تسيطر على موارده.. هكذا تستخدم إسرائيل ورقة المياه لابتزاز الأردن

قسم الترجمة | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

رغم أن الأردن وإسرائيل اتفقتا عام 1994 على التوزيع العادل للمياه في نهر اليرموك والمياه الجوفية في اتفاقية وادي عربة، فإن تل أبيب لم تسمح بإمداد عمان بالموارد المائية الكافية، وتستخدمها ورقة ضغط سياسية.

وهذا الأمر الذي تعنت فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يؤدي إلى تصاعد الأزمة بين البلدين، وفق ما قال الكاتب متين ضويار في مقال نشرته وكالة الأناضول التركية.

ويردف قائلا: ومن أجل فهم أفضل للقضية، من المهم تناول أزمة المياه ككل بين الأردن وإسرائيل، في وقت أصبحت فيه المياه إحدى أهم القضايا الإستراتيجية في عصرنا؛ نظرا للزيادة السريعة في عدد سكان العالم.

سياسات غير عادلة

ويقول ضويار: يعتبر الماء عنصرا إستراتيجيا في منطقة الشرق الأوسط المشهورة بمواردها النفطية، فهي تملك 1 بالمئة من مجموع الموارد المائية في العالم مع أنها تستضيف 5 بالمئة من سكانها.  

وعلى الرغم من أنها لا تؤدي إلى صراع مباشر بين دول المنطقة، فإن أزمة المياه تعمل على زيادة تصورات التهديد الأمنية.

ويشرح ذلك بالقول: تقع نصف البلدان التي تعاني من أزمة مياه، في هذه المنطقة، فيما يؤدي سوء استخدام الموارد المائية وإهدارها إلى تفاقم المشكلة أكثر فأكثر. 

وإلى جانب أن هناك استنفاد سريع للمياه السطحية والجوفية، يبرز تلوث الموارد الحالية وزيادة معدلات الملوحة كعوامل أخرى تجعل لأزمة المياه أبعادا متعددة.

ويضيف: وكما تعلمون، هناك أزمة مائية في الشرق الأوسط بين تركيا وسوريا والعراق وبين الأردن وفلسطين وسوريا وإسرائيل وبين مصر والسودان. 

وفي سياق الموضوع، فإن نهر الأردن، والذي يعتبر بمثابة الشريان الحيوي للمملكة الهاشمية وفلسطين وإسرائيل وسوريا ولبنان، يقع تحت السيطرة الإسرائيلية. 

وجدير بالذكر أن سياسات المياه في الشرق الأوسط لا يتم تشكيلها وفقا للحاجة، وإنما وفقا لموازين القوة. 

وبالطبع فإن إسرائيل تسيطر على توزيع المياه واستخدامها نظرا لتفوقها في القوة. ولهذا فإن هذا التوزيع في الشرق الأوسط غير عادل فوق كونها غير كافية. 

ووفقا للتوقعات، ستنخفض الموارد المائية في المنطقة بما يكفي لتلبية احتياجات مياه الشرب فقط بعد 30 عاما. 

ويعتبر الأردن وفلسطين وإسرائيل من أكثر البلدان التي تعاني نقصا في المياه. ويمكن فهم حجم الأزمة بشكل أفضل عند النظر إلى بيانات المعهد العالمي للموارد المائية.

وتبلغ حصة الفرد المائية في إسرائيل 382 مترا مكعبا سنويا، بينما تبلغ في الأردن 314 مترا مكعبا سنويا، وفقا للكاتب التركي.

وأردف: البلدان التي تعاني من نقص في المياه، على شفا حفرة من توقف إنتاج الغذاء والنمو الاقتصادي وفقدان الاستقرار السياسي والصحة العامة وبيئتها الطبيعية. 

وما يجعل الصورة الواقعية أسوأ، أن حصة الفرد السنوية من المياه في غزة تبلغ حوالي مائة متر مكعب فقط، وذلك لأن تملح الأراضي الزراعية في هذه المنطقة ومستوى تلوث الموارد المائية يجعل الوضع أكثر كارثية. 

وتشير التقديرات إلى أن المياه الصالحة للشرب ستنعدم في غزة ومخيمات اللاجئين في المستقبل القريب. وهناك 10 دول في الشرق الأوسط تعاني من نقص في المياه بمن فيهم فلسطين، وفق الكاتب.

أزمة نهر الأردن

ويستدرك ضويار: ربما كان الأردن البلد الأكثر معاناة في المنطقة من حيث الموارد المائية.

ويضطر هذا البلد الذي يغطي الصحراء معظم أراضيه، إلى أن يتقاسم موارده المائية الحالية مع الدول المجاورة التي تفوقه قوة من حيث السياسة والاقتصاد.

ويقع حوض نهر الأردن في قلب أزمة المياه في الشرق الأوسط. 

في حين يمثل الأردن وفلسطين وإسرائيل ولبنان وسوريا التي تشترك في هذا الحوض (18000 كيلومتر مربع)، الجهات الفاعلة الرئيسة في أزمة المياه في المنطقة. 

وبينما يعود 54 بالمئة من مساحتها للأردن، و30 بالمئة منها لسوريا و14 بالمئة منها لإسرائيل و2 بالمئة منها للبنان، يستمد الحوض مياهه، من المملكة الهاشمية بنسبة 27 بالمئة ومن تل أبيب بنسبة 32 بالمئة ومن دمشق بنسبة 31 بالمئة (بما في ذلك نبع بانياس)، بحسب الكاتب.

لكن قوة إسرائيل العسكرية والاقتصادية تسمح لها بتنفيذ سياساتها الخاصة بسهولة ومنع الدول الأخرى من تطبيق سياساتها. 

ومن المعروف أن سيطرة إسرائيل على مياه الأردن العليا أدى إلى جفاف 3500 هكتار من الأراضي الزراعية في فلسطين والأردن.

فالأردن غير قادر على الحصول على حاجته من المياه في ظل السيطرة الإسرائيلية منذ 1967، لدرجة أن هناك مناطق لا يمكن إمدادها بالمياه غير مرة في الأسبوع. 

وفي هذا السياق يسود الاعتقاد بأن ضعف الأردن سياسيا وعسكريا يحول دون حصوله على حصته من المياه.

وفي هذا السياق، مهدت محاولة الأردن لعرقلة خطة نتنياهو ضم وادي الأردن عام 2020، والذي يغطي حوالي 30 بالمائة من الضفة الغربية المحتلة، الطريق أمام إسرائيل لإعادة استخدام الموارد المائية كأداة ضغط وعقاب.

وتعمل إسرائيل على تقليص إمدادات المياه إلى الأردن لدفع الحكومة في عمان إلى التراجع عن موقفها من الضم، مع أنه تم التوقيع على اتفاقية شاملة ودائمة بين إسرائيل والأردن في عام 1994، تعالج جميع قضايا المياه بين البلدين. 

إسرائيل وأمن المياه

واستطرد الكاتب: لا ترغب إسرائيل في الانسحاب من مرتفعات الجولان أيضا التي تعد مهمة للغاية من حيث الأمن العسكري والأمن المائي، دون الحصول على ضمانات معينة. 

فبفضل الجولان، تسيطر إسرائيل على نهري اليرموك وبانياس وبحيرة طبرية. كما تشكل الينابيع في هضبة الجولان موارد مياه مهمة للمستوطنين اليهود هناك.

وتابع الكاتب: كما وتسيطر إسرائيل على استخدام المياه في الضفة الغربية ولا تسمح للفلسطينيين بحفر آبار جديدة لأغراض غير مياه الشرب. 

ومن المعروف أيضا أن إسرائيل حفرت آبارا عميقة تستهلك المياه الجوفية هناك بسرعة كبيرة وتضر بالبنية الجيولوجية للمنطقة.

فوق ذلك، تصر إسرائيل على شراء المياه الزائدة من نهر الليطاني في لبنان، لكن مخاوف بيروت من مطالبة تل أبيب بذلك في المستقبل كحق مكتسب، وموقف سوريا والعرب المعارض لهذا تدفعها إلى الرفض. 

ويعتبر نهر الليطاني من أنظف وأوفر الينابيع ماء في هذه المنطقة التي تعاني من نقص في المياه. 

وجدير بالذكر أن لبنان لا يعاني من أزمة مائية كبيرة اليوم، مع أنه لا يتمكن من الاستفادة الكاملة من نهر العاصي بما أنه مشترك مع سوريا.

على الناحية الأخرى يرتبط لبنان بحوض نهر الأردن بما أنها منبع لنهر الحاصباني. 

لكن لا توجد مشكلة في تقاسم المياه هنا؛ حيث تذهب مياه نهر الحاصباني مباشرة لإسرائيل دون المساس بها، يلفت الكاتب التركي.

ويضيف: ومن الأهمية بمكان ضمان التوزيع العادل للمياه ووضع السياسات بما يعمل على تحسين وضع الفئات التي تعاني نقصا فيها. 

 وتتطلب سياسات المياه لإسرائيل الاستخدام الأمثل لموارد المياه السطحية والجوفية. 

لكن هذا يعني على الناحية الأخرى أن إسرائيل لن تتخلى عن الأراضي الفلسطينية ومناطق المياه التي احتلتها في الماضي. 

ويؤكد هذا تنفيذها لسياسات فتح مستوطنات جديدة في الأراضي المحتلة وتوسيع المستوطنات القائمة.

وذلك لأن الموارد المائية المحتلة مهمة جدا من حيث التنمية الاقتصادية ووجود الدولة الإسرائيلية واستمراريتها. 

ويتجلى هذا بوضوح في موقف إسرائيل وشروطها فيما يتعلق بتشكيل الدولة الفلسطينية. وهكذا تستخدم تل أبيب المياه كورقة ضغط سياسية ونفسية بما أنها تسيطر على الموارد المائية في المنطقة.

ويختم الكاتب مقاله بالإشارة إلى أن الحل الأنسب للحيلولة دون حرب جديدة يكمن في اجتماع الدول المعنية وتباحثها لضمان تقاسم الموارد الشحيحة على أرضية إنسانية. ولو لم يحدث ذلك، ستفضي الحروب المائية إلى نتائج مأساوية لا نهاية لها. 

ويضيف: وبما أن الماء حق من حقوق الإنسان، يجب أن يتم تأطير سياسات المياه بأطر أخلاقية قائمة على مبادئ العدل والإنصاف. 

كما يجب أن تكون هذه الأطر تحت ضمان أطراف الأزمة والاتفاقيات الدولية على حد سواء.