عملاق إسلامي.. كيف أفلتت باكستان من ضغوط حلفائها للتطبيع مع إسرائيل؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لعبة "الكريكيت" ذات الجذور السكسونية، التي تعني "العصا والمطرقة"، تنتشر بقوة في ربوع باكستان، وشعبيتها تصل إلى ملايين البشر في تلك المناطق، ما جعلها تترك أثرا على السياسة، وتحديدا عندما استثمر لاعب الكريكيت الباكستاني الموهوب عمران خان، نجوميته وموهبته الطاغية، ليدخل إلى عالم السياسة ومنها إلى رئاسة وزراء البلاد.

اللعبة المعتمدة على الدقة في استقبال الكرة وتوجيهها بالمطرقة، ربما أفادت عمران خان، أحد أبرز روادها، وهو يتعرض لضغوطات تدفع بلاده للتطبيع مع إسرائيل، وإقامة علاقات معها، وهو ما رفضه رئيس وزراء باكستان، وأعلن عنها في لقاء إعلامي.

باكستان النووية، ذات الصواريخ الباليستية، ما هي إلا شبح لعملاق إسلامي عسكري قابع في وسط آسيا، يرفض الاعتراف منذ نشأته الأولى بإسرائيل، كدولة محتلة اغتصبت أرض وحق شعب عربي مسلم. 

تلك العقيدة السياسية احتفظت بها باكستان في ظل تعاقب حكامها، وفي السنوات الأخيرة مع سقوط بلاد وأنظمة عربية في وحل التطبيع، كانت إسلام آباد ثابتة في موقفها، ورافضة لكل الضغوطات الرامية لذلك الأمر، حتى وإن دفعت الثمن.

موقف حاسم

"باكستان لن تعترف بإسرائيل، دون تسوية عادلة تضمن حق الشعب الفلسطيني" بهذه الكلمات الثابتة أعلن رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، موقف بلاده تجاه دولة الاحتلال، في مقابلة تلفزيونية محلية يوم 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020.

حرص عمران خان، على إظهار الحسم في موقف إسلام آباد المستمر منذ تأسيس الدولة نفسها على يد الرئيس محمد علي جناح، الذي رفض بشكل قاطع الاعتراف بإسرائيل، وهو الإرث الذي حرص عليه قادة البلاد المتعاقبون. 

لم تقف تصريحات عمران خان، على مجرد تأكيد الموقف، لكنها حملت صيغة مختلفة هذه المرة، بكشفه عن تعرض بلاده لضغوط من دولة عربية "حليفة"، لإقامة علاقات مع تل أبيب، قائلا: "تعرضنا لضغوطات حتى نعترف بإسرائيل، لكن بلادنا لن تعترف بها أبدا دون تسوية مع الفلسطينيين". 

وحين وجه السؤال بشكل مباشر إلى رئيس الوزراء الباكستاني عن الدولة التي ضغطت على بلاده، قال للمحاور: ""دعك من هذا السؤال، فهناك بعض الأشياء لا يمكننا قولها. لدينا علاقات جيدة معهم".

وأوردت صحيفة "ميدل إيست مونيتور" البريطانية في تقريرها عن تصريحات عمران خان ضد إسرائيل، أنه "من المرجح أن تكون الضغوط على باكستان، قد أتت من دول الخليج التي تعتمد عليها باكستان في الدعم النفطي والمالي، وهم الذين قاموا بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وذلك دون استبعاد المملكة العربية السعودية التي أقامت علاقات علنية وسرية مع تل أبيب على مر السنين". 

وبسؤال الزعيم الباكستاني، عن الدول العربية التي أقامت علاقات مع إسرائيل، وآخرهم الإمارات والبحرين، رد عمران خان "هناك أمور تتعلق بالدول التي اعترفت بإسرائيل لن نتناولها لأنها صديقة ولا نريد الإساءة لها".

غضب عارم

"ليس شرطا أن ينضم عمران خان رئيس وزراء باكستان إلى حركة الإخوان المسلمين كي يجدد كراهيته للاحتلال الإسرائيلي، يكفي عمران خان أن يكون مسلما نظيفا خاليا من فيروس التعاون مع المخابرات الأميركية والإسرائيلية".

هكذا قال الدكتور فايز أبو شمالة، عضو المجلس الوطني الفلسطيني، في مقاله بصحيفة "الرأي اليوم" اللندنية، معبرا عن فخره بموقف عمران خان، في ظل تهاوي بعض الأنظمة العربية إلى مستنقع التطبيع. 

ولا ينفصل موقف عمران خان، عن موقف قادة بلاده، فسبق وأن أعلن رئيس البرلمان الباكستاني أسد قيصر، في مارس/ آذار 2020، أن "الشعب الباكستاني ملتزم بتقديم كل جهد ممكن لدعم فلسطين"، معربا عن "إدانة باكستان للاستيطان وإقامة المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة". 

وقال: إن "موقف بلاده ثابت من القضية الفلسطينية، وإنها لن تقيم علاقات مع تل أبيب قبل إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، تكون عاصمتها القدس".

وعقب إعلان الإمارات عن اتفاق التطبيع مع إسرائيل الذي جرى توقيعه رسميا في 15 سبتمبر/أيلول 2020، شهدت شوارع العاصمة الباكستانية إسلام آباد، مسيرة احتجاجية، وغضبا عارما، وردد المشاركون في المسيرات شعارات مناهضة للتطبيع ولجرائم الاحتلال، وأحرقوا خلالها العلمين الإسرائيلي والأميركي، كما رفعوا صور شهداء المقاومة، ولافتات مؤيدة لفلسطين وشعبها. 

دفع الثمن

الخط الذي سلكته باكستان في موقفها الرافض لإسرائيل، دفعت ثمنه على مدار سنوات طويلة، وهو ما عبر عنه رئيس وزراء باكستان، في معرض سؤاله يوم 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، عن توقعه لسياسات الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، تجاه إسرائيل، بقوله: "يجب أن نرى كيف يتعامل بايدن بشأن إسرائيل، سواء كان سيغير سياسات ترامب أو سيستمر فيها". 

ما فعله ترامب حيال باكستان بسبب إسرائيل، لم يغب عن مخيلة عمران خان وهو يجيب عن السؤال، ففي يناير/ كانون الثاني 2018، أعلنت إدارة الرئيس الأميركي (المنتهية ولايته) دونالد ترامب أنها "ستوقف المساعدات العسكرية الأميركية الموجهة إلى باكستان". 

وبينما كانت تواجه إسلام آباد تحديات اقتصادية صعبة، صعدت واشنطن من موقفها في سبتمبر/ أيلول 2018، عندما أعلنت عن إلغائها للمساعدات التي تم تعليقها بالفعل، وقيمتها 300 مليون دولار.

إسرائيل من جانبها، كانت تضغط بطريقتها على باكستان عبر دعم خصمها الهندي بشكل مباشر، ففي فبراير/ شباط 2019، أعلن موقع "ديبكا" الإسرائيلي، أن "سلاح الجو الهندي هاجم باكستان بصواريخ إسرائيلية، وأن طائرات "ميراج" هندية هاجمت أهدافا باكستانية في كشمير بصواريخ من نوع (Spice 200) الإسرائيلية".

كذلك لم تنس إسرائيل على مدار تاريخها، أن باكستان هي أول دولة إسلامية تمتلك سلاحا نوويا، وهي الوحيدة حتى الآن، وكانت تل أبيب قد حاولت عرقلة مسيرة القنبلة النووية الإسلامية، عندما سمحت بخطة هندية لقصف المنشآت النووية الباكستانية في كاهوتا، وهي العملية التي كانت ستؤدي إلى صراع متطور بين باكستان وإسرائيل، إذ حاولت وكالة الاستخبارات الباكستانية الرد بإجراءات انتقامية.

ورغم خفوت حدة الصراع، لكن تظل باكستان واحدة من الدول القليلة في العالم التي ترفض الاعتراف بالكيان المحتل، وهي واحدة من أهم وأكبر القوى الإسلامية التي تقود جبهة الرفض.

أسباب الرفض

الأكاديمي والباحث الفلسطيني، ورئيس منتدى آسيا والشرق الأوسط، الدكتور محمد مكرم بلعاوي، أجاب لصحيفة "للاستقلال" عن تلك الأسئلة.

بلعاوي قال: "محاولة إقامة علاقات بين إسرائيل وباكستان، قديمة وتسبق استقلال باكستان نفسها، عندما كانت تجري لقاءات ما بين الزعامات الباكستانية، وقيادات الحركة الصهيونية، حتى تم الإعلان عن قيام دولة إسرائيل عام 1947، وقتها رفض الهنود بشكل عام، في الهند وباكستان الاعتراف بالكيان الجديد، ووقفوا ضد إسرائيل بشكل قاطع، ولم تقبل إسلام آباد، وجود صلة لها مع دولة الاحتلال".

وأضاف الأكاديمي الفلسطيني: أن "مسارا جديدا للعلاقة بدأ يتشكل عام 2004، عندما وصل الجنرال برويز مشرف إلى سدة الحكم في باكستان عبر انقلاب عسكري، وقتها حاول أن يكسر الجمود القائم، وسعى إلى التواصل مع قادة دولة الاحتلال، وترتيب لقاءات غير رسمية، أشرفت عليها تركيا في ذلك الوقت، من خلال السفارة الباكستانية في أنقرة".

وتابع: "لكن ما أوقف تطور المباحثات أن قطاعا داخل مؤسسة الحكم الباكستانية رأى وجود علاقات مع إسرائيل سيؤدي إلى غضب شعبي، واستنفار لأحزاب المعارضة والحركة الإسلامية الكبيرة الموجودة في البلاد، ما جعل مشرف يحجم عن الاستمرار في إستراتيجيته الساعية إلى التطبيع". 

أما عن تصريحات رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، عن رفض باكستان لضغوطات دولة مرجح أنها خليجية، فأجاب بلعاوي: "العلاقات ما بين باكستان ودول الخليج، والسعودية تحديدا متباينة، فباكستان كانت تعتمد على المملكة في المنح النفطية والاقتصادية، مقابل الدعم الإقليمي لضمانة أمن الخليج في ظل الصعود الإيراني، لكن مع الوقت تغيرت المعادلة، في ظل اقتراب أكبر ما بين السعودية والإمارات وإسرائيل، بينما تقترب باكستان من الصين، ما جعل سياسات كل منهما متباينة".

وذكر أن "كل ذلك أصبح يدور في فلك الصراع ما بين الولايات المتحدة والصين، فالولايات المتحدة تعتمد على الهند (العدو اللدود لباكستان) لكبح جماح الصين في آسيا، وهو ما أثر على العلاقات الباكستانية الأميركية بشكل مباشر، لتجنح إلى الصين، ومن جانبها وصفت بكين علاقتها بإسلام آباد (أنها حليف دائم لها، على غرار إسرائيل كحليف لواشنطن).

مضيفا: "وبالتالي لم تعد تعتمد باكستان على علاقتها بالولايات المتحدة ودول الخليج، وهو ما قلل من حجم الضغوطات المفروضة عليها في ظل قربها من الصين، وأصبحت أقوى في اتخاذ قرار ومنهجية رفض التطبيع".

واختتم الأكاديمي الفلسطيني حديثه: "يجب إدراك بعد آخر في القرار الباكستاني بعدم الاعتراف بدولة الاحتلال، حيث إنه بمثابة إقرار بمبدأ فرض القوة، وإعطاء شرعية لاحتلال الأراضي، وهو ما يضعف من موقفها في صراع كشمير بينها وبين الهند، فكشمير لباكستان أرض محتلة، كما فلسطين للدول العربية والإسلامية".