"سوء تفاهم عميق".. لماذا أوقف المغرب علاقاته مع السفارة الألمانية؟

خالد كريزم | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

فجأة ودون سابق إنذار، أعلنت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي المغربية في 2 مارس/آذار 2021 "تعليق كل علاقة اتصال أو تعاون مع السفارة الألمانية ومع كل المؤسسات التابعة لها"، داعية جميع القطاعات الحكومية لاتخاذ نفس الخطوة.

وفي رسالة وجهها وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة لرئيس الحكومة سعد الدين العثماني وباقي أعضاء الحكومة قال إن هذا القرار "جاء بسبب سوء التفاهم العميق مع ألمانيا في قضايا أساسية تهم المملكة".

لم تكشف الرباط عن سبب "سوء التفاهمات العميقة" مع ألمانيا ولا طبيعتها، إلا أن مصادر عديدة تحدثت أن الأمر مرتبط بملفين رئيسين هما ليبيا وإقليم الصحراء الغربية، إضافة إلى قضايا خلافية أخرى.

وفي ذات اليوم الذي صدر فيه القرار المغربي الجديد، أكّد مسؤول رفيع في وزارة الخارجية المغربية لوكالة الأنباء الفرنسية أنّ المملكة تريد الحفاظ على علاقاتها مع ألمانيا، إلا أنّ القرار هو "بمثابة تنبيه يعبّر عن استياء إزاء مسائل عدة".

وشدد المسؤول على أنّ "أيّ تواصل لن يحصل ما لم يتم تقديم أجوبة على أسئلة مختلفة تم طرحها"، دون تفاصيل أخرى.

إقليم الصحراء

تقول صحيفة هسبريس المغربية إن "القرار المتخذ جاء إثر تراكم عدد من القضايا التي تبين عدم وجود احترام للمملكة المغربية ومؤسساتها". 

وبحسب الصحيفة، من القضايا الخلافية بين البلدين موقف ألمانيا بشأن الصحراء الغربية، وانتقادها قرار الولايات المتحدة الاعتراف بسيادة المغرب على الأراضي المتنازع عليها.

كانت ألمانيا قد استدعت مجلس الأمن الدولي للانعقاد لمناقشة قضية الصحراء، إثر اعتراف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بسيادة المغرب عليها في ديسمبر/ كانون الأول 2020.

وأضافت مصادر هسبريس أن موقف ألمانيا الرسمي المنتقد لقرار ترامب القاضي بالاعتراف بمغربية الصحراء "لم يكن في المستوى المطلوب".

ألمانيا كانت أول دولة تشكك بشكل علني في شرعية قرار ترامب، وطالبت سفيرها في الأمم المتحدة كريستوف هوسغن بجلسة مغلقة لبحث هذا النزاع في 22 ديسمبر/كانون الأول 2020 وأبدى تعاطفا مع جبهة البوليساريو.

وقتها، أكد السفير أن نزاع الصحراء الغربية يحتاج إلى "إعادة إحياء المسار السياسي وتسوية مفاوضات واقعية وعملية ومستدامة".

وتأتي حساسية المغرب من قضية الصحراء وسط تخوفات من عودة الإدارة الأميركية الجديدة عن قرار ترامب كما فعل ساكن البيت الأبيض الجديد جو بايدن مع عدة قرارات اتخذها سلفه.

وتسعى جبهة البوليساريو التي تدعمها الجزائر إلى استقلال الصحراء الغربية عن المغرب الذي ضم المنطقة الصحراوية الشاسعة عقب انسحاب إسبانيا منها عام 1975 ويعتبرها جزءا لا يتجزأ من أراضيه.

وتأسست جبهة البوليساريو عام 1976 وحملت السلاح في وجه المغرب، مطالبة بانفصال الإقليم الغني بالثروة السمكية ويُعتقد بأن به مكامن نفطية. واستمرت الحرب بين الطرفين إلى أن تدخلت الأمم المتحدة عام 1991 لوقف إطلاق النار.

وطرح المغرب أكثر من مرة خطة الحكم الذاتي للمنطقة تحت سيادته، لكن البوليساريو وحليفتها الجزائر رفضتها ذلك وتطالبان بالاستقلال التام عن المملكة.

ملف ليبيا

نقلت كل من وكالتي الأنباء الفرنسية ورويترز عن مسؤولين أن القرار المغربي الجديد كان أحد أسبابه، استبعاد الرباط من المفاوضات حول مستقبل ليبيا خلال مؤتمر نظّمته برلين في يناير/كانون الثاني 2020.

 وقال مصدر دبلوماسي "رفيع المستوى" لرويترز إن عدم دعوة المملكة إلى اجتماع دولي بشأن ليبيا عقدته برلين، أظهر "عدم احترام" الدبلوماسية الألمانية للمؤسسات المغربية.

ولعب المغرب أثناء العام 2020 دورا في المفاوضات الدبلوماسية الليبية، إذ استضاف محادثات بين أعضاء البرلمانيين الليبيين المتنافسين خارج عملية ترعاها الأمم المتحدة بدأت في اجتماع برلين.

وفي 18 يناير/كانون الثاني 2020، عبر المغرب عن استغرابه لإقصائه من مؤتمر برلين. وقالت وزارة الخارجية المغربية في بيان إن "المملكة كانت دائما في طليعة الجهود الدولية الرامية إلى تسوية الأزمة الليبية".

ولفت البيان إلى أن "المملكة المغربية لا تفهم المعايير ولا الدوافع التي أملت اختيار البلدان المشاركة في هذا الاجتماع".

وبين أن الرباط "اضطلعت بدور حاسم في إبرام اتفاق الصخيرات، الذي يشكل حتى الآن الإطار السياسي الوحيد، الذي يحظى بدعم مجلس الأمن وقبول جميع الفرقاء الليبيين، من أجل تسوية الأزمة في هذا البلد المغاربي الشقيق".

واتفاق الصخيرات جرى توقيعه تحت رعاية أممية في مدينة الصخيرات المغربية، في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2015، لإنهاء الصراع في ليبيا.

وحسب البيان فإنه "لا يمكن للبلد المضيف لهذا المؤتمر (ألمانيا)، البعيد عن المنطقة وعن تشعبات الأزمة الليبية، تحويله إلى أداة للدفع بمصالحه الوطنية".

وأكد البيان أن المغرب "سيواصل من جهته انخراطه إلى جانب الأشقاء الليبيين والبلدان المعنية والمهتمة بصدق، من أجل المساهمة في إيجاد حل للأزمة الليبية".

أنشطة مشبوهة

أكثر من ذلك، تحدثت صحف مغربية عن قضايا خلافية أخرى منها ما يتعلق بجبهة البوليساريو وأخرى مرتبطة بنشاطات ألمانيا "المشبوهة" داخل الرباط وخارجها، تستهدف المملكة بطريقة أو بأخرى.

ونقلت جريدة "يا بلادي" عما أسمته مصدر مطلع أن القرار مرتبط "بشبهة التجسس. كانت برلين تسعى لجمع معلومات حساسة للغاية عن المملكة".

ذات المصدر أضاف أن القرار الذي أصدرته وزارة الشؤون الخارجية "يتعلق أيضا بالمؤسسات الألمانية الموجودة في المغرب، هذا يدل على خطورة الموقف"، وفق تعبيره.

وركز بيان وزير الخارجية المغربي على هيئات التعاون الألمانية والمؤسسات السياسية التابعة لها، وهو ما أكدته مصادر هسبريس بتشديدها على وجود بعض الأنشطة "المشبوهة" لهذه التنظيمات الألمانية في المغرب.

وتحدثت صحيفة هسبريس عن طلب المغرب تسليم محمد حاجب، السلفي السابق المعتقل على قضايا الإرهاب المستقر بألمانيا، الذي يسب مؤسسات البلاد بطريقة "هستيرية".

بدورها، قالت وكالة "أنفاس بريس" المغربية إن من بين الخلافات، إقدام برلمان ولاية "بريمن" الألمانية (في 28 فبراير/شباط 2021) على احتضان البوليساريو ورفع علمها أمام مبناه بمناسبة "الذكرى 45 لتأسيس الجبهة".

وأشارت الوكالة إلى أن هذا البرلمان اعتمد قرارا في 13 فبراير/شباط 2020 برفع علم جبهة للبوليساريو في 27 من ذات الشهر من كل سنة "احتفاء بذكرى ميلاد الجمهورية الصحراوية"، الأمر الذي يضرب في وحدة المغرب الترابية ويطعن المغاربة في أقدس قضية عندهم، بحسب "أنفاس بريس".

ووفق مصادر الموقع، فإن "برلمان بريمن الذي يسيطر عليه الاشتراكيون والخضر معروف بموالاته للبوليساريو ولعسكر الجزائر. وسبق هذا القرار، منح جائزة بريمن للتضامن، سنة 2013 للانفصالية أميناتو حيدار".

وفي عام 2019، مُنحت "جائزة نوبل البديلة للسلام" لنفس الشخصية وهو ما يبين مواصلة ضرب برلمان "بريمن"، واستهدافه للوحدة الترابية للمغرب، يقول الموقع.

مستقبل العلاقات

بدوره، يرى المحلل السياسي المغربي محمد شقير أن موقف ألمانيا من إقليم الصحراء وسماحها برفع علم "الجمهورية الصحراوية" أمام برلمان بريمن، دفعا المغرب لاتخاذ خطوة دبلوماسية "تعكس نفاذ صبر المملكة من هذه التصرفات الألمانية التي اتخذت في بعض الأحيان طابعا استفزازيا".

أوضح شقير لـ"الاستقلال" أن "موقف السلطات الألمانية أيضا في إقصاء المغرب من حضور مؤتمر برلين اعتبر مجانبا لأعراف الاحترام والمجاملة الدولية خاصة وأنه سبق للمملكة أن احتضنت مؤتمر الصخيرات الذي حدد قواعد مسار الحوار بين الأطراف الليبية المتصارعة.

هذا بالإضافة إلى أن المغرب بلد أساسي من بلدان شمال إفريقيا والقوة الإقليمية الأكثر استقرارا بالمنطقة المغاربية، كما يقول المحلل السياسي.

وعن مدى اهتمام المغرب بالعلاقات مع برلين، قال شقير "رغم اعتبار ألمانيا قوة اقتصادية وسياسية داخل الاتحاد الأوروبي، فعلاقاتها مع الرباط تبقى محدودة لعدة أسباب".

مضيفا: "أهمها هيمنة فرنسا على الصعيد الاقتصادي بالمغرب إلى جانب إسبانيا وتفضيل ألمانيا التعامل مع كل من تونس ومصر بوصفهما بلدين عرفا تغييرا سياسيا جراء تداعيات الربيع العربي".

هذا إلى جانب اللغة الألمانية التي تعتبر قليلة التداول داخل الأوساط الاقتصادية والنخب المغربية وكذلك ضعف الجالية المغربية بألمانيا مقارنة بنظيرتها بفرنسا أو إسبانيا أو إيطاليا.

ويعتقد شقير أن استئناف العلاقات مع ألمانيا يتوقف على تغيير سياستها، وذلك على غرار ما تم مع كل من السويد عندما عبرت حكومة هذا البلد عن إمكانية الاعتراف بالبوليساريو، أو ما صدر عن هولندا من تدخل في الشؤون السيادية للمملكة أو ما يقع مع إسبانيا من تأخير عقد اللجنة المشتركة مع الجانبين، وفق شقير.