة ضمن المهام التي أوكلت إليه، وبأن الموساد هو من نفذ العملية في فرنسا. 

وولد رون في حيفا عام 1932، وهاجر والده سالومون روبنشتاين من أوكرانيا وكان من أوائل المهندسين في مؤسسة الكهرباء الفلسطينية أيام الانتداب البريطاني. 

وبعد خدمته في لواء مشاة "ناحال"، سافر رون لدراسة الهندسة والإدارة في غلاسكو (اسكتلندا)، وعاد بعد ذلك إلى المعهد الإسرائيلي للتكنولوجيا في حيفا.  

وعندما أنهى دراسته هناك، عينته شركة الكهرباء الإسرائيلية موظفا فيها. 

ومثل رون إسرائيل في رياضة المبارزة في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في روما عام 1960 ، ولكن بعد عام تم تجنيده للعمل في مفاعل ديمونا، الذي بدئ بناؤه قبل أربع سنوات بمساعدة من الحكومة الفرنسية. وشارك المئات من العمال والخبراء الفرنسيين في المشروع.

وشغل رون منصب مدير إنتاج الوقود النووي - أي التعامل مع المواد التي تغذي المفاعل ، حيث كان يتم إنتاج البلوتونيوم كمواد انشطارية للقنابل الذرية وفقا للتقارير الأجنبية.

وتعاون مفاعل ديمونا النووي و هيئة الطاقة الذرية الإسرائيلية مع الموساد والجيش الإسرائيلي في مراقبة بناء المفاعل في العراق وفق ما أكد رون  في مذكراته.

 وأوضح  "ساعدت مع عدد من زملائي في مفاعل ديمونا، الموساد في هذا الأمر".

  وتابع: "في مكتب الموساد ، راجعنا جميع المعلومات التي تتدفق من الخارج فيما يتعلق ببناء المفاعل العراقي ، لمعرفة مكان تصنيع الأجزاء في فرنسا، حيث كان المفاعل الذي يتم بناؤه نسخة طبق الأصل من المفاعل النووي الإسرائيلي الذي تم بناؤه أيضا في باريس".

وأضاف رون في مذكراته "تم إطلاعنا على عمليات التصنيع في حوض بناء السفن في تولون. في أحد الأيام ، تلقينا حتى معلومات قادتنا إلى استنتاج أنه يجب  تفجير جزء رئيس من المفاعل العراقي وإحداث أضرار بحيث يحتاج الفرنسيون إلى عدة أشهر لاستئناف بناء المفاعل".

وواصل: "استعد الموساد للمهمة ، وطلبت أنا وأحد زملائي أن نشارك في تنفيذها لضمان وضع المتفجرات في المكان المناسب ، ولكن تم رفض طلبنا".

في النهاية، نفذت عملية التفجير وعاد الفريق بسلام إلى إسرائيل ، لكن الهدف لم يتحقق بالكامل، حيث أصلح الفرنسيون الضرر بسرعة، وفق ما قال.

نتيجة للنجاح الجزئي للعملية ، تأخر المشروع النووي العراقي ولكن ليس كما كانت إسرائيل تأمل.

نهاية مشوار ديمونا

وبعد فشل الجهود المبذولة لوقف بناء المفاعل بالوسائل السرية  تأكد أدموني من أن العملية العسكرية هي الخيار الوحيد.

وقال: "عقب سنوات، أخبرني أدموني أنه أبلغ بيغن برأيه وأن رئيس الوزراء قبله. وبعد المحادثة ، تدخل الجيش الإسرائيلي بشكل أكبر في قيادة العملية".

لكن مهام رون لم تنته عند هذا الحد، فقد كانت الخطة العسكرية الأولى هي تدمير أوزيراك بهجوم بري ، وبدأ الجيش الإسرائيلي في التدرب على ذلك.

كتب رون "لقد طلب مني السفر إلى فرنسا لزيارة المفاعل  لتحديد المكان الذي يتعين عليهم أن يضعوا فيه المتفجرات". 

وفي نهاية المطاف، جرى تأجيل فكرة العملية البرية وتحويل المهمة إلى سلاح الجو الإسرائيلي ، الذي قصف المنشأة فيما أصبح يعرف بإحدى أهم العمليات الإستراتيجية في تاريخ إسرائيل.

ويوضح رون في مذكراته: "في اليوم التالي للعملية، تم عقد اجتماع في الموساد حيث شرحت أن قصف المفاعل كان ناجحا للغاية وأنه سيكون من المستحيل إعادة بنائه".

واعترافا بخيبة أمله لعدم تعيينه مديرا لمفاعل ديمونا، غادر رون الحقل النووي بعد العملية ، لكن لم يتخل عن أنشطته الأمنية السرية. 

وفي عام 1982 ، عينه رافي إيتان، رئيس وكالة الاتصال العلمي ملحقا علميا في القنصلية الإسرائيلية في لوس أنجلوس. 

وكانت الوكالة وحدة سرية تابعة لوزارة الجيش الإسرائيلي، نفذت أنشطة تجسس علمية وتقنية لصالح مفاعل ديمونة والصناعات الدفاعية والجيش. 

وكان مبعوثو الوكالة، الذين عملوا تحت غطاء دبلوماسي، متمركزين في السفارات الإسرائيلية في جميع أنحاء العالم وعملوا على جمع المعلومات الاستخبارية بالإضافة إلى اكتساب المعرفة والمعدات التقنية.  

وفي عام 1985، خلال فترة وجود رون في لوس أنجلوس، اكتشف مسؤولو الجمارك الأميركية ومكتب التحقيقات الفيدرالي أن ميلكو، وهي شركة مملوكة لمنتج هوليوود أرنون ميلشان (الذي كان أيضا وكيلا للوكالة الإسرائيلية)، هربت مشغلات ذات استخدام مزدوج إلى إسرائيل يمكن استخدامها لأغراض طبية، وكذلك في تصنيع الأسلحة النووية.

وفي نهاية ذلك العام، وبدون أي صلة بقضية ميلكو، جرى القبض على جوناثان بولارد العميل اليهودي الأميركي الذي تعاملت معه الوكالة، في الولايات المتحدة للاشتباه في تجسسه لصالح إسرائيل.  

وبعد ذلك بوقت قصير، أمر ميكي رون بالعودة إلى إسرائيل، ربما بسبب الخوف من احتمال اعتقاله من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي.

وفيما يتعلق بحياته المهنية اللاحقة، يعترف رون بأنه شعر بأن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية قد تخلت عنه، حيث كتب بحزن: "لمدة نصف عام ، ركضت في كل مكان بحثا عن وظيفة ، لكنني كنت أعود خائبا".

وأشار إلى أنه على النقيض من ذلك، اعتنت الحكومة الإسرائيلية برفي إيتان وتم تعيينه على رأس شركات كيمياويات إسرائيلية.