الصين على رأس أولويات بايدن.. كيف سيتعامل مع صعودها المخيف؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في مناظرتهما الأخيرة، قبل انطلاق انتخابات الرئاسة الأميركية في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، تناظر دونالد ترامب وجو بايدن، بخصوص الصين، وأيهما أكثر قدرة من منافسه على كبح جماح العملاق الآسيوي وتحجيمه.

حينها، قال ترامب: "في حال تولي بايدن الرئاسة فإن الصين ستكون المسؤولة"، أما بايدن فاتهم ترامب بأنه "استسلم أمام الصين"، وتعهد أمام ناخبيه بخفض العلاقات الأميركية الصينية إلى مستوى غير مسبوق، يتعدى ترامب.

انتهت الانتخابات وفاز بايدن، ولم يبق أمامه سوى تنفيذ تعهداته، وبداية عهد جديد مع بكين، تكون فيه واشنطن أكثر حسما وقدرة على إحداث نقلة في الملفات المتأزمة، فيما تسرع الصين في إنجاز الكثير، متجاوزة خطى خصومها بمراحل، خاصة في قطاعات الكابلات البحرية والتجسس والتطور العسكري.

رأس القائمة

في 2 ديسمبر/ كانون الأول 2020، أفردت مجلة "إنتليجنس أون لاين" الفرنسية المعنية بشؤون الاستخبارات، تقريرا عن العلاقات الأميركية الصينية في ظل إدارة الرئيس الجديد جو بايدن، الذي سيبدأ ولايته مطلع 2021.

المجلة قالت: "مع انتخاب جو بايدن، أصبح البيت الأبيض ووكالة الاستخبارات المركزية ومجلس النواب متفقين لأول مرة منذ 4 سنوات".

وأضافت: "يعد مدير وكالة الاستخبارات المركزية أحد آخر الترشيحات التي يتم تسميتها في الانتقال من إدارة أميركية إلى أخرى. وأيا كان من سيتولى هذا المنصب، فسيكون لديه جدول أعمال مشحون بعدد من القضايا المحورية التي تتطلب اليقظة والانتباه". 

التقرير خص "الصين" باعتبارها الأولوية رقم واحد، على طاولة بايدن، خاصة وأنه ورد ذكرها في تقرير وكالة الاستخبارات الأميركية، باعتبارها منافس الولايات المتحدة حاليا على جميع الجبهات.

ووفق "إنتليجنس أون لاين": "تقرير وكالة الاستخبارات الأميركية المكون من 157 صفحة، ذكر اسم الصين حوالي 60 مرة مقارنة بـ 11 مرة فقط لروسيا، و2 لأفغانستان، بينما لم يرد لكوريا الشمالية أي ذكر على الإطلاق".

وأضافت المجلة الفرنسية: أنه "من المحتمل أن يواصل الحاكم الجديد للبيت الأبيض المواجهة التي بدأها دونالد ترامب مع الصين، وقد أخبرت الإدارة الجديدة العديد من الدول الأوروبية بالفعل أنها لن تتساهل في المسائل المتعلقة بشبكات الجيل الخامس والكابلات البحرية".

الكابلات البحرية

تعد "الكابلات البحرية" هي أخطر نقاط ما يطلق عليه الحرب الباردة بين واشنطن وبكين، وهي من الأولويات على قائمة أعمال جو بايدن، في مستهل ولايته.

في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، بحسب تقرير صادر عن "لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ" الأميركي، أكد على مخاطر شبكات الكابلات الصينية، وخص بالذكر خطي كابلات "جنوب شرق آسيا- الشرق الأوسط- أوروبا الغربية" والمعروف بـ "SMW6"، كذلك خط "السلام Peace"، واللذين سيتم مدهما إلى مدينة مرسيليا الفرنسية.  

تقرير "الشيوخ" ذكر ما أطلق عليه النفوذ المتنامي لبكين، فيما يخص الكابلات البحرية، وتحديدا في الأسابيع الأخيرة من إدارة ترامب، وأوصى الرئيس المنتخب جو بايدن، بأن يتخذ موقفا صارما بشأن المخاطر الأمنية المرتبطة بشبكات الكابلات البحرية الصينية.

كما أكد التقرير ضعف شبكة الكابلات أمام الهجمات، والحاجة إلى منع المزيد من الاستثمار الصيني في هذا القطاع.

وتشكل الكابلات البحرية، جزءا مهما من البنية التحتية الخاصة بالاتصالات، وتعتبر إستراتيجية للغاية فيما يتعلق بجمع المعلومات الاستخباراتية، وتخشى واشنطن من التكنولوجيا الهائلة للصين المتعلقة بالتجسس، وأن هذه الكابلات ذريعة خطيرة لمهام استخباراتية صينية أكثر تعقيدا.

وأوصى التقرير برفع مستوى الوعي العام بالمخاطر المحتملة، الأمر الذي قد يشعل حملة بقيادة واشنطن ضد مشاركة الصين في مشاريع الكابلات بقدر المعركة العامة المشتعلة بالفعل ضد دور شركة "هواوي" في شبكات الجيل الخامس الدولية.

إحدى الشركات التي تتنافس على بناء الكابل البحري هي "هواوي مارين"، التي كانت حتى وقت قريب تابعة لشركة "هواوي"، والمملوكة حاليا لشركة "هينغتونغ" الصينية، و"كوي جين ليانغ"، مؤسس "هينغتونغ"، كان خبير اتصالات سابق في "جيش التحرير الشعبي" الصيني.

المواجهة بين العملاقين واشنطن وبكين امتدت إلى فرنسا أيضا التي تعد واحدة من أهم حلفاء الولايات المتحدة، والتي تدخل بقوة في مشروع كابل "جنوب شرق آسيا- الشرق الأوسط- أوروبا الغربية" المسمى "SMW6"، والذي يربط سنغافورة بمرسيليا، وقد استجابت باريس إلى واشنطن، مع قيام الحكومة الفرنسية باستبعاد الموردين الصينيين من شبكتها.

خط  SMW6

إرث المشكلات

معركة الكابلات البحرية بين الولايات المتحدة والصين، ليست وليدة الفترة الآنية، بل هي أزمة ممتدة منذ سنوات، وتحديدا عندما تم الإعلان عن إنشاء الكابل الجديد عام 2016 كشراكة بين شركتي غوغل وفيسبوك، إلى جانب شركات أخرى.

حينها قالت غوغل: إن طول الكابل سيكون 12.800 كم وسيكون "مسار النقل الأكثر كفاءة في المحيط الهادئ".

وفي 18 يونيو/ حزيران 2020، رفضت الإدارة الأميركية خلال مستهل عهد دونالد ترامب إنشاء قاعدة بيانات خاصة بشبكة كابلات تمتد تحت مياه المحيط الهادئ، وتربط الولايات المتحدة بشبه جزيرة هونغ كونغ، بسبب مخاوف من أن تعمد الصين إلى سرقة هذه البيانات.

واعتمدت الحكومة المركزية الأميركية لجنة خاصة بهذا المشروع عرفت باسم "فريق الاتصالات عن بعد"، وهي التي أوصت بعدم اعتماد هذا المشروع.

كان هذا القرار علامة على تزايد التوتر بين الولايات المتحدة والصين، اللتين تخوضان حربا تجارية وفي مجال الاتصالات وتبادل المعلومات.

تقرير موقع "بيزنس إنسايدر" الأميركي في 18 يونيو/ حزيران 2020، أورد أن "مخاوف حكومة الولايات المتحدة، ازدادت نظرا إلى التدابير الأخيرة التي اتخذتها حكومة الصين لإلغاء استقلالية هونغ كونغ، والسماح بإمكانية عمل المخابرات والأجهزة الأمنية الصينية بحرية في هونغ كونغ".

شرق آسيا

بات من المؤكد أن إدارة بايدن ستدخل إلى البيت الأبيض محملة بإرث تلك الإشكالية، التي من الصعب أن تتهاون فيها، أمام الخصم اللدود لأميركا.

ومن أعقد الأزمات التي على بايدن أن يواجهها، انحسار النفوذ الأميركي في منطقة شرق آسيا، خاصة بعد الانسحاب الدراماتيكي لترامب من تلك المنطقة عندما وقع أمرا تنفيذيا في 23 يناير/ كانون الثاني 2017، انسحبت بموجبه الولايات المتحدة رسميا من اتفاق تجارة الشراكة عبر المحيط الهادي، والذي يضم 12 دولة.

الانسحاب الأميركي كانت له تبعات وخيمة على نفوذ واشنطن، خاصة وأنه كان مبررا لزيادة تدخل الصين وفرض سيطرتها، وهو ما ظهر في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، عندما شكل 15 اقتصادا آسيويا أكبر منطقة تجارة حرة في العالم، في صفقة تدعمها الصين، وتستبعد الولايات المتحدة التي انسحبت من مجموعة منافسة لآسيا والمحيط الهادئ في ظل رئاسة ترامب.

وشكل توقيع اتفاق الشراكة الاقتصادية الشاملة خلال قمة إقليمية في هانوي، ضربة جديدة للمجموعة التي كان يساندها الرئيس السابق باراك أوباما، وانسحب منها خلفه ترامب. 

ذلك الاتفاق عزز من طموحات الصين الجيوسياسية الإقليمية الأوسع تجاه "مبادرة حزام وطريق"، وهو مشروع بكين الإستراتيجي الهادف إلى توسيع نفوذ الصين عالميا.

والاتفاق هو الأول الذي تنضم بموجبه قوى شرق آسيا، الممثلة في الصين واليابان وكوريا الجنوبية إلى اتفاق تجارة حرة واحد. وقد أثار مخاوف الأميركيين الموجودة في الأساس والمرتبطة بخسارة جزء كبير من نفوذهم في شرق آسيا والمحيط الهادئ.

الحرب الباردة

ليست القوة الاقتصادية فحسب، التي على بايدن أن يعززها في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ، بل القوة العسكرية أيضا، خاصة وأن سباق التسليح بين واشنطن وبكين أعاد للأذهان فترات الحرب الباردة القديمة بين روسيا والولايات المتحدة.

في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، نشرت مجلة "ستارت" الإيطالية، تقريرا عن دلالات تؤكد إجراء الولايات المتحدة والصين استعدادات عسكرية وعملهما على تعزيز قدراتهما العسكرية. 

التقرير استشهد بما قاله نائب الرئيس الأميركي السابق مايك بنس: "الصين تريد طرد الولايات المتحدة من غرب المحيط الهادئ"، وتوقعت المجلة أنه في حال نشوب حرب بين البلدين، من المحتمل أن يكون مسرح هذا الصدام هو المحيط الهادئ.

وأضافت المجلة الإيطالية: أنه "تحسبا لأي نزاع محتمل، تجري الصين استعداداتها، وقامت بتطوير نظام "بايدو" للملاحة بالأقمار الصناعية، الذي سيوفر خدمات تحديد مواقع في المحيط الهادئ أكثر دقة من خدمات نظام التموضع العالمي (جي بي إس) الأميركي".

وذكرت المجلة أن "الصين زادت من عدد السفن في أسطولها العسكري، الذي يعد الآن الأكبر في العالم متجاوزا الأسطول الأميركي، وبذلك، وضع التفوق العددي للبحرية الصينية الولايات المتحدة في حالة تأهب، وأصبحت أولوياتها الجيوسياسية على وجه التحديد، هي السيطرة على البحار".

وقالت المجلة: "مما لا شك فيه أن الفجوة بين واشنطن وبكين بدأت تتقلص، ولا شك أيضا في أن واشنطن باتت تناقش كيفية تعزيز القدرات العسكرية الأميركية، بما في ذلك لأغراض الردع".