السياحة بين إسرائيل والعالم العربي والإسلامي.. الواقع والمستقبل

12

طباعة

مشاركة

تمهيد

1 - السياحة الإسرائيلية إلى العالم العربي والإسلامي

- مصر والأردن

- المغرب العربي

- دول الخليج

- تركيا

2 - سياحة العرب والمسلمين إلى إسرائيل

- أرقام ومعلومات مهمة

3 - التسهيلات/المعوقات

4 - التطلعات الإسرائيلية بعد اتفاقات التطبيع

خاتمة


تمهيد

إلى أي مدى تهدف إسرائيل أن تكون السياحة اختراقا جديدا في علاقتها مع العالمين العربي والإسلامي؟ وإلى أي مدى أسهمت الرؤى القاصرة في مزيد من التطبيع وإقرار بأوضاع راهنة تخدم المصالح الصهيونية في نهاية الأمر؟ 

كيف تتفاوت المجتمعات العربية والإسلامية فيما بينها في مجال السياحة مع الاحتلال الإسرائيلي؟ وكيف أن أغلب المجتمعات العربية – رغم الأرقام الصادمة أحيانا - لازالت مقاومة للتطبيع؟

كيف يمكن تفسير زيادة أعداد السياح العرب أو المسلمين إلى الأراضي المحتلة؟ وكيف أن بعض الأنظمة العربية تسمح للسياح الإسرائيليين بما لا تسمح به لمواطنيها؟ وكيف تعول إسرائيل على اتفاقات التطبيع الأخيرة في تحقيق مكاسب سياحية واقتصادية كبيرة فضلا عن تسريع خطى التطبيع؟

تحاول هذه الورقة أن تجيب على كل هذه الأسئلة، محاولة الكشف عن جانب مهم من جوانب التطبيع بين العالمين العربي والإسلامي وإسرائيل.


1 - السياحة الإسرائيلية إلى العالم العربي والإسلامي

- مصر والأردن

حين نتحدث عن السياحة بين مصر والأردن من ناحية وإسرائيل من ناحية أخرى من الضروري أن نضع في الحسبان أن البلدين هما أقدم بلدين عربيين أقاما علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وأن نضع في الحسبان أيضا أن هناك حدودا مشتركة بين البلدين وإسرائيل واتفاقات تنظم الحركة بينهم.

فمثلا في حالة مصر يمكن للسائح الإسرائيلي أن يدخل سيناء ببطاقة الهوية الإسرائيلية فقط دون الحاجة لجواز سفر، وهذا يؤدي إلى انخفاض التكلفة ومن ثم زيادة كبيرة في أعداد السياح الإسرائيليين.

يظهر ذلك واضحا في أعداد السياح الإسرائيليين الذين يمرون عبر معبر طابا، فقد أعلنت الخارجية الإسرائيلية عن زيارة نحو 702 ألف سائح إسرائيلي إلى مصر عام 2019، أكثر من نصف مليون منهم دخلوا إلى مصر عبر معبر طابا حسب بيانات منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة (UNWTO)، وهي زيادة أكبر بكثير مقارنة بعام 2018 التي دخل مصر فيها (405399 سائح إسرائيلي)، بعضهم فقط يزور القاهرة، والغالبية العظمى تتنقل في جنوب سيناء - وهي الوجهة المفضلة للإسرائيليين في السنوات الأخيرة - لزيارة شرم الشيخ ودير سانت كاترين ودهب ومحمية رأس محمد، متجاهلين تحذيرات أجهزة مكافحة الإرهاب.

هذا التجاهل منطقي في ظل أن جنوب سيناء تعتبر وجهة آمنة بالنسبة للإسرائيليين بعكس شمال سيناء، إذ لم يتعرض السياح الإسرائيليون في جنوب سيناء لهجمات إرهابية منذ حادثة طابا ورأس شيطان في عام 2004، والتي قتل فيها 34 سائحا، 12 منهم من الإسرائيليين. 

لكن قد تضطر الظروف أحيانا ونتيجة لتهديدات أمنية إلى إغلاق مؤقت ومحدود لمعبر طابا، مثلما حدث في عطلات عيد الفصح اليهودية عام 2017، لكن هذا لا يطول عادة لأن الغالبية العظمى من العمليات الإرهابية تقع في شمال سيناء التي لا يفضلها الإسرائيليون.

وفي ظل انتشار وباء كورونا أغلق المعبر في بداية شهر مارس/آذار الماضي، وتأخر إعادة فتحه رغم ضغوط الإسرائيليين المهتمين بالسفر إلى سيناء في الصيف وعطلة أكتوبر.

وفي ظل أزمة هذا الوباء عالميا والذي سيظل – على ما يبدو - مؤثرا على المدى القريب خاصة مع القيود المتزايدة على السفر الجوي الدولي، فإن الإسرائيليين يرون أن مصر وإسرائيل أمام فرصة فريدة لتعزيز المصالح المشتركة في مجال السياحة، في ظل الاشتراك في الحدود الجغرافية، من ذلك مثلا إمكانية تفعيل الكشف المبكر والسريع عن الفيروس للعابرين في كلا الجانبين، ومنها كذلك التنسيق الأمني لتحديد المخاطر التي يمكن أن تؤثر سلبا على حركة السياحة.

لكن ينبغي أن نشير هنا إلى أنه ورغم هذا العدد الكبير الذي يزور مصر سنويا ويدل على حجم التطبيع الرسمي، وكيف أن الاتفاقات بين مصر وإسرائيل قد منحت الإسرائيليين ميزات لا يتمتع بها المصريون في بلدهم، إلا أن ذلك لم يمنع بعض المواقع العربية من اعتماد أرقام غير دقيقة تبالغ في الأعداد ومبنية فقط على توقعات.

المفارقة هنا أن السائح الإسرائيلي إلى سيناء لا يلقى من المعوقات ما يلقاه المصريون، الذين لا يدخلون سيناء إلا لو كانوا حاملين بطاقات هوية صادرة في سيناء، أو يعملون في جهات حكومية أو خاصة في شمال أو جنوب سيناء، وفي حالة السياحة ينبغي إبراز عقد تملك أو إيجار عقار ما أو حجز فندقي عند نقاط التفتيش.

وإذا كان دخول سيناء ميسورا للسائح الإسرائيلي، فإن زيارته لبقية مناطق مصر لا تتطلب سوى بعض الوقت لاستخراج تأشيرة دخول من خلال السفارة المصرية في تل أبيب، أو القنصلية المصرية في إيلات.

وعادة ما يأخذ استخراج التأشيرة من أسبوعين إلى 3 أسابيع، لذلك يحرص السياح الإسرائيليون الراغبون في زيارة مصر على طلب التأشيرة قبل رحلتهم بشهر تقريبا.

أما بالنسبة للأردن فإنها - طبقا لبيانات منظمة السياحة العالمية لعام 2018 – تعد الوجهة العربية الثانية التي يتوجه إليها السائح الإسرائيلي، حيث سجل مرور (95854) من السياح الإسرائيليين عبر المعابر الأردنية، لكن من الضروري أن نضع في الاعتبار أن كثيرا من السياح الإسرائيليين إلى الأردن هم من الفلسطينيين الحاملين لجوازات سفر إسرائيلية ويقومون بزيارة الأردن للقاء أقاربهم وأصدقائهم.

وبشكل عام ينقسم السياح القادمون من إسرائيل إلى الأردن إلى فئتين، الأولى الفلسطينيون الذين لديهم جواز سفر إسرائيلي (من عرب 48 أو غيرهم) وهؤلاء عادة يذهبون إلى العقبة وعمان للأغراض الترفيهية وزيارة الأقارب كما ذكرنا. 

أما الفئة الثانية فهم الإسرائيليون، وهؤلاء يفضلون التوجه للبتراء وعمل جولات في صحاري جنوب الأردن وهؤلاء يدخلون إما من معبر جسر الشيخ حسين في إربد، أو من خلال معبر وادي عربة عند خليج العقبة، حيث يدفع المسافر حوالي 100 شيكل عند الدخول، و50 عند المغادرة، والمعتاد أن تكون الإجراءات ميسرة، إذ لا يستغرق المرور أكثر من نصف ساعة.

تنبع أهمية الأردن هنا بالنسبة للسياحة الإسرائيلية في أنها تلعب دور الوجهة الوسيطة التي يتحرك من خلالها السياح من إسرائيل إلى الشرق الأقصى والبلاد الإسلامية والعربية - ممن لا يقيمون علاقات دبلوماسية مع إسرائيل – والعكس، ومن خلالها ينتقل فلسطينيو الداخل إلى السعودية لأداء مناسك الحج والعمرة، وبالمثل يتوجه من خلالها مسيحيو الداخل للسفر إلى لبنان والعودة.

كما أن الراغبين في زيارة الأماكن الإسلامية المقدسة بالقدس يذهبون عبر الأردن. وبالطبع تحقق الأردن استفادة مالية كبيرة من وراء ذلك لأن هؤلاء السياح عادة ما يقضون عدة ليال في عمان إضافة لتذاكر السفر، ورسوم العبور وغير ذلك.

- المغرب العربي

تعد الطائفة اليهودية بالمغرب أكبر طائفة يهودية في البلدان العربية، ويبلغ عددهم حاليا حوالي 6000 آلاف نسمة، وهي تتراجع بشكل مستمر نتيجة ترك المغرب إلى فرنسا وإسرائيل وإسبانيا وبلدان أخرى. 

هذا بالطبع يؤثر في نوعية السياح الإسرائيليين نظرا لوجود روابط بين أبناء هذه الطائفة والإسرائيليين ذوي الأصول المغربية.

وطبقا لموقع باسبورت نيوز الإسرائيلي المتخصص في السياحة والطيران فإن عدد السياح الإسرائيليين إلى المغرب منذ عام 2013 يزيد سنويا بنسبة 20 بالمئة تقريبا، وزاد تحديدا في 2017 بنسبة 26 بالمئة، وقد وصل عددهم في عام 2018 إلى 36 ألفا. ثم زاد أكثر في 2019 ليصل إلى حوالي 45 ألف سائح. 

وحسب البيانات، فإن السياح الإسرائيليين إلى المغرب ينقسمون إلى مجموعات متنوعة، منها 30 بالمئة من المحافظين، و20 بالمئة مجموعات مغلقة خاصة تنظم بشكل مستقل، والباقي 50 بالمئة رحلات مفتوحة منظمة عبر الشركات.

ويلاحظ وجود اهتمام متزايد من السياح الإسرائيليين بالسفر إلى المغرب لممارسة رياضة ركوب الأمواج.

يلاحظ أيضا في الأعوام الأخيرة أن ثمة توجها متزايدا من السياح الإسرائيليين نحو السفر بشكل مستقل للمغرب بعد أن كانوا سابقا يذهبون ضمن رحلات منظمة. 

وعادة ما يتوجه هؤلاء السياح للمغرب (وكذلك تونس) عبر وجهات وسيطة بين البلدين، أكثرهم عبر تركيا، والباقي عبر دول أوربية خاصة فرنسا وإيطاليا وإنجلترا وألمانيا، نتيجة عدم وجود طيران مباشر بين البلدين رغم وجود فروع لشركات سياحة إسرائيلية تعمل في المغرب منذ عام 2009 .

ورغم أشكال التطبيع المتعددة بين البلدين في السياحة والرياضة ومهرجانات السينما والحفلات الموسيقية، إضافة إلى التعاملات الاقتصادية التي تتم عادة عبر وسطاء.. وغير ذلك من أشكال التطبيع.

وفي ظل إقبال الإسرائيليين على السياحة إلى المغرب، فإن عدم وجود طيران مباشر بين البلدين يؤثر في عدم نمو السياحة بين البلدين على النحو الذي ينشده خبراء السياحة الإسرائيليون.

مع توقعهم أن التطبيع الذي قامت به الإمارات (اتفاق أبراهام) سوف يشجع دولا أخرى من ضمنها المغرب إلى فتح علاقات مماثلة، وإقامة خطوط طيران مباشرة بين تل أبيب والرباط على نحو ما كان موجودا قبل الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت عام 2000 إثر دخول أرئيل شارون (رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت) إلى باحات المسجد الأقصى.

وحسب إعلانات شركات السياحة الإسرائيلية في مارس/آذار 2020 (قبل حظر الطيران الدولي بفترة وجيزة) فإن رحلة السائح الإسرائيلي إلى المغرب عبر مطار إسطنبول لمدة 11 يوما تتكلف حوالي 2000 دولار شاملة تذاكر الطيران ذهاب وعودة، وتأشيرة الدخول والتنقلات الداخلية عبر المدن المغربية ورحلات السفاري وركوب الجمال والإقامة في فنادق خمس نجوم.

بالنسبة لتونس هناك معطيات تؤثر في نوع السياحة الإسرائيلية إليها وحجمها، منها أن تونس بها طائفة يهودية تقدر بحوالي 1500 يهودي.

ومنها كذلك أن روني الطرابلسي الذي كان وزيرا للسياحة بين 2018 و 2020 هو من أبناء الطائفة اليهودية التونسية، ومنها كذلك التخوفات الأمنية على الإسرائيليين بسبب الاغتيالات التي نفذها الموساد في تونس كاغتيال خليل الوزير (أبو جهاد) ومحمد الزواري.

واعتبر الطرابلسي أن 90 بالمئة من السياح اليهود القادمين من إسرائيل هم من أصول تونسية، وبالتالي فإنهم يستحقون العودة والحصول على جوازات سفر تسهل دخولهم إلى بلدهم الأصلي.

ويبدو أن أغلب السياح الإسرائيليين يأتون إلى تونس لأهداف دينية أو لارتباطات عائلية محدودة، إذ تتركز زيارتهم في ذكرى الاحتفالات السنوية في معبد الغريبة اليهودي في مدينة جربة التونسية، ويتحركون في حراسة أمنية مشددة. 

لم تمر تصريحات الطرابلسي مرور الكرام في تونس، وتعرض لحملة انتقادات شديدة ومطالبات بإقالته الفورية، ما يعد دليلا على حياة المجتمع التونسي وتمسكه بمقاومة التطبيع، وربما يدل على ذلك أن أعداد السياح الإسرائيليين إلى تونس لا تزيد عن بضع مئات.

- دول الخليج

في السنوات السابقة لاتفاقات التطبيع الخليجية الإسرائيلية لم تكن دول الخليج الوجهات العربية التي يريد السائح الإسرائيلي التوجه إليها، فقد كان الطلب الأكبر فيما يخص السائح الإسرائيلي العادي على الرحلات إلى مصر والأردن والمغرب وتونس. 

أما العلاقة بين إسرائيل والخليج فكانت بالأساس علاقات تعاون أمني استخباري واقتصادي وسياسي غير معلن، وهذا يجعلها محدودة على مستوى أعداد السائحين الإسرائيليين إلى دول الخليج. 

وبينما يمكن أن نصل إلى معلومات عن عدد السياح الخليجيين إلى إسرائيل، فإنه من الصعب أن تتوفر معلومات عن أعداد السياح الإسرائيليين إلى دول الخليج، وهي على ما يبدو أعداد محدودة ترتبط بنوعيات السياح المذكورة آنفا.

من ذلك مثلا أن الإمارات كانت ستنظم معرض EXPO في دبي خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول 2020، وكانت ستستقبل العديد من رجال الأعمال والسياح الإسرائيليين ضمن فعاليات المعرض، إلا أن ظروف الوباء العالمي أدت لإرجائه.

كانت تل أبيب تستعد لإقامة جناح إسرائيلي طوال مدة المعرض ولمدة 6 أشهر لتقديم أفضل المشاريع المبتكرة في إسرائيل، وكان المنظمون قد تعهدوا بترتيب زيارة الإسرائيليين إلى الإمارات. 

خطورة الأمر هنا تنبع من أن مثل هذه المناسبات تفتح أبواب الخليج كسوق سياحي لم يجربه الإسرائيليون بعد وبالتالي سوف يؤدي ذلك إلى انفتاح دول الخليج (الإمارات والبحرين حاليا) أمام السياحة الإسرائيلية بشكل واسع، رغم أن أكثر السياح الإسرائيليين كانوا – قبل اتفاق أبراهام - يذهبون ضمن وفود تنظم من خلال وزارة الخارجية الإسرائيلية.

وبالنسبة للسعودية فهي أيضا ليست بمنأى عن السياحة الإسرائيلية، التي تقتصر بالأساس على مسؤولين أمنيين ورجال أعمال.

وتشير سمدار بري محررة الشؤون العربية في يديعوت أحرونوت إلى أنه رغم الإنكار الرسمي السعودي لمثل هذه الزيارات، إلا أن وزير الداخلية الإسرائيلي أرييه درعي وقع في يناير/كانون الثاني 2020 أمرا يسمح للإسرائيليين بالسفر إلى السعودية، ودعا رجال الأعمال الإسرائيليين للتوجه إلى السعودية والبحث عن خيارات لمشاريع مشتركة.

وتشير بري كذلك إلى أنه خلال العامين الماضيين (2018/2019) قام عدد من الوفود الإسرائيلية بزيارة السعودية بشكل سري، وكان أغلب الإسرائيليين الذين ذهبوا إلى السعودية – وليس جميعهم – من مزدوجي الجنسية.

هناك أنشطة أخرى تجتذب عددا محدودا من السياح الإسرائيليين، كالأنشطة الرياضية التي يشارك فيها إسرائيليون أحيانا مثلما حدث في قطر والإمارات.

لكن الملاحظ هنا أن أشكال السياحة المشار إليها مع الدول الخليجية تتعلق حتى اللحظة بالأسر الحاكمة والنخب المرتبطة بها من رجال أعمال وكتاب وفنانين، أما الشعوب الخليجية فلا زالت في أغلبها بعيدة عن التطبيع.

وتعول إسرائيل على أن يفتح "اتفاق أبراهام" آفاقا واسعة في مختلف المجالات وعلى رأسها مجال السياحة، وسوف يأتي الحديث عنه لاحقا.

- تركيا

في مارس/آذار 1949، اعترفت تركيا بإسرائيل لتكون بذلك أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل. في هذا السياق تتعدد أوجه التعاون بين البلدين بشكل كبير، وإن تأثر سلبا بشكل واضح منذ صعود حزب العدالة والتنمية لحكم تركيا.

عادة ما كانت تركيا الوجهة المفضلة للسائح الإسرائيلي، حيث كان من المعتاد أن تستقبل تركيا أكثر من نصف مليون سائح إسرائيلي سنويا قبل أن يتراجع العدد بشكل حاد إثر الحرب الإسرائيلية على غزة في ديسمبر/كانون الأول 2008 (300 ألف سائح في عام 2009)، ثم تراجع أكثر في عام 2010 (110 آلاف) عقب مجزرة أسطول الحرية التي نفذتها القوات الإسرائيلية في مايو/أيار 2010 وراح ضحيتها 9 مواطنين أتراك، وجرح العشرات ممن كانوا على متن سفينة مرمرة التركية التي كانت في طريقها لكسر الحصار عن غزة، لكن الأمور عادت إلى طبيعتها تدريجيا بدءا من 2013 بعد اعتذار رئيس الوزراء الإسرائيلي عن المجزرة.

حققت السياحة الإسرائيلية إلى تركيا رقما قياسيا في عام 2019، حيث وصل عدد السياح الإسرائيليين إلى 560 ألف سائح، متجاوزا الرقم المسجل عام 2008 (528 ألف سائح). 

يضاف إلى ذلك أن تركيا تعد واحدة من أهم الوجهات الوسيطة بين إسرائيل وكثير من دول العالم خاصة الدول العربية والإسلامية التي لا تقيم علاقات سياسية مع إسرائيل.


2 - سياحة العرب والمسلمين إلى إسرائيل

- أرقام ومعلومات مهمة

شهدت السنوات الست من 2008-2014 زيادة كبيرة في عدد السياح إلى إسرائيل من الدول العربية والإسلامية، فمنذ عام 2009 حتى 2014 زار أكثر من 250 ألف سائح مسلم وعربي إسرائيل سرا، غالبيتهم العظمى ذهبت لإسرائيل لأسباب دينية، وبعضهم للعمل والتسوق. 

هذا العدد قفز قفزة كبيرة لاحقا، وطبقا لبيانات وزارة السياحة الإسرائيلية فإن عدد السياح العرب والمسلمين إلى إسرائيل وصل لأكثر من 98 ألف سائح في عام 2018 وحده، وأن 40.5 بالمئة من هذا العدد وصلوا بشكل مستقل، بينما وصل 57 بالمئة منهم في إطار رحلات منظمة.

تحرص إسرائيل على عدم نشر هذه المعطيات حتى لا تضر بهذا الاتجاه الإيجابي – بالنسبة لها - وتعد إندونيسيا، التي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، الدولة الإسلامية صاحبة أكبر عدد من السياح إلى إسرائيل: ففي السنوات الست المشار إليها قام 125 ألف سائح بزيارة إسرائيل.

وبنظرة سريعة على معدل الزيارات سنجد زيادة سنوية كبيرة، فقد تضاعف عدد السياح الإندونيسيين 3 مرات بين عام 2009 (9442 سائحا) وعام 2013 (29517 سائحا). ثم زاد هذا العدد خلال السنوات التالية ليصل إلى 37555 في عام 2018.

من ماليزيا - دولة أخرى ليس لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل - وصل 23483 سائحا في السنوات الست نفسها، في عام 2013 دخل إسرائيل 7859 سائحا ماليزيا، مقارنة بـ 584 سائحا فقط في عام 2009، أي أن العدد تضاعف بشكل مهول بين عامي 2009، و2013، ليزيد في عام2017 إلى حوالي 10 آلاف، ثم إلى 14 ألفا في عام 2018. 

ومن الإمارات العربية المتحدة زار 168 سائحا إسرائيل في السنوات الست، ومن المملكة العربية السعودية 38 سائحا، ومن قطر 73 سائحا، ومثلهم من سلطنة عمان، و200 من الكويت. 

ومن المغرب زار إسرائيل 6440 سائحا في تلك السنوات الست. واستقر عدد السياح المغاربة إلى إسرائيل عند 3000 سنويا في الأعوام من 2014 حتى 2018، مقارنة بـ 658 سائحا في عام 2009. 

وبالنسبة لمصر فقد قام أكثر من 13 ألفا بزيارة إسرائيل في السنوات الست، وتضاعف العدد من 1018 في عام 2009 إلى 4368 في عام 2014، ثم إلى 6281 عام 2018، ومن العراق 241 في نفس العام، ومن تونس تراوحت أعداد السياح التونسيين إلى إسرائيل بين 1100 و 1200 سنويا بين أعوام 2014 إلى 2017، ووصل العدد إلى 1442 في عام 2018. من الضروري هنا أن نضع في الاعتبار أن هذه الأرقام لا تشمل أصحاب جوازات السفر الأجنبية.

وعادة ما يكون للأردن الرقم القياسي للسياح الزائرين لإسرائيل من دول الشرق الأوسط، ففي السنوات الست المشار إليها زار إسرائيل 81 ألف أردني. لكن هذا يعود لسببين إما بسبب السياحة الترفيهية أو الزيارات التي يقوم بها الأردنيون ذوو الأصول الفلسطينية لأقاربهم من عرب 48.

لكن ثمة فئة أخرى من الأردنيين غير مشمولة بإحصاء عدد السياح، وهؤلاء عمال أردنيون يصلون إلى إسرائيل في رحلات اليوم الواحد بسبب قرب المسافة، وكشكل من أشكال التعاون التي نشأت نتيجة لاتفاقية السلام بين الأردن وإسرائيل؛ حيث يعملون في المواقع السياحية والفنادق في منطقتي البحر الميت وإيلات، وبذلك يقدمون حلا لنقص الأيدي العاملة في السوق الإسرائيلي في مجال الخدمات والضيافة مقابل تحقيق العامل الأردني لأجر يصل لضعف ما يحققه في الأردن دون أن يتغرب عن عائلته.

لا يمكن هنا أن نغفل الدور السلبي للسلطة الفلسطينية وتصريحاتها، ففي فبراير/شباط 2012 قال أبو مازن ضمن خطابه في مؤتمر الدفاع عن القدس في الدوحة بأن على المسلمين القيام بزيارة القدس لدعم السيطرة الفلسطينية على المدينة، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تغير فيها السلطة الفلسطينية وعلى لسان رئيسها موقفها القديم الرافض لزيارة المسلمين للمسجد الأقصى لاعتبار ذلك شكلا من أشكال التطبيع. 

ولا يخفى ما ينطوي عليه هذا الموقف من سوء تقدير، ورغم أن أساس الزيارات التي يقوم بها المسلمون تكون بهدف ديني لزيارة المسجد الأقصى إلا أن النتيجة الطبيعية لهذه الزيارات تصب بشكل شبه كامل في صالح إسرائيل من الناحية الاقتصادية، ومن ناحية تطبيع الشعوب معها خاصة وأنه لا توجد أي ضمانات أو إمكانية لقصر زيارة المسلمين على الأماكن الإسلامية وحدها، أضف إلى ذلك القبول الضمني بالهيمنة الإسرائيلية على القدس ومقدسات المسلمين فيها وعلى رأسها المسجد الأقصى بالطبع.

هذا الدافع سبب رئيس في السياحة التركية إلى إسرائيل، وفي زيادة أعداد السياح الأتراك، ورغم أنهم يمثلون أكبر عدد من سياح البلاد الإسلامية إلى إسرائيل في الوقت الحالي، إلا أن أعدادهم سابقا كانت محدودة للغاية، فطبقا لجريدة هآرتس كان عدد السياح الأتراك لإسرائيل أقل من 2000 سائح في عام 2006.

أما حاليا فإن تركيا تعد أكبر بلد إسلامي يزور مواطنوها إسرائيل، ففي عام 2018 قام أكثر من 40 ألف تركي بزيارة القدس. يرجع ذلك لسببين، أحدهما أن تركيا كانت أول بلد إسلامي يعترف بإسرائيل ويقيم معها علاقات دبلوماسية منذ 1949، والسبب الآخر وربما الأهم أن المؤسسات التركية تشجع مواطنيها على زيارة القدس والأماكن الإسلامية المقدسة فيها بطرق مختلفة.

ففي عام 2015 أصدرت هيئة الشؤون الدينية التركية قرارا بإدراج المسجد الأقصى ضمن برنامج المعتمرين، بتنظيم زيارة له لمدة 3 أيام قبل التوجه إلى مكة والمدينة المنورة. كما تقوم الخطوط التركية – بدعم  من الحكومة وبطلب من رواد مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المنظمات الأهلية مثل "وقف الأمة، وحجر الصدقة، وميراثنا" لصد الانتهاكات الإسرائيلية - بتخفيض أسعار تذاكر السفر إلى الأراضي المحتلة لتشجيع الأتراك على زيارة القدس والمسجد الأقصى، حتى أن ثمن التذكرة عادة ما يتراوح بين 110 إلى 300 دولار فقط لرحلتي الذهاب والعودة من إسطنبول إلى تل أبيب.

جدير بالذكر هنا أيضا أن إسرائيل قامت في الأعوام الأخيرة بتسهيل زيارات عدد من وزراء الخارجية العرب إلى المسجد الأقصى، ففي مارس/آذار 2018 رتبت لزيارة وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، ثم لوزير خارجية سلطنة عمان يوسف بن علوي بعدها بستة أشهر، وفي عام 2019 قام وفد كويتي مستقل بزيارة المسجد الأقصى بعد تنسيق مع مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي.

ما يلاحظ على الأرقام السابقة أنه لا يزال هناك موقف متماسك لدى الشعوب العربية ضد التطبيع، يؤكد على ذلك أن أعداد العرب الزائرين لإسرائيل تظل محدودة رغم ما يطرأ عليها من زيادة لها مبرراتها في حالة الأردن التي يضطر كثير من مواطنيها ذوي الأصول الفلسطينية إلى الذهاب إلى الأراضي المحتلة لزيارة أقاربهم من عرب 48. 

كما أن قلة أعداد السياح العرب تحديدا إلى إسرائيل تظل مثار عدم رضا عند خبراء السياحة الإسرائيليين خاصة في حالة مصر رغم مرور عدة عقود على اتفاقية السلام بين البلدين، ويظل الموقف الشعبي رافضا لزيارة إسرائيل حتى لو كانت الزيارة للمسجد الأقصى، كما أن مواقع التواصل الاجتماعي شاهدة على رفض شعبي واسع للتطبيع مع الاحتلال مثلما حدث مع الممثل المصري مؤخرا.


3 - التسهيلات/المعوقات

من الطبيعي أن تتأثر السياحة بحجم التسهيلات والمعوقات، وفي حالتنا هذه ثمة أمور تقوم بها إسرائيل لتشجيع سياحة العرب والمسلمين إليها، من ذلك مثلا أنها تسمح للسائحين القادمين من الدول الإسلامية والعربية التي لا تقيم علاقات مع إسرائيل بعدم ختم جوازات سفرهم دخولا أو خروجا – على حسب رغبتهم - حتى لا يكون ذلك مانعا من قدومهم، سواء كان قدومهم عبر مطار بن جوريون، أو عبر المعابر البرية مع الأردن. 

ورغم الحرص الإسرائيلي على استقبال مزيد من السائحين العرب والمسلمين لما يعكسه ذلك من تطبيع وقبول للأمر الواقع وتسليم بسلطة إسرائيل على الأراضي المحتلة، إلا أن المتطلبات الأمنية الإسرائيلية تؤدي إلى عكس ذلك أحيانا خاصة مع السياح القادمين من مصر والأردن، حيث تصنف مصلحة الهجرة والسكان الإسرائيلية البلدين بين البلدان التي ينبغي أخذ الحيطة الأمنية مع السياح القادمين منها، وضرورة موافقة الجهات الأمنية الإسرائيلية كشرط لمنح التأشيرة.

وتتخذ إسرائيل ضمانات أكبر في حالة قيام أحد مواطنيها بدعوة أحد مواطني هاتين الدولتين (أو أي من الدول التي تدخل ضمن هذا التصنيف) لزيارة إسرائيل بأن تشترط عليه أن يودع مبلغ يتراوح بين 10 آلاف إلى 30 ألف شيكل في البنك التابع لوزارة الداخلية الإسرائيلية ترد إليه بعد مغادرة السائح المدعو.

يزيد هذا المبلغ إلى 200 ألف شيكل إذا كان منظم الرحلة شركة من شركات السياحة، يضاف إلى ذلك بالطبع الصعوبات المحتملة التي قد يواجهها السائح المصري أو الأردني من مجتمعه أو سلطات بلاده.

هذه المعوقات الأمنية وغيرها لا تواجه السائح الإسرائيلي عند توجهه إلى مصر أو الأردن، إذ يمكن للسياح الإسرائيليين الوصول إلى البلدين بسهولة وبتكلفة منخفضة نسبيا من خلال طيران مباشر، أو بالحافلات أو السيارات الخاصة، فوجود سفارتي البلدين في تل أبيب يسهل إجراءات الحصول على التأشيرة.

ثمة تضييق مشابه لذلك يتعلق بالسياح الأتراك إلى إسرائيل، حيث تفرض إسرائيل قيودا على الشركات السياحية التي تنظم الرحلات للأتراك الراغبين في السفر إلى القدس، منها تخصيص زيارة واحدة لكل شخص في العام، وأحيانا يتم منع سياح أتراك من دخول إسرائيل مثلما حدث عام 2018 حين منع 90 تركيا من دخول إسرائيل في مطار بن جوريون.

هناك عقبات تتعلق بالتكلفة العالية والإجراءات المعقدة للسياحة العربية إلى إسرائيل، خاصة في حالة عدم وجود طيران مباشر، فالسياح المغاربة مثلا يضطرون للسفر إلى خارج المغرب للحصول على تأشيرة دخول لإسرائيل، ولكي يحصلوا عليها عليهم التوجه إلى السفارة الإسرائيلية في مدريد أو باريس، لكنهم في هذه الحالة سيحتاجون إلى تأشيرة دخول إلى الاتحاد الأوروبي وهو أمر ليس بالسهل، وبديل ذلك التوجه إلى القنصلية الإسرائيلية في إسطنبول لإجراء مقابلة هناك للحصول على التأشيرة، شريطة اجتياز الفحص الأولي بعد تقديم المستندات عن بعد، وبعد المقابلة يعود السائح إلى المغرب وينتظر عدة أسابيع للحصول على رد من القنصلية. 

إذا كان الجواب نعم، يمكن للسائح المغربي حينها المغادرة إلى إسرائيل، لكن عليه التوقف في طريقه مرة أخرى في إسطنبول لاستلام التأشيرة.

الصعوبات نفسها لا يواجهها السائح الإسرائيلي المسافر للمغرب، لأن شركات السياحة هي التي تستخرج له التأشيرة التي تسمح له بالبقاء لمدة 15 يوما في المغرب.


4 - التطلعات الإسرائيلية بعد اتفاقات التطبيع

يقول جاريد كوشنر مهندس "اتفاق أبراهام" للتطبيع بين إسرائيل والإمارات والبحرين في واحد من تصريحاته "سوف يتمكن المسلمون من كل مكان في العالم الآن من السفر لدبي وأبو ظبي ومن هناك إلى تل أبيب ويتمكنون من الصلاة في المسجد (الأقصى)".

تنبع أهمية اتفاق التطبيع الأخير مع الإمارات بالنسبة لإسرائيل فيما تنشده الأخيرة من مصالح كبيرة جراء هذا الاتفاق.

ففي مجال السياحة يشار إلى أن عدد المسافرين سنويا عبر مطارات الإمارات العربية المتحدة يتخطى حاجز الـ100 مليون مسافر سنويا، وكانت إسرائيل قبل هذا التطبيع تبحث عن وسيط تحصل من خلاله على نصف مليون إلى مليون سائح مسلم سنويا، كشكل من أشكال السياحة الدينية ولو للإقامة في الأراضي المحتلة ليومين أو ثلاثة تستفيد فيها إسرائيل اقتصاديا من زيارتهم للمسجد الأقصى.

ويتحدث خبراء السياحة الإسرائيليون عن أنهم يتطلعون إلى أن يزور إسرائيل سنويا مليون عربي ومسلم من جميع أنحاء العالم نتيجة هذه الاتفاقات، والمنتظر أن يكون للإمارات العربية دور كبير في فتح دول الخليج، وخاصة السعودية، للوصول لهذا العدد الذي لم يتحقق من قبل من خلال مصر والأردن رغم وجود علاقات سياسية بين البلدين وإسرائيل.

ولكي تصل إسرائيل لهذا العدد المنشود فإنها مطالبة وفقا لخبراء السياحة الإسرائيليين بأن تتخذ عددا من الخطوات: كأن تعتبر الحكومة فتح السوق الإسرائيلي أمام السياح العرب مهمة قومية، وأن تخصص ميزانية تسويق في الخارج موجهة بالأساس للدول العربية، وأن يتم دمج اللغة العربية في لافتات الطرق، وغير ذلك من الأمور التي تسهل للسياح العرب قضاء وقت جيد في إسرائيل.

ويؤشر التطبيع المتسارع بين شركات الطيران الخليجية وطيران العال الإسرائيلي على حجم التوقعات المنشودة في مجال السياحة وغيرها، ففي الخميس 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وقعت شركة العال الإسرائيلية وطيران الاتحاد الناقل الوطني لدولة الإمارات مذكرة تفاهم على العديد من القضايا المتعلقة بالطيران بما في ذلك التعاون في مجالات الصيانة والشحن في تل أبيب وأبو ظبي.

كما بدأت شركة طيران فلاي دبي بتسيير أولى رحلاتها المنتظمة إلى إسرائيل يوم الخميس 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 بوفد ترأسه الرئيس التنفيذي للشركة، وكان في استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وفي 6 أبريل/نيسان 2021، أطلقت شركة "الاتحاد للطيران"، الناقل الوطني لدولة الإمارات، أولى رحلاتها المنتظمة بين أبوظبي وتل أبيب.

وستسيّر الاتحاد للطيران رحلتين أسبوعيتين بين أبوظبي وتل أبيب كمرحلة أولية. وبالإضافة إلى الرحلات المباشرة بين الوجهتين، يمكن للمسافرين من تل أبيب الاستفادة من رحلات الربط والمتابعة إلى 35 وجهة عالمية، منها وجهات رئيسة في آسيا وشبه الجزيرة الهندية وأستراليا.

يشار كذلك إلى ما جرى من اتصال بين وزير السياحة البحريني زيد الزياني والإسرائيلي عساف زمير اتفقا فيه على التعاون المتبادل في مجال السياحة، وناقشا إمكانية إقامة شراكة ثلاثية في مجال السياحة بين الإمارات والبحرين وإسرائيل.

المنشود هنا أن تسهم شركات الطيران المذكورة في نقل السياح المسلمين من مختلف البلدان وليس فقط تلك التي وقعت اتفاق التطبيع مع إسرائيل مؤخرا.

ويشير المتخصصون الإسرائيليون في مجال السياحة إلى توقعات منظمة السياحة العالمية أنه بحلول عام 2050 سيشكل السياح المسلمون نصف عدد السياح في العالم تقريبا، وأنه على إسرائيل أن تستفيد من هذه الزيادة، خاصة وأن القدس تعتبر مركزا إسلاميا مهما يحرص المسلمون على زيارته.

تسعى إسرائيل بالطبع للاستفادة القصوى من التطبيع الحالي مع الإمارات والبحرين، وتخطط للتركيز على سياحة رجال الأعمال الخليجيين والنخب الثرية، لجلب الكثير من الأموال للشركات الإسرائيلية، إضافة لما ستؤدي إليه من عقد مؤتمرات وفعاليات تجذب مزيدا من السياح وتضخ أموالا طائلة في السوق الإسرائيلي. 

من المتوقع كذلك أن تنمو السياحة العلاجية من دول الخليج إلى إسرائيل والتي كانت قائمة فعليا وبشكل سري قبل اتفاقات التطبيع الأخيرة، حيث كان السياح ينزلون في المستشفيات أو فنادق قريبة منها. 

هذا بالطبع إلى جانب السياحة الترفيهية والسياحة المستقلة، التي ستحقق مكاسب كبيرة لإسرائيل على المستوى المالي لما هو متصور عن ثراء السائح الخليجي وإنفاقه الواسع.

أما المكسب الأهم لإسرائيل الذي تسعى إليه إسرائيل فهو التطبيع الشعبي مع دول الخليج الذي يسير بخطى حثيثة ومتسارعة من خلال فعاليات كثيرة تهدف إلى تشجيع فئات عربية جديدة للانضمام لقطار التطبيع، في ظل أنظمة قمعية – بعضها على الأقل – تشجع دعوات التطبيع، وتخيف الأصوات الرافضة من أن تعبر عن رفضها.


خاتمة

ما سبق يطرح تساؤلا مهما عن إمكانية أن تغير السياحة نظرة العرب والمسلمين إلى إسرائيل، سؤال يرتبط بالتوقعات المستقبلية، لكن الطبيعي أن كل اتصال مع إسرائيل يؤثر بقدر ما في إزالة الحواجز النفسية بين شعوب العالمين العربي والإسلامي والاحتلال الإسرائيلي، ويؤثر سلبا في مقاومة التطبيع بشكل تدريجي لكنه متسارع. 

وإذا وضع في الاعتبار أن مجالات التعاون المشترك بين المطبعين الجدد مع إسرائيل تتضمن صفقات إنتاج تليفزيوني ومهرجانات سينمائية مشتركة وحفلات غنائية وما يترتب عليها من زيارات عديدة بين البلدين، فضلا عن طبيعة الإنتاج الفني الذي سيستهدف تغيير قناعات الشعوب، فإن هذا يوضح أن التطبيع يراد له ألا يقتصر على طبقة النخبة الحاكمة وتابعيها، وأن يتعمق ليصل بين الشعوب التي لا تزال رافضة في أغلبها للتطبيع.

إن خطورة زيادة معدلات التبادل السياحي مع الاحتلال، وترك الأمر دون مقاومة، ربما يؤدي، إذا ما استمرت الزيادة وتمكنت إسرائيل من تحقيق مساعيها، إلى إخراج إسرائيل من حالة العزلة الشعبية والثقافية مع العالم العربي. 

وهذا يدق ناقوس خطر يفرض على مفكري الأمة ومثقفيها القيام بدورهم لمقاومة التطبيع، ومحاولة سد الثغرات التي تمكنت من خلالها إسرائيل اختراق بلدان إسلامية على النحو الذي كشفته الأرقام التي ذكرناها.