بعد فشل "الجرار".. هل تنجح "الحمامة" بإزاحة إسلاميي المغرب من الحكم؟

الرباط - الاستقلال | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

في 28 مارس/آذار 2018، نفى وزير الفلاحة والصيد البحري المغربي أمين عام حزب "التجمع الوطني للأحرار" عزيز أخنوش، أن يكون حزبه "قد جاء لمواجهة (قائد الائتلاف الحكومي) حزب العدالة والتنمية (إسلامي)".

وقال الأمين العام للحزب (شعاره الحمامة) المشارك في الائتلاف الحكومي، في حوار مع القناة الثانية المغربية (حكومية): "لم نأت لكسر أحد، ولدى حزبنا تراكم وتاريخ سياسي وكفاءات، ولن نلعب إلا الدور الذي يناسب كفاءتنا".

واعتبر أخنوش آنذاك، أن حزبه "لم يأت لكي يقوم بدور حزب الأصالة والمعاصرة"، في إشارة إلى تصريحات بعض قادة الحزب المعارض، أعلنوا فيها أنهم جاؤوا لمواجهة "العدالة والتنمية" (شعاره المصباح).

لكن الأسابيع التي تسبق الانتخابات المقررة في سبتمبر/أيلول 2021، تظهر -حسب مراقبين- أن الحزب جاء فعلا للقيام بدور "الأصالة والمعاصرة (يمين/معارض) في محاولة إزاحة الإسلاميين الذين قادوا الحكومة للمرة الأولى في المغرب لولايتين متتاليتين (2012-2021)". 

حزب النخبة

يرجع تأسيس حزب التجمع إلى قبل نحو 42 عاما، ويأتي صعود نجمه مؤخرا بعد فشل حزب "الأصالة والمعاصرة" (شعاره الجرار) في الإطاحة بـ"العدالة والتنمية" خلال الانتخابات البرلمانية عام 2016، وتراهن "الحمامة" على قيادة الحكومة المقبلة، بدعم من رجال الأعمال.

أسس "التجمع الوطني للأحرار"، في أكتوبر/تشرين الأول 1978، أحمد عصمان رئيس الوزراء السابق (1972 – 1979)، وصهر الملك الراحل الحسن الثاني (1961 – 1999)، ويوصف الحزب (يمين وسط) بأنه "موال للقصر" وممثل "للنخبة"، لأن جل كوادره أعيان أو رجال أعمال أو كوادر إدارية.

وأجريت آخر انتخابات تشريعية في المغرب عام 2016، وحل فيها "العدالة والتنمية" بالمركز الأول (125 مقعدا في البرلمان من أصل 395)، فيما حل "الأصالة والمعاصرة" ثانيا (102 مقعدا)، و"الاستقلال" (معارض) ثالثا (46 مقعدا)، فيما "التجمع الوطني للأحرار" رابعا (37 مقعدا).

ويستعد المغرب لإجراء انتخابات تشريعية في 8 سبتمبر/أيلول 2021، بينما تشتد المنافسة على تصدر نتائج الانتخابات المقبلة بين "العدالة والتنمية" و"التجمع الوطني للأحرار".

قبيل الانتخابات، عمل بعض البرلمانيين (أو المستشارين أو أعضاء أحزاب) على تغيير انتمائهم السياسي، من خلال الاستقالة من أحزابهم والانتقال إلى أحزاب أخرى؛ بسبب عدم ترشيح حزبهم لهم، أو لاعتبارات أخرى.

في تصريح يظهر مدى احتدام المنافسة بينهما، خرج وزير الطاقة والمعادن والبيئة، القيادي بحزب العدالة والتنمية، عزيز الرباح، منتصف يونيو/حزيران 2021، قائلا: “من يريد أن يعطف على المغاربة لا يرفع ثمن المحروقات، ولا يستغل حرية الأسعار ويرفع من الأثمنة"، في إشارة إلى أخنوش (صاحب محطات بنزين)، الذي كشف خلالها عن تفاصيل برنامجه الانتخابي.

نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، سليمان العمراني، علق على ذات البرنامج بالقول: إن "الحزب الذي يحترم نفسه هو من يقدم حصيلته الحكومية والجماعية (البلدية) قبل وعود برنامجه الانتخابي، وأنه يمكن التساؤل عن حصيلة هذا الحزب في قطاع الفلاحة الذي يديره”.

واعتبر العمراني أن الوعود الانتخابية يجب أن تكون "منطقية" لكسب ثقة المواطنين، وأن “ما نسبه أخنوش لحزبه ما هي إلا أوراش (مشاريع) مستمرة من هذا العهد الذي يدبره حزب العدالة والتنمية وهو يرأس الحكومة كالتغطية الاجتماعية (التأمين الصحي) والتعويض على الأبناء”.

ساحة المنافسة

خلصت تقارير إلى أن مدينة أغادير كبرى مدن الجنوب المغربي، محطة نزال سياسي وانتخابي بين حزبي التجمع الوطني للأحرار والعدالة والتنمية، كون المنطقة معقلا لكلا الحزبين على المستوى الاجتماعي والعرقي لأغلب قيادات الحزبين.

وحسم أخنوش في بداية يونيو/حزيران، ترشحه على رأس لائحة حزبه في الانتخابات المحلية ببلدية أغادير، بعدما كان مترددا في قراره النزول في الانتخابات التشريعية في منطقة تزنيت (قرب اغادير)، أم يترشح على رأس لائحة الجماعة الترابية للمدينة، رغم أن قيادة الحزب كانت ترجح انتخابه على المستوى البرلماني كي يعزز من حظوظ حزبه لنيل رئاسة الحكومة.

وأكد متابعون للشأن السياسي أن هذا المؤشر يشكل تحديا كبيرا لكلا الحزبين في استقطاب منتخبين يثقون في المتقدمين للانتخابات المحلية والتشريعية.

ويقوى التنافس الحاد بين الحزبين في المنطقة كون أغلب القيادات السياسية الهامة للحزبين تنتمي إلى جهة سوس ماسة، وعلى رأسهم الأمينان العامان، أخنوش، وسعد الدين العثماني، اللذان ينتميان إلى بلدة تافراوت ومدينة إنزكان (وسط).

وفي 6 مارس/آذار 2021، أقر مجلس النواب (الغرفة الأولى بالبرلمان) مشروع القانون التنظيمي للمجلس، نص على تعديل طريقة حساب "القاسم الانتخابي" الذي يتم على أساسه توزيع المقاعد البرلمانية وبالمجالس البلدية، بعد الاقتراع.

ووفق خبراء، سيكون للقاسم الانتخابي تأثير مقيد على مقاعد الأحزاب الكبرى، وفي مقدمتها "العدالة والتنمية"، خصوصا بالمدن ذات الكثافة السكانية الكبيرة (الدار البيضاء والرباط وطنجة وفاس ومكناس ومراكش)، التي توفر لها عددا وفيرا من المقاعد.

فوفق التعديل الجديد، سيتم قسمة مجموع الناخبين المسجلين على عدد المقاعد بدلا من قسمة عدد الأصوات الصحيحة، وما يدعم أيضا خسارة الأحزاب الكبرى مزيدا من المقاعد هو إلغاء العتبة (الحد الأدنى من الأصوات المحصلة في الانتخابات).

ويرى خبراء أن "الحزب لا يمكن أن يتصدر الانتخابات، إلا إذا استطاع تعويض تراجعه المرتقب في المدن الكبرى، من خلال الفوز بمقاعد أخرى في الأرياف".

المتغيرات السياقية

وقال أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري بكلية الحقوق السويسي جامعة محمد الخامس بالرباط، عبد المنعم لزعر: "عمليا هناك أربعة أحزاب سياسية ترفع رهان تصدر الانتخابات التشريعية المقبلة، وهي الأصالة والمعاصرة، والتجمع الوطني للأحرار، والعدالة والتنمية، والاستقلال".

وأوضح لزعر لـ"الاستقلال" أن "فرص هذه الأحزاب في احتلال الصف الأول قائمة، مع أفضلية لكل من الأحرار والأصالة والمعاصرة، وبالنسبة للأول فقد قام منذ فترة باعتماد إستراتيجيات تواصلية متعددة الرهانات".

ولفت إلى أن "الحمامة استثمر لدخول غمار الانتخابات التشريعية المقبلة في نخب نوعية، تتوزع بين نواب برلمانيين ذوي تجربة، ورؤساء بلديات وعدد من الأعيان ورجال المال والأعمال"، وهذا الاستثمار -بحسب المتحدث- سيجعل "الأحرار منافسا قويا على تصدر الانتخابات".

واستدرك لزعر قائلا: "لكن يجب أن لا نغفل معطيات أخرى يمكنها أن تؤثر في تموقع الحزب وإستراتيجياته الانتخابية من قبيل المتغيرات السياقية وتعبيرات تصويت الناخبين ونسب المشاركة ورهانات الدولة وغيرها من المتغيرات التي يمكنها أن تغذي رهانات الحزب بشحنات طاقية مساندة أو مناوئة".

وخلص أستاذ علم السياسة إلى أنه يمكن القول: إن "حزب الأحرار مرشح لتصدر الانتخابات التشريعية المقبلة، ولكن فوزه أو خسارته لهذا الرهان يرتبط بطبيعة الموجات الطاقية التي تولدها تلك المتغيرات، وهي متغيرات تؤثر في العملية الانتخابية وتستجيب لها".

ثقل الأرياف

من جهته اعتبر المحلل السياسي، بلال التليدي، أن "الانتخابات المقبلة رهينة بتغيير النموذج الانتخابي بشكل كامل، إذ كان في السابق رهان على الأرياف، حيث مركز الثقل، باعتبار الدوائر الانتخابية الموجودة فيها كانت تمثل أضعاف دوائر المدينة، وبالتالي السياسة التي يفترض أن تكون في المدينة كانت في النهاية ملحقة بالنتائج التي تحققها الأرياف".

وأوضح التليدي لـ"لاستقلال" أنه "مع عهد الملك محمد السادس تغير النموذج وتحول مركز الثقل إلى المدينة باعتماد (نمط اللائحة)، وكان الرهان على التنافس الانتخابي والتوازن في الحقل السياسي باعتبار أن التقاطب على أساس إيديولوجي مكن من إحداث فرز داخل المعارضة".

وتابع: "لم يعد هناك ما يسمى بالتحالف الإستراتيجي بين حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، وإنما دخل الإسلاميون كمكون استطاع أن يفرز المعارضة السابقة ويحولها إلى أحزاب متنافسة فيما بينها".

وأضاف المحلل: "هذا النموذج الذي آتى أكله سنة 2002، بدأ يتعرض لتوترات كبيرة في 2007 بعد تحقيق العدالة والتنمية لنتائج مهمة ووصل إلى ذروته ومنتهاه، بل إلى أزمته في 2016، اليوم تغير النموذج الانتخابي بشكل كبير، بحيث عاد مركز الثقل إلى البادية وإلى المناطق التي لا تشكل المدينة مركز ثقل فيها".

اليوم السياسة في المدينة، بحسب المتحدث، "لن تكون لها أي نتيجة، بحيث إن الأحزاب الكبرى ستكون متساوية؛ فكل حزب سيأخذ مقعدا واحدا باعتماد القاسم الانتخابي الجديد، بما يعني أن الذي سيحسم نتائج الانتخابات هو العالم القروي ومناطق الأقاليم الجنوبية والريف في الشمال الشرقي للمملكة". 

ولفت التليدي إلى أن "هذه المناطق معروفة بأنها لا تعرف استقرارا في الولاء السياسي، والذي يحدد النتيجة، هو ظاهرة الترحال السياسي من حزب إلى آخر".

وتابع: "لا يمكن أن أتوقع من يستطيع أن يفوز بالعملية الانتخابية، وإن كنت أقول بأن الذي يتمكن من حشد أكبر عدد من الأعيان في هذه المناطق التي تحدثت عنها، هو الذي سيحسم النتيجة".

وخلص التليدي إلى أن "حزب العدالة والتنمية لازالت له حظوظ، وإن كان قد فاز بالرتبة الأولى -وهذا جد مستبعد- فستكون شروط تشكيل حكومته أسوأ بكثير من شروط تشكيل حكومة العثماني".