مع قدوم بايدن.. هل يتوسط الأردن بين تركيا والمحور المصري الخليجي؟
.jpg)
رغم ما يشهده الشرق الأوسط من تغييرات سياسية، مع قدوم الإدارة الأميركية الجديدة ومحاولات تقليل حدة الصراع عبر حلحلة ملفات عديدة، فإن ملف العلاقات التركية المتوتر منذ سنوات مع مصر والإمارات والسعودية، لم يتعد حد التصريحات الإيجابية من تلك الأطراف.
ومع قدوم الرئيس جو بايدن، جرت عدة تطورات فيما يخص الأزمة الخليجية وحرب اليمن والصراع الليبي والمصالحة الداخلية الفلسطينية وأيضا الأحاديث عن الاتفاق النووي الإيراني، لكن هل نشهد أي تقدم في ملف تركيا مع الدول العربية المذكورة؟
بوصلة العلاقات
تطور لافت بهذا الملف أشارت إليه وكالة "الأناضول" التركية الرسمية عبر تحليل نشرته في 9 فبراير/ شباط 2021، حمل عنوان: "الأردن.. وسيط مؤهل ومقبول بين تركيا والإمارات ومصر".
اعتمدت الوكالة على عدة مؤشرات من أحاديث أطلقها ملك الأردن عبد الله الثاني حول دور إقليمي محتمل لبلاده في تقليل وحل أزمات المنطقة، وأيضا حديث لوزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية سابقا أنور قرقاش، عن رغبة بلاده بتطبيع العلاقات مع تركيا، وتطلعه لتحسين العلاقات بين أنقرة والقاهرة.
وقالت: "كَثُرَ الحديث في الآونة الأخيرة عن احتمال عودة العلاقات لطبيعتها بين تركيا والإمارات ومصر"، لافتة لتصريحات قرقاش، لفضائية "سكاي نيوز عربية" 10 يناير/ كانون الثاني 2021، أن "أبوظبي ترغب بتطبيع العلاقات مع أنقرة"، وتطلعه لتحسين علاقات أنقرة والقاهرة.
وجاءت تصريحات قرقاش وهو في منصبه الوزاري، قبل أن يعفى منه في 10 فبراير/شباط 2021، ليصبح مستشارا لرئيس الدولة.
وقال قرقاش إن "أي مؤشر إيجابي من تركيا تجاه مصر سنرحب به، لأن مصلحة أنقرة هي علاقات عربية سوية"، مشيرة لحديثه أيضا عن ملف جماعة الإخوان المسلمين الشائك والأخطر في العلاقات مع أنقرة.
وأضاف أن بلاده تريد "لأنقرة ألا تكون الداعم الأساس للإخوان المسلمين"، وأن تعيد "البوصلة في علاقاتها العربية"، وفق تعبيره.
"الأناضول" أشارت إلى أنه "رغم الاختلاف بوجهات النظر بين أنقرة وأبوظبي والقاهرة، إلا أنها لم تصل حد القطيعة الدبلوماسية، ما يعني إبقاء الباب مفتوحا لتحسين العلاقات".
لكنها أكدت أن "تجاوز ذلك الخلاف يحتاج سياسيا لدولة تجمعها علاقات مميزة بالدول الثلاث، ما يمكنها من لعب دور الوسيط"، مشيدة في نفس السياق بدبلوماسية الأردن وعلاقاته المتزنة مع دول المنطقة وإمكانية قيامه بهذا الدور.
ذلك الحديث يعززه تصريحات ملك الأردن عبدالله بن الحسين، كان قد أكد فيها لوكالة "بترا" الأردنية، 30 يناير/ كانون الثاني 2021، حرص بلاده على تجاوز أي خلافات من شأنها التأثير على استقرار المنطقة.
العاهل الأردني، قال إننا "نقوم بدورنا كاملا لحل الأزمات الإقليمية والدولية أحيانا.. "، مضيفا: "ونقدم الأفكار والطروحات والمبادرات". ولفت إلى أن هذا الوضوح والتفاعل لبلدنا، "كسب احترام المجتمع الدولي، وجعل لنا دورا دبلوماسيا يتخطى الحجم والموارد".
أزمة القاهرة وأنقرة
العلاقات التركية المصرية شهدت تأزما منذ منتصف العام 2013، إثر استقبال تركيا معارضين مصريين وأعضاء الإخوان المسلمين ومنحهم الإقامة فيها، عقب الانقلاب على الرئيس الراحل محمد مرسي، وسجن أغلب قيادات الجماعة بمصر.
حدة الخلاف بين أنقرة والقاهرة تزايدت مع بروز الصراع حول مكامن الطاقة في شرق البحر المتوسط منذ العام 2018، ودخول تركيا على خط الأزمة الليبية باتفاقية دفاع مشترك مع حكومة الوفاق الليبية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، إلا أنه بدأت مؤخرا تتكسر تلك الحدة وسط تصريحات إيجابية تركية تجاه مصر.
وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو، فتح باب الأمل لعودة هادئة للعلاقات بقوله في 11 يونيو/ حزيران 2020، إن "الطريقة الأكثر عقلانية لعودة العلاقات التركية المصرية عبر الحوار والتعاون مع أنقرة، بدلا من تجاهلها".
كما أكد أنه بتفويض من الرئيس رجب طيب أردوغان أجرى اتصالات مع مصر، موضحا أن "بلاده ومصر تسعيان لوضع خريطة طريق بشأن علاقاتهما الثنائية".
أحاديث تشاووش أوغلو الإيجابية لم تتوقف بل أوضح في 30 ديسمبر/كانون الأول 2020، أن "التواصل مع مصر على الصعيد الاستخباراتي مستمر لتعزيز العلاقات، والحوار قائم على مستوى وزارتي الخارجية"، مبينا أن بلاده تسعى "مع القاهرة للتحرك وفق مبدأ عدم التضارب بالمحافل الدولية".
بين تصريحي تشاووش أوغلو، قال أردوغان في 18 سبتمبر/ أيلول 2020، إن "إجراء محادثات استخباراتية مع مصر أمر مختلف وممكن وليس هناك ما يمنع ذلك، لكن اتفاقها مع اليونان أحزننا"، في إشارة لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين.
في أحدث تصريحاته قال تشاووش أوغلو في يناير/ كانون الثاني 2021، حول العلاقات مع القاهرة وأبوظبي، "إذا اتخذوا خطوات صادقة وملموسة وبناءة فإننا سنرد عليهم إيجابا أيضا"، مؤكدا أنهم تلقوا "رسائل إيجابية" من الإمارات لكنهم يرغبون في رؤية "خطوات ملموسة أيضا".
وأوضح أن "أنقرة والقاهرة اتخذتا بعض الخطوات الإيجابية"، مضيفا: "بإمكاننا معالجة الوضع عبر الإجراءات الرامية لتعزيز الثقة المتبادلة".
رد الفعل المصري العلني بالمقابل لم يكن بقدر التصريحات التركية الإيجابية، حيث أبدت وزارة الخارجية المصرية في سبتمبر/أيلول 2020، تحفظا على "المبادرة" التركية بالتهدئة معها، وقالت في بيان إن نهج أنقرة يفتقر إلى "المصداقية".
رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، قال في 7 ديسمبر/ كانون الأول 2020، لصحيفة "لوفيغارو" الفرنسية: "يتعين على تركيا أن تحرص على احترام قواعد القانون الدولي وقانون البحار"، مستبعدا احتمالية المواجهة العسكرية مع تركيا في ليبيا، مؤكدا أن "مصر لن تكون أبدا الطرف البادئ بالاعتداء".
تركيا والخليج
وعلى صعيد الأزمة التركية الإماراتية، فقد خرجت للعلن منذ تأييد حكام أبوظبي للانقلاب العسكري في مصر منتصف العام 2013، ورفض أنقرة له في المقابل.
كما شهدت الأزمة تطورا للأسوأ بعد اتهامات تركية للإمارات بدعم محاولة الانقلاب التركية منتصف 2016، وهي الفرضية التي دعمها تسريب رسائل لسفير أبوظبي في واشنطن يوسف العتيبة، عام 2017.
الأزمة وصلت ذروتها نهاية العام 2017، بعد مشاركة وزير خارجية الإمارات عبدالله بن زايد، تغريدة تدعي أن تركيا سلبت المدينة المنورة خلال الحكم العثماني، ما استدعى رد أردوغان، واصفا ابن زايد، بـ"الرجل السفيه".
إلا أن تطورا إيجابيا لافتا بالأزمة شهدتها الأسابيع الأخيرة؛ حيث اعترفت الإمارات بأنها الشريك التجاري الأول لتركيا بالشرق الأوسط.
وقلل أنور قرقاش، في حديثه لوكالة "بلومبرغ" الأميركية 7 يناير/ كانون الثاني 2021، من شأن خلاف بلاده مع تركيا، قائلا: "أبوظبي لا تعتز بأي خلاف مع أنقرة"، في حديث جاء بعد يومين من الاتفاق على إنهاء الأزمة الخليجية مع قطر، التي تسبب به حلفاء القاهرة (السعودية، الإمارات، البحرين).
وفي الملف السعودي التركي الذي شهد تأزما منذ مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي بقنصلية بلاده بإسطنبول (الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول 2018)؛ حدث تطور إيجابي مؤخرا إثر اتصال الملك سلمان بن عبدالعزيز بأردوغان، 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، حول" سبل تحسين العلاقات بين بلديهما".
ولكن، ومع الحديث عن الدور الأردني، هل علاقات عمان مع أنقرة مؤخرا تسمح لها بهذه الوساطة؟.
بالنظر لحالة الصراع بين تركيا ودول المنطقة وخاصة مع الأزمة الخليجية منتصف العام 2017، اتخذ الأردن لنفسه موقعا وسطا وظل متوازنا مع المحور القطري التركي.
وبجانب العلاقات الاقتصادية بين البلدين توافق موقفيهما برفض قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب نقل السفارة الأميركية للقدس، 6 ديسمبر/ كانون الأول 2017، وهو الوضع الذي يراه مراقبون نقطة مهمة لانطلاق أدي دور محتمل تلعبه عمان كوسيط.
القوة الناعمة
مدير مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب في عمان، الدكتور سعود الشَرَفات، يرى أن "الأردن تجمعه علاقات مميزة مع الإمارات ومصر، وتركيا، وبالتالي دعوته الدائمة للحلول السلمية، يؤهله بالتأكيد لأن يكون وسيطا مقبولا لدى الأطراف؛ لما يتميز به من قدرة وبراعة باستخدام دبلوماسية القوة الناعمة، ومن قبول لدى الأطراف الفاعلة بالنظام الدولي".
واعتبر الشرفات في حديثه لـ"الاستقلال"، أن كل ذلك "ميزة نسبية قد لا تتوافر لكثير من الدول والكيانات السياسية".
ويعتقد أن "هناك مؤشر على نجاح هذا الدور يتمثل باستغلال المزاج السياسي العالمي الذي يبدو أنه يجنح نحو الحوار، والذي برز بعد خطاب الرئيس بايدن، حول عودة الدبلوماسية الأميركية كدعوة إيجابية تدفع باتجاه بناء الشراكات وتغليب لغة الحوار والدبلوماسية لبناء السلم العالمي".
الشَرَفات، يرى أيضا أن "هذا وقت مناسب للأردن لانتهاز الفرصة السانحة لما لها من أهمية جيوسياسية واقتصادية وأمنية للبلد الذي يعاني ظروفا اقتصادية صعبة، ويزيد من فعالية إستراتيجيات مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف خاصة بالتعاون مع الجانب التركي".
وفي رؤيته قال الباحث والأكاديمي المصري، الدكتور محمد الزواوي، في حديثه لـ"الاستقلال"، إن "نشر هذا التقرير بوكالة الأناضول يعد مؤشرا على قبول تركيا بالوساطة (الأردنية) بل وربما التشجيع عليها، وهي خطوة إيجابية من أنقرة بمقابل بعض التصريحات لمسؤولين إماراتيين".
وحول توقيت طرح هذا الملف يعتقد المحاضر بمعهد الشرق الأوسط بجامعة سكاريا التركية، أن "هذا التغير السريع الذي يجري الآن في خريطة التحالفات ربما هو نتيجة مباشرة لتولي بايدن للرئاسة الأميركية، والكل يحاول الآن أن يعيد هندسة تحالفاته استباقا لأية تحركات جديدة من واشنطن".
الزواوي، ألمح لاحتمالات حدوث "تقارب بالمواقف في مقابل تهدئة الملفات المشتعلة وتقليل حدة المنافسة على النفوذ الإقليمي ولو لفترة، حتى يلتقط الجميع الأنفاس بظل الخسائر الاقتصادية التي يتعرض لها الجميع بسبب فيروس كورونا".
أما فيما يتعلق بملف جماعة الإخوان المسلمين، فيرى الباحث والأكاديمي المصري، أنه "من مصلحة الدول العربية أن تظل الجماعة في المنفى بشرط أن تقل وتيرة انتقاداتهم للسلطات العربية بالخارج، ومن ثم فمن المستبعد أن يتم ترحيل الإخوان من تركيا على سبيل المثال".
وأضاف: "ولكن بالمقابل ربما تلتقط الجماعة الإشارات العابرة ومن ثم تقوم بالتهدئة الذاتية أو على الأقل بعدم استهداف رؤوس الأنظمة وبقائها كحركة معارضة ولكن من الخارج، وهو ما قد تقبل به تلك الأنظمة وعلى رأسها القاهرة".
وأشار إلى أن القاهرة "تستعد هي الأخرى استباقا لتدخلات بايدن بعمل انفتاح سياسي وزيادة هامش المعارضة حتى لو كانت شكلية، والعودة لصيغة شبيهة بصيغة نظام حسني مبارك التي كانت تسمح للمعارضة بالانتقادات العلنية مقابل تحجيم دورها على الأرض سياسيا واجتماعيا".