"تحالفات هشة".. كاتب تركي يستشرف مستقبل الانتخابات في الصومال

12

طباعة

مشاركة

نشرت صحيفة "إندبندنت" البريطانية بنسختها التركية، مقالا للكاتب يوسف كنعان كوتشوك، تحدث فيه عن أزمة الصومال الجديدة، إذ وفقا للدستور، كان لا بد من إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية واستكمال التعيينات الجديدة بحلول 8 فبراير/شباط 2021 على أقصى تقدير.

واستدرك كوتشوك: "مع ذلك، لم يتم إجراء الانتخابات بسبب فشل الحكومة الفيدرالية والحكومات الإقليمية في التوصل إلى اتفاق حول النظام الانتخابي، إذ فشلت المحادثات التي عقدت في 1-4 فبراير/شباط 2021، لتدخل البلاد مرحلة هشة لا يمكن التنبؤ بها".

وتابع قائلا: "أصدرت جبهة المعارضة، التي تضم رئيسين سابقين ورئيس الوزراء حسن علي خيري الذي أُقيل في يوليو/تموز 2020، ورئيس كل من إقليمي بونتلاند وجوبالاند، بيانا في 9 فبراير 2021، أعلنوا فيه أنهم لا يعترفون برئاسة محمد فارماجو، الذي انتهت مدته الدستورية، ويتوقعون إنشاء حكومة انتقالية في أقرب وقت لإجراء الانتخابات".

ولفت إلى أن "تأجيل الانتخابات ليس أمرا غريبا على السياسة الصومالية، فلم تكن الانتخابات الأربع الأخيرة قد أجريت في وقتها أيضا، لكن وعلى عكس السابق، لا يوجد في هذه المرة تاريخ يتفق عليه جميع الأطراف، لذلك فإن خطر تحول التوتر بين القوى المختلفة في البلاد إلى صراع يزداد يوما بعد يوم".

الخلفية التاريخية

واعتبر كوتشوك أن "دور القبائل في العلاقات الفردية والاجتماعية ظاهرة تاريخية في الصومال، ومع أنه من المعروف أن بريطانيا وقعت اتفاقات مع زعماء القبائل المحلية والذي يطلق عليهم اسم (سلطان) خلال الفترة الاستعمارية، إلا أن وصول سياد بري إلى السلطة عام 1969 بانقلاب عسكري كانت تشكل أهم نقطة تحول في إظهار الهويات القبلية". 

وشرح ذلك بالقول: "منع بري استخدام الانتماءات القبلية في الأماكن العامة رغبة منه في بناء دولة حديثة، لكن وبعد أن خسر الحرب التي بدأها عام 1977 من أجل (تحرير) الشعب الصومالي في إثيوبيا، ركز على مستقبله السياسي، الأمر الذي جعل من حرص بري في البقاء في السلطة بأي ثمن يشكل سياسات الصومال في المرحلة التالية".

وعيّن بري الذي ترك معارضة ظاهرة العشائر عمليا، أفراد قبيلة "دارود" في المناصب المهمة بالجيش والشرطة من أجل ضمان سلامته، وقام بتوزيع المناصب المهمة في الدولة لقبائل أخرى مقابل كسب ولائهم، لكن كل هذا لم يمنع التمردات القبلية ضد بري، يقول الكاتب التركي.

وأردف: "لذلك، تم إرساء أسس الأمن والسياسة والاقتصاد الحالية على أصول قبلية في تلك الفترة، وأدى صراع القبائل للاستيلاء على الدولة إلى القضاء التام على سلطة الدولة، كما أدت الهجمات التي تلت ذلك بالنهب والاستيلاء والتهجير والتطهير العرقي إلى تأجيج انعدام الثقة والعداء بين القبائل".

وفي الفترة التالية، شكلت القبائل حجر الزاوية في كل المحاولات الدولية لإعادة بناء الدولة في الصومال، وتم اعتماد النظام المعروف باسم 4.5 في المؤتمرات التي عقدت في إثيوبيا وجيبوتي على التوالي عامي 1997 و2000 كنظام للحكم. وبعبارة أخرى، تم تخصيص حصص في إدارة الدولة للقبائل الأربع الكبرى المسماة دارود والدر وهوية والرحنوين والقبائل المتبقية، وفق كوتشوك.

وأضاف: "وبينما لعبت النخبة السياسية الصومالية في الخارج دور (بناء الدولة)، سيطر أمراء الحرب الذين حكموا بطريقة تعسفية وفوضوية، على البلاد، وفي أوائل العقد الأول من القرن الحالي، بدأ (اتحاد المحاكم الإسلامية) في سد الفجوة الناجمة عن عدم وجود سلطة لإرساء الأمن والعدالة التي يحتاجها عامة الناس وخاصة رجال الأعمال".

وقد كان هذا التشكيل، الذي طبق التقاليد الراسخة في الصومال والشريعة الإسلامية، ينفذ قراراته من خلال مليشيا تسمى حركة "الشباب"، لكن ومع غزوها للصومال في عام 2006 منعت إثيوبيا التي كانت مدعومة من قبل الولايات المتحدة، تطور هذا الهيكل.

وبفضل قيام بعثة الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام في الصومال بإخراج حركة "الشباب" من مقديشو بداية عام 2011 والدعم المتزايد من المجتمع الدولي، أصبحت آلية الدولة في الصومال تعمل في السنوات العشر الماضية، رغم أوجه القصور الكبيرة التي تحتويها.

دور فارماجو

ولفت كوتشوك إلى أن "الرئيس فارماجو الذي تولى منصبه عام 2017، لعب دورا مهما في ظهور الأزمة الحالية؛ حيث تلعب سياساته التي تهدف لتعزيز الحكومة المركزية وسلطته دورا كبيرا، فقد عين فارماجو حلفاءه لرئاسة حكومتي الجنوب الغربي ومودوغ، فيما عين داعميه للجان الانتخابية الفيدرالية والمحلية".

وبحسب الكاتب فإن "فارماجو كان يرغب أيضا في السيطرة على إدارة جوبالاند على الحدود الكينية، لكنه لم يستطع منع إعادة انتخاب عضو قبيلة أوغادين، أحمد محمد إسلام الملقب بـمادوبي، كرئيس للحكومة الإقليمية عام 2019، لذلك أرسل قوات من الجيش الفيدرالي إلى منطقة جيدو في جوبالاند، حيث تعيش قبيلة مارهان والذي تربطه بها روابط الدم".

وكشف اشتباك وحدات الجيش مع المليشيات المحلية التابعة لمادوبي عن صراع الحكومة المركزية والحكومات المحلية على السلطة والموارد في جميع أنحاء البلاد، وقد كان وجود المعارضين لفرماجو في حفل تنصيب مادوبي في أكتوبر/تشرين الأول 2019 يحمل رسالة مهمة لفرماجو.

وتابع: "وانتهت المفاوضات حول إدارة العملية الانتخابية باتفاقية 17 سبتمبر/أيلول، وتم التخلي عن إجراء الانتخابات في إطار مبدأ (صوت واحد، شخص واحد) الذي أراده فارماجو، وتقرر إجراؤها على أساس اللجنة الانتخابية كما حدث في الانتخابات السابقة".

كما تم الاتفاق على تعيين الناخبين المذكورين أعلاه بالتعاون مع المجتمع المدني والحكومات الإقليمية، وأعلنت إدارتا جوبالاند وبونتلاند اللتان لم تشاركا في المحادثات، قبولهما للاتفاق بضغط من الممثل الخاص للأمم المتحدة، ومع ذلك، لم يتم اتخاذ الخطوات اللازمة لإجراء الانتخابات على المستوى الفيدرالي أو المحلي، وفقا للكاتب التركي.

واعتبر كوتشوك أن "مواقف الدول الشقيقة للصومال، كينيا وإثيوبيا تلعب أيضا دورا مهما في تطور الأزمة السياسية الحالية، فقد تأجج النقاش حول مناطق الصلاحية البحرية الذي بدأ عام 2011 بين كينيا والصومال العام الماضي وأحال الصومال القضية إلى محكمة العدل الدولية".

وأردف: "وهكذا زادت كينيا من دعمها لرئيس جوبالاند مادوبي، الذي تعتبره حليفا لها، ويلاحظ أن نيروبي أرادت أن تكون إدارة جوبالاند الإقليمية فعالة بقدر الإمكان في السياسة الصومالية، لتضعف يد فارماجو المعروف بسياساته القومية".

أما إثيوبيا فقد شهدت سياستها تجاه الصومال تغييرا جذريا بعد وصول آبي أحمد إلى السلطة في أبريل/نيسان 2018، فقد تبنى آبي سياسة تعتبر الصومال شريكا اقتصاديا وليس تهديدا كما كانت تصنفها في الماضي.

وقد انعكست هذه السياسة في دعم فارماجو وسياساته المركزية، مما جعل فارماجو يقوم باتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه الحكومات الإقليمية، بحسب الكاتب.

واستدرك قائلا: "من ناحية أخرى يؤثر صراع القوى في الشرق الأوسط بين الجبهة العربية وتركيا وقطر أيضا على الصومال، وقد دعمت تركيا وقطر فارماجو سياسيا واقتصاديا وعززتا قوته في البلاد، كما ساهم تراجع الاهتمام الأميركي بالصومال خلال رئاسة الرئيس السابق دونالد ترامب في زيادة فعالية الجهات الإقليمية بشكل غير مباشر".

هل ستتعمق الأزمة؟

لقد حث الفاعلون الذي جرى ذكرهم، الحكومة الفيدرالية والحكومات الإقليمية على مواصلة الحوار البناء وعدم اللجوء إلى العنف من أجل التغلب على الأزمة، لذلك، من الملاحظ أن المجتمع الدولي لا يميل نحو فكرة الحكومة الانتقالية ويتوقع حل المشكلات من خلال المحادثات، يقول الكاتب.

ويرى كوتشوك أنه "لن يكون من المفاجئ أن يتوصل فارماجو، الذي يبدي موقفا صارما بناء على دعم الجهات الفاعلة له داخل المنطقة وخارجها، وجبهة المعارضة إلى اتفاق من شأنه أن ينهي الأزمة في وقت قصير، لأن طبيعة السياسة في الصومال تتشكل من المفاوضات التي تتم خلف الأبواب المغلقة والتحالفات التي تنشأ ثم تنهار".

واستطرد: "لذلك، فإن المحادثات المتوقع عقدها في مدينة غاروي أو مقديشو خلال الأيام المقبلة والتي تم التخطيط لها بناء على اقتراح فارماجو، توفر فرصة جيدة، فقد كان الممثل الخاص للأمم المتحدة يجري لقاءات دبلوماسية بين الطرفين، في حين أن المملكة المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تضغط لتسوية الصراع سلميا".

كما اتخذت الجهات المذكورة أعلاه مبادرات مع السلطات الكينية التي دعمت مادوبي، ويمكن توقع أن تكون هناك محاولات لإشراك السفارات المهمة في مقديشو مثل تركيا وقطر والإمارات في هذه العملية، بحسب ما يراه الكاتب التركي.

ويتابع: "وبينما تستمر الحرب الأهلية في إثيوبيا، لن يسمح المجتمع الدولي للصومال بالوقوع في حرب أهلية، وأعتقد أن الفاعلين السياسيين في الصومال يعرفون أنهم سيكونون الخاسرين في دوامة العنف المحتملة، وستكون حركة الشباب هي الرابحة".

وختم كوتشوك مقاله وهو يشير قائلا: "لذلك لا ينبغي للمرء أن يتوقع أن (ينقطع الخيط) بين فارماجو والمعارضة، ورغم أنه سيتم التغلب على الأزمة الحالية إلا أن الصومال الذي يتمتع ببنية اجتماعية وسياسية قائمة على القبائل، يحتاج إلى اتفاق اجتماعي جديد تتفق عليه جميع الأطراف".

وأضاف "يمكن للمجتمع الدولي تقديم الدعم لتنمية الصومال وتوفير الدعم الأمني الذي تعتبره القوى المحلية والخارجية أمرا لا مفر منه رغم أنه قد يتسبب بالدمار أحيانا، ومع ذلك، فإن الصوماليين فقط هم القادرون على حل المشاكل السياسية والاجتماعية للشعب على المدى المتوسط ​​والطويل".