لجمع "ذهب" اليمن.. هكذا يخاطر مربّو النحل بحياتهم تحت أزيز الرصاص
.jpg)
في تحد لأزيز الرصاص وأصوات المدافع، وعلى مدار المواسم، يتنقل مربو النحل في اليمن، من منطقة إلى أخرى لمجاراة عملية الإزهار، وإنتاج أجود أنواع العسل.
لكن هذه "البدوية الضرورية" لنحلهم من أجل إنتاج هذا الذهب السائل المعروف في جميع أنحاء الشرق الأوسط، تعرقله الحرب الأهلية التي ابتليت بها البلاد منذ عام 2015.
طريق شائك
وقالت صحيفة "لوموند" الفرنسية في تقرير نشرته في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020: إنه "من المرجح أن تلتقي بأولئك البدويين في الليل على الطرق، وجبال من الخزائن الخشبية مخزنة في ظهور شاحناتهم الصغيرة".
وأوضحت أنه "في اليمن المتحاربة، لا يسافر أحد مثل النحالين، يهاجرون مع خلاياهم، يركضون خلف الزهور، حتى يمكن للآخرين أن يقتلوا بعضهم البعض، ويتم تغطية الطرق بنقاط التفتيش وتسقط القذائف من وقت لآخر... لكنهم يمرون".
وأشارت الصحيفة إلى أن "في هذا البلد الصناعي الصغير، المليء بالجبال الدائرية، يشتهر هذا الذهب السائل بأنه أحد أفضل أنواع الذهب في الشرق الأوسط، إن لم يكن في العالم".
ولفتت إلى أن "الجنود عند الحواجز ليسوا على علم بأن بعض النحالين يكسبون عيشا مشرفا للغاية، لكن لن يكون من المناسب دفع هؤلاء الفلاحين الصغار للفدية".
وقال سعيد العولقي، 40 عاما، وهو مربي نحل في محافظة شبوة جنوب البلاد، ضاحكا: "في كلتا الحالتين، يخافون من نحلنا، حيث نقضي معظم الوقت بعيدا عن سيطرتهم".
وقالت الصحيفة: إن "هذا الرجل الشاب، بكل ما لديه من روح دعابة، سيضطر أن يترك منطقته وينقل نحله إلى مكان آخر بعيدا عن مدينة عَتَق (مركز محافظة شبوة)".
وأشارت إلى أن "موسم الإزهار انتهى في منطقته، ويجب أن يذهب ويضع قفيره في مكان آخر"، فيما قال سعيد متذمرا: "في الوقت الحالي لن تسير الأمور كما يجب".
وأوضحت الصحيفة أن "القتال بين الجيش والمتمردين الحوثيين جعل من المستحيل استخدام الطريق من مأرب، المدينة القبلية الشمالية الكبيرة، إلى الجبال المحيطة بالعاصمة صنعاء".
وأردفت: أن "العولقي ينطلق في سبيل الإزهار دون علم بعلم مسبق بما سيعترضه، إذ يجب عليه أن ينقل النحل ليلا أثناء نومهم، وإذا فوجئ بضوء النهار، دون أن يتمكن من تثبيتها بشكل صحيح، قد يفرون مرتبكين".
واستدركت الصحيفة قائلة: "وإذا أبقاهم محبوسين في خلايا النحل، فإن الحرارة ستجهد شمعهم".
لذلك فإن العولقي يواكب حالة الجبهات في إحدى مجموعات تطبيق "واتساب" العديدة التابعة لشركته.
ويتنقل مربو النحل مثنى أو ثلاث، أو بشكل فردي، لكنهم بحاجة إلى التحاور مع الآخرين، لمعرفة مكان الإزهار الجيد، وما إذا كان المطر سيسبب فيضانات في الوديان وأين يكون من الجيد التجمع، حيث يتحرك النحل بين الخلايا.
زعماء القبائل
وقالت "لوموند": إنه "في مجموعة واتساب الخاصة به، يشجع العولقي زملاءه للانضمام إليه في زاوية حيث يوجد بالفعل الكثير منهم".
من جهته، أوضح "فارع المسلمي"، مؤسس مركز فكري مستقل، مركزه صنعاء، ومالك خلايا نحل، أنه "إذا بقينا في مكان واحد لمدة 6 أشهر، فإننا نعرف حالة المكان والنحل، لكن، عندما تنتقل، من الصعب تخمين ما يحتاجون إليه".
وفي الصيف يستقر النحالون في جبال محافظات "إب وذمار والبيضاء"، فيما يمر الشتاء غالبا على الساحل الجنوبي، قرب موانئ "عدن أو المكلا أو بير علي".
ومؤخرا، لا يتحدث العولقي وعادل صالح صابر (28 عاما) المرافق له، مع السلطات السياسية، بل مع زعماء القبائل.
يقول العولقي: إن "المسافرين مرحب بهم، خاصة في الشمال، حيث لا تزال التقاليد القبلية قوية وإنهم ليسوا عنصريين مع أناس الجنوب".
وذكرت الصحيفة أن "الحرب عقدت هذه العلاقات، فمنذ بداية الصراع عام 2015، قاتل العولقي المتمردين الحوثيين من الشمال الذين سيطروا على صنعاء".
وأضافت: أن "النحال ترك كل شيء وراءه، عائلته وخلايا نحله للذهاب إلى الصف الأول للقتال".
وتابعت: أن "العولقي يدعي أنه ظل مربي نحل مسالم طوال حياته، باستثناء بضع سنوات قضاها في وظائف موسمية بالسعودية".
وفي إعدادها لهذا التقرير رافقت "لوموند"، الذراع الأيمن لوالي شبوة في الريف (لم تذكر اسمه)، والذي روى لها قصة أخرى.
وقال ذراع والي شبوة: "قبل 10 سنوات من بدء الحرب، كان من الممكن أن يتم تجنيد العولقي من قبل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وبعد عام داخل التنظيم، كان سينتهي به المطاف في السجن بتهمة التطرف لبضعة أشهر".
الرجلان من نفس القبيلة، على الفور تعرفا على بعضهما البعض، وحينها عمّ الصمت من الطرفين، وقد أصيب العولقي بجروح في القتال ضد الحوثيين، وتم تجميد مهامه لعدة أسابيع، بحسب "لوموند".
حروب غير مجدية
ولفت العولقي إلى أنه "فقد 300 نحلة ماتت دون رعاية، واستغرق الأمر عامين لإعادة المحاولة مجددا"، وأضاف معبرا عن أسفه على "هذه الحروب غير الضرورية".
وأبدى رغبته في "التنقل إلى مستوى أعلى للوصول إلى مرتبة مرموقة في سوق عَتَق الكبير، أحد أكبر الأسواق في جنوب البلاد، وهي منطقة تتمتع بسلام نسبي".
قطاع العسل الذي يشتغل فيه العولقي وبحكم أنه منخفض الجودة فهو مزدحم، ففي جميع أنحاء اليمن، يغادر الرجال المدن، حيث فرص العمل نادرة من أجل الارتجال مع مزارعي الأغذية ومربي النحل.
بأسف يوضح العولقي أن "السوق غمرته المياه ونحلنا ليس لديه ما يكفي ليأكل"، فيما يقول تجار عتق: إن "الأسعار تراجعت بمقدار الثلث منذ بدء الصراع".
سعيد العولقي يبيع إنتاجه بـ200 ريال سعودي للكيلوغرام الواحد (44 يورو)، لكن يمكن تصدير العسل العالي الجودة إلى السعودية مقابل 130 يورو للكيلوغرام.
في نوفمبر/تشرين الثاني، حصد العولقي وصابر محصولهما الثاني لهذا العام، بعد محصول فبراير/شباط ومارس/آذار الماضيين.
واحدا تلو الآخر، يفتحان خزائنهما الخشبية الصغيرة المكدسة على حاملات، يحتميان بها من الشمس تحت بطانية وبساط وحصيرة مضفرة مصنوعة من القش.
واختتمت الصحيفة الفرنسية تقريرها بالقول: إن "صابر يُعول على هذا الحصاد لتمويل زواجه حيث يعقد قرانه في غضون أشهر قليلة، من امرأة من محافظة أبين المجاورة".