مناقصات جديدة.. هل تزيح روسيا فرنسا من سوق القمح في الجزائر؟

وهران - الاستقلال | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

في 19 يناير/كانون الثاني 2021، أعلن الديوان الجزائري المهني للحبوب (حكومي) عن مناقصة لشراء القمح في الفترة ما بين 24 و28 فبراير/شباط 2021، وفقا لما نقلته وكالة "رويترز".

وحددت المناقصة احتياج الجزائر في الفترة المقبلة بـ50 ألف طن فقط، مع الإشارة إلى أنها كانت تشتري كمية أكبر في مناقصاتها السابقة، إلا أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد أرخت بظلالها على كل المجالات.

رغبة الجزائر في تنويع مصادر إمداداتها من القمح أصبحت تثير منافسة بين فرنسا المورد الحالي الرئيس، وروسيا التي تتطلع إلى فتح آفاق تعاون تجاري واقتصادي أوسع مع الجزائر الجديدة بقيادة الرئيس عبد المجيد تبون.

قمح فاسد

وفق إحصاءات رسمية، تعد الجزائر خامس مستورد عالمي للحبوب، ولا تتفوق عليها في القارة الإفريقية سوى مصر، وهو ما يؤثر على ميزانيتها بشكل كبير، إذ تصرف الجزائر حوالي 3 مليارات دولار سنويًا في المتوسط على استيراد القمح.

وبحكم العلاقات التاريخية، تعتبر فرنسا مصدر القمح الأول للجزائر، حيث أن 70٪ إلى 90٪ من القمح اللين (حبوبه صغيرة) تشتريه الجزائر كل عام من فرنسا.

في عام 2020، لم يكن حجم محصول الحبوب في فرنسا جيدا، ما فرض على الجزائر البحث في تنويع مصادر التوريد، والتطلع بشكل خاص إلى أوروبا الشرقية وروسيا، وأيضا التفكير في سبل لزيادة إنتاجها المحلي.

في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، أعلنت السلطات المختصة في الجزائر أنها اكتشفت استيراد 30 ألف طن من القمح الفاسد من ليتوانيا، غير صالحة للاستهلاك ما يهدد أمنها الغذائي.

وبعد إقالة عبد الرحمن بوشهدة، المدير العام للمكتب المهني الجزائري للحبوب، وهي هيئة عمومية منوطة باستيراد القمح، أمر الرئيس تبون مطلع يناير/كانون الثاني 2021، بفتح تحقيق في الموضوع.

شحنة القمح الليتواني الفاسد تعد متواضعة للغاية مقارنة بما تستورده الجزائر سنويا ويبلغ حوالي 8 ملايين طن، إذ يتم استهلاك القمح في الجزائر بشكل كبير تدعمه الدولة لضمان الحفاظ على سعر معقول للسلع الأساسية.

ورغم الجهود المبذولة لتطوير الإنتاج المحلي (حوالي 4 ملايين طن سنويًا)، لكن يتعين على الجزائر استيراد القمح على نطاق واسع لتلبية الاستهلاك الذي يتزايد باستمرار (حوالي 12 مليون طن سنويًا).

الافتقار إلى الشفافية في هذا القطاع أثار غضب السلطة التنفيذية عام 2019 ما دفعها لإغلاق ما يقرب من 50 مطحنة ووضع حوالي 300 أخرى تحت المراقبة للاشتباه في وجود فساد.

يوضح الباحث في معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية، سيباستيان أبس، في تصريح لصحيفة "جون أفريك" الفرنسية، أن قضية القمح الليتوانية توضح إرادة الجزائر لتأمين مصادرها من القمح.

مستطردا: "لكن في سياق ارتفاع الأسعار العالمية والتوترات الداخلية، فإن هذه الحركة الحيوية للبلاد، لا تخلو من المخاطر الاقتصادية والسياسية والصحية".

في سبتمبر/أيلول 2020، قررت السلطة التنفيذية الجزائرية تخفيف المواصفات المتعلقة باستيراد القمح، بشكل يسمح بدخول قمح منطقة البحر الأسود، ورفعت الحد المقبول للإصابة بحشرة البق إلى 0.5 في المئة، بعدما كان 0.1، في مناقصات شراء القمح الذي يحتوي على بروتين بنسبة 12.5 في المئة.

ومع هذا الإجراء الفني، الذي يسمح بدخول أنواع مختلفة من القمح إلى الجزائر، مهد الطريق للواردات من الشرق، خاصة روسيا أكبر مصدر للقمح في العالم والذي لم تدخل الجزائر بعد.

وفق خبراء، فإن هذه هي الطريقة التي عززت بها ليتوانيا مكانتها ويمكن لروسيا أن تضع نفسها في هذا السوق، الذي لم يكن ممكنًا من الناحية الفنية من قبل، لكن بالمقابل أصبح من الطبيعي أن يتسع نطاق المخاطر مع تضاعف مصادر التوريد، إذ تختلف جودة القمح باختلاف الأصول.

 

تحرير القطاع

في الفترة من 1 يونيو/حزيران إلى 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، تم استيراد 2.4 مليون طن من القمح اللين، 41 بالمئة منها من فرنسا، التي احتفظت بمكانتها الرائدة، و23 بالمئة من ليتوانيا، في المركز الثاني، بعدهما أتت ألمانيا ولاتفيا وبولندا، ومع ذلك، بدأت روسيا بالمحاولة منذ نهاية عام 2020.

وفيما يتعلق بالقمح الصلب (حبوبه طويلة) تم شراء 300 ألف طن خلال الفترة نفسها، وتعد كندا هي المورد الرئيس (50 بالمئة)، قبل المكسيك (40 بالمئة) وفرنسا (10 بالمئة) .

تطرح في الجزائر مسألة تحرير القطاع بإلحاح، إذ يطالب بعض الفاعلين الخاصين بالسماح لهم بالاستثمار في المجال، لكن المعادلة معقدة بالنسبة للدولة في ظل ارتفاع أسعار القمح العالمية والتأرجح بين المراقبة الدقيقة أملا في الشراء بأفضل الأسعار وبين الحفاظ على أمنها الغذائي.

الدولة تعتبر أن خصخصة مثل هذا القطاع الحساس ليس بالأمر السهل، لكن يرى المراقبون، أنه في الوقت نفسه، يجب على السلطة التنفيذية، التي أضعفتها الصعوبات الاقتصادية والتوترات السياسية، أن تعيد هيكلة القطاع بشكل كامل لجعله أكثر شفافية.

وطرح البعض مثال المغرب، حيث يتم شراء الحبوب مباشرة عبر شركات القطاع الخاص، لكنه يتم ضمن الإطار المحدد من قبل مكتب عام حكومي يلعب دورًا رئيساً في تنظيم عملية الشراء.

وفي مصر أيضا، تدير الدولة القطاع من خلال الهيئة العامة للسلع التموينية التابعة لوزارة التموين (حكومية) والشركات الخاصة تتقاسم المشتريات بالتساوي.

 

الاكتفاء الذاتي

في مايو/أيار 2014، أشار مكتب التنمية الدولية إلى أن إفريقيا (جنوب الصحراء) زادت إنتاجها بأكثر من 24 مليون طن منذ عام 2008، وهي زيادة أكبر بثلاث مرات من تلك المسجلة في السنوات السبع التي سبقت الارتفاع المذهل في أسعار السلع الزراعية. 

ومع ذلك، لا تزال العديد من البلدان تعتمد على الواردات لتلبية احتياجاتها المتزايدة من الحبوب، على سبيل المثال دول المغرب العربي، في عام 2014، انخفض إنتاجها بنسبة 20 بالمئة، إلى ما مجموعه حوالي 12.9 مليون طن. 

وشهدت الجزائر انخفاضًا ملحوظًا في محاصيل القمح من 3.3 ملايين طن إلى حوالي مليوني طن، لا سيما بسبب الجفاف الذي ضرب شرق البلاد. 

ولتغطية احتياجاتهم، تعين على الجزائر والرباط وتونس أن تستورد حوالي 9 ملايين طن من القمح في الأشهر التي تلت الأزمة، وأيضًا ذهبت إلى شراء ما يقرب من 5 ملايين طن من الذرة من الأسواق الدولية.

في 2015، أعلنت الجزائر أن "الحصاد كان كارثيا"، حيث انخفض الإنتاج بنسبة 30 بالمئة، وقالت الحكومة، التي اتخذت إجراءات للدعم، إن السبب في ذلك يعود إلى "تقلبات الطقس".

في 2008، الذي كان عاما قياسيا للإنتاج بـ6.1 ملايين طن، أعلنت الحكومة أن "الاكتفاء الذاتي من الحبوب في الجزائر، يبدو أبعد من أي وقت مضى"، ومع إنتاج 3.4 ملايين طن خلال حملة 2013-2014، أو 30 بالمئة أقل من الموسم الذي سبقها، سجلت البلاد أدنى إنتاج لها منذ 6 سنوات، وأرجعت هذا الانخفاض بشكل رئيس إلى قلة الأمطار.

ما يقرب من 800 ألف هكتار من 3.3 ملايين هكتار مخصصة للحبوب لم تنتج شيئًا، في 2015، وفقًا للأرقام الصادرة عن المعهد الفني للمحاصيل الحقلية بالجزائر، وهو ما مثل ضربة للحكومة التي كانت تزيد كل عام ميزانية الزراعة التي تمثل 9.7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. 

وقتها أذنت الحكومة لمزارعي الحبوب بالاستفادة من معونة الدولة بنسبة 50 بالمئة لشراء معدات الري، و20 بالمئة لشراء الأسمدة والقروض بدون فوائد، وفي أبريل/نيسان 2013 وقعت مذكرة تفاهم مع مجموعة فرنسية لتزويد المزارعين ببذور عالية الجودة. 

مصلحة روسيا

بارتفاع الطلب على القمح خلال جائحة كورونا التي يمر بها العالم، اضطرت مجموعة من الدول إلى فرض قيود مؤقتة على صادراتها، وهو الوضع الذي صب في مصلحة روسيا، التي من المنتظر أن تصبح مرة أخرى رائدة العالم في صادرات القمح.

في مايو/أيار 2020، توقع خبراء وزارة الزراعة الأميركية أن يبلغ متوسط إنتاج الهكتار في روسيا 2.8 طن، وهي الذروة الثانية بعد رقم العام 2017 القياسي. فحينها، حصدت روسيا 85.1 مليون طن من القمح.

ومع أن الصين ستحصد أكثر من روسيا (135 مليون طن) والهند (103 ملايين طن) من القمح هذا الموسم، إلا أن الاستهلاك الداخلي لديهما مرتفع.

وتوقع الخبراء أن يصل حصاد الحبوب في روسيا إلى 124 مليون طن، وهو أكثر من رقم العام الماضي، وقد حقق القطاع الزراعي في روسيا إنجازا كبيرا بفضل الدعم الحكومي، بعد أن وضعت موسكو قيودا على استيراد المنتجات الزراعية من أوروبا، كما أصبحت روسيا تسد حاجتها من لحوم الدواجن بإنتاجها محليا.

خلال 2019، تمت زراعة الحبوب والبقول في روسيا على مساحة 24.7 مليون هكتار (52.9 بالمئة من مساحة الحصاد)، مقارنة بـ24.6 مليون هكتار عام 2018، وتم جني 74.1 مليون طن من الحبوب.

فيما تمت زراعة القمح على مساحة 16.6 مليون هكتار (59.1 بالمئة من المساحة المزروعة)، وجمع 57 مليون طن من الحبوب بمحصول وصل إلى 34.4 قنطار لكل هكتار.

كذلك تم زراعة 4.9 ملايين طن من الشعير من 4.9 ملايين هكتار (56 بالمئة من مساحة الحصاد)، ليصل الإنتاج 27.8 قنطارا لكل هكتار.

استراتيجية فاشلة

الخبير الاقتصادي الجزائري البروفيسور فارس مسدور، قال إن عددا من الدول تتنافس على الفوائد المالية الواردة من الجزائر، خاصة وأنها تدرك حجم احتياطات الصرف في البلد، وأيضا العجز الكبير في الاكتفاء من القمح اللين تحديدا، فيما يتطور إنتاج القمح الصلب عاما بعد عام.

اعتبر مسدور، في حديثه مع "الاستقلال"، أن إنتاج القمح اللين في الجزائر ليس ذا مردودية، وهو استنتاج خاطئ، إذ أثبت عمليا أن إنتاج القمح اللين ممكن في الجزائر.

مضيفا: "أنه أعطى نتائج جد متطورة، في السنوات الأخيرة، بين 80 إلى 100 قنطار في الهكتار الواحد، خاصة في المناطق الجنوبية، بينما تعرف الجزائر بالقمح الصلب، ولديها إمكانات كبيرة في إنتاجه".

وتابع الخبير الاقتصادي، أن الدولة لا زالت تعتمد على المساحات الصغيرة، التي يفترض أن تكون من 10 آلاف إلى 100 ألف هكتار لكل مؤسسة تقوم بذلك.

ويرى المتحدث أن الإنتاج تطور في الدول المصدرة بفضل توسيع المساحات وتكثيف الزراعة، بينما في الجزائر لم يتطور الأمر بعد، خاصة في ما يتعلق بالتكنولوجيات.

وعن البلد الذي من المنتظر أن يكون الشريك الأول للجزائر، في مجال استيراد القمح، قال البروفيسور مسدور، إن الأمر يتعلق بالأساس بحسن استغلال الجزائر لمواردها، إذ تمتلك أراضي شاسعة لزراعة الذرة والشعير والقمح بنوعيه.

وقال الخبير، إنه يتحدث عن منتوجات إفريقية، أثبتت التجارب نجاعتها، مثل الكينوا والصويا، التي تعتبر من الحبوب البديلة والتي نجحت زراعتها في الجزائر.

إلا أن الإشكال في الإستراتيجية الوطنية لتطوير المساحات الواسعة، وفق مسدور، الذي يرى أن التحجج بالنقص في المياه هو "مجرد ادعاءات، إذ تحوز الجزائر على أكبر احتياطي جوفي في العالم".

ويعتقد الخبير الاقتصادي، أن الشراكة مع الدول التي طورت تقنيات الزراعة لديها يعتبر أمرا ضروريا وحاجة ملحة، لنقل الخبرة والتقنيات، ما قد يحول الجزائر من مستورد إلى مصدّر.